العصير
تجربة أدبية جديدة = رواية قصيرة جداً جداً؟؟؟؟
الأخوة الأعزاء
بودي هنا ان أخوض تجربة أدبية جديدة وهي كتابة رواية قصيرة جداً، وقد سبق ونشرت الحلقة الأولى منها كقصة قصيرة تحت عنوان " الأعشى" وها هي الحلقة الثانية ، كانت تحت عنوان )" البصيرة "
اما لماذا رواية قصيرة جداً ؟
القصة القصيرة عادة ما تتحدث عن قضية واحدة ضمن مرحلة محددة ، بينما روايتي هذه أحداثها متلاحقة، تتحدث عن عدة مراحل من حياة ( البطل ) الذي تتوالى عليه المفاجآت والصدمات، استعملت اسلوب السرد إلى حد بعيد، ولكني لم أتنازل عن التغلغل في أعماق أحاسيس ( البطل ) والوصول إلى خبايا عقله ونفسه. ولما كانت الرواية عبارة عن قصة حياة، فان روايتي هذه تتحدث عن عصارة حياة ( البطل ) أخذت بعض الأحرف من العناوين الأعشى + البصيرة، لتصبح رواية * العصير * ؟؟
امل ان تنال إعجابكم .
العصير
احتار مصباح المنور في أمره. فرغم كبر سنه إلا أن شبقه كان قوياً، وقد أضحت زوجته عجوزاً وفقاً لاعتباراته ولا تلبي احتياجاته. أخذ يفتش عن حيلة ينفس بها عن طاقته، وسرعان ما وجدها. ذهب عدة مرات إلى "بنات الهوى" ولكن ذلك كان يكلفه الكثير من النقود غير موجودة دائما لديه، إذ لم يكن لديه عمل ثابت. اسودت الدنيا في عينيه، ما العمل؟ ازداد ألمه عندما فكرفي مستقبله ومستقبل أسرته في ظل واقعه حيث كبر الأولاد ومن المفروض أن يعمل على مساعدتهم في إنشاء دور للسكن وتكوين مستقبل لهم. ندم كثيراً لأنه لم يتعلم إذ كان ذلك من الممكن أن يقيه شر الفقر وغدر الزمان. لعن طالعه وتاه بأفكاره المتشعبة ثم قال لنفسه: لن أتحول إلى متسول في سبيل العيش. عليَّ أن اخلق المَخرَج لمشكلتي. بعد تفكير طويل قرر أن ينضم إلى حركة "المحادرة" وهي حركة مواجهة للسلطة تعمل في مجتمعه. هناك أخذ يظهر غيرته الكبيرة على التنظيم ويطرح الأفكار الثورية التي سرعان ما نالت أعجاب الزملاء وتقدم في الحركة حتى اختير أميناً للصندوق. وجنباً إلى جنب أخذ يشكو وضعه المالي وطلب من أعضاء الحركة التوقيع على كفالة لقرض طلبه من احد البنوك. استجاب الأعضاء لطلبه شفقة، وقد سانده أيضا صديقه "إياد". وهنا قررأن"يحوش" ما دفعه البنك مع ما تواجد في صندوق الحركة ويفر هرباً، ولكن ليس قبل أن يترك زوجته، ففي ذلك مخرج لأكثر من إشكالية؛ من ناحية واحدة يخلص من الالتزام فيمساعدة الأولاد، كما أن الزوجة قد شاخت ومن الممكن اصطياد فتاة صبية ثرية، وهكذ اتخلص من كافة الإشكاليات التي وقع فيها. تباً للقدر ما أظلمه! لكن ذلك يتوجب خلق مشاكل تعطي التبرير لخطوته. أخذ يوسع الخلاف مع زوجته لأتفه الأسباب. كان حين ينظرإلى المجلى ويجد صينية أو صحناً عليه يصرخ بزوجته قائلاً:
- لماذا لم تنظفي المجلى حتى ألان؟
وحين كان يجد كرسياً وسط الغرفة يصرخ مجددا:
- بعدين معك بدكيش تصيري تعرفي ترتبي البيت؟
وحين كان يتأخر الطعام قليلاً يهيج
-آه أنت موَّتينا من الجوع، مش حياه هذه.
