سيمفونية التعذيب (1)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إيهاب فاروق حسني
    أديب ومفكر
    عضو اتحاد كتاب مصر
    • 23-06-2009
    • 946

    سيمفونية التعذيب (1)

    الكابوس صورة طبق الأصل

    هبطت أشباح الليل...
    يرافقها هوس من ضجيج ثائر...
    دهمتني بذعرٍ؛ فأحالت بيني وبين النوم...
    ألفيتني من شدّة الرهبة منكمشاً بين ثنايا الفراش، بينما دقات قلبي تعلو وتعلو... قبعت بركنٍ من أركان الغرفة؛ متلمساً مشاعر الصون والأمان، حتى تهادت الطمأنينة إلى نفسي؛ لتعيدني إلى مضجعي في محاولة جديدة للنوم...
    حاولت مرة أخرى...
    لكن هيهات... أي نوم يستغرقني وهذا الشبح يطاردني كلما أغمضت عينيّ؟ يظهر لي أثناء سقوطه من مكانٍ مرتفعٍ، يستغيث بي، لعلّي أنتشله وأنقذه من سقطته... فتسري القشعريرة في جسدي سريان الكهرباء... أحاول اللحاق به... فلا أجد غير الفراغ الرهيب... وبقايا صوت صارخ في رأسي... فأنهض فزعاً...
    وأظل على جلستي حتى يغلب النوم جفنيّ، ويسرقني من نفسي، ولا تكاد الغفوة أن تأخذني إلى عالمها حتى أراه من جديد؛ الشبح نفسه يحاول أن يتشبث بخيوط أوهي من خيوط العنكبوت، كيلا يسقط فريسة لكلابٍ شرهةٍ تنتظر سقطته بنهمٍ...
    أنهض من النوم فزعاً...
    وفي كل مرة لا أحصد غير السؤال:
    - ما سرّ هذا الشبح؟ ولماذا يلاحقني؟
    ولكن عبثاً محاولاتي، وصفراً يديّ، إلاّ من شرود ذهني وتردي حالي...
    كرهت بقائي بالغرفة... كرهت حتى نفسي... فقررت ألا أبقى...
    خرجت إلى الشارع والأفكار تلاحقني، تنسج خيوطها حول رقبتي لتخنقني، ولا أستطيع الفكاك من أسرها... كنت أسير بخطواتٍ شاردةٍ، لا أشعر بنبض الزمن من حولي، و لا أرى غير هذا الشبح الذي يلازمني كظلي... حتى صرت أرى الناس أشباحاً تضجّ في رأسي...
    ظللت على سيري ربما لساعات طوال... لم أهتدِ لشئ يصرف عني هواجسي، فازددت ألماً وكآبةً... كدت أختنق حقاً...
    لولا أن قلبي يحدّثني بأن في الأمر شيئاً...
    ثم سيطرت علىَّ خاطرة مجنونة، داعاها العجز إلى رأسي، فلم أمنح نفسى فرصة التفكير العاقل، وشرعت في تنفيذ الخاطرة...
    دخلت قسم الشرطة، وقفت أمام المسؤول صامتاً، أرميه بنظرات مستغيثة، ورحت أبثّ في أذنيه كل سمومي ومخاوفي...
    تنبهت على صوتهِ مقهقهاً، كانت ضحكاته زلزالاً يحرك الأرض تحت قدميّ... رحت أمسح حبات الخجل المختلطة بقطرات الغيظِ عن جبيني... وهرعت تواً إلى خارج القسم...
    حاولت نسيان الأمر برمتهِ...
    وسرت أغني...
    صَرَخَتْ في أذنيّ فرملةُُ سيارة مفاجئةُ... التفت إلى مصدر الصوتِ بحركةٍ تلقائيةٍ...
    كان ثلاثة رجال ثيران يهبطون من مؤخرة سيارة شرطة، يقبلون نحوي جرياً كصاعقة من السماء... خفت... جريت... لم أرَ شيئاً أثناء الجري... كأنما أُهبط على رأسي ظلام كثيف... تعثرت في شخصٍ أمامي... لم أره بوضوحٍ... فسقط كلانا على الأرضِ... لملمت نفسي وأسرعت بالنهوض... كنت أمدّ يدي إليه لإنهاضهِ معي... فاخترق أذني صوت جهوري:
    - أتركه يا...
    انتصبت كتمثالٍ لا يعي ما يحدث حوله...
    أمسكوا به، صفّدوا يديه بالأغلال الحديدية، وانهالوا عليه ضرباً بالأحذية والأقدام... بينما الرجل يصرخ من شدّة الضربات...
    - برئ!.. برئ!...
    جرجروه من قدميهِ... كنت أشاهد الموقف منوماً... مشدوهاً...
    عندما مدّ لي الرجل يده مستغيثاً بي، كانت صورته تتضخم في عينيّّ... وتوقف عن العبث برأسي... نظرت إلى السماء... كانت الشمس تميل إلى الغروبِ...
    قررت أن أنقذه، صرخت من فرط وجعي:
    - أتركوه يا ظَلَمة!...
    هَبَطَ أحدهم... أقبل نحوي بنظراتٍ من نبعِ جهنمي...
    ولم أشعر بعد ذلك بنفسي... كل ش كان يمرّ في رأسي كشريطِ الذكريات...

