حلم قاتل / عبد الرشيد حاجب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الرشيد حاجب
    أديب وكاتب
    • 20-06-2009
    • 803

    حلم قاتل / عبد الرشيد حاجب

    حلم قاتل

    عبد الرشيد حاجب



    فتحت عينيها وحدقت في الظلمة .أكان ما سمعت حشرجة أم شهقة ؟ أم تراها كانت تحلم ؟ مدت يدها إلى جوارها جنب السرير تتأكد من وجوده . لقد كان هناك . أصاخت السمع وعيناها تدوران في محجريهما . الريح تعوي في الخارج ، والمطر ينقر بأصابعه الخشنة على زجاج النافذة . لا لم يكن صوت الريح ، ولا المطر ما سمعت . إنها متأكدة أنها سمعت حشرجة مخنوقة . لعل سيارة فرملت بقوة لسبب ما تحت النافذة في الطريق ، فخطفتها من سباتها .
    أغمضت عينيها وراحت تقارن بين ما اختزنت ذاكرتها من أصوات عساها تتبين نوع الحشرجة التي أيقظتها . فجأة تذكرت حشرجة والدها وهو يسلم الروح بين يديها . يا الله ، إنها نفس الحشرجة ما سمعت ! هل كانت تحلم ؟
    لا. لا . لم تكن تحلم ، هذا الذي سمعته اقشعر له بدنها ، وكأنما مد إليها يدا أخطبوطية وانتشلها من سباتها . مدت يدها وأنارت المصباح الصغير جنب السرير .
    نظرت إلى زوجها الحبيب غارقا في نومه ، ووجهه يشع طفولة وبراءة . ابتسمت : ( يا له من طفل وسيم بهذا الشارب الأسود ! ). لفت نظرها الابتسامة الساخرة على شفتيه . لقد تأملته مرات ومرات وهو نائم جنبها أو في أحضانها ، ولم تر هذه الابتسامة قط .
    إنها نفس الابتسامة الساخرة التي أوقعتها في غرامه أول ما وقع بصرها عليه . تنساب على شفتيه كطيف مشع يتناغم مع شعاع ساخر يغلف نظرات عينيه المتقدة ذكاء . ما بال هذه الابتسامة متربعة الآن فوق شفتيه على غير عادته في نومه ؟ أتراه يحلم ؟ فكرت أن تهزه لعل الابتسامة تزول . بدأت الشكوك تراودها على ضوء المصباح الخافت. لعله لا يبتسم بل يتألم من شيء ما . وضعت يدها على جبهته تتحسس حرارته لكنها سحبتها بسرعة كأن عقربا لدغها. كانت جبهته باردة كقطعة ثلج . .قفزت من سريرها ملتاعة وأنارت جميع الأضواء. لم يتحرك . ظل هناك جامدا لا حياة فيه سوى تلك الابتسامة الساخرة التي بدأت تثير جنونها . هل يتعمد أن يلعب دور الميت ليخيفها كما كان يفعل في بداية زواجهما ؟ إنها لا تدري ! نادته فلم يخرج من حلقها صوت . حاولت الصراخ فلم تفلح ، كأن أحجارا تكومت في حنجرتها بدأت تدور في الغرفة كالمصعوقة .وفي الخارج ،ظلت الريح تعوي، والمطر ما ينفك يخربش بوقاحة على زجاج النافذة . التقت عيناها بعينها في مرآة طاولة الزينة . هالها الرعب المتفجر منهما فأشاحت بنظرها عن وجهها ، لتصطدم بوجهه منعكسا على المرآة ، وهو يضحك ساخرا منها . سمعته يقول : ( يا لروعتك يا حبيبتي وأنت ترتجفين رعبا !).ثم تعالت قهقهاته ممتزجة بفحيح الريح ووقع المطر. أغمضت عينيها بقوة ، وعضت شفتها السفلى حتى سال منها خيط من الدم . وجدت طعم الدم مثيرا وهي تمرر لسانها على شفتها المجروحة . خطر لها أن تحمل أي شيء صلب من فوق طاولة الزينة وتستدير إليه وتهشم رأسه الغليظ . ودون أن تفتح عينيها مدت يدها لزجاجة العطر الكريستال الكبيرة المدببة الأطراف وأمسكتها بقوة . وقبل أن تستدير إليه ، جاءها صوته من جديد . لم يكن ضاحكا ولا ساخرا ، بل كان رقيقا ، حنونا ، عميقا ، هامسا : ( لا تجزعي يا صغيرتي .. أنا معك وسأبقى معك .. تعالي هنا إلى أحضاني ) . عضت على شفتها من جديد بكل وحشية وفتحت عينيها . رأته هناك في المرآة فاتحا ذراعيه على آخرهما ونظرة عميقة حزينة في
    عينيه . أتراه يمثل دورا جديدا هذه المرة ؟ لماذا يكرر اللعين نفس العبارة التي همس لي بها والدي قبل موته ؟ هل يسخر مني ؟ تبا له وتبا لهذا الليل وهذه الريح وهذا المطر . استدارت بعنف وتقدمت نحوه والزجاجة في يدها. كان كما رأته أول مرة أنارت المصباح . مستلقيا على ظهره بلا حراك وابتسامته الساخرة على شفتيه . هزته بقوة فلم يتحرك . هكذا إذن ! خان الوعد وتركها بلا وداع . تفجر في أعماقها بركان من الحمم ، واندفعت حنجرتها في عواء جريح يهز عمق الليل...

