[align=right]
حين يداهمك الشعور بألم موجع , و انتماء إلى مأساة كانت يد القدر حاضرة فيها , و حين تصطخب الأحاسيس بداخلك , و تضطرب , و لا تملك سوى التسليم بواقع فرض عليك , هنا فقط ,,, تدرك معنى آخر لضياع شد الرحال باتجاهك .
أن تكون فلسطيني , فذاك ما يجلب لك المشاكل على الحواجز العسكرية المقامة بين المدن, و ألا تحمل بطاقة تثبت هويتك, فتلك تهمة, تصنفك ضمن المشبوهين, إن لم أقل ضمن قائمة (الإرهابيين ).
ما يحدث مع المئات من الناس, عند كل الحواجز, حوارة, قلنديا , عتصيون , لا يماثله إذلال على وجه الأرض , و تعامل بازدراء لأنك و ببساطة تنتمي بطريقة أو بأخرى إلى هذا الوطن .
أنا ممن يعانون مر الحواجز, و مرارة التفتيش, مع ذلك لم يحد حجم المعاناة من حركتي و نشاطي داخل الأراضي المحتلة. حين ارتطمت ذات شتاء بحاجز عسكري, تحاشيت المرور به, لكن كل المنافذ كانت مغلقة كالعادة, أصطدم بهذه الحقيقة الموجعة التي تصلني دوما عبر هواجس مفتوحة, أحس عندها أنني مغتربة بامتياز, و بين آلام الواقع و شحوب الأمل الحزين, أتقوقع داخل تداعيات ذاكرتي التي تحملني إلى هناك,,,إلى جسر قسنطينة , حيث تفتح أبواب مخيلتي لأهرب إليها حافية القدمين , تسبقني أحاسيسي , و في سمعي يعلو صخب الأزقة , و هتاف الباعة في حي السويقة , و رائحة التوابل في سوق العصر .
ما تعودنا أن نسمعه من الجنود, هو إبراز بطاقة الهوية ,التي لم أحصل عليها بعد , قالها الجندي بلغة عربية متكسرة :
- وين الهوية ؟
و قبل أن يبدأ السائق بتجميع هويات الركاب, مددت يدي باتجاه صديقة جزائرية كانت بصحبتي, و تبادلنا الحقائب, لم أكن أتصور كيف سيتم تفتيش حقيبتي و بها وثيقتي الوحيدة التي تثبت وجودي (جواز السفر الجزائري ).
تحاشيت سؤال السائق عن البطاقة, غير أن الجندي أمرنا بالنزول من السيارة, و بدأ بالتدقيق في هويات الجميع, و يفاجىء بأنني لا أحمل واحدة.
الكل منشغل بنفسه, توجه إلي الجندي و قال:
- BO
و هي عبارة بذيئة, تستعمل في لغتهم عادة للمناداة على الكلاب, تقدمت خطوتين ثم أمرني بالتوقف.
سألني عن عدم وجود بطاقة تثبت هويتي, شعرت في هذه الأثناء أن الوضع عسير, و من المستحيل الفكاك منه, فسارعت كعادتي إلى استخدام لغتي الفرنسية. بدت عليه علامات استغراب, وسأل:
-vous etes d’ou Madame ?
- من أين أنت يا سيدتي ؟
قلت:
-je suis al ……
- أنا جزا.......
نظرت إلى صديقتي و ابتسمت, لأن اسم الجزائر يعتمل بداخلي دوما, و يولد اعترافا على شفتي حتى في أحرج اللحظات.
تداركت الموقف و أجبت :
- je suis palestinienne
- أنا فلسطينية
-قال:
- et vous parlez le français ??
- و تتكلمين الفرنسية ؟؟
حرصت في هذه اللحظات على ألا أضطرب, فالأمر المهم هنا هو رباطة الجأش, و التحلي بالصبر, و هنا طلب مني الحقيبة, التي لم أكن أعلم ما بداخلها , و ما وضعت فيها تلك الصديقة التي كانت تعمل مترجمة لدى جمعية أطباء بلا حدود.
