الـضـــاد و " لغـــة الضــــاد "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د . فاروق مواسي
    كبار الأدباء والمفكرين
    • 30-05-2007
    • 101

    الـضـــاد و " لغـــة الضــــاد "

    في رحاب العربيــــــة

    الضاد و " لغة الضـــاد " ؟



    لقد ظنوا قديمًا وكثيرًا أن حرف الضاد حرف خاص بالعربية ( 1) ، لا تشاركها فيه لغة أخرى . يقول صاحب " القاموس المحيــط " إن " الضاد حرف هجاء للعرب خاصة ، ولا توجد في كلام العجم إلا في القليل " .
    ونحن اليوم نلفظ الضاد دالاً مفخمة ، وتشاركنا في هذا الصوت لغات أخرى ، فمن شك في ذلك فلينطق مثلاً : don't ) )
    هناك طريقتان للفظ الضاد : قديمة ومعاصرة .
    وقد وصف سيبويهِ ( ت . 796 م ) اللفظ القديم فقال :
    " أول حافــَة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج الضاد " – ( الكتاب ، ج2 ، ص 489 ) .
    وهذا الحرف كما نفهم أو نتخيل كان احتكاكيـــًا رخوًا ، بينما هو اليوم في لفظنا انفجاري شديد ومخرجه اللسان واللثة – إنه اليوم دال مفخمة .
    ويعلل تمام حسان في كتابه " اللغة العربية - معناها ومبناها ذلك ، فيقول :
    "الضاد الفصيحة كانت تُنطق بواسطة احتكاك هواء الزفير المجهور بجانب اللسان والأضراس المقابلة لهذا الجانب ، ومن ثم يكون صوت الضاد الفصيحة من بين أصوات الرخاوة مثله في ذلك مثل الثاء "( ص 55 ).

    وقد وصلت إلينا بعض المعلومات التي تشير إلى الطريقة في ذلك اللفظ ، فكان ثمة خلط بين الضاد والظاء ( شأن كثير من العراقيين والمغاربة في لهجاتهم اليوم ) ، ومن ذلك ما أورده الجاحظ ( 868ت . م ) في ( البيان والتبيين ) – ج 2 ، ص 211 ، وأسوق ذلك على سبيل الطرفة :

    " كان رجل بالبصرة له جارية تسمى ظمــياء ، فكان إذا دعاها قال : يا ضميـــاء ! ، فقال له ابن المقفع : " قل يا ظمياء ! " ، فناداها : " يا ضميـــاء ! " فلما غيّرعليه ابن المقفع مرتين أو ثلاثًا قال له :
    " هي جاريتي أو جاريتك ؟!!! " .

    أعود إلى القول إن الضاد القديمة هي التي ميّزت أو تميزت في لغتنا ، وكان د . إبراهيم أنيس قد ذكر ذلك على سبيل التقدير : " ويظهر أن الضاد القديمة مقصورة على اللغة العربية " – الأصوات اللغوية ، ص 49 .
    فأنيس إذن يُقدّر أنه قد طرأ على لفظ الضاد أو صوتها تطور ، ولكن البحث المستفيض الذي أجراه د . رمضان عبد التواب ( المدخل إلى علم اللغة ، ص 62 ) يؤكد هذا التباين بما لا يدعو إلى الشك ( 2 ) .
    كما يعلل محمد المبارك أسباب التبدلات الصوتية عامة . ( فقه اللغة وخصائص العربية ، ص 54 ) .
    ويبدو أن الضاد قد وردت في حديث شريف - في إحدى رواياته : "أنا أفْصَحُ من نَطق بالضَّاد بَيْدَ أني من قُريش" ( انظر تاج العروس للزبيدي ، مادة الضاد ) .

    أما تعريف العربية بأنها لغة " الضاد " فقد سبق أن وردت بعد عصر الاحتجاج والرواية ، ولعل المتنبي - ت . 965 . م - ( إن لم يكن أول ) من استعملها في المعنى في شعرنا القديم :

    لا بقومي شرفت بل شرفوا بي وبنفسي فخرت لا بجـــــدودي
    وبهم فخر كل من نطق الضــا دَ وعوذ الجاني وغوث الطريد


    ثم ذكر البوصيري ( ت . 1296 م ) بعده :
    فارضَه أفصح امرئ نطق الضا د، فقامت تغار منها الظـــاء

    ومع ذلك فلم يذكر الثعالبي ( ت . 1038 م ) هذا التركيب " لغة الضاد " في كتابه
    " ثمار القلوب في المضاف والمنسوب " – مع أنه أدرك المتنبي صغيرًا . بمعنى آخر : لم يكن التعبير شائعًا وذائعًا في اللغة .
    ثم ورد بعد ذلك على لسان الفيروز أبادي ( ت . 1415 ) في صورة النسبة ، وذلك في قوله :
    يا باعث النبي الهادي مُفــحمــًا باللسان الضادي