    ظل يهزها محاولا احتضانها وهي تصرخ وتنفض . كان متعودا على كوابيسها التي تهاجم ليلهما بين الحين والآخر . صفعها بقوة ففتحت عينيها. لكن ما إن وقع بصرها عليه حتى دفعته عنها بكل ما أوتيت من قوة ، فسقط عن السرير متدحرجا على الأرض . هرعت إلى زجاجة العطر تحملها وتهوى بها على رأسه والدم يتطاير في كل الأرجاء . واستمرت تضرب وتصرخ : ( لن أدع الموت يسرقك في غفلة مني ! ) إلى أن سقطت فوقه فاقدة الوعي .


    [align=left]
    الجزائر في 8 أكتوبر 2009
    [/align]
    "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​
  • مجدي السماك
    أديب وقاص
    • 23-10-2007
    • 600

    #2
    تحياتي

    المبدع عبد الرشيد حاجب..تحياتي
    نص في ابداع كبير..وصور حلوه.سعدت معك كثيرا.
    مودتي
    عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

    تعليق

    • دريسي مولاي عبد الرحمان
      أديب وكاتب
      • 23-08-2008
      • 1049

      #3
      الزميل القدير ع الرشيد حاجب...تحية ابداعية.
      شاعرية الأحلام بتخيلاتها تصطدم مع كوابيس تجعل من المادة القصصية أفقا للبناء الرائع الذي يمزج بين دواخل الباطن واستيهامات الخارج...
      تقانة النص لامن حيث لغته ولا تركيبة بناءه جعلت وتيرة الأنفاس القرائية تتسارع نحو نقطة معينة كمعلمة للحدث...لنجد أنفسنا أمام حلم قاتل بامتياز.
      سررت بالقراءة لك سيدي...مع توكيدات تقديري.

      تعليق

      • عبد الرشيد حاجب
        أديب وكاتب
        • 20-06-2009
        • 803

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة مجدي السماك مشاهدة المشاركة
        المبدع عبد الرشيد حاجب..تحياتي
        نص في ابداع كبير..وصور حلوه.سعدت معك كثيرا.
        مودتي
        بصمتك وحدها أيها القاص القدير مجدي السماك تعطي هذا النص جواز المرور ليذهب حيث يشاء ..

        محبتي واعتزازي بحضوركم.
        "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​

        تعليق

        • آداب عبد الهادي
          أديب وكاتب
          • 17-12-2007
          • 74

          #5
          الكاتب المبدع عبد الرشيد حاجب المحترم
          قصة رائعة حقاً
          لي عودة إن شاء الله
          تحياتي
          آداب عبد الهادي
          المركز العربي الإفريقي
          للأبحاث والدراسات الاستراتيجية

          تعليق

          • عبد الرشيد حاجب
            أديب وكاتب
            • 20-06-2009
            • 803

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة دريسي مولاي عبد الرحمان مشاهدة المشاركة
            الزميل القدير ع الرشيد حاجب...تحية ابداعية.
            شاعرية الأحلام بتخيلاتها تصطدم مع كوابيس تجعل من المادة القصصية أفقا للبناء الرائع الذي يمزج بين دواخل الباطن واستيهامات الخارج...
            تقانة النص لامن حيث لغته ولا تركيبة بناءه جعلت وتيرة الأنفاس القرائية تتسارع نحو نقطة معينة كمعلمة للحدث...لنجد أنفسنا أمام حلم قاتل بامتياز.
            سررت بالقراءة لك سيدي...مع توكيدات تقديري.
            هذه قامة إبداعية أخرى تطل على هذا النص ..فأهلا وسهلا بالمبدع دريسي مولاي عبد الرحمان.
            أحببت قراءتك أخي الفاضل وتلخيصها في عبارات مكثفة قالت ( لي ) الكثير .