    - تمت –



    أيلول 1992
    التعديل الأخير تم بواسطة إيهاب فاروق حسني; الساعة 05-11-2009, 18:36.
    إيهاب فاروق حسني
  • رزيقة حزير
    عضو الملتقى
    • 24-07-2009
    • 225

    #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كم هو مرعب هذا الشّبح؟.. كم هو طويل هذا الأرق؟.. كم هو دامس هذا اللّيل؟.. كم هو مخلص هذا الضّمير؟.
    كل التّقدير والاحترام سيدي
    [COLOR=#8b0000][SIZE=3][B][COLOR=darkorchid][FONT=Arial][align=center]
    [COLOR=#8b0000][SIZE=3][B][COLOR=darkorchid][FONT=Arial]ليس حسن الجوار كف الأذى ... [/FONT][/COLOR][/B][B][FONT=Arial][COLOR=darkorchid]بل الصبر على الأذى[/COLOR][/FONT][/B][/SIZE]
    [B][COLOR=darkorchid] [FONT=Arial][SIZE=3]علي بن أبي طالب [/SIZE][/FONT][/COLOR][/B]
    [/COLOR][/align][/FONT][/COLOR][/B][/SIZE]
    [/COLOR]

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة إيهاب فاروق حسني مشاهدة المشاركة

