سفر على حصان حميد ..قصة قصيرة ..د اكرم الحمداني
اخواني زوار الملتقى الكرام ... اخوتي واخواتي انا لا ادعي الاحتراف في كتابة القصة القصيرة واتمنى ان تقبلوا قصتي هذه وتتحملوها ان كنت اثقلت عليكم , وهي من قصص الغربة الغريبة على العراقيين جمع الله شملكم مع الاهل والاحبة ... اهدي لكم قصة سفر على حصان حميد وهي قصة قصيرة اجتهدت في كتابتها وفيها شخصيات عراقية حقيقية احببت ان يكون لها مكانا بين ثنايا كلماتي وهي المرة الاولى التي اكتب فيها بلسان امراة عراقية وهي مساهمة مني تقديرا لما عانته المراة العراقية ايام الحروب والحصار وما مر بها من الام البعد والغربة انها المراة العراقية الاصيلة ,,,اتمنى ان تجدوا فيها من تحبوه من شخصيات عراقية قريبة او مماثلة لمن تعرفوهم يسعدني ان اسمع منكم من وجدتموه في قصتي قريب منكم ,,وانا هنا اهديها الى روح المرحوم ابو محمود ساعي البريد الذي كان يوصل لي قبل غربتي رسائل اصدقائي من الغربة والذي كنت واياه نتحاور بشوؤن الوطن المتعب ايام الطاغية وكان يشتم وباعلى صوته الطغاة ويلعنهم دون خوف ,, كان جريئا وقويا رغم الظلم والظالم رحم الله ابا محمود وكل العراقيين ممن تحبوا ونحب ,,القصة فازت بجائزة تقديرية في مسابقة الراحل غانم غُباش الاماراتية للقصة القصيرة 2004...اتمنى ان تكون القصة جديرة بالقراءة وان تستمتعوا بقرائتها ...
مع تحياتي واحترامي
اخوكم د اكرم الحمداني
سفر على حصان حميد
قصة قصيرة
وهكذا قررتُ الرحيل دون ان يكون معي احدا ًولم اتزود الا بالزاد وحقيبتي ِ,عتادا ً لرحلتي", على وقع هذه الكلمات التي كتبها زوجهاالمؤجل حميد, والذي قرر السفر والغربة وجعله خيارا له بإختياره , وخيارا لها مرغمةَ..قرأت الرسالة المكتوبة بخط ِ جميل وهو المعروف برشاقة انامله وهوايته ِ للخط ِ والشعر ِ والحروف...وهو الذي اسمعها ذات مرة بعضا من اشعاره في الوطن وفيها... هكذا ودون سابق انذار خط لها رسالة الغربة والسفر ,دون سابق إنذار قرر ذلك, وابتدأ َ رحلته ُ...تركها وحيدة تركها لتواجه
انتقادات وملامات الجميع, الاهل والاحبة والاصدقاء, ..لماذا تركتيه يسافر؟ ؟.. ماذا يفعل ُ والحال هنا من سيء الى اسوأ ْ ..إحساس عميق بالحصار والتهديد بشبح البطالة وانعدام الثقة بالزمن والمستقبل المجهول,,وشعور حبيبها بالحرمان والقهر وهو عين الشيء الذي أوصلها الى درجة انقسام الروح
نصفين,نصف للحبيب والآخر للوطن...تلك الرسالة التي جعلتها تنظر للدنيا من خلال نافذة الشباك المكسورة لتجد َ الدنيا دون حميد ... مجرد شظايا..!!!
ماذا يفعل ُ شاب مثله ُ إعتاد َ أن ْ يقود َ لاعبيه ِ في الملعب ,والحياة ,يحبهم يحل ُ مشاكلهم يتابع ُ دراستهم..يحبوه يعشقوه ويسموه الكابتن ...تنهدت ْ وأكملت ما كتبه ُ في الرسالة:
"إني أغادركم ..أنا ذاهب ُ لافتح أبواب الدنيا المغلقة هنا ..اذهب الى مكان غير مكاني وناس غير ناسي اتكلم بلغتي وربما بلغة أخرى ...أتحرك اتجمد أنطفىء وأشتعل كما يفعل الاخرون ..ٍسألحق بإخواني في الارض ...عالم جديد ليتني أجد ُ فيه ما أريد ...فما دامت الارض تراب والانسان من تراب ..فجميع الناس ُ إخوتي وكل البلاد ِ بلادي...لا أستطيع وداعك ِ أنتِ ..لا وقت عندي للوداع و لا أحتمله ُ...حصاني يصهلُ عاليا ً يصهل ُ في قلق ٍ ينتظرني ...وتأكدي يا حبيبتي أنني لن أترجل ُ منه حتى أجد َ مستقرا ً لي..أيــن ؟؟لا تسأليني الان...؟؟؟و أقبلي حبي ..وانتظريني.." واليك شعري لعله ُيشرح لك ِ لماذا سافرت ؟؟ْ
تركت ُ بلادي فارتحلت ُ لأنني أردت ُ عراقا ً بلا طغاة ِ نقيا
وكنتُ أسير َ الرافدين ِو لمْ أزل ْ فصرتُ غريبا ًفي البلاد شقيا
فغالبت ُنفسي في الفراق ولوعتي طالت على بلد ٍ جريح دميا
أعادت قراءة الرسالة والشعر مرات ومرات ,تلك الرسالة ِ التي امضى ليلتان يكتبها لي هكذا كتب لي, رسالة ُوضع فيها كل ما يملك من كلمات ..انهكته كتابتها كما انهتكتني قراءتها...واكتشفت ْ انه كان يخطط للسفر دون أن يشعرها حتى لا يجرح َ شعورها ويؤلمها بالفراق ...وتذكرت لماذا كان حميد في اغلب الاحيان هائما وساكتا حتى عندما كانا يلتقيا ذلك اللقاء الاسبوعي المسموح به ِ بعد عقد قرانهما...يشرد ُ ويكلم ُ نفسه متى ما وجد الفرصة َ لذلك..!كان حميد هاديء الطبع مسالما ً وقويا ..ازداد قلقه بعد أنْ عُقد قرانهما ..بدأ يخاف ُ من المستقبل ويرعبه سؤال الاقارب ..متى الزفاف ؟؟كان يتحرج ُ من ذلك ويشعر ان قطار الدنيا يسبقه ُ دون إنتظار ..ويخبرها في كل لقاء لهما ..قطار الدنيا سريع لا يمكن أن نلحقه ُ الا بحصان سريع جامح,لم تكن وقتها تعرف ماذا يقصد؟ ..يقولها بضحكةٍ عاليةٍ .. , ليحيل َ شكي برحيله
الى دعابة..! وهاهو يحيل ُ دعابته ُ الى حقيقة و يمتطي حصانه الجامح السريع !!! وينطلق الى حيث لا أدري..؟ لا أملك الا أن أدعو لك يا حبيبي ..لتــُحــٌلِقَ وتلحَق َ بما تريد وليتك تتذكر أن تحجز َ لي مكانا معك
فوق صهوة ِ ذلك الحصان....