            دمت رائعا .

            محبتي واحترامي.
            "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​

            تعليق

            • ريمه الخاني
              مستشار أدبي
              • 16-05-2007
              • 4807

              #7
              السلام عليكم
              نص يملك من عنصر التشويق الكثير...
              ابداع استمتعت بالمرور به
              وفقك الله

              تعليق

              • حمزة نادي
                أديب وكاتب
                • 01-07-2008
                • 533

                #8
                أخي وابن بلدي/ عبد الرشيد حاجب

                أود أن أحييك تحية حارة على هذا التصوير الفني الراقي.. أبحرت بنا الى غرفتها المظلمة وجعلتنا نسترق النظر اليها وهي تصارع قدرها الساخر.. كانت عظيمة تارة بوفائها اليه، حبها القاتل للبسمة المنبثة من ثغره.. لكن تبين أنها لم تفهم سر تلك القهقهات التي كان يطلقها في كل حين فانتقمت من الحلم بضربة على رأسه أردته قتيلا..

                هي قراءة بسيطة لمشهد درامي يختزل فصلا من فصول الحياة الممتزجة بالألم والأمل.. بالبكاء والضحك .. بالذهاب والإياب..

                ربما وفقت في قراءة بعض فصول القصة الموجعة.. وولكن ان كان غير ذلك فاعذرني على هذا التطفل.

                تقبل تحيات أخوك "حمزة نادي "من الجزائر
                قالَ صلى الله عليه وسلم
                (أحفظ الله تجِدَه اتجاهك ، إذا سألتَ فأسأل الله وإذا استعنتَ فأستعن بالله )
                رواهُ الترمذي .

                تعليق

                • عائده محمد نادر
                  عضو الملتقى
                  • 18-10-2008
                  • 12843

                  #9
                  الزميل القدير
                  عبد الرشيد حاجب
                  وإن قلت رائعة ألف مرة
                  نص فاق الوصف
                  متناسق بأحداث اختلطت بين الحلم والكابوس..والواقع الذي حدث
                  إبداع حقيقي
                  وفكرة أخاذة جدا
                  لك روح وثابة عبد الرسيد وخيال فعلا فسيح ورحب
                  تحياتي لك أيها المبدع القدير
                  أسعدني أني تعرفت بك
                  الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                  تعليق

                  • عبد الرشيد حاجب
                    أديب وكاتب
                    • 20-06-2009
                    • 803

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة آداب عبد الهادي مشاهدة المشاركة
                    الكاتب المبدع عبد الرشيد حاجب المحترم
                    قصة رائعة حقاً
                    لي عودة إن شاء الله
                    تحياتي
                    أشكرك سيدتي الأديبة والصحفية القديرة آداب عبد الهادي على مرورك بهذا النص المتواضع ، واعتبارك القصة رائعة يسعدني خاصة وقد سبقت وأن قرأت لك قراءات سيكولوجية لقصص قصيرة في مواقع أخرى ، وأظن أن هذا الجانب بالذات هو ما أثار اهتمامك هنا.

                    أنتظر عودتكم أيتها الفاضلة.

                    تحيتي وتقديري.
                    "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​

                    تعليق

                    • سعاد سعيود
                      عضو أساسي
                      • 24-03-2008
                      • 1084

                      #11
                      الكاتب عبد الرشيد حاجب..

                      و تقتلنا الأحلام وتقتل من معنا في كثير من الأحيان..

                      قصّة وخيال و لغة متينة لكنّها تفتقد الزخرفة اللغوية التي تزيد العربية جمالا.. إلا في بعض الزوايا الخافتة الأضواء.

                      ومع تكرار مفردة " الحضن" الذي هو الأمان..يصبح الحلم نقيضه لينقض عليه الموت.