    وفي شعرنا المعاصر يقول شوقي ( ن . 1932 ) مفاخرًا :

    إن الذي ملأ اللغات محاسنًا
    جعل الجمال وسره في الضاد
    وخليل مطران ( ت . 1949 ) يسمي العرب " بني الضاد " :
    وفود بني الضاد جاءت إليك
    وأثنت عليك بما وجبْ
    ويقول إسماعيل صبري ( ت . 1923 ) :
    أيها الناطقون بالضاد هذا
    منهل صفــا لأهل الضاد

    ويقول حليم دموس ( شاعر لبناني ت . 1957 ) :

    لغة إذا وقعت على أكبـادنا كانت لنا بردًا على الأكباد
    وتظل رابطـــة تؤلف بيننا فهي الرجاء لناطق بالضاد

    أما التعبير الحرفي أو الكناية " لغة الضاد " فقد وجدته أولاً لدى علي الجارم
    ( 1949 ) :

    وارث الأصمعي في لغة الضاد
    وفي الشعر وارث البحتري



    1 – نلاحظ أيضًا أن الأمر ليس مقصورًا على الضاد فقد ورد " قالوا مما اختصت به لغة العرب من الحروف وليس هو في غيرها، حرف الظاء، وقال آخرون حرف الظاء والضاد. ولذلك قال أبو الطيب المتنبي: وبهم فخر كل من نطق الضاد - يريد وبهم فخر جميع العرب. وقد ذهب قوم إلى أن الحاء من جملة ما تفردت به لغة العرب، وليس الأمر كذلك، لأني وجدتها في اللغة السريانية كثيراً.( ابن سنان الخفاجي : سر الفصاحة ، ص 20 ) .
    2 – أشار الفقيه التونسي ابن عزوز ( 1854 – 1916 ) في مقطوعة لع يصف لفظ الضاد :
    الضاد مخرجه بحافـــة مِقول يُمنى أو اليسرى بغير عناء
    الضاد مضبوط متين ما رأت فيه التفشّي دقــــة البصراء
    ثم امتياز الضاد سهل عند مــن عاناه بالتلقـــن والإلـــــــقاء
    ومن الخطا في الضاد يُلفظ حرفه دالاً مفخـــــمةً مع استعلاء
    ( الأبيات في موسوعة الشعر العربي – المجمع الثقافي - أبو ظبي )
  • د. جمال مرسي
    شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
    • 16-05-2007
    • 4938

    #2
    بارك الله فيك أخي الحبيب د. فاروق مواسي
    و أهلا بعودتك من جديد .. فقد افتقدناك
    كل عام و أنتم بخير

    مقالة عامرة زاخرة حعلتنا نغوص معك فيها و حرف الضاد المميز للغتنا الجميلة
    أما إشارتك لتشابة الضاد في النطق مع كلمة انجليزية ( دونت ) فأقول لإن كان الضاد كحرف واحد بحد ذاته
    يعدل كلمتين مكونتين من ( ثلاثة ) don,t أو خمسة حروف ( do not ) فهذا يعني أن للضاد ثقلها و تميزها و حق لنا أن نفخر بأن لعتنا العربية قد أطلق عليها لغة الضاد .
    مقالة قيمة أخي الدكتور فارق أفادتني كثيرا و ذكرتني بقصيدة لي بعوان ضادية ابن مرسي لعلي أن أنشرها قريبا

    فشكرا لك و بارك الله فيك

    أخوكم أبو رامي
    sigpic

    تعليق

    • محمد فهمي يوسف
      مستشار أدبي
      • 27-08-2008
      • 8100

      #3
      العربية القديمة والحديثة أثنت على اختصاصها بحرف الضاد وتميزها بنطقه .
      وتحور نطقه عند بعض العرب المحدثين , ليس عيبا في اللغة العربية , وانما تطور ونمو مع احتفاظها بخصائص الضاد , ولكن الأفراد هم الذين تأثروا باللهجات أو باللغات الأخرى فانحرفت ألسنتهم عند نطق الحرف .

      بارك الله فيك أخي الكريم .

      الدكتور فاروق مواسي . أمتعتني , وأرجعتني الى زمن الدراسة اللغوية على يد الدكتور أبراهيم أنيس , وتمام حسان , والدكتور كمال بشر ..وغيرهم .
      في معقل العلم اللغوي ( كلية دار العلوم في أوائل الستينيات )
      وسأكتب بمدونتي هنا :( متنفسي التعبيري ) بحثا عن التطور اللغوي قريبا.
      إن شاء الله .

      تعليق

      يعمل...
      X