رجلٌ وكتابٌ وتيار مُتآكل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مهدي سيد
    • 21-09-2007
    • 9

    رجلٌ وكتابٌ وتيار مُتآكل

    [align=right]رجلٌ وكتابٌ وتيار مُتآكل





    تك .. صوتٌ بسيط تبعه انقطاع التيار الكهربائى .. هو لا يعلم مصدر الصوت الذى كثر سماعه له هذه الفترة .. حيثُ سمع فى المذياع منذ أيام أنباء تُفيد أن هناك إصلاحات ستسبب فى انقطاع التيار على فترات مُتقاربة .. قام فأشعل مصباحه الزيتى .. لقد شاخ المصباح ولم يعد كسابق العهد أنيقًا مُذهبًا .. فهو لم يقم بتنظيفه منذ فترة بعيدة .. ولم يقم أيضًا بالعناية بزروعه الخضراء المُتشابكة أمام نافذته وجميع أشياءه الأخرى كذلك لم تحظ بإهتمامه أيضًا إلا هذا الكِتاب الذى يأخذ من وقته الكثير ويقرأه فى أحيان كثيرة بمجرد أن يعود من عمله المتواضع فى إحدى المصالح الحكومية .

    كان الكِتابُ قديمًا أوراقه أيضًا فقدت بياضها وعلتها صُفرة الشيخوخة الورقية .. وباستثناء جلدته الأنيقة ذات الخطوط العربية التى كُتبت بماء الذهب لتسطر عنوان الكِتاب ( البحثُ عن الذات ) واسم مؤلفه الذى بدأ فى التلاشى بفعلِ عوامل الزمن إذا رأيته ملق على الطريق فأنت لن تُجهد نفسك أبدًا من أجل الحصول عليه ففى الوقت الذى لم يعد أحدهم يُجهد نفسه بالحصول على كتاب جديد ولو كان مجانيًا كان أكيدًا أنه لن يفعلها من أجلِ كتابٍ قديم .

    لم يمنعه الظلام من الأتيانِ بكِتابه وعلى ضوءِ مُصباحه الزيتى بدأ يقرأ بعينيه فى هدوء فهو لم يعتد القراءة بصوتٍ مُرتفع وكان يكره من يقوم بها لاعتقاده أن القراءة كغذاء للروح ينبغى أن تتم فى هدوء لأن الروح تعشق كُل ما هادئ وتقطن النفس فى هدوء وتتركها كذلك فى نفس الهدوء الذى يمنحها غموضها الدائم .. هو لم يحاول أن يفسر ماهيتها أبدًا ولم يحاول أيضًا مُجرد التفكير فى ماهيتها فهو يعلم أنها من أمر الله وليس لبشر أن يتدخل أبدًا فيما خص به الله نفسه .. ولكن كُل ما حاول أن يفعله أن يجعلها ترقد بين جنباته فى سكينة ولو أدى هذا الأمر إلى شعوره بآلامٍ نفسية شديدة من جراء الاحتكاك بالآخرين من عاشقى الصخب ومن لا يهتمون أبدًا بامتلاك الطُمأنينة النفسية حيثُ يرون أن الطُمأنينة ما هى إلا مسكن وملبس ومشرب وشهوة .. وكلها أشياء تختص بفائدتها الجسد دون الروح وقد كان صعبًا عليه جدًا أن يمتع جسده و يجعل منه مُعتقلاً تُعذب الروح بين جدرانه .. لقد كان شديدُ الإيمان بضرورة بقائها فى سكون كى يموت حين يأتى الميعاد فى صمت وسكينة .

    إنهُ يبحثُ عن الذات منذُ أن كان صغيرًا .. كان والده قاسيًا بعض الشيئ وعلمه أن القسوة هى المُعلم الأول وكأن الرأفةَ فعلٌ من فعلِ الشيطان .. ولكن والدته هى التى علمته كيف يكون الحنان أعظم وكيف يكون اللين أقرب إلى النفس .. يتذكر ذلك اليوم الذى أتى فيه إلى البيت وقد تورمت عيناه ..سأله والده بغضب من الذى فعل بك هذا ؟؟؟ وعندما أجاب صديقى سأله مرة أخرى وماذا فعلت له ؟؟؟ هل ضربته ؟؟؟ قال بل سامحته .. فضربه والده وقال له أن السماحَ من صفات المرأة .. الرجُل لا يُسامح .. الرجل يستخدم ذراعيه كى يحصل على حقه .. كان صغيرًا .. حُفرت كلمات والده فى رأسهِ الصغير ولكنه لم يؤمن بها .. فهذا الذى سامحه ذات يوم أصبح بعدها صديقه المقرب لا يفترق عنه أبدًا .. وعندما كبر قليلاً أدرك أن ما حاول والده أن يُعلمه له ما هو إلا منطق الغابة وقانونها الذى لا يقبل التحوير ( البقاء للأقوى ) وأدرك أن والده كان على خطأ من وجهة نظره لأنه يرى أن البقاء دائمًا للأطهر والأنقى ولو دهسه قطار الغدر وأفناه .. ستظل ذكراه .