كانت المفاجأة حين أفرغها من محتوياتها, التي كانت عبارة عن تقارير لمتابعات نفسية لبعض الأسرى المحررين, أخذ يقلب الأوراق ثم سأل:
- vous etes medecin ?
- أنت طبيبة ؟
- Non, je Suis interprète
- لا, أنا مترجمة .
- et vous connaissez ces gens la ?
- و تعرفين كل هذه الأسماء على القوائم ؟
- non, ce sont des cas sous traitement
Psychologiques à l’organisation des M S F
- هي بعض الحالات التي تخضع للمتابعة النفسية من قبل
الأطباء بلا حدود.
بعد أسئلة مطولة, عاد بنا الحديث إلى الهوية مجددا, لأبرر له أنني نسيتها حين غيرت حقيبة اليد, أحسست بالاشمئزاز ينضح من كلماته, حين قال:
- أخيرا تطور الفلسطيني و أصبح يتقن الفرنسية, ,,,
تخلص من الحقيبة نحوي, بعد أن أعاد محتوياتها بفوضى عارمة, و شدد في لهجة لا تخلو من الإذلال, على أن أحمل هويتي في المرات القادمة و إلا.......
غادرنا الحاجز بعد ثلاث ساعات, قررت على إثرها ألا أغادر الخليل إلى أن أحصل على البطاقة. لكن المفاجأة كانت أكبر من أن أتصورها, حين وصلتني بعد أيام بطاقة دعوة إلى معرض فني, يقيمه المركز الفرنسي برام الله, و دون تردد سارعت إلى القبول, لأعاود المرور بذلك الحاجز اللعين.ربما هو التحدي, لأن ذلك الجندي يجهل تماما قدرة الفلسطيني على ممارسة كل أصناف الحياة, و ربما لكي أثبت مدى اعترافي بكينونتي دون اللجوء إلى لعنة الظروف, و دون أن أستحيل إلى أكوام مستسلمة داخل أفكاري,,
الخليل في: 15 – 1 - 2008
[/align]
حين يداهمك الشعور بألم موجع , و انتماء إلى مأساة كانت يد القدر حاضرة فيها , و حين تصطخب الأحاسيس بداخلك , و تضطرب , و لا تملك سوى التسليم بواقع فرض عليك , هنا فقط ,,, تدرك معنى آخر لضياع شد الرحال باتجاهك .
أن تكون فلسطيني , فذاك ما يجلب لك المشاكل على الحواجز العسكرية المقامة بين المدن, و ألا تحمل بطاقة تثبت هويتك, فتلك تهمة, تصنفك ضمن المشبوهين, إن لم أقل ضمن قائمة (الإرهابيين ).
ما يحدث مع المئات من الناس, عند كل الحواجز, حوارة, قلنديا , عتصيون , لا يماثله إذلال على وجه الأرض , و تعامل بازدراء لأنك و ببساطة تنتمي بطريقة أو بأخرى إلى هذا الوطن .
أنا ممن يعانون مر الحواجز, و مرارة التفتيش, مع ذلك لم يحد حجم المعاناة من حركتي و نشاطي داخل الأراضي المحتلة. حين ارتطمت ذات شتاء بحاجز عسكري, تحاشيت المرور به, لكن كل المنافذ كانت مغلقة كالعادة, أصطدم بهذه الحقيقة الموجعة التي تصلني دوما عبر هواجس مفتوحة, أحس عندها أنني مغتربة بامتياز, و بين آلام الواقع و شحوب الأمل الحزين, أتقوقع داخل تداعيات ذاكرتي التي تحملني إلى هناك,,,إلى جسر قسنطينة , حيث تفتح أبواب مخيلتي لأهرب إليها حافية القدمين , تسبقني أحاسيسي , و في سمعي يعلو صخب الأزقة , و هتاف الباعة في حي السويقة , و رائحة التوابل في سوق العصر .