      المعزوفة الأولى


      الكابوس صورة طبق الأصل

      هبطت أشباح الليل...
      يرافقها هوس من ضجيج ثائر...
      دهمتني بذعرٍ؛ فأحالت بيني وبين النوم...
      ألفيتني من شدّة الرهبة منكمشاً بين ثنايا الفراش، بينما دقات قلبي تعلو وتعلو... قبعت بركنٍ من أركان الغرفة؛ متلمساً مشاعر الصون والأمان، حتى تهادت الطمأنينة إلى نفسي؛ لتعيدني إلى مضجعي في محاولة جديدة للنوم...
      حاولت مرة أخرى...
      لكن هيهات... أي نوم يستغرقني وهذا الشبح يطاردني كلما أغمضت عينيّ؟ يظهر لي ثناء سقوطه من مكانٍ مرتفعٍ، يستغيث بي، لعلّي أنتشله وأنقذه من سقطته... فتسري القشعريرة في جسدي سريان الكهرباء... أحاول اللحاق به... فلا أجد غير الفراغ الرهيب... وبقايا صوت صارخ في رأسي... فأنهض فزعاً...
      وأظل على جلستي حتى يغلب النوم جفنيّ، ويسرقني من نفسي، ولا تكاد الغفوة أن تأخذني إلى عالمها حتى أراه من جديد؛ الشبح نفسه يحاول أن يتشبث بخيوط أوهي من خيوط العنكبوت، كيلا يسقط فريسة لكلابٍ شرهةٍ تنتظر سقطته بنهمٍ...
      أنهض من النوم فزعاً...
      وفي كل مرة لا أحصد غير السؤال:
      - ما سرّ هذا الشبح؟ ولماذا يلاحقني؟
      ولكن عبثاً محاولاتي، وصفراً يديّ، إلاّ من شرود ذهني وتردي حالي...
      كرهت بقائي بالغرفة... كرهت حتى نفسي... فقررت ألا أبقى...
      خرجت إلى الشارع والأفكار تلاحقني، تنسج خيوطها حول رقبتي لتخنقني، ولا أستطيع الفكاك من أسرها... كنت أسير بخطواتٍ شاردةٍ، لا أشعر بنبض الزمن من حولي، و لا أرى غير هذا الشبح الذي يلازمني كظلي... حتى صرت أرى الناس أشباحاً تضجّ في رأسي...
      ظللت على سيري ربما لساعات طوال... لم أهتدِ لشئ يصرف عني هواجسي، فازددت ألماً وكآبةً... كدت أختنق حقاً...
      لولا أن قلبي يحدّثني بأن في الأمر شيئاً...
      ثم سيطرت علىَّ خاطرة مجنونة، داعاها العجز إلى رأسي، فلم أمنح نفسى فرصة التفكير العاقل، وشرعت في تنفيذ الخاطرة...
      دخلت قسم الشرطة، وقفت أمام المسؤول صامتاً، أرميه بنظرات مستغيثة، ورحت أبثّ في أذنيه كل سمومي ومخاوفي...
      تنبهت على صوتهِ مقهقهاً، كانت ضحكاته زلزالاً يحرك الأرض تحت قدميّ... رحت أمسح حبات الخجل المختلطة بقطرات الغيظِ عن جبيني... وهرعت تواً إلى خارج القسم...
      حاولت نسيان الأمر برمتهِ...
      وسرت أغني...
      صَرَخَتْ في أذنيّ فرملةُُ سيارة مفاجئةُ... التفت إلى مصدر الصوتِ بحركةٍ تلقائيةٍ...
      كان ثلاثة رجال ثيران يهبطون من مؤخرة سيارة شرطة، يقبلون نحوي جرياً كصاعقة من السماء... خفت... جريت... لم أرَ شيئاً أثناء الجري... كأنما أُهبط على رأسي ظلام كثيف... تعثرت في شخصٍ أمامي... لم أره بوضوحٍ... فسقط كلانا على الأرضِ... لملمت نفسي وأسرعت بالنهوض... كنت أمدّ يدي إليه لإنهاضهِ معي... فاخترق أذني صوت جهوري:
      - أتركه يا...
      انتصبت كتمثالٍ لا يعي ما يحدث حوله...
      أمسكوا به، صفّدوا يديه بالأغلال الحديدية، وانهالوا عليه ضرباً بالأحذية والأقدام... بينما الرجل يصرخ من شدّة الضربات...
      - برئ!.. برئ!...
      جرجروه من قدميهِ... كنت أشاهد الموقف منوماً... مشدوهاً...
      عندما مدّ لي الرجل يده مستغيثاً بي، كانت صورته تتضخم في عينيّّ... وتوقف عن العبث برأسي... نظرت إلى السماء... كانت الشمس تميل إلى الغروبِ...
      قررت أن أنقذه، صرخت من فرط وجعي:
      - أتركوه يا ظَلَمة!...
      هَبَطَ أحدهم... أقبل نحوي بنظراتٍ من نبعِ جهنمي...
      ولم أشعر بعد ذلك بنفسي... كل ش كان يمرّ في رأسي كشريطِ الذكريات...

      - تمت –



      أيلول 1992




      الافتقاد يولد حالة من القلق
      والاحساس العميق بعدم الامان لسبب من هذه الاسباب
      سرد يحرك مشاعرنا كقراء
      تحيتي استاذ ايهاب حسني
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • إيمان عامر
        أديب وكاتب
        • 03-05-2008
        • 1087

        #4
        تحياتي بعطر الزهور

        القدير المبدع

        إيهاب فاروق حسني

        أبدعت أستاذي

        أهو الحاكم والمحكوم دائما يكون الصراع


        فهناك يقع الظلم ويتطاير كشرار

        فسياط الكرابيج موجعة

        أبدعت
        ننتظر جديدك دائما كي ننهل من حروفك ونتعلم

        سردك ممتع وهادئ نحب المكوث بين حرفك كثيرا

        دمت في وهج الحرف

        لك ارق تحياتي
        "من السهل أن تعرف كيف تتحرر و لكن من الصعب أن تكون حراً"

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5
          الزميل القدير
          إيهاب فاروق حسني
          لك قلم أحترمه كثيرا
          نص رائع
          سرد أكثر من شفاف ينساب رويدا رويدا دون أن تشعر
          ووصف يعبر عن قدرتك الكبيرة
          لك ملكة القص زميلي
          مبدع أنت ولاشك
          تحياتي ومودتي لك
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          • إيهاب فاروق حسني
            أديب ومفكر
            عضو اتحاد كتاب مصر
            • 23-06-2009
            • 946