                      خيال وواقع..
                      وكلاهما يدعو للتأمل

                      تحياتي

                      سعاد
                      [SIZE="5"][FONT="Verdana"][COLOR="DarkRed"]كيف أنتظر المطر إذا لم أزرع السنابل..![/COLOR][/FONT][/SIZE]

                      تعليق

                      • رشا عبادة
                        عضـو الملتقى
                        • 08-03-2009
                        • 3346

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة عبد الرشيد حاجب مشاهدة المشاركة
                        حلم قاتل

                        عبد الرشيد حاجب



                        فتحت عينيها وحدقت في الظلمة .أكان ما سمعت حشرجة أم شهقة ؟ أم تراها كانت تحلم ؟ مدت يدها إلى جوارها جنب السرير تتأكد من وجوده . لقد كان هناك . أصاخت السمع وعيناها تدوران في محجريهما . الريح تعوي في الخارج ، والمطر ينقر بأصابعه الخشنة على زجاج النافذة . لا لم يكن صوت الريح ، ولا المطر ما سمعت . إنها متأكدة أنها سمعت حشرجة مخنوقة . لعل سيارة فرملت بقوة لسبب ما تحت النافذة في الطريق ، فخطفتها من سباتها .
                        أغمضت عينيها وراحت تقارن بين ما اختزنت ذاكرتها من أصوات عساها تتبين نوع الحشرجة التي أيقظتها . فجأة تذكرت حشرجة والدها وهو يسلم الروح بين يديها . يا الله ، إنها نفس الحشرجة ما سمعت ! هل كانت تحلم ؟
                        لا. لا . لم تكن تحلم ، هذا الذي سمعته اقشعر له بدنها ، وكأنما مد إليها يدا أخطبوطية وانتشلها من سباتها . مدت يدها وأنارت المصباح الصغير جنب السرير .
                        نظرت إلى زوجها الحبيب غارقا في نومه ، ووجهه يشع طفولة وبراءة . ابتسمت : ( يا له من طفل وسيم بهذا الشارب الأسود ! ). لفت نظرها الابتسامة الساخرة على شفتيه . لقد تأملته مرات ومرات وهو نائم جنبها أو في أحضانها ، ولم تر هذه الابتسامة قط .
                        إنها نفس الابتسامة الساخرة التي أوقعتها في غرامه أول ما وقع بصرها عليه . تنساب على شفتيه كطيف مشع يتناغم مع شعاع ساخر يغلف نظرات عينيه المتقدة ذكاء . ما بال هذه الابتسامة متربعة الآن فوق شفتيه على غير عادته في نومه ؟ أتراه يحلم ؟ فكرت أن تهزه لعل الابتسامة تزول . بدأت الشكوك تراودها على ضوء المصباح الخافت. لعله لا يبتسم بل يتألم من شيء ما . وضعت يدها على جبهته تتحسس حرارته لكنها سحبتها بسرعة كأن عقربا لدغها. كانت جبهته باردة كقطعة ثلج . .قفزت من سريرها ملتاعة وأنارت جميع الأضواء. لم يتحرك . ظل هناك جامدا لا حياة فيه سوى تلك الابتسامة الساخرة التي بدأت تثير جنونها . هل يتعمد أن يلعب دور الميت ليخيفها كما كان يفعل في بداية زواجهما ؟ إنها لا تدري ! نادته فلم يخرج من حلقها صوت . حاولت الصراخ فلم تفلح ، كأن أحجارا تكومت في حنجرتها بدأت تدور في الغرفة كالمصعوقة .وفي الخارج ،ظلت الريح تعوي، والمطر ما ينفك يخربش بوقاحة على زجاج النافذة . التقت عيناها بعينها في مرآة طاولة الزينة . هالها الرعب المتفجر منهما فأشاحت بنظرها عن وجهها ، لتصطدم بوجهه منعكسا على المرآة ، وهو يضحك ساخرا منها . سمعته يقول : ( يا لروعتك يا حبيبتي وأنت ترتجفين رعبا !).ثم تعالت قهقهاته ممتزجة بفحيح الريح ووقع المطر. أغمضت عينيها بقوة ، وعضت شفتها السفلى حتى سال منها خيط من الدم . وجدت طعم الدم مثيرا وهي تمرر لسانها على شفتها المجروحة . خطر لها أن تحمل أي شيء صلب من فوق طاولة الزينة وتستدير إليه وتهشم رأسه الغليظ . ودون أن تفتح عينيها مدت يدها لزجاجة العطر الكريستال الكبيرة المدببة الأطراف وأمسكتها بقوة . وقبل أن تستدير إليه ، جاءها صوته من جديد . لم يكن ضاحكا ولا ساخرا ، بل كان رقيقا ، حنونا ، عميقا ، هامسا : ( لا تجزعي يا صغيرتي .. أنا معك وسأبقى معك .. تعالي هنا إلى أحضاني ) . عضت على شفتها من جديد بكل وحشية وفتحت عينيها . رأته هناك في المرآة فاتحا ذراعيه على آخرهما ونظرة عميقة حزينة في
                        عينيه . أتراه يمثل دورا جديدا هذه المرة ؟ لماذا يكرر اللعين نفس العبارة التي همس لي بها والدي قبل موته ؟ هل يسخر مني ؟ تبا له وتبا لهذا الليل وهذه الريح وهذا المطر . استدارت بعنف وتقدمت نحوه والزجاجة في يدها. كان كما رأته أول مرة أنارت المصباح . مستلقيا على ظهره بلا حراك وابتسامته الساخرة على شفتيه . هزته بقوة فلم يتحرك . هكذا إذن ! خان الوعد وتركها بلا وداع . تفجر في أعماقها بركان من الحمم ، واندفعت حنجرتها في عواء جريح يهز عمق الليل...

