حلم قاتل
عبد الرشيد حاجب
فتحت عينيها وحدقت في الظلمة .أكان ما سمعت حشرجة أم شهقة ؟ أم تراها كانت تحلم ؟ مدت يدها إلى جوارها جنب السرير تتأكد من وجوده . لقد كان هناك . أصاخت السمع وعيناها تدوران في محجريهما . الريح تعوي في الخارج ، والمطر ينقر بأصابعه الخشنة على زجاج النافذة . لا لم يكن صوت الريح ، ولا المطر ما سمعت . إنها متأكدة أنها سمعت حشرجة مخنوقة . لعل سيارة فرملت بقوة لسبب ما تحت النافذة في الطريق ، فخطفتها من سباتها .
أغمضت عينيها وراحت تقارن بين ما اختزنت ذاكرتها من أصوات عساها تتبين نوع الحشرجة التي أيقظتها . فجأة تذكرت حشرجة والدها وهو يسلم الروح بين يديها . يا الله ، إنها نفس الحشرجة ما سمعت ! هل كانت تحلم ؟
لا. لا . لم تكن تحلم ، هذا الذي سمعته اقشعر له بدنها ، وكأنما مد إليها يدا أخطبوطية وانتشلها من سباتها . مدت يدها وأنارت المصباح الصغير جنب السرير .
نظرت إلى زوجها الحبيب غارقا في نومه ، ووجهه يشع طفولة وبراءة . ابتسمت : ( يا له من طفل وسيم بهذا الشارب الأسود ! ). لفت نظرها الابتسامة الساخرة على شفتيه . لقد تأملته مرات ومرات وهو نائم جنبها أو في أحضانها ، ولم تر هذه الابتسامة قط .
إنها نفس الابتسامة الساخرة التي أوقعتها في غرامه أول ما وقع بصرها عليه . تنساب على شفتيه كطيف مشع يتناغم مع شعاع ساخر يغلف نظرات عينيه المتقدة ذكاء . ما بال هذه الابتسامة متربعة الآن فوق شفتيه على غير عادته في نومه ؟ أتراه يحلم ؟ فكرت أن تهزه لعل الابتسامة تزول . بدأت الشكوك تراودها على ضوء المصباح الخافت. لعله لا يبتسم بل يتألم من شيء ما . وضعت يدها على جبهته تتحسس حرارته لكنها سحبتها بسرعة كأن عقربا لدغها. كانت جبهته باردة كقطعة ثلج . .قفزت من سريرها ملتاعة وأنارت جميع الأضواء. لم يتحرك . ظل هناك جامدا لا حياة فيه سوى تلك الابتسامة الساخرة التي بدأت تثير جنونها . هل يتعمد أن يلعب دور الميت ليخيفها كما كان يفعل في بداية زواجهما ؟ إنها لا تدري ! نادته فلم يخرج من حلقها صوت . حاولت الصراخ فلم تفلح ، كأن أحجارا تكومت في حنجرتها بدأت تدور في الغرفة كالمصعوقة .وفي الخارج ،ظلت الريح تعوي، والمطر ما ينفك يخربش بوقاحة على زجاج النافذة . التقت عيناها بعينها في مرآة طاولة الزينة . هالها الرعب المتفجر منهما فأشاحت بنظرها عن وجهها ، لتصطدم بوجهه منعكسا على المرآة ، وهو يضحك ساخرا منها . سمعته يقول : ( يا لروعتك يا حبيبتي وأنت ترتجفين رعبا !).ثم تعالت قهقهاته ممتزجة بفحيح الريح ووقع المطر. أغمضت عينيها بقوة ، وعضت شفتها السفلى حتى سال منها خيط من الدم . وجدت طعم الدم مثيرا وهي تمرر لسانها على شفتها المجروحة . خطر لها أن تحمل أي شيء صلب من فوق طاولة الزينة وتستدير إليه وتهشم رأسه الغليظ . ودون أن تفتح عينيها مدت يدها لزجاجة العطر الكريستال الكبيرة المدببة الأطراف وأمسكتها بقوة . وقبل أن تستدير إليه ، جاءها صوته من جديد . لم يكن ضاحكا ولا ساخرا ، بل كان رقيقا ، حنونا ، عميقا ، هامسا : ( لا تجزعي يا صغيرتي .. أنا معك وسأبقى معك .. تعالي هنا إلى أحضاني ) . عضت على شفتها من جديد بكل وحشية وفتحت عينيها . رأته هناك في المرآة فاتحا ذراعيه على آخرهما ونظرة عميقة حزينة في
عينيه . أتراه يمثل دورا جديدا هذه المرة ؟ لماذا يكرر اللعين نفس العبارة التي همس لي بها والدي قبل موته ؟ هل يسخر مني ؟ تبا له وتبا لهذا الليل وهذه الريح وهذا المطر . استدارت بعنف وتقدمت نحوه والزجاجة في يدها. كان كما رأته أول مرة أنارت المصباح . مستلقيا على ظهره بلا حراك وابتسامته الساخرة على شفتيه . هزته بقوة فلم يتحرك . هكذا إذن ! خان الوعد وتركها بلا وداع . تفجر في أعماقها بركان من الحمم ، واندفعت حنجرتها في عواء جريح يهز عمق الليل...