أدركت الزوجة الفاضلة أن زوجها في أزمة. تحاشت النقاش معه منعاً للخلاف، وكان خلال هذه الفترة يرسم خطته. ينظر إلى المرآة ويفكر كيف يظهر شاباً، وسرعان ما قرر أن يصبغ شعره. أسود أم أشقر؟ احتار في اختيار اللون. أخيراً قرر أن يصبغه باللون الأشقر الباهت، وقال لنفسه:
-إن هذا اللون هو الأقرب للون بشرتي ولن يلاحظ الناس باني قد صبغت شعري. وبعد أن فكر طويلا قرر بيع الأرض التي كان قد ورثها عن أبيه. تألم كثيراً في البداية خاصة وانه كان يعلم كم ستكون صعبة حياة أسرته خاصة لأنه فكر في التراجع عنها. نفخ نفساً طويل:
- افففففففففففففففف
لكنه عاد ليجد المبررات لفعلته إنها لا تفهمني جيدا من حقيأن أعيش
-أنتِ طالق
فاجأ زوجته التي نزل عليها الخبر كالصاعقة فأخذت تبكي مستجدية:
-الآن بعد طول عمر، كيف ستدبر الأولاد الذين جاءت بهم إلى الحياة أليس ذاك حراماً؟ دعني خدامة عندك، مش عشاني عشان الأولاد اللي هم اليوم بحاجة إليك أكثر من أي وقت مضى.
حاولت ثنيه عن قراره إلا انه لم يرضخ أمام استعطافها وصرخ فيوجهها:
- خلص بطلتي تنفعي، قرف يقرفك
حزم أمتعته وسافر ليعيش في قرية نائية. كثيراً ما كان يسافر ليصطحب أحد بنات الهوى في ليلة حمراء فقد أضحت النقود متوفرة بعد الحصول على القرض وتحويش ما كان في صندوق الحركة وبيع الأرض. وكان يحرص علىالحضور إلى بيته المستأجر مع ربطة عنق وحقيبة مدراء ليوحي بأنه شخصية مهمة، وقد نجحت الخطة حيث نجح في الإيقاع بإحدى الفتيات في شباكه، فتزوج منها ولكن الفتاة لمتكن غنية كما أراد. فسرعان ما نفذ المال، وعاد يعاني مجدداً. فتش عن عمل يكسب بهقوته لكن مؤهلاته لم تكن تجيز له العمل في وظيفة محترمة، وبعد تفكير طويل قرر أن يعمل منجماً، وكيف سيكون ذلك؟
فكر قليلاً وسرعان ما وجد الوسيلة، اتصل بشقيقته التي كانت تسكن أحدى القرى وشكا لها ظروفه، مبدياً أسفه على أخطاء الماضي. وأقنعه ابان تعمل معه بعد أن شرح لها الآلية:
- كل ما هو مطلوب أن تتقصي أخبار الناس وتزوديني بها أولا بأول، وبعد أيام معدودة أكون قد حفظت المعلومات فأحضر وأقوم بعملية الفتح بالفنجان مبرزاً المعلومات ونتقاسم الأرباح.
هكذا بدأ يصطاد الناس اليائسين والبائسين.
كان بعد احتساء القهوة، يمسك بالفنجان محدقاً ثم يرفع رأسه وهو ينظر باستغراب إلى وجه زبونته
انظري .. أنظري داخل الفنجان لديك مشكلة ( يصمت قليلاً ثم يكمل حديثه بعد أن يظهر وكأنها انفرجت أساريره) ولكن هناك عمود فرج أنظري إلى الفتحة في الدائرة السوداء.
تحسنت ظروفه المادية فقرر أن يحترف مهنة أخرى ولحسن طالعه وجد صديقه "ساهر" الذي سهل أمره. سوف أصبح كاتباً، قال لنفسه، آه شو فيها، بدأ يكتب القصة القصيرة ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، وجن جنونه عندما لم يلتفت إليه أحد من الأدباء.