هذه الرسالة الطويلة ُ التي أودع َ فيها حبيبها كل الاسباب والذكريات ليثبت َ ويؤكد َ فيها حبه ُ ,أراد أن ْ تستلمها في نفس ِ اللحظة ِ التي يركب ُ فيها الحافلة َ مغادرا ً أرض الوطن ِ..لا يحتمل ُ الوداع َ...أرسلها مع شقيقته التي سلمتها الى والدتها دون أن ْ تواسيها ..هكذا أ راد حميد ..أرادها أن ْ تقرأ الرسالة دون أن ْ تسمع َ من أحد ٍ أي تعليق..وعرفت ْ فيما بعد أنه ُ لم يكن ْ يعلم بسفر حميد الا عائلته وصديقه المقرب حامد ,و هي ,هكذا خطط وهكذا نفذ َ....
أتعبتها أفكار تلك الرسالة لكنها ظلت ْ ممسكة ً بها تقلبُها ,تشمها ,تحضنها,وتقرا ُ ما فيها تارة ً من البداية
وأ ُخرى من النهاية ...أربكها مجرد معرفتها أنه ُ سافر..!! رغم إحساسها الباطن بإنه ُ سيفعل شيئا ً ما لايرضيها ...سافر وتغرب َ ...لم تكن تريد الغربة خيارا له ..على الاقل ِ الان وهي المحتاجة له ...لكنه فعل أمضت ْ يومها الاول مع الرسالة , ولم يدور بخلدها انها ذات يوم ستحاور حميد من خلال ِ سطور ِ رسالة ..
إ نه ُ أول شيء يحعلها تكره البعد والغربة ,لم تخطط ابدا ً ان يكون لها حصة في حكايات البعد والهيام,أرهقها هذا البعد من قبل ِ أن ْ يبدا َ...لم يبق َ أمامها في تلك الليلة الا أنْ تحاكي الرسالة ,أدركها الليل ,أطفأت ْ أنوار الغرفة ِ لم تبق ِ إ لا مصباح المنضدة ِ الخافت الانارة والقريب ِ من فراشها حتى تستطيع
قراءةَ الرسالة َ متى شاءت ْ ,أدخلت ْ جسدها النحيل وسط الفراش ..وأعادت خاتمة الرسالة التي استهوتها .. المحب حميد..آه ٍ المحب حميد..أطربتها تلك الكلمات وكان لها فعل ترنيمة النوم التي ترددها الأمهات لأولادهن ساعة النوم ...! لتنام هي الاخرى دون أن تشعر......
*2*
استيقظت صباحا لتجد َ الرسالة الأخيرة من حبيبها مرمية ًَ على الأرض ِ ,نهضت ْ بسرعة واسترجعتها من الارض وكأن حميد ينظر ُ لها ,لتخبره ُ صباح الخير ...أين أنت؟ اما أستطعت الانتظار قليلا ً..كلمتْ الرسالة وتمنت لو انه سيرد ُ عليها,لا جواب منه ُ ولا أستطيع انا ان ارد على السؤال ...لما ذا لم ينتظر؟؟؟أسرعتْ الى النافذة المطلة ِ على حديقة المنزل ِ ونظرت الى شجرة النارنج وثمارها الصفراء ..كم كان حميد يهوى هذه الشجرة ,يهوى عبير قداحها ويحب ُ عصيرَها المخلوط بقليل من السكر...
*أحب ُ كل شيء تحضريه الي ّّّّّّ يا حبيبتي ...بهذه الكلمات الرقيقة كان يخاطبها...
*كم أنت رقيق َ يا حبيبي ..عادت ْ من النافذة ِ الى الرسالة..رغم كل الازمات التي مر َ بها لم يحسسها ذات يوم انه لايحبها...كانت ْ اصعب ُ الاوقات عندما أصيبُ في قدمه ِ الايسر في مباراة مهمة ٍِ مع منتخب ِ كرة الطائرة الوطني ...كانت اصابة بليغة اقعدته عن اللعب لفترة طويلة ..ومن ثم حولته ُ الى عاطل ٍ عن اللعب ...نعم انها ايام ُ لا يمكن ان انساها...احس بالالم واحس بإبتعاد الاصدقاء ...لولا صديقُهُ حامد الذي سانده ُ وشجعهُ ليتحول َ الى التدريب ويستعيد بعدها عافيته الصحية وعافيته ُ المعنوية....
