[frame="5 98"]
19/10/2009
آه .. أخيرا انتهت الحرب ،
... وأخيرا يستطيع مسلم بن سالم المسلم العودة إلى سريره باطمئنان ، لقد تعب جدا طوال أيام الحرب ... لم يستطع أن يقدم شيئا من العون للمجاهدين ، كما لم يستطع أن يكون منهم .. ولا أن ينتمي إليهم ، في لحظات الجدارة الربانية التي يكرم بها الله البشر ،
نقم على نفسه جدا ..
لماذا أُسْتُثْنِيَ من المشاركة في الدفاع عن وطنه وعن شعبه وعن وجوده .. لماذا قنع من الرحلة بالإياب ، خالي الوفاض ، منكسر الجبين ..
إنه قوي .. ما زال قويا ، وله باع كبير في مقاومة الصهاينة ، خبراته تدرس وتحكى للأجيال الجديدة من المقاتلين ، ليحسنوا أدائهم القتالي ...
إنها المرة الأولى في حياته النضالية التي يقبع فيها داخل بيته ، أسيرا بدون قيد ..
استلقى على السرير ... لم يستطع النوم ... الشوك كان ينغرس في جلده ... والعرق المالح ينزف من مساماته التي يحس بها وكأنها قد تعفنت من بلادة الضمير ، وتجمد الإحساس ... شعر بالألم وبالوحدة ... والندم ..
طوال الحرب كان يحلم بالسلاح وبالقتال وبالقوة ... كان يستدعي أمجاده القديمة ، وكيف كان يشار إليه بالبنان .. وأنه البطل الشجاع الذي يقتحم الأخطار ، لا يهاب الموت الذي يكمن له في كل جانب ... بل ويندفع بإصرار نحو قتال العدو ..
كان يحلم فقط .. لم يكتشف ذلك إلا عندما استيقظ ... حيث الحرب قد توقفت... والسلاح مقبوضا بيده قد كساه الصدأ ..
وهو .. هو ، مازال في مكانه فوق السرير بجانب الراديو الصغير الذي يأتيه بالأخبار ..
غضب ، وتقلصت عضلات وجهه بشدة ..
حاول النظر إلى المرآة أمامه .. و.. لم يتعرف إلى وجهه الذي خلا من تفاصيله القديمة التي يحبها ..
لم يتمكن من رفع رأسه أمام زوجته وأبناءه .. الذين يقدسونه .. وعيونهم حائرة تدور في تساؤل مبهم ، يحمل الاتهام إليه ..
ماذا سيقول لهم ... وكيف سيبرر تقاعسه واختفاءه في زمن الاحتياج إليه ..
الخزي يتلبسه بالكامل ..
لماذا انتظر
لماذا استسلم للحلم الكابوس ..
لقد انتهت الحرب ، دون ان يمارس جنديته الطبيعية فيها .. ودون ان يصنع تاريخا جديدا له ولوطنه ولشعبه ..
تساءل بالسؤال المحرم .. والواجب ان يسأله .. قبل وصوله إلى هذه اللحظة الغائبة .. حيث الفناء يلتف حوله يريد أن يحمله ليلقيه بعيدا ..
لما لم يكن رجلا لآخر مرة في حياته ... الفرصة عندما تأتي على الإنسان عليه اقتناصها ... وكانت هذه فرصته الأخيرة .. أن يعيش فلسطينيا حقيقيا ..
ولم لم يمارس رجولته الفحولية ، المفعمة بالشجاعة والمروءة ... كعادته القديمة .. لم استسلم خانعا ذليلا ..
لقد ضيع نفسه .. عندما صمت عن الكلام .. والآن يشعر وكأنه باع وجوده كله لسمسار رومي جبان .. وظيفته الوحيدة ... بيع الأوطان .. والشعوب ... والحقوق ...!!
و.. لم يجد جوابا في نفسه يريحه ..
ولم تسعفه قوته وشجاعته وتاريخه النضالي ... باستحضار الجواب ..
أحس انه لو أطلق الجواب من عقاله ، فسيعريه من ورقة التوت التي ما زالت تلتصق بعورته بفعل ضغط الهواء الذي يضربه من كل جانب .. يكاد أن يسقطه ... بلا رحمة ..
لقد انزاحت الغيوم الملبدة جميعها من أمام عينيه ... أصبحت الرؤية أوضح في قلبه مما كانت وهو ما يزال شابا يافعا ..
ماذا يفعل .. لينجو
ماذا يفعل .. ليعود إلى نفسه الأولى .
الفرار .. الفرار ..
نعم ..
ليس أمامه إلا الفرار من هذه اللحظة العارية
فليفر الآن ...
ربما يستطيع الرجوع فيما بعد ..