سوف أصبح ناقدا. العملية ليست صعبة. أفتش عن أقوال الفلاسفة الأجانب المترجمة واطعّم مقالاتي بأقوال هؤلاء الفلاسفة فأظهر مثقفاً وأصفي حساباتي مع كبار الأدباء، سوف أستفزهم جميعاً. سأكون محط انتباه الحركة الأدبية كلها.
نهض مسروراً لفكرته الجديدة، توجه إلى المرآة لترتيب هندامه. شاهد جذور شعره البيضاء وقد ارتفعت فوق الجلد فقرر أن يصبغه. مزج المركب الخاص الذي كان يحتوي المواد الكيماوية المثبتة للصبغة وكان على عجلة من أمره، فانسكبت المادة على رأسه دون أن يحركها جيداً فسالت على عينيه وعلا صراخه، وما زال يصرخ وليس من مجيب
لقد أصبح أعشى، اختلطت عليه النقاط والحروف في الكلمات فأضحى يرى أل ..نور= بور- وال.. قرار= فرار – والجوار = خوار، كما أضحت تزعجه زقزقة العصافير فيعتبرها نعيقا
***************************
أضحى " مصباح المنور" يستصعب التحرك بحرية مما ادخله في حالة عصبية كبيرة فأخذ يهوج ويموج لأتفه الأسباب حتى أزعج المحيطين به . ولم يقتصر صراخه على ساعات النهار وإنما تعداها أحياناً إلى ساعات الليل المتأخرة حيث السكون يرسل الصوت بعيداً فكبرت حلقة التذمر، احد السكان تساءل:
- من أين جاء هذا المجنون؟ وهل هذا ما كان يناقصنا؟!!
حاول كبار السن وعظه خاصة عندما كانوا يسمعونه يسب رب العالمين بعد تعثراته الكثيرة أثناء ذهابه وإيابه، ولكن عبثًا، ووجد الصغار وسيلتهم للتسلية فأخذوا يلحقون به وهم يخبطون على الأتناك مرددين معاً:
- ها هو المجنون .. ها هو المجنون .
كان هذا يشعل النار تحت قدر عصبيته لتغلي ولتعلو مع الأثير مسبات مما يدخل البهجة إلى نفوس الصبية ويشجعهم على مواصلة لعبتهم . حاول الأهالي منع أولادهم من ممارسة هذه اللعبة ولكنهم فشلوا ؟!! وتطورت اللعبة إلى رميه بالحصى فأضحى لا يجرؤ على الخروج من بيته. وكي ينسى ما ألم به أخد يتعاطى شرب الكحول ووجدت زوجته نفسها تدلق مشاعرها أمام الأقرباء والجيران، إحدى الجارات بقت الحصوة كما يقولون:
- ومن الذي اجبرك ألم تجدي غير هذه الأشكال؟!.
أضافت أخرى بلهجة ساخرة فيها الكثير من حدة:
- واحد طلق زوجته وترك أولاده وجاء ليسكن في بلد ثاني بكون ماله اشي، كان لازم تسألي عنه.
وأضافت وهي تحرك كفيها أمام وجهها
- ولا بس بدنا نتجوز.
وقالت ثالثة:
- كانت في السابق النصيحة تساوي جمل وكان الناس يشتروها اما اليوم صارت ابلاش ما في حدا يشتريها، ما قلنالك هذا واحد فاعل تارك ما كنتي تسمعي .
اقترحت عليه زوجته ترك بلدها والسكن في بلد أخر وكم كانت متفاجئة عندما قبل الاقتراح فوراً، أردت التراجع عن فكرتها، بعد ان فكرت كيف ستترك أهلها ومعارفها، أحست انه سيغمى عليها، ولكنها عادت وقالت لنفسها :
- بلوة وبتليت بلكي بغير جو وبرتاح
تأففت وأضافت:
- نصحوني قلولي شو بدك فيه مرديتش على حدا، بس الزلمي كان في البداية ما شاء الله عليه، كان رايق، يعرف يتصرف ويحكي أحسن من كثير ناس شو اللي جراله ؟ .