            #6
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            كم هو مرعب هذا الشّبح؟.. كم هو طويل هذا الأرق؟.. كم هو دامس هذا اللّيل؟.. كم هو مخلص هذا الضّمير؟.
            كل التّقدير والاحترام سيدي [/quote]

            الزميلة المبدعة
            رزيقة حزير
            مرورك أسعدني وشرف صفحتى
            مزيداً من التواصل والمودة
            دمتِ بخير
            ودام لنا قلمكِ
            تحية بعطر الياسمين
            إيهاب فاروق حسني

            تعليق

            • إيهاب فاروق حسني
              أديب ومفكر
              عضو اتحاد كتاب مصر
              • 23-06-2009
              • 946

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
              الافتقاد يولد حالة من القلق
              والاحساس العميق بعدم الامان لسبب من هذه الاسباب
              سرد يحرك مشاعرنا كقراء
              تحيتي استاذ ايهاب حسني
              الزميلة المبدعة
              مها راجح
              كم يسعدني تواجدك بمتصفحي
              رأيك يدفعني للأمام دائماً
              ويزيد من حرصي على الإجادة
              أشكرك من القلب
              دمتِ ودام لنا قلمك الحرّ
              تحية معطرة بأريج الياسمين
              إيهاب فاروق حسني

              تعليق

              • إيهاب فاروق حسني
                أديب ومفكر
                عضو اتحاد كتاب مصر
                • 23-06-2009
                • 946

                #8
                المبدعة الرقيقة
                إيمان عامر
                وما الأحرف بغير عين قارئة فاحصة
                بعيونكم أرى ما كتبت
                بقلوبكم أفقه كل كلمة بعد طرحها من قلبي
                دام تواصلكِ ومرورك بمتصفحي
                ودمتِ مبدعة تنسج من الكلمات الرقيقة
                لوحة للجمال
                مودتي وتقديري
                إيهاب فاروق حسني

                تعليق

                • إيهاب فاروق حسني
                  أديب ومفكر
                  عضو اتحاد كتاب مصر
                  • 23-06-2009
                  • 946

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                  الزميل القدير
                  إيهاب فاروق حسني
                  لك قلم أحترمه كثيرا
                  نص رائع
                  سرد أكثر من شفاف ينساب رويدا رويدا دون أن تشعر
                  ووصف يعبر عن قدرتك الكبيرة
                  لك ملكة القص زميلي
                  مبدع أنت ولاشك
                  تحياتي ومودتي لك
                  الزميلة والأديبة القديرة
                  عائدة نادر

                  كثيرا ما تحملني مداخلاتكِ على أجنحة البهجة
                  لتضعني برفقٍ فوق بساط الأمل
                  الأمل في غدٍ أفضل وأكثر نقاءً
                  هكذا أنتِ... صريحة في كلمتكِ
                  مثل صدقكِ في إبداعكِ
                  شكراً لكِ على تواصلكِ
                  ومزيداً من المودة والتواصل
                  دمتِ في أسعد حالٍ
                  تحية معطرة بأريج الزهور
                  تحيتي وتقديري
                  إيهاب فاروق حسني

                  تعليق

                  • إيهاب فاروق حسني
                    أديب ومفكر
                    عضو اتحاد كتاب مصر
                    • 23-06-2009
                    • 946

