طيكوك شاب "هرِمٌ" فاق الثلاثين ,طويل القامة,أسمر البشرة,نحيفٌ ذو أنفٍ معقوف كمنقار الباز!عيناه غائرتان في جُبّين,لا بريق لهما,عاطلٌ عن العمل,أعزب دميم الخِلقة ,بائس وساذج!
يقوم منتصف النهار "تعِبًا" ,قد أرهقته أضغاث الأحلام....وكأنه رأى فيما يراه النائم أنه يعمل!
لا يكترث البتّة لمن حوله, يعتقد أنه وُلد في غير وسطه,في غير عصره يكاد يظن أنه محور العالم ومركزه...
والدته "خالتي عواوشْ" لمّا تيأس منه بعد!فهي كبقرة وضعت قنفدا...فلا هي تستطيع لعقه ولا هي تستطيع التفريط فيه! هو كبدها الذي يمشي على الأرض...تظن أنه لم يسلم من "عين" الحسّاد ولا من "أعمالهم"..كم مرّة زارت "جوهر الشوّافة"وأكدت لها أن طيكوك ضحية!
ضحية حسنه البديع وشطارته الخارقة!..أوَ ليس كل ذي نعمة محسود؟
في كل مرّة تزوّدها بتمائم وملح وبخور وأشياء أخرى لا يفقهها إلا الضالعون في علم التنجيم والمحظيون!
السّاعة العاشرة صباحًا ,على غير عادته طيكوك مستيقظ ! يتأمّل أطراف "جحره" أو كما يسمّي غرفته...فطيكوك يسمي الأشياء بأسمائها وفق نسيج لهجته (مع احتفاظه بحقوقه ©)...فأمه هي "العجوز" وجارته خالتي الزّهور هي "الدّيوانة"* وفتاة أحلامه هي "الحنّونة" .....حتى المرحاض أوجد له إسما فهو "تلك الجهة"!
طيكوك سئم كونه مركز العالم...يريد أن يكون كعامة الناس..فالتميّز نقمة لو تعلمون, يفكر في إيجاد عملٍ يليق بمقامه, غير مُتعِبٍ, قريبٌ من البيتِ وأجرته...كبــــــــــــيرة!, فكّر مليًّا فوجد ظالته...سيعمل حارسًا ليليًا,لن يمنعه ذلك من النوم......وسينال أجرًا مقابل راحته!
قصد كلّ معارفه وكم هم كثيرون! فطيكوك إن ألقيت عليه تحيّةً ذات يومٍ أضافك إلى مفكّرته وقصدك متى لمحك لأجل دنانير....ديدنه في الحياة : "هـــــــــــــات".
لم يخِب أمله فعمّي السّعيد صاحب مقهى الحيّ رقّ لحاله وسعِدَ لإستفاقته وعده أن يُكلّم أحد معارفه المهمين..بوّاب في شركة خاصة بعدما رفض عرض عمل كنادل عنده!
لم يمر أسبوع حتى بلغّ عمّي السّعيد طيكوك الخبر السّعيد... كعادته إستطاع صديقه البوّاب "قنص" وظيفة له ! لكن ليس كحارسِ ليلي..بل : سائــق!
كاد طيكوك يُجّن..وكأنما دعاوى أمّه وطلاسم "جوهر الشوّافة" أتت أُكلها وأكثر..فدائرة الحظ تدور.
شرد لتوّه ورأى نفسه يقود سيارة "ليكسوس" مُرافقا بنات المدير إلى الجامعة ولِمَ لا يقوم بتوصيلات لحسابه الخاص..فكل "السوّاقين" يقومون بذلك ما يضمن لهم أجرة مضاعفة! وقد تقع إحدى البنات في "شِراكه" وتهيم في حبّه فتصبح "حنّونته" تُغدق عليه حنانها الكبير ومالها الوفير...وقد يصير صهر المدير!..شعر بلذّة ودفئ غريبين ينتشران أنحاء جسده الهزيل يكاد يرتعش لهما..فكبح جماحه..فلا يُمكن التسريج قبل التلجيم!
السّاعة السابعة ونصف صباحًا, أخذ رشفة قهوة, ألقى نظرة أخيرة في المرآة...أعجبه ما رأى!
هو مستعد. لم يكد يخرج من "جحره" حتى تهاطلت عليه دعاوى الخير من "العجوز", وهو على قارعة الطريق لم تخطئه "الدّيوانة" بزغرودة دوّت لها "الحومة"...طيكوك ذاهب للعمل!
شعر بنشوة لذيذة وفخر لاحد لهما....يكاد يعتقد أنه حقّا: فريد!
لم يُلاقِ أي مُشكل "فصديقه" البوّاب "تبنّاه" عند المدخلِ وقاده إلى مكتب رئيس مصلحة التوظيف موزّعًا الإبتسامات ذات اليمين وذات الشِّمال ,مُلقيا التحايا على الموظفات..عكس طيكوك الذي لم ينبس ببنت شفة,ماشيا مختالا رافعا هامته ,مُبرزا إثنى عشر زوجا من الأضلع, مصعّرا خدّه......هو السّائق الجديد!
ولَجَا مكتب الرّئيس..ألقى البوّاب التحية...سيدي ها هو الرّجل! فقال دون أن يرفع رأسه: الكلبة في إنتظاره فليأخذها إلى "تلك الجهة!!" كل ساعة هي مُصابة بإمتعاض معِدِي..لم تعتَد طعام العرب بعد!...
صُعِق طيكوك لما سمع, فكان وقعه كصفعة مُدوّية سيلازمه طنينها لأشهر!
فقال متأتِئا متلعثمًا: سيدي ظننت أني سأقود......قاطعه السيد" الشيئ الوحيد الذي تقوده هو تلك الكلبة لقضاء حاجتها.
غامت الدنيا أمام عينيه وترنّح ...شعر بهوّة سحيقة تفصله عن "عالمه", نضح عرقًا باردا إقشعرت له ذوائبه فهو مصدوم!
يبدو أن عمّي السّعيد وهو الأصم "جزئيا" لم يسمع سوى كلمة "يقود" فإعتقد ما إعتقد!
*الديوانة =الجمارك
تعليق