    كان يقرأ بنهم شديد كِتابه القديم .. وكأنه يقرأه للمرةِ الأولى .. رغم أنه قد قرأه حرفًا حرفًا وفهم ما فيه كله ولو لم يعثر على ذاته بالشكل الذى يرغبه .. كان يُحاول فى كل يومٍ أن يُمارس البحث عن الذات .. فى عمله .. فى وسائل المواصلات .. فى طابور الخبز .. فى المقهى .. وفى مكتبة الحى أحيانًا .. كان يبحثُ فى همة ونشاط كان يأمل أن يجد ولو لمرة واحدة إنسانًا يشبهه .. يستطيع أن يرى فيه نفسه .. كما كان يراها فى المرآةِ دائمًا ويبتسم أمامها ليرى انعكاس ابتسامته عليها فيشعر بالرضا .. ابتسامته كان يعرفها الجميع وينال الجميع منها قسطًا مُناسبًا يجعله يطمئن له ولكن حزنه وألمه لم يكن يعرفهم أحد فكان يحسده بعضهم فقط لأن ابتسامته لا تُفارق وجهه أبدًا .. لقد مرت ساعة أو أكثر منذُ انقطاع التيار الكهربائى وهو كما هو مازال يقرأ وكلما وجدَ فى الكلماتَ كلماتٌ تُشير عليه .. كان يبتسم ويشعر بالارتياح .. إن بحثه عن الذات فى زمن الملذات مُتعته الوحيدة وشعوره الكاذب بالعثور عليها أحيانًا كان أقصى ما يتمناه ورغم علمه التام أن هذا العثور ما هو سراب إلا أنه كان مصدرًا للسعادة لا ينضب أبدًا .. ورُبما كان يسعد أكثر لهذه المراوغات التى تُمارسها الذات معه فهى كهلامةٍ يصعب أحكام السيطرة عليها .. يصعب ترويضها كوحوشِ الغابات الضارية .. فرغم أنها قد تبدو وديعة فى بعض الأحيان إلا أنها قد تزمجر وتأكل ذراع صاحبها أو رأسه .. هو على أى حالٍ فى أمان فذاته قد تقسو عليه بعض الشيئ أحيانًا ولكنها أبدًا لن تأكله .

    تك .. نفس الصوت يسمعه مرة أخرى ولكنه يُعلن فى هذه المرة عودة التيار .. أغلق كِتابه .. وأطفأ مصباحه .. وقام ليُعد لنفسه شيئًا يأكله وقد كان مُعتادً أن يأكل فى المساءِ قبل أن ينام مُباشرة ,, رغبة منه فى مُخالفة من حوله الذين يخافون الأكل ليلاً كى لا يُشاهدون الكوابيس .. ولأنه كان موقنًا أن الحياة ما هى إلا كابوسًا عظيمًا فلم يكترث كثيرًا لرؤية الكوابيس فى منامه أو عدم رؤيتها .. وبينما كان يُعد طعامه إذ سمع نفس الصوت مرة أخرى ... تِك .
    ,

    ,

    هي من كتاباتي القديمة وإن كانت آخر سردٌ قصصي لي

    في انتظار نقدكم البناء

    تقديري

    مهدي سيد
    [/align]
  • ريمه الخاني
    مستشار أدبي
    • 16-05-2007
    • 4807

    #2
    محاورة داخليه حيكت بعنايه
    دمت مبدعا

    تعليق

    • مهدي سيد
      • 21-09-2007
      • 9

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
      محاورة داخليه حيكت بعنايه
      دمت مبدعا
      أُستاذتي

      ريمة الخاني

      ودام الإبداع ذاتك

      أشكركِ كثيرًا على التواجد

      ورد

      تعليق

      يعمل...
      X