                    #10
                    المعزوفة الأولى


                    الكابوس صورة طبق الأصل
                    هبطت أشباح الليل...
                    يرافقها هوس من ضجيج ثائر...
                    دهمتني بذعرٍ؛ فأحالت بيني وبين النوم...
                    ألفيتني من شدّة الرهبة منكمشاً بين ثنايا الفراش، بينما دقات قلبي تعلو وتعلو... قبعت بركنٍ من أركان الغرفة؛ متلمساً مشاعر الصون والأمان، حتى تهادت الطمأنينة إلى نفسي؛ لتعيدني إلى مضجعي في محاولة جديدة للنوم...
                    حاولت مرة أخرى...
                    لكن هيهات... أي نوم يستغرقني وهذا الشبح يطاردني كلما أغمضت عينيّ؟ يظهر لي أثناء سقوطه من مكانٍ مرتفعٍ، يستغيث بي، لعلّي أنتشله وأنقذه من سقطته... فتسري القشعريرة في جسدي سريان الكهرباء... أحاول اللحاق به... فلا أجد غير الفراغ الرهيب... وبقايا صوت صارخ في رأسي... فأنهض فزعاً...
                    وأظل على جلستي حتى يغلب النوم جفنيّ، ويسرقني من نفسي، ولا تكاد الغفوة أن تأخذني إلى عالمها حتى أراه من جديد؛ الشبح نفسه يحاول أن يتشبث بخيوط أوهي من خيوط العنكبوت، كيلا يسقط فريسة لكلابٍ شرهةٍ تنتظر سقطته بنهمٍ...
                    أنهض من النوم فزعاً...
                    وفي كل مرة لا أحصد غير السؤال:
                    - ما سرّ هذا الشبح؟ ولماذا يلاحقني؟
                    ولكن عبثاً محاولاتي، وصفراً يديّ، إلاّ من شرود ذهني وتردي حالي...
                    كرهت بقائي بالغرفة... كرهت حتى نفسي... فقررت ألا أبقى...
                    خرجت إلى الشارع والأفكار تلاحقني، تنسج خيوطها حول رقبتي لتخنقني، ولا أستطيع الفكاك من أسرها... كنت أسير بخطواتٍ شاردةٍ، لا أشعر بنبض الزمن من حولي، و لا أرى غير هذا الشبح الذي يلازمني كظلي... حتى صرت أرى الناس أشباحاً تضجّ في رأسي...
                    ظللت على سيري ربما لساعات طوال... لم أهتدِ لشئ يصرف عني هواجسي، فازددت ألماً وكآبةً... كدت أختنق حقاً...
                    لولا أن قلبي يحدّثني بأن في الأمر شيئاً...
                    ثم سيطرت علىَّ خاطرة مجنونة، داعاها العجز إلى رأسي، فلم أمنح نفسى فرصة التفكير العاقل، وشرعت في تنفيذ الخاطرة...
                    دخلت قسم الشرطة، وقفت أمام المسؤول صامتاً، أرميه بنظرات مستغيثة، ورحت أبثّ في أذنيه كل سمومي ومخاوفي...
                    تنبهت على صوتهِ مقهقهاً، كانت ضحكاته زلزالاً يحرك الأرض تحت قدميّ... رحت أمسح حبات الخجل المختلطة بقطرات الغيظِ عن جبيني... وهرعت تواً إلى خارج القسم...
                    حاولت نسيان الأمر برمتهِ...
                    وسرت أغني...
                    صَرَخَتْ في أذنيّ فرملةُُ سيارة مفاجئةُ... التفت إلى مصدر الصوتِ بحركةٍ تلقائيةٍ...
                    كان ثلاثة رجال ثيران يهبطون من مؤخرة سيارة شرطة، يقبلون نحوي جرياً كصاعقة من السماء... خفت... جريت... لم أرَ شيئاً أثناء الجري... كأنما أُهبط على رأسي ظلام كثيف... تعثرت في شخصٍ أمامي... لم أره بوضوحٍ... فسقط كلانا على الأرضِ... لملمت نفسي وأسرعت بالنهوض... كنت أمدّ يدي إليه لإنهاضهِ معي... فاخترق أذني صوت جهوري:
                    - أتركه يا...
                    انتصبت كتمثالٍ لا يعي ما يحدث حوله...
                    أمسكوا به، صفّدوا يديه بالأغلال الحديدية، وانهالوا عليه ضرباً بالأحذية والأقدام... بينما الرجل يصرخ من شدّة الضربات...
                    - برئ!.. برئ!...
                    جرجروه من قدميهِ... كنت أشاهد الموقف منوماً... مشدوهاً...
                    عندما مدّ لي الرجل يده مستغيثاً بي، كانت صورته تتضخم في عينيّّ... وتوقف عن العبث برأسي... نظرت إلى السماء... كانت الشمس تميل إلى الغروبِ...
                    قررت أن أنقذه، صرخت من فرط وجعي:
                    - أتركوه !...
                    هَبَطَ أحدهم... أقبل نحوي بنظراتٍ من نبعِ جهنمي...
                    ولم أشعر بعد ذلك بنفسي... كل شئ كان يمرّ في رأسي كشريطِ الذكريات...