حملوا أمتعتهم وسافروا إلى قرية بعيدة وهناك استأجروا بيتاً متواضعاً في وسط القرية ولكن الحظ كان له بالمرصاد فسرعان ما تعثر وكسرت رجله وأصبح عاجزاً كلياً عن الذهاب والإياب فواصل صراخه المرفق بالمسبات مما دفع زوجته لمواجهته بحزم بعد ان عيل صبرها:
- وبعدين معك، العيشه معك مقرفة، وصارت مقرفة أكثر، قلت هاي قسمتي وللي جاي من عند الله يا محلاه، بس قديش بقدر أتحمل بدك تخزي إبليس وتتقي الله ولا ..لاء؟!
صمت لحظة واخذ يهز رأسه ثم وجد نفسه يقول:
- أنا شايف انه الحق معك، أنا أكبرت وشايف انه لازم أتوب وأتدين، ارمي قناني البيرة في الزبالة .
- بسم الله الرحمن الرحيم، شو بدك تعمل؟!!!
- أتدين
قالت باستغراب شديد وقد وضعت اصبعها على أذنها:
- انت؟!.. إيه .. أنا سامعه امنيح؟!!
- اه ليه مستغربه انا رحت واجيت اكثير في حياتي وكبرت في العمر ولازم عاد أتوب .
- طيب حلو أكثير.. الله يقدرك .. من فمك لباب السما، بس كيف بدك أتوب؟ وماذا ستفعل مع صديقك " اياد " الذي وقع لك على كفالة لقرض وهو يلاحقك من قرية إلى أخرى لان دائرة الاجراء تصادر له كل قطعة كهربائية يشتريها بسبب هروبك من الدفع، كيف ستبري ذمتك؟!! شو انت مفكر انه التوبه كلمه بنقولها وخلصنا ؟ لا يا حبيبي لا ، اللي بدو يتوب بدو يسد الحق، ولا هاي مش وارده في حساباتك؟ بعدين انا ما بدي أاكل حرام.. بعدين ما تركت اشي لاولادك كله شفطته ومرتك طلقتها وتجاوزتني وإحنا الله ما بعثلنا أولاد، وكل العمر ما اطلعت على أولادك ليه؟؟ ليه .. ليههههههه .. التهيت في ذاتك وصرت تحسد الناجحين وتهاجمهن؟ شفت القشه اللي في عنين الناس وما شفت الخشبه اللي في عينك، كم مرة ذكرتك في المثل اللي بقول "الحاسود لا يسود" .. كم مرة قلتلك أولادك، اولادك من دمك ولحمك مش لازم تنساهن او تتخلى عنهن وأنا مستعدة أروح معك، اسه صاروا شباب ابتعرفهن إذا التقيت معهم بالصدفة في الشارع؟ اتشوفهن، نظرك مش رح يساعدك، على الأقل تعرف شو أخبارهن
ووجد نفسه يبكي بصوت عال:
- لا توجعيلي قلبي من شان الله .. من شان الله انت مش حاسي شو جواتي، ما كان هذا اللي ضغطني كل الوقت، حاسس حالي بدي أفقع، واللي أعظم من هيك، أعرفت انه بنتي أتجوزت وقتل جوزها في حادث طرق وما رحت واسيتها اااااااه عهزمن الزفت .
- كله من ايدك
- قلتلك بكفي، ان شاء الله يقدرني واقدر احتضنهم بين ايدي، أشم ريحتهن واسمع صوتهن، سامحني يا ربي، انا بدي أتووووب.. بدي أتدين.. بدي ا.. ت.. د.. يييييييينن
واختنق صوته .