*الحمد لله حبيبتي فريقي يتقدم في الدوري ....اخبرني وهو مبتسما ..وكما عهدتهُ لاعبا خلوقا ومتميزا كان مدربا متميزا...وحبيبا غاليا,, لم تسعفني كل النجاحات التي كان يحققها مع فريقه..كان يصر في كل مرة انه سيجرب ذات يوم أن يغادر الوطن...وتوسلت ُ اليه ان لايطيل التفكير بذلك...ولم يعدني أن يفعل...كا نت تتمنى ان لايفعل فهي الاخرى كانت تحس بما كان يعانيه من احساس بالقهر والفراغ والبطالة..وضياع القرار لبناء مستقبل بيتهم وحياتهم
القادمة سوية....ا نهت ترتيب فراشها وغرفتها لتفتح باب غرفتها المؤدي الى صالة الجلوس والتي اعتاد أهلها ان يجلسوا فيها للاكل...تمنت ان تكون والدتها اول من ترى وفعلا ساعدها القدر ..لتراها وتنهل منها بعضا من الراحة,والاحساس بالامان...
*ماما صباح الخير
وكما في كل مرة ردت والدتها ذات الوجه الابيض الصبوح وبشيلتها البيضاء الجميله ,صباح النور حبيبتي.....لم تكن تحتمل أي كلمة من أي احد عن حميد المسافر دون ان يودع أي منهم لاسباب يعرفها حميد وحده....احست بعتب والدتها واحست ايضا بنظرات الحنان البا لغة هذا اليوم وكأنها تقول لها مسكينة ياأبنتي انا اشفق عليك ...قدمت لها صحن الافطار وبدأت باعداد كوب الشاي ودون كلام....اسرعت بتناول القليل مما قدمته والدتها لتعود باسرع وقت الى
الغرفة الملاذ الامن لها من أي عتاب...اكملت ْ ,أخذت كوب الشاي ودخلت غرفتها أغلقت ْ الباب بهدوء لتعود الى حميد ...أ,و ما بقي من حميد ..الرسالة.... , مر َ أكثر من اسبوعين ولم يصلها أي شيء من حميد! لم تكن تسمع الا العتاب المخفي الذي كان يصلها بين الفينة والاخرى وتسمع من في البيت يتهامسوا به ,لم يجرؤ ا ي احد ان يعاتبها وجه لوجه ,ربما
لانهم كانوا يروا انها في وضع نفسي سيء ومتاكدين انها لا تستطيع ان ترد عليهم وتجيبهم جوابا شافيا..لماذا سافر؟لماذا رحل ؟ لماذا هاجر؟كلها افعال تعني الغربة والبعد ..من منها انت اخترت ياحميد؟؟؟كان هذا السؤال.....؟؟؟؟
هو السؤال المهم والوحيد الذي تريد ان تعرف اجابته حتى تعرف من هي له ومن هو لها؟ ارهقها التفكير واذبل عيونها قلة النوم ....ليته لم يسافر ..وإن سافر عليه ان يودعني لا ان يرسل رسالة!!
ضاقت عليها غرفتها الواسعة وكرهت الجلوس الطويل فيها ...لم تستطع ان تبوح بكل ما لديها لاي احد حتى الى والدتها التي كانت تحب حميد لانه من اقاربها البعيدين اولا ولاخلاقه وادبه الجميل معها...حتى انها اذا ارادت أي شيء حتى ولو من السوق , يسرعُ يحضر لها ما تشاء ويرفض ان تدفع له ما دفعه في السوق
*خالة هذا واجب ....وانا حاضر
كان صوته هادئا وخافتا اكثر عندما يرد عليها او ايا َ ً من اخواتها الأصغر منها...خجولا هادئا ومؤدبا ..لكنه عندما يقتنع بفكرة لن يتردد بتنفيذها ...وهكذا حصل أصر ولو من الباطن ودون أن يخبرني , أصر َ أن يغير حياته و حياتي....ترى أين أنتَ وماذا فعلت ؟؟ألا تتذكرني إني بانتظارك.....احتارتْ كيف توصل هذا الاحاسيس له وهو الغائب الذي لم يفارقها لحظة منذ سفره , لم تعرف حقا انها ستشتاقُ اليه هكذا ......التجاتْ الى المرآة وراحت تحاورُها ....وتنبهت إنها تتكلم بصوتٍ واطئ كي لا يظنَ من في الدار ا نها ....قد ْ جُنتْ .. وصارت مجنونةُ حميد..!!!
نظرت إلى وجهها المائل للصفرة منذ رحيلهِ ...سرحتْ شعرها الحني ِ بهدوء ..حبيبي ..كلمتْ المرآة ..
*اني احبك صدقني, لن اتردد ان ارفع صوتي لو شئتَ...