                    - تمت –

                    أيلول 1992
                    [/quote]
                    إيهاب فاروق حسني

                    تعليق

                    • إيهاب فاروق حسني
                      أديب ومفكر
                      عضو اتحاد كتاب مصر
                      • 23-06-2009
                      • 946

                      #11
                      [quote=إيهاب فاروق حسني;323938]
                      المعزوفة الأولى



                      الكابوس صورة طبق الأصل

                      هبطت أشباح الليل...
                      يرافقها هوس من ضجيج ثائر...
                      دهمتني بذعرٍ؛ فأحالت بيني وبين النوم...
                      ألفيتني من شدّة الرهبة منكمشاً بين ثنايا الفراش، بينما دقات قلبي تعلو وتعلو... قبعت بركنٍ من أركان الغرفة؛ متلمساً مشاعر الصون والأمان، حتى تهادت الطمأنينة إلى نفسي؛ لتعيدني إلى مضجعي في محاولة جديدة للنوم...
                      حاولت مرة أخرى...
                      لكن هيهات... أي نوم يستغرقني وهذا الشبح يطاردني كلما أغمضت عينيّ؟ يظهر لي أثناء سقوطه من مكانٍ مرتفعٍ، يستغيث بي، لعلّي أنتشله وأنقذه من سقطته... فتسري القشعريرة في جسدي سريان الكهرباء... أحاول اللحاق به... فلا أجد غير الفراغ الرهيب... وبقايا صوت صارخ في رأسي... فأنهض فزعاً...
                      وأظل على جلستي حتى يغلب النوم جفنيّ، ويسرقني من نفسي، ولا تكاد الغفوة أن تأخذني إلى عالمها حتى أراه من جديد؛ الشبح نفسه يحاول أن يتشبث بخيوط أوهي من خيوط العنكبوت، كيلا يسقط فريسة لكلابٍ شرهةٍ تنتظر سقطته بنهمٍ...
                      أنهض من النوم فزعاً...
                      وفي كل مرة لا أحصد غير السؤال:
                      - ما سرّ هذا الشبح؟ ولماذا يلاحقني؟
                      ولكن عبثاً محاولاتي، وصفراً يديّ، إلاّ من شرود ذهني وتردي حالي...
                      كرهت بقائي بالغرفة... كرهت حتى نفسي... فقررت ألا أبقى...
                      خرجت إلى الشارع والأفكار تلاحقني، تنسج خيوطها حول رقبتي لتخنقني، ولا أستطيع الفكاك من أسرها... كنت أسير بخطواتٍ شاردةٍ، لا أشعر بنبض الزمن من حولي، و لا أرى غير هذا الشبح الذي يلازمني كظلي... حتى صرت أرى الناس أشباحاً تضجّ في رأسي...
                      ظللت على سيري ربما لساعات طوال... لم أهتدِ لشئ يصرف عني هواجسي، فازددت ألماً وكآبةً... كدت أختنق حقاً...
                      لولا أن قلبي يحدّثني بأن في الأمر شيئاً...
                      ثم سيطرت علىَّ خاطرة مجنونة، داعاها العجز إلى رأسي، فلم أمنح نفسى فرصة التفكير العاقل، وشرعت في تنفيذ الخاطرة...
                      دخلت قسم الشرطة، وقفت أمام المسؤول صامتاً، أرميه بنظرات مستغيثة، ورحت أبثّ في أذنيه كل سمومي ومخاوفي...
                      تنبهت على صوتهِ مقهقهاً، كانت ضحكاته زلزالاً يحرك الأرض تحت قدميّ... رحت أمسح حبات الخجل المختلطة بقطرات الغيظِ عن جبيني... وهرعت تواً إلى خارج القسم...
                      حاولت نسيان الأمر برمتهِ...
                      وسرت أغني...
                      صَرَخَتْ في أذنيّ فرملةُُ سيارة مفاجئةُ... التفت إلى مصدر الصوتِ بحركةٍ تلقائيةٍ...
                      كان ثلاثة رجال ثيران يهبطون من مؤخرة سيارة شرطة، يقبلون نحوي جرياً كصاعقة من السماء... خفت... جريت... لم أرَ شيئاً أثناء الجري... كأنما أُهبط على رأسي ظلام كثيف... تعثرت في شخصٍ أمامي... لم أره بوضوحٍ... فسقط كلانا على الأرضِ... لملمت نفسي وأسرعت بالنهوض... كنت أمدّ يدي إليه لإنهاضهِ معي... فاخترق أذني صوت جهوري:
                      - أتركه يا...
                      انتصبت كتمثالٍ لا يعي ما يحدث حوله...
                      أمسكوا به، صفّدوا يديه بالأغلال الحديدية، وانهالوا عليه ضرباً بالأحذية والأقدام... بينما الرجل يصرخ من شدّة الضربات...
                      - برئ!.. برئ!...
                      جرجروه من قدميهِ... كنت أشاهد الموقف منوماً... مشدوهاً...
                      عندما مدّ لي الرجل يده مستغيثاً بي، كانت صورته تتضخم في عينيّّ... وتوقف عن العبث برأسي... نظرت إلى السماء... كانت الشمس تميل إلى الغروبِ...
                      قررت أن أنقذه، صرخت من فرط وجعي:
                      - حرام.. أتركوه !...
                      هَبَطَ أحدهم... أقبل نحوي بنظراتٍ من نبعِ جهنمي...
                      ولم أشعر بعد ذلك بنفسي... كل ش كان يمرّ في رأسي كشريطِ الذكريات...