ما تعودنا أن نسمعه من الجنود, هو إبراز بطاقة الهوية ,التي لم أحصل عليها بعد , قالها الجندي بلغة عربية متكسرة :
- وين الهوية ؟
و قبل أن يبدأ السائق بتجميع هويات الركاب, مددت يدي باتجاه صديقة جزائرية كانت بصحبتي, و تبادلنا الحقائب, لم أكن أتصور كيف سيتم تفتيش حقيبتي و بها وثيقتي الوحيدة التي تثبت وجودي (جواز السفر الجزائري ).
تحاشيت سؤال السائق عن البطاقة, غير أن الجندي أمرنا بالنزول من السيارة, و بدأ بالتدقيق في هويات الجميع, و يفاجىء بأنني لا أحمل واحدة.
الكل منشغل بنفسه, توجه إلي الجندي و قال:
- BO
و هي عبارة بذيئة, تستعمل في لغتهم عادة للمناداة على الكلاب, تقدمت خطوتين ثم أمرني بالتوقف.
سألني عن عدم وجود بطاقة تثبت هويتي, شعرت في هذه الأثناء أن الوضع عسير, و من المستحيل الفكاك منه, فسارعت كعادتي إلى استخدام لغتي الفرنسية. بدت عليه علامات استغراب, وسأل:
-vous etes d’ou Madame ?
- من أين أنت يا سيدتي ؟
قلت:
-je suis al ……
- أنا جزا.......
نظرت إلى صديقتي و ابتسمت, لأن اسم الجزائر يعتمل بداخلي دوما, و يولد اعترافا على شفتي حتى في أحرج اللحظات.
تداركت الموقف و أجبت :
- je suis palestinienne
- أنا فلسطينية
-قال:
- et vous parlez le français ??
- و تتكلمين الفرنسية ؟؟
حرصت في هذه اللحظات على ألا أضطرب, فالأمر المهم هنا هو رباطة الجأش, و التحلي بالصبر, و هنا طلب مني الحقيبة, التي لم أكن أعلم ما بداخلها , و ما وضعت فيها تلك الصديقة التي كانت تعمل مترجمة لدى جمعية أطباء بلا حدود.
كانت المفاجأة حين أفرغها من محتوياتها, التي كانت عبارة عن تقارير لمتابعات نفسية لبعض الأسرى المحررين, أخذ يقلب الأوراق ثم سأل:
- vous etes medecin ?
- أنت طبيبة ؟
- Non, je Suis interprète
- لا, أنا مترجمة .
- et vous connaissez ces gens la ?
- و تعرفين كل هذه الأسماء على القوائم ؟
- non, ce sont des cas sous traitement
Psychologiques à l’organisation des M S F
- هي بعض الحالات التي تخضع للمتابعة النفسية من قبل
الأطباء بلا حدود.
بعد أسئلة مطولة, عاد بنا الحديث إلى الهوية مجددا, لأبرر له أنني نسيتها حين غيرت حقيبة اليد, أحسست بالاشمئزاز ينضح من كلماته, حين قال:
- أخيرا تطور الفلسطيني و أصبح يتقن الفرنسية, ,,,
تخلص من الحقيبة نحوي, بعد أن أعاد محتوياتها بفوضى عارمة, و شدد في لهجة لا تخلو من الإذلال, على أن أحمل هويتي في المرات القادمة و إلا.......
غادرنا الحاجز بعد ثلاث ساعات, قررت على إثرها ألا أغادر الخليل إلى أن أحصل على البطاقة. لكن المفاجأة كانت أكبر من أن أتصورها, حين وصلتني بعد أيام بطاقة دعوة إلى معرض فني, يقيمه المركز الفرنسي برام الله, و دون تردد سارعت إلى القبول, لأعاود المرور بذلك الحاجز اللعين.ربما هو التحدي, لأن ذلك الجندي يجهل تماما قدرة الفلسطيني على ممارسة كل أصناف الحياة, و ربما لكي أثبت مدى اعترافي بكينونتي دون اللجوء إلى لعنة الظروف, و دون أن أستحيل إلى أكوام مستسلمة داخل أفكاري,,
الخليل في: 15 – 1 - 2008
[/align]
تعليق