وسردت مع المرآة ما تذكرته في تلك اللحظة من ذكريات جميلة مع حميد.....لم تجد شيئا آخر غيرَ التحدثِ للمرآة وأطالتْ حتى أن الوقت مر دون أن تشعرَ ....وأحست أن هناك أحدا يقتربُ من بابِ غرفتها ,أدارتْ ظهرَها للمرآة وتلقفتْ المجلةَ الموجودة َ قربَ المرآةِ ....فُتحتْ البابُ
ورأتْ امامها والدتها وقد و صلتْ إلى منتصف الغرفة ....نظرت في عينيها وأكتشفت ْ أن شيئا مفرحا تريد أن تقولها لابنتها المحبوسة ِ اختياريا في غرفتها....وأطلقت دون مقدمات ودون توقف عبارة واحدة ...حميد اتصل باهله اتصل ها تفيا وهو بخير.. ......انهمرت الدموع من عيينيها دون ان تحس وازدادت اكثر بعد ان تركتها والدتها في الغرفة وكأنها تقول لها ابكِ حتى تُريحي وتستريحي..
أذ رفت ْ دموعا ً لم تذرفها من قبل ,احست ْ براحة الخبر وراحة الدموع ..المهم انها احست ْ ان حميد لم يزل ْ يتذكرها لذلك اهتم وأرسل ما يطمأنها...بعد تلك الليلةِ المتعبةِ من الليالي التي اصبحت ْ تقضيها بتعبًًًًًً ٍ منذ أن سافرَ حميد ...استيقظتْ وقررتْ الذهابَ الى كليتها بعد أن غابت
عنها وهي المحتاجة للالتزام بالدوام والحضور ..انها السنة الاخيرة ...كانت تحلو ان يراها حميد بزي التخرج ِ الجميل ويحضرُ معها حفلََ التخرجِ ...لقد أحدث سفره ُ شروخا كثيرة في حياتها بل في حياتهما,هما الاثنين..!! فرحت والدتها كثيرا ً وهي ترتدي الزي الجامعي لتخرج الى الكلية...لملمت اوراقها وهيأت كل شيء ..وانطلقت الى الجامعة,ركبت الباص من موقف الباص القريب من البيت...تحرك الباص وقعت ْ عينيها على ساعي البريد وهو يجوب الحي
على دراجته ِ الهوائية يوزع ا لرسائل ...متى يكون لرسائل حميد مكانا في حقيبتك انا في الانتظار....
* 3*
اليوم شطبتْ يوما اخر من مفكرة الايام المعلقة امامها على الحائط, صار الشطبُ والحذفُ عادة تمارسها منذ رحيل حميد ,ابتداء ً بحفل التخرج الذي سيكون قاتما ً دون حميد مع كثير من الامنيات التي ستحذف او التي حذفت ْ...دخلت اسوار الجامعة ونظرت ْ الى عيون زميلاتها الجالسات في مدخل الجامعة الكبير...من منهن رحل عنها حبيبها او خطيبها في هذا الزمنالقاسي ..؟!اسرعت ْ صوب قاعة المحاضرات ,دخلتْ واختارتْ اخر مقعد خال ٍ في القاعة ..لم تكن تسمع اي شيء , لم تشعر الا بحركات الاستاذ وهو يشرح المحاضرة ..كانت في عالم اخر ,لم تكن تصغي ,رغم رغبتها الحقيقية في ان تتقدم في دراستها ..الا ان شيئا ً احدث فيها ذلك الخلل..!! كانت في عالم آخر غير عالم الدرس والمحاضرات ْ,عادتْ إلى رسالتها رسالة حميد
وسحبتها بهدوء ٍ ,نظرت إلى الرسالة وقعت عينيها على إحدى العبارات......
"حبيبتي لم اكن اعلم أنني سأرحل ..شيء ما ناداني..ثقي بي وبحبي أنا ذاهبُ.. قادم ..أنا احبك..اعذريني ...لابد من هذه الخطوة لابد من أن أفتح َ الأبواب ..انتظري مني رسالة ً أخرى ...إنها دعوتي لك لتكوني معي .. ..انتظريها.. ستكون مع ساعي البريد ..ابو محمود....."
لم تعد تتمنى الا ان يسلمها ابو محمود ساعي البريد تلك الرساله المنتظرة..لم تعد تتمنى ان تراه ..تمنت الرسالة..كان يومها في الكلية ِ عاديا دون جديد ,,وعادت الى المنزل ,عادت لتقلب ما فاتها من محاضرات ...لم تستطع ان تقرا اي شيء .....التجات مرة اخرى الى غرفتها ..ارادت ان تحلق بعيدا مع احلامها وتمنت ان يكون لها جناحا لتلحق َ بحصان حميد,أغمضت ْ عيناها ,وتخيلت ْ ذلك الجناح وبدأت ْ تسمع صوت الاجراس ..إحتفالا ً بها !!!
سمعت صوت الاجراس كان احتفال بهيجا ً ..افاقت ..انهُ جرس الباب ..لااجراس الاحلام...نعم جرس الباب ....ركضت خارج الغرفة ..اسرعت نحو الباب الرئيسي للمنزل.
*امي انه ابو محمود ....ساعي البريد..انها رسالة حميد..كلمت ْ والدتها دون ان تلتفت ْ اليها
وبدأت ْ بالسلام على ابي محمود..بادءها بالسلام
*سلام عليكم عمي..هذه الرسالة اليك ...تفضلي ..اريد الحلاوة..*
*عمو انت تأمرُ ..اشكرك اشكرك انها رسالتي المنتظرة ,,,انها تذكرة الحجز والسفر على حصان حميد .....لم يفهم منها شيئا ً..اخذ منها ما اعطته من مال ٍ..الحلاوة
*مع السلامة عمي مع السلامي يا ابنتي .. مبروك الرسالة...
وخذي الحذر عند ركوبك الحصان !؟؟؟؟؟؟...ودعها بابتسامة ..!!!