                      - تمت –

                      أيلول 1992
                      إيهاب فاروق حسني

                      تعليق

                      • د. سعد العتابي
                        عضو أساسي
                        • 24-04-2009
                        • 665

                        #12
                        استاذ فاروق
                        كنت مميزا في هذه القصة المميزة قاص محترف يجيد استخدام ادواته صاحب لغة سردية هامة تعبر عن رؤية وافق انساني عام سيدي شبحك جمعي كل الناس تحولوا الى اشباح مطاردة ولعل عبارتك التي تقول(خرجت إلى الشارع والأفكار تلاحقني، تنسج خيوطها حول رقبتي لتخنقني، ولا أستطيع الفكاك من أسرها... كنت أسير بخطواتٍ شاردةٍ، لا أشعر بنبض الزمن من حولي، و لا أرى غير هذا الشبح الذي يلازمني كظلي... حتى صرت أرى الناس أشباحاً تضجّ في رأسي...) تفسر القصة كلها في محاولتها وضع اليد على هم عام وهي انسحاق الانسان امام السلطة بكل اشكالها السياسية الاقتصادية الاجتماعية ... تحياتي لك
                        الله اكبر وعاشت العروبة
                        [url]http://www.facebook.com/home.php?sk=group_164791896910336&ap=1[/url]

                        تعليق

                        • أحمد عيسى
                          أديب وكاتب
                          • 30-05-2008
                          • 1359

                          #13
                          سرد راق من قلم كبير ..

                          أحييك أيها الراقي ..

                          كل الود والحب
                          التعديل الأخير تم بواسطة أحمد عيسى; الساعة 31-10-2009, 19:01.
                          ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
                          [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

                          تعليق

                          • سعاد عثمان علي
                            نائب ملتقى التاريخ
                            أديبة
                            • 11-06-2009
                            • 3756

                            #14
                            استاذ إيهاب فاروق حسني
                            صباح الخير
                            إذا الإبداع بنفسه يخط على الورق
                            فمن اين نأتي بمن يمتدح الإبداع
                            صورك مرسومة بتسلسل جميل ومقدرة للوصول بالمتلقي
                            لهدف الفكرة
                            تحياتي مع نسيم الفجر
                            ثلاث يعز الصبر عند حلولها
                            ويذهل عنها عقل كل لبيب
                            خروج إضطرارمن بلاد يحبها
                            وفرقة اخوان وفقد حبيب

                            زهيربن أبي سلمى​

                            تعليق

                            • إيهاب فاروق حسني
                              أديب ومفكر
                              عضو اتحاد كتاب مصر
                              • 23-06-2009
                              • 946

                              #15
                              سعادة الدكتور
                              سعد العتابي
                              صباحك مشرق وجميل
                              شرفت بزيارتك متصفحي
                              وتسجيل كلمتك التي أضعها وساماً على صدري
                              حقاً لقدر رأيتم في النص بعينكم الناقدة ما لم أره بعدستي الإبداعية
                              هكذا يكون النقد البناء يأخذ بيد المبدع أحياناً إلى ما لم يره بقلبهِ
                              شكراً لك دكتور سعد
                              وأرجو المزيد من التواصل والمودة
                              تحية بعطر الزهور
                              التعديل الأخير تم بواسطة إيهاب فاروق حسني; الساعة 05-11-2009, 18:40.
                              إيهاب فاروق حسني

                              تعليق

                              يعمل...
                              X