ربما تحدث المعجزة .... التي وعدوها إياه بانهم سيعودون إلى غزة كما دخلوها اول مرة ... وسيعود إلى جمع الغنائم المحرمة ، التي احرقت ما بقي من تاريخ شفاف .. لا يسمن ولا يغني وحده من جوع ..
فالعبرة بالأواخر .. وليس بالهروب والإنتظار ...
والعبرة بالنتائج .. وليس بالإعتماد على الأعداء ... الذين نهبونا حقوقنا .. فلا أحد يصدق أن الأعداء سيعودون عن جرائمهم ... وسيتركون فلسطين لنا وطنا ...
كيف ... إنها الأوهام التي حشو بها رؤسنا المثاقلة كثقل الطمع وراء جمع الغنائم التي لا يستحقونها ... لأنها لم تكن ملكهم ابدا ..
الوطن ليس غنيمة حرب ليكون لهم وحدهم ..
والناس ليسوا مجموعات من العبيد الآبقين الذين يتوجب تقييدهم ومن ثم ترويضهم على ممارسة العبودية ..
لم يستطع التواصل مع نفسه .. فانفاسه تتسارع اكثر وتصبح عدوانية حتى تكاد تخنقه ..
ليهرب بعيدا قبل استفحال حالته الميئوس منها .
ومسرعا خرج من البيت ..
وهذه المرة كان يعرف طريقه .. لأنه المسموح الوحيد له ان يسير فوقه ..
هكذا علموه .. وهكذا حذروه من ان ينحرف عن خريطتهم الدامية ..
كان يعرف طريقه ..
ليس له طريق سواه ..
الأمل الأخير الباقي بين يديه ...
وإلا فماذا يفعل رجل انهكته الحروب ...واقترب من سن التقاعد .
يريد الموت براحة ..
في حياته لم يطلب الراحة ابدا .. كان يرمي بنفسه وسط الموت ..
ونجا دائما ... طوال حياته وهو يطلب الموت شهيدا .. لكن الحروب الكثيرة وهبته الحياة
ليته ظل في حربه هناك .. بعيدا عن هذه اللحظة المشئومة التي يتم فيها ابتزازه .. حيث لم يعد حرا كما عاش طيلة عمره خارج وطنه .. كان يحسب انه كان مسجونا ومقيدا وهو يمارس ما يريده قبل العودة الأخيرة لبلده ..
لم يدرك كم كان واهما ... لأنه يعيش الذل والقيد والهم هنا في وطنه ومع رفاقه واخوانه .. حتى انه غير مسموح له بالقتال ضد العدو الذي حاربه دائما ...
قالوا له .. أو اجبروه ... العدو القديم أصبح صديقا لنا .. أما العدو الحقيقي فهو الذي يعيش بيننا ، يريد ان يقتل صديقنا الجديد .. بدون حق .. وبلا اتفاق مسبق ..
إنها النار يتلظى بها جسده ... يكاد يحترق حتى نهايته الفاضحة ..
عليه الهروب مرة اخرى ..
عليه ان يواصل الإبتعاد ..
أهل بيته ينتظرون عودته إليهم محملا بما لذ وطاب من فاكهة العدو ، ومن منظفاته الكيميائية التي تعجز اجسادهم عن مقاومة دغدغتها المسيطرة ..
قبل خروجه استمع للراديو جيدا
فأخبره بأن البنوك فتحت أبوابها ..
وطمأنه بأن النقود قد وصلت القطاع بأمان ..
لم تسرقها حماس .. كما أوهموه بأنها سارقة ، ولم توزعها على الفقراء كما أشاعوا انها تنهب اموال الزكاة والصدقات، ولم تعوض بها اصحب البيوت المدمرة التي فجرها العدو بصواريخه القاتلة ، بل كانت لها حارسة .. تؤمنها بالحماية حتى تصل للهدف ..ومنه إلى أيادي الناس ..
وللتأكيد أكثر اتصل بصديقه المناضل الأقرب إليه من أي شخص آخر ، والذي يعيش نفس حكايته ... هكذا كانوا معا منذ أطلق النفير نداءه ،..
وجده ما زال نائما فوق السرير ..
كعادتهما عندما يختبئان من عار تفضحه إشراقة الشمس الجلية ..
وبالرغم من ذلك ..
فقد أكَّدَ له الخبر ...
ولم يبق إلا الذهاب ليستلم راتبه المقرر
كما وعده بذلك مسئوله العاشر او الألف .. في رام الله .
ففي الحقيقة هو لا يعرف من يكون
لكنه يخشاه كثيرا لأنه معروف بالغضب ، ويمكن أن يرتكب أي حماقة ضده
وهو يعرف أيضا بأنه قد أثبت جدارته بالتزامه الصمت الغريب ..
وبالتالي يستحق ان يقبض راتبا .
....