اخواني زوار الملتقى الكرام ... اخوتي واخواتي انا لا ادعي الاحتراف في كتابة القصة القصيرة واتمنى ان تقبلوا قصتي هذه وتتحملوها ان كنت اثقلت عليكم , وهي من قصص الغربة الغريبة على العراقيين جمع الله شملكم مع الاهل والاحبة ... اهدي لكم قصة سفر على حصان حميد وهي قصة قصيرة اجتهدت في كتابتها وفيها شخصيات عراقية حقيقية احببت ان يكون لها مكانا بين ثنايا كلماتي وهي المرة الاولى التي اكتب فيها بلسان امراة عراقية وهي مساهمة مني تقديرا لما عانته المراة العراقية ايام الحروب والحصار وما مر بها من الام البعد والغربة انها المراة العراقية الاصيلة ,,,اتمنى ان تجدوا فيها من تحبوه من شخصيات عراقية قريبة او مماثلة لمن تعرفوهم يسعدني ان اسمع منكم من وجدتموه في قصتي قريب منكم ,,وانا هنا اهديها الى روح المرحوم ابو محمود ساعي البريد الذي كان يوصل لي قبل غربتي رسائل اصدقائي من الغربة والذي كنت واياه نتحاور بشوؤن الوطن المتعب ايام الطاغية وكان يشتم وباعلى صوته الطغاة ويلعنهم دون خوف ,, كان جريئا وقويا رغم الظلم والظالم رحم الله ابا محمود وكل العراقيين ممن تحبوا ونحب ,,القصة فازت بجائزة تقديرية في مسابقة الراحل غانم غُباش الاماراتية للقصة القصيرة 2004...اتمنى ان تكون القصة جديرة بالقراءة وان تستمتعوا بقرائتها ...
مع تحياتي واحترامي
اخوكم د اكرم الحمداني
سفر على حصان حميد
قصة قصيرة
وهكذا قررتُ الرحيل دون ان يكون معي احدا ًولم اتزود الا بالزاد وحقيبتي ِ,عتادا ً لرحلتي", على وقع هذه الكلمات التي كتبها زوجهاالمؤجل حميد, والذي قرر السفر والغربة وجعله خيارا له بإختياره , وخيارا لها مرغمةَ..قرأت الرسالة المكتوبة بخط ِ جميل وهو المعروف برشاقة انامله وهوايته ِ للخط ِ والشعر ِ والحروف...وهو الذي اسمعها ذات مرة بعضا من اشعاره في الوطن وفيها... هكذا ودون سابق انذار خط لها رسالة الغربة والسفر ,دون سابق إنذار قرر ذلك, وابتدأ َ رحلته ُ...تركها وحيدة تركها لتواجه
انتقادات وملامات الجميع, الاهل والاحبة والاصدقاء, ..لماذا تركتيه يسافر؟ ؟.. ماذا يفعل ُ والحال هنا من سيء الى اسوأ ْ ..إحساس عميق بالحصار والتهديد بشبح البطالة وانعدام الثقة بالزمن والمستقبل المجهول,,وشعور حبيبها بالحرمان والقهر وهو عين الشيء الذي أوصلها الى درجة انقسام الروح
نصفين,نصف للحبيب والآخر للوطن...تلك الرسالة التي جعلتها تنظر للدنيا من خلال نافذة الشباك المكسورة لتجد َ الدنيا دون حميد ... مجرد شظايا..!!!
ماذا يفعل ُ شاب مثله ُ إعتاد َ أن ْ يقود َ لاعبيه ِ في الملعب ,والحياة ,يحبهم يحل ُ مشاكلهم يتابع ُ دراستهم..يحبوه يعشقوه ويسموه الكابتن ...تنهدت ْ وأكملت ما كتبه ُ في الرسالة:
"إني أغادركم ..أنا ذاهب ُ لافتح أبواب الدنيا المغلقة هنا ..اذهب الى مكان غير مكاني وناس غير ناسي اتكلم بلغتي وربما بلغة أخرى ...أتحرك اتجمد أنطفىء وأشتعل كما يفعل الاخرون ..ٍسألحق بإخواني في الارض ...عالم جديد ليتني أجد ُ فيه ما أريد ...فما دامت الارض تراب والانسان من تراب ..فجميع الناس ُ إخوتي وكل البلاد ِ بلادي...لا أستطيع وداعك ِ أنتِ ..لا وقت عندي للوداع و لا أحتمله ُ...حصاني يصهلُ عاليا ً يصهل ُ في قلق ٍ ينتظرني ...وتأكدي يا حبيبتي أنني لن أترجل ُ منه حتى أجد َ مستقرا ً لي..أيــن ؟؟لا تسأليني الان...؟؟؟و أقبلي حبي ..وانتظريني.." واليك شعري لعله ُيشرح لك ِ لماذا سافرت ؟؟ْ
تركت ُ بلادي فارتحلت ُ لأنني أردت ُ عراقا ً بلا طغاة ِ نقيا
وكنتُ أسير َ الرافدين ِو لمْ أزل ْ فصرتُ غريبا ًفي البلاد شقيا
فغالبت ُنفسي في الفراق ولوعتي طالت على بلد ٍ جريح دميا
أعادت قراءة الرسالة والشعر مرات ومرات ,تلك الرسالة ِ التي امضى ليلتان يكتبها لي هكذا كتب لي, رسالة ُوضع فيها كل ما يملك من كلمات ..انهكته كتابتها كما انهتكتني قراءتها...واكتشفت ْ انه كان يخطط للسفر دون أن يشعرها حتى لا يجرح َ شعورها ويؤلمها بالفراق ...وتذكرت لماذا كان حميد في اغلب الاحيان هائما وساكتا حتى عندما كانا يلتقيا ذلك اللقاء الاسبوعي المسموح به ِ بعد عقد قرانهما...يشرد ُ ويكلم ُ نفسه متى ما وجد الفرصة َ لذلك..!كان حميد هاديء الطبع مسالما ً وقويا ..ازداد قلقه بعد أنْ عُقد قرانهما ..بدأ يخاف ُ من المستقبل ويرعبه سؤال الاقارب ..متى الزفاف ؟؟كان يتحرج ُ من ذلك ويشعر ان قطار الدنيا يسبقه ُ دون إنتظار ..ويخبرها في كل لقاء لهما ..قطار الدنيا سريع لا يمكن أن نلحقه ُ الا بحصان سريع جامح,لم تكن وقتها تعرف ماذا يقصد؟ ..يقولها بضحكةٍ عاليةٍ .. , ليحيل َ شكي برحيله
الى دعابة..! وهاهو يحيل ُ دعابته ُ الى حقيقة و يمتطي حصانه الجامح السريع !!! وينطلق الى حيث لا أدري..؟ لا أملك الا أن أدعو لك يا حبيبي ..لتــُحــٌلِقَ وتلحَق َ بما تريد وليتك تتذكر أن تحجز َ لي مكانا معك
فوق صهوة ِ ذلك الحصان....