أغمضت عينيها وراحت تقارن بين ما اختزنت ذاكرتها من أصوات عساها تتبين نوع الحشرجة التي أيقظتها . فجأة تذكرت حشرجة والدها وهو يسلم الروح بين يديها . يا الله ، إنها نفس الحشرجة ما سمعت ! هل كانت تحلم ؟
لا. لا . لم تكن تحلم ، هذا الذي سمعته اقشعر له بدنها ، وكأنما مد إليها يدا أخطبوطية وانتشلها من سباتها . مدت يدها وأنارت المصباح الصغير جنب السرير .
نظرت إلى زوجها الحبيب غارقا في نومه ، ووجهه يشع طفولة وبراءة . ابتسمت : ( يا له من طفل وسيم بهذا الشارب الأسود ! ). لفت نظرها الابتسامة الساخرة على شفتيه . لقد تأملته مرات ومرات وهو نائم جنبها أو في أحضانها ، ولم تر هذه الابتسامة قط .
إنها نفس الابتسامة الساخرة التي أوقعتها في غرامه أول ما وقع بصرها عليه . تنساب على شفتيه كطيف مشع يتناغم مع شعاع ساخر يغلف نظرات عينيه المتقدة ذكاء . ما بال هذه الابتسامة متربعة الآن فوق شفتيه على غير عادته في نومه ؟ أتراه يحلم ؟ فكرت أن تهزه لعل الابتسامة تزول . بدأت الشكوك تراودها على ضوء المصباح الخافت. لعله لا يبتسم بل يتألم من شيء ما . وضعت يدها على جبهته تتحسس حرارته لكنها سحبتها بسرعة كأن عقربا لدغها. كانت جبهته باردة كقطعة ثلج . .قفزت من سريرها ملتاعة وأنارت جميع الأضواء. لم يتحرك . ظل هناك جامدا لا حياة فيه سوى تلك الابتسامة الساخرة التي بدأت تثير جنونها . هل يتعمد أن يلعب دور الميت ليخيفها كما كان يفعل في بداية زواجهما ؟ إنها لا تدري ! نادته فلم يخرج من حلقها صوت . حاولت الصراخ فلم تفلح ، كأن أحجارا تكومت في حنجرتها بدأت تدور في الغرفة كالمصعوقة .وفي الخارج ،ظلت الريح تعوي، والمطر ما ينفك يخربش بوقاحة على زجاج النافذة . التقت عيناها بعينها في مرآة طاولة الزينة . هالها الرعب المتفجر منهما فأشاحت بنظرها عن وجهها ، لتصطدم بوجهه منعكسا على المرآة ، وهو يضحك ساخرا منها . سمعته يقول : ( يا لروعتك يا حبيبتي وأنت ترتجفين رعبا !).ثم تعالت قهقهاته ممتزجة بفحيح الريح ووقع المطر. أغمضت عينيها بقوة ، وعضت شفتها السفلى حتى سال منها خيط من الدم . وجدت طعم الدم مثيرا وهي تمرر لسانها على شفتها المجروحة . خطر لها أن تحمل أي شيء صلب من فوق طاولة الزينة وتستدير إليه وتهشم رأسه الغليظ . ودون أن تفتح عينيها مدت يدها لزجاجة العطر الكريستال الكبيرة المدببة الأطراف وأمسكتها بقوة . وقبل أن تستدير إليه ، جاءها صوته من جديد . لم يكن ضاحكا ولا ساخرا ، بل كان رقيقا ، حنونا ، عميقا ، هامسا : ( لا تجزعي يا صغيرتي .. أنا معك وسأبقى معك .. تعالي هنا إلى أحضاني ) . عضت على شفتها من جديد بكل وحشية وفتحت عينيها . رأته هناك في المرآة فاتحا ذراعيه على آخرهما ونظرة عميقة حزينة في
عينيه . أتراه يمثل دورا جديدا هذه المرة ؟ لماذا يكرر اللعين نفس العبارة التي همس لي بها والدي قبل موته ؟ هل يسخر مني ؟ تبا له وتبا لهذا الليل وهذه الريح وهذا المطر . استدارت بعنف وتقدمت نحوه والزجاجة في يدها. كان كما رأته أول مرة أنارت المصباح . مستلقيا على ظهره بلا حراك وابتسامته الساخرة على شفتيه . هزته بقوة فلم يتحرك . هكذا إذن ! خان الوعد وتركها بلا وداع . تفجر في أعماقها بركان من الحمم ، واندفعت حنجرتها في عواء جريح يهز عمق الليل...
ظل يهزها محاولا احتضانها وهي تصرخ وتنفض . كان متعودا على كوابيسها التي تهاجم ليلهما بين الحين والآخر . صفعها بقوة ففتحت عينيها. لكن ما إن وقع بصرها عليه حتى دفعته عنها بكل ما أوتيت من قوة ، فسقط عن السرير متدحرجا على الأرض . هرعت إلى زجاجة العطر تحملها وتهوى بها على رأسه والدم يتطاير في كل الأرجاء . واستمرت تضرب وتصرخ : ( لن أدع الموت يسرقك في غفلة مني ! ) إلى أن سقطت فوقه فاقدة الوعي .
[align=left]
الجزائر في 8 أكتوبر 2009
[/align]
تعليق