[/frame]
الراتب
بهائي راغب شراب19/10/2009
آه .. أخيرا انتهت الحرب ،
... وأخيرا يستطيع مسلم بن سالم المسلم العودة إلى سريره باطمئنان ، لقد تعب جدا طوال أيام الحرب ... لم يستطع أن يقدم شيئا من العون للمجاهدين ، كما لم يستطع أن يكون منهم .. ولا أن ينتمي إليهم ، في لحظات الجدارة الربانية التي يكرم بها الله البشر ،
نقم على نفسه جدا ..
لماذا أُسْتُثْنِيَ من المشاركة في الدفاع عن وطنه وعن شعبه وعن وجوده .. لماذا قنع من الرحلة بالإياب ، خالي الوفاض ، منكسر الجبين ..
إنه قوي .. ما زال قويا ، وله باع كبير في مقاومة الصهاينة ، خبراته تدرس وتحكى للأجيال الجديدة من المقاتلين ، ليحسنوا أدائهم القتالي ...
إنها المرة الأولى في حياته النضالية التي يقبع فيها داخل بيته ، أسيرا بدون قيد ..
استلقى على السرير ... لم يستطع النوم ... الشوك كان ينغرس في جلده ... والعرق المالح ينزف من مساماته التي يحس بها وكأنها قد تعفنت من بلادة الضمير ، وتجمد الإحساس ... شعر بالألم وبالوحدة ... والندم ..
طوال الحرب كان يحلم بالسلاح وبالقتال وبالقوة ... كان يستدعي أمجاده القديمة ، وكيف كان يشار إليه بالبنان .. وأنه البطل الشجاع الذي يقتحم الأخطار ، لا يهاب الموت الذي يكمن له في كل جانب ... بل ويندفع بإصرار نحو قتال العدو ..
كان يحلم فقط .. لم يكتشف ذلك إلا عندما استيقظ ... حيث الحرب قد توقفت... والسلاح مقبوضا بيده قد كساه الصدأ ..
وهو .. هو ، مازال في مكانه فوق السرير بجانب الراديو الصغير الذي يأتيه بالأخبار ..
غضب ، وتقلصت عضلات وجهه بشدة ..
حاول النظر إلى المرآة أمامه .. و.. لم يتعرف إلى وجهه الذي خلا من تفاصيله القديمة التي يحبها ..
لم يتمكن من رفع رأسه أمام زوجته وأبناءه .. الذين يقدسونه .. وعيونهم حائرة تدور في تساؤل مبهم ، يحمل الاتهام إليه ..
ماذا سيقول لهم ... وكيف سيبرر تقاعسه واختفاءه في زمن الاحتياج إليه ..
الخزي يتلبسه بالكامل ..
لماذا انتظر
لماذا استسلم للحلم الكابوس ..
لقد انتهت الحرب ، دون ان يمارس جنديته الطبيعية فيها .. ودون ان يصنع تاريخا جديدا له ولوطنه ولشعبه ..
تساءل بالسؤال المحرم .. والواجب ان يسأله .. قبل وصوله إلى هذه اللحظة الغائبة .. حيث الفناء يلتف حوله يريد أن يحمله ليلقيه بعيدا ..
لما لم يكن رجلا لآخر مرة في حياته ... الفرصة عندما تأتي على الإنسان عليه اقتناصها ... وكانت هذه فرصته الأخيرة .. أن يعيش فلسطينيا حقيقيا ..
ولم لم يمارس رجولته الفحولية ، المفعمة بالشجاعة والمروءة ... كعادته القديمة .. لم استسلم خانعا ذليلا ..
لقد ضيع نفسه .. عندما صمت عن الكلام .. والآن يشعر وكأنه باع وجوده كله لسمسار رومي جبان .. وظيفته الوحيدة ... بيع الأوطان .. والشعوب ... والحقوق ...!!
و.. لم يجد جوابا في نفسه يريحه ..
ولم تسعفه قوته وشجاعته وتاريخه النضالي ... باستحضار الجواب ..
أحس انه لو أطلق الجواب من عقاله ، فسيعريه من ورقة التوت التي ما زالت تلتصق بعورته بفعل ضغط الهواء الذي يضربه من كل جانب .. يكاد أن يسقطه ... بلا رحمة ..
لقد انزاحت الغيوم الملبدة جميعها من أمام عينيه ... أصبحت الرؤية أوضح في قلبه مما كانت وهو ما يزال شابا يافعا ..
ماذا يفعل .. لينجو
ماذا يفعل .. ليعود إلى نفسه الأولى .
الفرار .. الفرار ..
نعم ..
ليس أمامه إلا الفرار من هذه اللحظة العارية
فليفر الآن ...
ربما يستطيع الرجوع فيما بعد ..