هذه الرسالة الطويلة ُ التي أودع َ فيها حبيبها كل الاسباب والذكريات ليثبت َ ويؤكد َ فيها حبه ُ ,أراد أن ْ تستلمها في نفس ِ اللحظة ِ التي يركب ُ فيها الحافلة َ مغادرا ً أرض الوطن ِ..لا يحتمل ُ الوداع َ...أرسلها مع شقيقته التي سلمتها الى والدتها دون أن ْ تواسيها ..هكذا أ راد حميد ..أرادها أن ْ تقرأ الرسالة دون أن ْ تسمع َ من أحد ٍ أي تعليق..وعرفت ْ فيما بعد أنه ُ لم يكن ْ يعلم بسفر حميد الا عائلته وصديقه المقرب حامد ,و هي ,هكذا خطط وهكذا نفذ َ....
أتعبتها أفكار تلك الرسالة لكنها ظلت ْ ممسكة ً بها تقلبُها ,تشمها ,تحضنها,وتقرا ُ ما فيها تارة ً من البداية
وأ ُخرى من النهاية ...أربكها مجرد معرفتها أنه ُ سافر..!! رغم إحساسها الباطن بإنه ُ سيفعل شيئا ً ما لايرضيها ...سافر وتغرب َ ...لم تكن تريد الغربة خيارا له ..على الاقل ِ الان وهي المحتاجة له ...لكنه فعل أمضت ْ يومها الاول مع الرسالة , ولم يدور بخلدها انها ذات يوم ستحاور حميد من خلال ِ سطور ِ رسالة ..
إ نه ُ أول شيء يحعلها تكره البعد والغربة ,لم تخطط ابدا ً ان يكون لها حصة في حكايات البعد والهيام,أرهقها هذا البعد من قبل ِ أن ْ يبدا َ...لم يبق َ أمامها في تلك الليلة الا أنْ تحاكي الرسالة ,أدركها الليل ,أطفأت ْ أنوار الغرفة ِ لم تبق ِ إ لا مصباح المنضدة ِ الخافت الانارة والقريب ِ من فراشها حتى تستطيع
قراءةَ الرسالة َ متى شاءت ْ ,أدخلت ْ جسدها النحيل وسط الفراش ..وأعادت خاتمة الرسالة التي استهوتها .. المحب حميد..آه ٍ المحب حميد..أطربتها تلك الكلمات وكان لها فعل ترنيمة النوم التي ترددها الأمهات لأولادهن ساعة النوم ...! لتنام هي الاخرى دون أن تشعر......
*2*
استيقظت صباحا لتجد َ الرسالة الأخيرة من حبيبها مرمية ًَ على الأرض ِ ,نهضت ْ بسرعة واسترجعتها من الارض وكأن حميد ينظر ُ لها ,لتخبره ُ صباح الخير ...أين أنت؟ اما أستطعت الانتظار قليلا ً..كلمتْ الرسالة وتمنت لو انه سيرد ُ عليها,لا جواب منه ُ ولا أستطيع انا ان ارد على السؤال ...لما ذا لم ينتظر؟؟؟أسرعتْ الى النافذة المطلة ِ على حديقة المنزل ِ ونظرت الى شجرة النارنج وثمارها الصفراء ..كم كان حميد يهوى هذه الشجرة ,يهوى عبير قداحها ويحب ُ عصيرَها المخلوط بقليل من السكر...
*أحب ُ كل شيء تحضريه الي ّّّّّّ يا حبيبتي ...بهذه الكلمات الرقيقة كان يخاطبها...
*كم أنت رقيق َ يا حبيبي ..عادت ْ من النافذة ِ الى الرسالة..رغم كل الازمات التي مر َ بها لم يحسسها ذات يوم انه لايحبها...كانت ْ اصعب ُ الاوقات عندما أصيبُ في قدمه ِ الايسر في مباراة مهمة ٍِ مع منتخب ِ كرة الطائرة الوطني ...كانت اصابة بليغة اقعدته عن اللعب لفترة طويلة ..ومن ثم حولته ُ الى عاطل ٍ عن اللعب ...نعم انها ايام ُ لا يمكن ان انساها...احس بالالم واحس بإبتعاد الاصدقاء ...لولا صديقُهُ حامد الذي سانده ُ وشجعهُ ليتحول َ الى التدريب ويستعيد بعدها عافيته الصحية وعافيته ُ المعنوية....