                        ظل يهزها محاولا احتضانها وهي تصرخ وتنفض . كان متعودا على كوابيسها التي تهاجم ليلهما بين الحين والآخر . صفعها بقوة ففتحت عينيها. لكن ما إن وقع بصرها عليه حتى دفعته عنها بكل ما أوتيت من قوة ، فسقط عن السرير متدحرجا على الأرض . هرعت إلى زجاجة العطر تحملها وتهوى بها على رأسه والدم يتطاير في كل الأرجاء . واستمرت تضرب وتصرخ : ( لن أدع الموت يسرقك في غفلة مني ! ) إلى أن سقطت فوقه فاقدة الوعي .


                        [align=left]
                        الجزائر في 8 أكتوبر 2009
                        [/align]
                        "لن أدع الموت يسرقك فى غفلة مني"
                        بيدي لابيد عمرو!
                        يا ااالله .. "الله يسامحك يا أستاذنا، قلبت علينا المواجع يا طيب"
                        منذ لحظات الحشرجة المرعبة الأولى" سمعتها مرتين بحياتي، أعرفها جيداً صداها كاد يمزق أذني وأنا أشاهد صورة حروفك، أتدري أستاذي لعلك رأيتهم أيضاً وهم يجاهدون بعيون خائفة متوسلة وكأنهم يرجوننا ان نمد أصابعنا لحلقومهم وننتزع تلك الروح سريعاً!؟
                        أتدري يا أستاذي كم التناقض الذي يعترينا حينها ونحن نقف عاجزين أمام أحب الناس الينا، ندعو بوجوههم وبصوت مسموع، أن تخرج أرواحهم سريعاً رحمة بهم وهم يعانون سكرات الموت القاسية!!... يا االله
                        لا أعرف ربما كنت أبحث لجريمتها الحمقاء تلك عن مبرر نفسي ومرضي
                        نعم أشفق عليها تلك التى إستسلمت لمخاوف الفراق فظلت تجسدها يوميا بأحلامها او كوابيسها كما أشرت بوضوح حضرتك عن كونه كان معتادا على أحلامها المزعجة.
                        أذكر مثل أظنك تعرفه كانت جدتي ترويه لنا كى ننفض عن رؤوسنا بعض مخاوفنا" اللي يخاف من العفريت يطلعله" نعم لقد ظلت بطلة قصتك ترسم تفاصيل "مخاوفها" يوميا تعيد أوجاع فراق أحبتها ، تجلد قلبها بقسوة وكأنها تحمله ذنب رحليهم الى ان كبر العفريت وتضخم وأظنه أوصلها للجنون بالنهاية.
                        أعجبني جدا الربط بين الزوج والأب حتى أنني أحسست بإختلاط ملامحهما على البطلة أحيان كثيرة، وكنت موفقا جدا سيدي بتسليط الضوء على خلفية مشاعرها بربطها بفقدها لأبيها.
                        أعجبني أيضا توضيحك ان زوجها كان معتادا على فعل هذا الأمر معها"هل يتعمد أن يلعب دور الميت ليخيفها كما كان يفعل في بداية زواجهما ؟ إنها لا تدري"
                        ربما أنه وبغباء غير متعمد قد عزز مخاوفها بعد ان أدرك حجم إنزعاجها من هذا الأمر فأصر على تحويله الى مزحة، سخيفة ،متكررة.. ظناً منه ان هذا سينتزع مخاوفها من هذا الأمر!!
                        أيضا رسم التفاصيل الصغيرة لسد كل الثغرات بالحدث
                        مثلاً كإهتمامك بوصف زجاجة العطر الكريستال بأنها مدببة ليسهل تخيل نتيجة عنف الضرب بها.
                        ثم النهاية التي حيرتني فرحت أتساءل هل يمكن ان تكون قتلته بالفعل!؟ هل أتمت الحلم القاتل للنهاية
                        أحسست ان العبارة التى كانت ترددها" لن ادع الموت يسرقك مني!" تدل على انها واعية لم يعد الأمر مجرد حلم أستفذها فيه الزوج بتمثيل الموت فأرادات ان تفرغ غضبها عليه بمحاولة قذفه بالكريستال.
                        ولكن أظنها هنا بدأت حالة الجنون الفعلي او المتوقع بعد صراع طويل مع مخاوف تحتلها حد الهزيمة
                        فكانت تضربه بكل قسوتها وكأنها تضرب هذا الكابوس المتكرر، تضرب مخاوفها لتقتلها وتتخلص منها
                        أو ربما كانت دون وعى منها تقتل السبب الرئيسي الباقي الوحيد الذي يشعل خوفها الدائم من الموت والفراق وهو " زوجها"
                        "ما بين العقل والجنون شعرة، هى ذاتها الشعرة ما بين الوهم والحقيقة الغائبة"
                        وكلنا يعاني لحظات إهتزاز مخيفة أتمنى الا تصل بنا أبدا الى حد الجنون وفقدان السيطرة
                        آسفة على الإطالة كالعادة
                        ربما أردت أن أعبر عن بعض مخاوفي أنا الأخرى من خلال بطلتك أستاذي!
                        كن بخير وسلمت يداك