ربما تحدث المعجزة .... التي وعدوها إياه بانهم سيعودون إلى غزة كما دخلوها اول مرة ... وسيعود إلى جمع الغنائم المحرمة ، التي احرقت ما بقي من تاريخ شفاف .. لا يسمن ولا يغني وحده من جوع ..
فالعبرة بالأواخر .. وليس بالهروب والإنتظار ...
والعبرة بالنتائج .. وليس بالإعتماد على الأعداء ... الذين نهبونا حقوقنا .. فلا أحد يصدق أن الأعداء سيعودون عن جرائمهم ... وسيتركون فلسطين لنا وطنا ...
كيف ... إنها الأوهام التي حشو بها رؤسنا المثاقلة كثقل الطمع وراء جمع الغنائم التي لا يستحقونها ... لأنها لم تكن ملكهم ابدا ..
الوطن ليس غنيمة حرب ليكون لهم وحدهم ..
والناس ليسوا مجموعات من العبيد الآبقين الذين يتوجب تقييدهم ومن ثم ترويضهم على ممارسة العبودية ..
لم يستطع التواصل مع نفسه .. فانفاسه تتسارع اكثر وتصبح عدوانية حتى تكاد تخنقه ..
ليهرب بعيدا قبل استفحال حالته الميئوس منها .
ومسرعا خرج من البيت ..
وهذه المرة كان يعرف طريقه .. لأنه المسموح الوحيد له ان يسير فوقه ..
هكذا علموه .. وهكذا حذروه من ان ينحرف عن خريطتهم الدامية ..
كان يعرف طريقه ..
ليس له طريق سواه ..
الأمل الأخير الباقي بين يديه ...
وإلا فماذا يفعل رجل انهكته الحروب ...واقترب من سن التقاعد .
يريد الموت براحة ..
في حياته لم يطلب الراحة ابدا .. كان يرمي بنفسه وسط الموت ..
ونجا دائما ... طوال حياته وهو يطلب الموت شهيدا .. لكن الحروب الكثيرة وهبته الحياة
ليته ظل في حربه هناك .. بعيدا عن هذه اللحظة المشئومة التي يتم فيها ابتزازه .. حيث لم يعد حرا كما عاش طيلة عمره خارج وطنه .. كان يحسب انه كان مسجونا ومقيدا وهو يمارس ما يريده قبل العودة الأخيرة لبلده ..
لم يدرك كم كان واهما ... لأنه يعيش الذل والقيد والهم هنا في وطنه ومع رفاقه واخوانه .. حتى انه غير مسموح له بالقتال ضد العدو الذي حاربه دائما ...
قالوا له .. أو اجبروه ... العدو القديم أصبح صديقا لنا .. أما العدو الحقيقي فهو الذي يعيش بيننا ، يريد ان يقتل صديقنا الجديد .. بدون حق .. وبلا اتفاق مسبق ..
إنها النار يتلظى بها جسده ... يكاد يحترق حتى نهايته الفاضحة ..
عليه الهروب مرة اخرى ..
عليه ان يواصل الإبتعاد ..
أهل بيته ينتظرون عودته إليهم محملا بما لذ وطاب من فاكهة العدو ، ومن منظفاته الكيميائية التي تعجز اجسادهم عن مقاومة دغدغتها المسيطرة ..
قبل خروجه استمع للراديو جيدا
فأخبره بأن البنوك فتحت أبوابها ..
وطمأنه بأن النقود قد وصلت القطاع بأمان ..
لم تسرقها حماس .. كما أوهموه بأنها سارقة ، ولم توزعها على الفقراء كما أشاعوا انها تنهب اموال الزكاة والصدقات، ولم تعوض بها اصحب البيوت المدمرة التي فجرها العدو بصواريخه القاتلة ، بل كانت لها حارسة .. تؤمنها بالحماية حتى تصل للهدف ..ومنه إلى أيادي الناس ..
وللتأكيد أكثر اتصل بصديقه المناضل الأقرب إليه من أي شخص آخر ، والذي يعيش نفس حكايته ... هكذا كانوا معا منذ أطلق النفير نداءه ،..
وجده ما زال نائما فوق السرير ..
كعادتهما عندما يختبئان من عار تفضحه إشراقة الشمس الجلية ..
وبالرغم من ذلك ..
فقد أكَّدَ له الخبر ...
ولم يبق إلا الذهاب ليستلم راتبه المقرر
كما وعده بذلك مسئوله العاشر او الألف .. في رام الله .
ففي الحقيقة هو لا يعرف من يكون
لكنه يخشاه كثيرا لأنه معروف بالغضب ، ويمكن أن يرتكب أي حماقة ضده
وهو يعرف أيضا بأنه قد أثبت جدارته بالتزامه الصمت الغريب ..
وبالتالي يستحق ان يقبض راتبا .
....
[/frame]
تعليق