*الحمد لله حبيبتي فريقي يتقدم في الدوري ....اخبرني وهو مبتسما ..وكما عهدتهُ لاعبا خلوقا ومتميزا كان مدربا متميزا...وحبيبا غاليا,, لم تسعفني كل النجاحات التي كان يحققها مع فريقه..كان يصر في كل مرة انه سيجرب ذات يوم أن يغادر الوطن...وتوسلت ُ اليه ان لايطيل التفكير بذلك...ولم يعدني أن يفعل...كا نت تتمنى ان لايفعل فهي الاخرى كانت تحس بما كان يعانيه من احساس بالقهر والفراغ والبطالة..وضياع القرار لبناء مستقبل بيتهم وحياتهم
القادمة سوية....ا نهت ترتيب فراشها وغرفتها لتفتح باب غرفتها المؤدي الى صالة الجلوس والتي اعتاد أهلها ان يجلسوا فيها للاكل...تمنت ان تكون والدتها اول من ترى وفعلا ساعدها القدر ..لتراها وتنهل منها بعضا من الراحة,والاحساس بالامان...
*ماما صباح الخير
وكما في كل مرة ردت والدتها ذات الوجه الابيض الصبوح وبشيلتها البيضاء الجميله ,صباح النور حبيبتي.....لم تكن تحتمل أي كلمة من أي احد عن حميد المسافر دون ان يودع أي منهم لاسباب يعرفها حميد وحده....احست بعتب والدتها واحست ايضا بنظرات الحنان البا لغة هذا اليوم وكأنها تقول لها مسكينة ياأبنتي انا اشفق عليك ...قدمت لها صحن الافطار وبدأت باعداد كوب الشاي ودون كلام....اسرعت بتناول القليل مما قدمته والدتها لتعود باسرع وقت الى
الغرفة الملاذ الامن لها من أي عتاب...اكملت ْ ,أخذت كوب الشاي ودخلت غرفتها أغلقت ْ الباب بهدوء لتعود الى حميد ...أ,و ما بقي من حميد ..الرسالة.... , مر َ أكثر من اسبوعين ولم يصلها أي شيء من حميد! لم تكن تسمع الا العتاب المخفي الذي كان يصلها بين الفينة والاخرى وتسمع من في البيت يتهامسوا به ,لم يجرؤ ا ي احد ان يعاتبها وجه لوجه ,ربما
لانهم كانوا يروا انها في وضع نفسي سيء ومتاكدين انها لا تستطيع ان ترد عليهم وتجيبهم جوابا شافيا..لماذا سافر؟لماذا رحل ؟ لماذا هاجر؟كلها افعال تعني الغربة والبعد ..من منها انت اخترت ياحميد؟؟؟كان هذا السؤال.....؟؟؟؟
هو السؤال المهم والوحيد الذي تريد ان تعرف اجابته حتى تعرف من هي له ومن هو لها؟ ارهقها التفكير واذبل عيونها قلة النوم ....ليته لم يسافر ..وإن سافر عليه ان يودعني لا ان يرسل رسالة!!
ضاقت عليها غرفتها الواسعة وكرهت الجلوس الطويل فيها ...لم تستطع ان تبوح بكل ما لديها لاي احد حتى الى والدتها التي كانت تحب حميد لانه من اقاربها البعيدين اولا ولاخلاقه وادبه الجميل معها...حتى انها اذا ارادت أي شيء حتى ولو من السوق , يسرعُ يحضر لها ما تشاء ويرفض ان تدفع له ما دفعه في السوق
*خالة هذا واجب ....وانا حاضر
كان صوته هادئا وخافتا اكثر عندما يرد عليها او ايا َ ً من اخواتها الأصغر منها...خجولا هادئا ومؤدبا ..لكنه عندما يقتنع بفكرة لن يتردد بتنفيذها ...وهكذا حصل أصر ولو من الباطن ودون أن يخبرني , أصر َ أن يغير حياته و حياتي....ترى أين أنتَ وماذا فعلت ؟؟ألا تتذكرني إني بانتظارك.....احتارتْ كيف توصل هذا الاحاسيس له وهو الغائب الذي لم يفارقها لحظة منذ سفره , لم تعرف حقا انها ستشتاقُ اليه هكذا ......التجاتْ الى المرآة وراحت تحاورُها ....وتنبهت إنها تتكلم بصوتٍ واطئ كي لا يظنَ من في الدار ا نها ....قد ْ جُنتْ .. وصارت مجنونةُ حميد..!!!
نظرت إلى وجهها المائل للصفرة منذ رحيلهِ ...سرحتْ شعرها الحني ِ بهدوء ..حبيبي ..كلمتْ المرآة ..
*اني احبك صدقني, لن اتردد ان ارفع صوتي لو شئتَ...