                        " أعترف بأني لا أمتلك كل الجمال، ولكني أكره كل القبح"
                        كلــنــا مــيـــدان التــحــريـــر

                        تعليق

                        • عبد الرشيد حاجب
                          أديب وكاتب
                          • 20-06-2009
                          • 803

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
                          السلام عليكم
                          نص يملك من عنصر التشويق الكثير...
                          ابداع استمتعت بالمرور به
                          وفقك الله
                          وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

                          أسعدني مرورك وإعجابك بالنص أيتها المبدعة الرقيقة ريمة الخاني.

                          وفقنا الله وإياكم .

                          بكل ود واحترام.
                          "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​

                          تعليق

                          • نضال الشوفي
                            أديب وكاتب
                            • 05-11-2009
                            • 189

                            #14
                            الاستاذ عبد الرشيد
                            يسعدني أن ألتقيك من جديد بكل هذا التشويق الذي أطفاه نصك
                            عرفتك ناقدا وكاتب قصة قصيرة جدا، وها أنا أتعرف على روعة السرد الذي تتقن خلقه
                            إنه من النصوص القليلة التي قرأتها مؤخرا وأنا مغيب تماما عن المكان من حولي

                            تعليق

                            • عبد الرشيد حاجب
                              أديب وكاتب
                              • 20-06-2009
                              • 803

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة حمزة نادي مشاهدة المشاركة
                              أخي وابن بلدي/ عبد الرشيد حاجب

                              أود أن أحييك تحية حارة على هذا التصوير الفني الراقي.. أبحرت بنا الى غرفتها المظلمة وجعلتنا نسترق النظر اليها وهي تصارع قدرها الساخر.. كانت عظيمة تارة بوفائها اليه، حبها القاتل للبسمة المنبثة من ثغره.. لكن تبين أنها لم تفهم سر تلك القهقهات التي كان يطلقها في كل حين فانتقمت من الحلم بضربة على رأسه أردته قتيلا..

                              هي قراءة بسيطة لمشهد درامي يختزل فصلا من فصول الحياة الممتزجة بالألم والأمل.. بالبكاء والضحك .. بالذهاب والإياب..

                              ربما وفقت في قراءة بعض فصول القصة الموجعة.. وولكن ان كان غير ذلك فاعذرني على هذا التطفل.

                              تقبل تحيات أخوك "حمزة نادي "من الجزائر
                              أهلا بالأخ العزيز حمزة نادي ..شرفتني حقا بهذه القراءة المستبطنة ، فالنص الذي يتناول الهواجس والكوابيس غالبا ما يحتاج لتأمل وتأويل ، وقد قرأته من وجهة نظرك وهذا جميل .

                              محبتي أيها الراقي.
                              "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​

                              تعليق

                              يعمل...
                              X