وسردت مع المرآة ما تذكرته في تلك اللحظة من ذكريات جميلة مع حميد.....لم تجد شيئا آخر غيرَ التحدثِ للمرآة وأطالتْ حتى أن الوقت مر دون أن تشعرَ ....وأحست أن هناك أحدا يقتربُ من بابِ غرفتها ,أدارتْ ظهرَها للمرآة وتلقفتْ المجلةَ الموجودة َ قربَ المرآةِ ....فُتحتْ البابُ
ورأتْ امامها والدتها وقد و صلتْ إلى منتصف الغرفة ....نظرت في عينيها وأكتشفت ْ أن شيئا مفرحا تريد أن تقولها لابنتها المحبوسة ِ اختياريا في غرفتها....وأطلقت دون مقدمات ودون توقف عبارة واحدة ...حميد اتصل باهله اتصل ها تفيا وهو بخير.. ......انهمرت الدموع من عيينيها دون ان تحس وازدادت اكثر بعد ان تركتها والدتها في الغرفة وكأنها تقول لها ابكِ حتى تُريحي وتستريحي..
أذ رفت ْ دموعا ً لم تذرفها من قبل ,احست ْ براحة الخبر وراحة الدموع ..المهم انها احست ْ ان حميد لم يزل ْ يتذكرها لذلك اهتم وأرسل ما يطمأنها...بعد تلك الليلةِ المتعبةِ من الليالي التي اصبحت ْ تقضيها بتعبًًًًًً ٍ منذ أن سافرَ حميد ...استيقظتْ وقررتْ الذهابَ الى كليتها بعد أن غابت
عنها وهي المحتاجة للالتزام بالدوام والحضور ..انها السنة الاخيرة ...كانت تحلو ان يراها حميد بزي التخرج ِ الجميل ويحضرُ معها حفلََ التخرجِ ...لقد أحدث سفره ُ شروخا كثيرة في حياتها بل في حياتهما,هما الاثنين..!! فرحت والدتها كثيرا ً وهي ترتدي الزي الجامعي لتخرج الى الكلية...لملمت اوراقها وهيأت كل شيء ..وانطلقت الى الجامعة,ركبت الباص من موقف الباص القريب من البيت...تحرك الباص وقعت ْ عينيها على ساعي البريد وهو يجوب الحي
على دراجته ِ الهوائية يوزع ا لرسائل ...متى يكون لرسائل حميد مكانا في حقيبتك انا في الانتظار....
* 3*
اليوم شطبتْ يوما اخر من مفكرة الايام المعلقة امامها على الحائط, صار الشطبُ والحذفُ عادة تمارسها منذ رحيل حميد ,ابتداء ً بحفل التخرج الذي سيكون قاتما ً دون حميد مع كثير من الامنيات التي ستحذف او التي حذفت ْ...دخلت اسوار الجامعة ونظرت ْ الى عيون زميلاتها الجالسات في مدخل الجامعة الكبير...من منهن رحل عنها حبيبها او خطيبها في هذا الزمنالقاسي ..؟!اسرعت ْ صوب قاعة المحاضرات ,دخلتْ واختارتْ اخر مقعد خال ٍ في القاعة ..لم تكن تسمع اي شيء , لم تشعر الا بحركات الاستاذ وهو يشرح المحاضرة ..كانت في عالم اخر ,لم تكن تصغي ,رغم رغبتها الحقيقية في ان تتقدم في دراستها ..الا ان شيئا ً احدث فيها ذلك الخلل..!! كانت في عالم آخر غير عالم الدرس والمحاضرات ْ,عادتْ إلى رسالتها رسالة حميد
وسحبتها بهدوء ٍ ,نظرت إلى الرسالة وقعت عينيها على إحدى العبارات......
"حبيبتي لم اكن اعلم أنني سأرحل ..شيء ما ناداني..ثقي بي وبحبي أنا ذاهبُ.. قادم ..أنا احبك..اعذريني ...لابد من هذه الخطوة لابد من أن أفتح َ الأبواب ..انتظري مني رسالة ً أخرى ...إنها دعوتي لك لتكوني معي .. ..انتظريها.. ستكون مع ساعي البريد ..ابو محمود....."
لم تعد تتمنى الا ان يسلمها ابو محمود ساعي البريد تلك الرساله المنتظرة..لم تعد تتمنى ان تراه ..تمنت الرسالة..كان يومها في الكلية ِ عاديا دون جديد ,,وعادت الى المنزل ,عادت لتقلب ما فاتها من محاضرات ...لم تستطع ان تقرا اي شيء .....التجات مرة اخرى الى غرفتها ..ارادت ان تحلق بعيدا مع احلامها وتمنت ان يكون لها جناحا لتلحق َ بحصان حميد,أغمضت ْ عيناها ,وتخيلت ْ ذلك الجناح وبدأت ْ تسمع صوت الاجراس ..إحتفالا ً بها !!!
سمعت صوت الاجراس كان احتفال بهيجا ً ..افاقت ..انهُ جرس الباب ..لااجراس الاحلام...نعم جرس الباب ....ركضت خارج الغرفة ..اسرعت نحو الباب الرئيسي للمنزل.
*امي انه ابو محمود ....ساعي البريد..انها رسالة حميد..كلمت ْ والدتها دون ان تلتفت ْ اليها
وبدأت ْ بالسلام على ابي محمود..بادءها بالسلام
*سلام عليكم عمي..هذه الرسالة اليك ...تفضلي ..اريد الحلاوة..*
*عمو انت تأمرُ ..اشكرك اشكرك انها رسالتي المنتظرة ,,,انها تذكرة الحجز والسفر على حصان حميد .....لم يفهم منها شيئا ً..اخذ منها ما اعطته من مال ٍ..الحلاوة
*مع السلامة عمي مع السلامي يا ابنتي .. مبروك الرسالة...
وخذي الحذر عند ركوبك الحصان !؟؟؟؟؟؟...ودعها بابتسامة ..!!!
تعليق