تجربة أدبية جديدة = رواية قصيرة جداً جداً؟؟؟؟
الأخوة الأعزاء
بودي هنا ان أخوض تجربة أدبية جديدة وهي كتابة رواية قصيرة جداً، وقد سبق ونشرت الحلقة الأولى منها كقصة قصيرة تحت عنوان " الأعشى" وها هي الحلقة الثانية ، كانت تحت عنوان )" البصيرة "
اما لماذا رواية قصيرة جداً ؟
القصة القصيرة عادة ما تتحدث عن قضية واحدة ضمن مرحلة محددة ، بينما روايتي هذه أحداثها متلاحقة، تتحدث عن عدة مراحل من حياة ( البطل ) الذي تتوالى عليه المفاجآت والصدمات، استعملت اسلوب السرد إلى حد بعيد، ولكني لم أتنازل عن التغلغل في أعماق أحاسيس ( البطل ) والوصول إلى خبايا عقله ونفسه. ولما كانت الرواية عبارة عن قصة حياة، فان روايتي هذه تتحدث عن عصارة حياة ( البطل ) أخذت بعض الأحرف من العناوين الأعشى + البصيرة، لتصبح رواية * العصير * ؟؟
امل ان تنال إعجابكم .
العصير
احتار مصباح المنور في أمره. فرغم كبر سنه إلا أن شبقه كان قوياً، وقد أضحت زوجته عجوزاً وفقاً لاعتباراته ولا تلبي احتياجاته. أخذ يفتش عن حيلة ينفس بها عن طاقته، وسرعان ما وجدها. ذهب عدة مرات إلى "بنات الهوى" ولكن ذلك كان يكلفه الكثير من النقود غير موجودة دائما لديه، إذ لم يكن لديه عمل ثابت. اسودت الدنيا في عينيه، ما العمل؟ ازداد ألمه عندما فكرفي مستقبله ومستقبل أسرته في ظل واقعه حيث كبر الأولاد ومن المفروض أن يعمل على مساعدتهم في إنشاء دور للسكن وتكوين مستقبل لهم. ندم كثيراً لأنه لم يتعلم إذ كان ذلك من الممكن أن يقيه شر الفقر وغدر الزمان. لعن طالعه وتاه بأفكاره المتشعبة ثم قال لنفسه: لن أتحول إلى متسول في سبيل العيش. عليَّ أن اخلق المَخرَج لمشكلتي. بعد تفكير طويل قرر أن ينضم إلى حركة "المحادرة" وهي حركة مواجهة للسلطة تعمل في مجتمعه. هناك أخذ يظهر غيرته الكبيرة على التنظيم ويطرح الأفكار الثورية التي سرعان ما نالت أعجاب الزملاء وتقدم في الحركة حتى اختير أميناً للصندوق. وجنباً إلى جنب أخذ يشكو وضعه المالي وطلب من أعضاء الحركة التوقيع على كفالة لقرض طلبه من احد البنوك. استجاب الأعضاء لطلبه شفقة، وقد سانده أيضا صديقه "إياد". وهنا قررأن"يحوش" ما دفعه البنك مع ما تواجد في صندوق الحركة ويفر هرباً، ولكن ليس قبل أن يترك زوجته، ففي ذلك مخرج لأكثر من إشكالية؛ من ناحية واحدة يخلص من الالتزام فيمساعدة الأولاد، كما أن الزوجة قد شاخت ومن الممكن اصطياد فتاة صبية ثرية، وهكذ اتخلص من كافة الإشكاليات التي وقع فيها. تباً للقدر ما أظلمه! لكن ذلك يتوجب خلق مشاكل تعطي التبرير لخطوته. أخذ يوسع الخلاف مع زوجته لأتفه الأسباب. كان حين ينظرإلى المجلى ويجد صينية أو صحناً عليه يصرخ بزوجته قائلاً:
- لماذا لم تنظفي المجلى حتى ألان؟
وحين كان يجد كرسياً وسط الغرفة يصرخ مجددا:
- بعدين معك بدكيش تصيري تعرفي ترتبي البيت؟
وحين كان يتأخر الطعام قليلاً يهيج
-آه أنت موَّتينا من الجوع، مش حياه هذه.
أدركت الزوجة الفاضلة أن زوجها في أزمة. تحاشت النقاش معه منعاً للخلاف، وكان خلال هذه الفترة يرسم خطته. ينظر إلى المرآة ويفكر كيف يظهر شاباً، وسرعان ما قرر أن يصبغ شعره. أسود أم أشقر؟ احتار في اختيار اللون. أخيراً قرر أن يصبغه باللون الأشقر الباهت، وقال لنفسه:
-إن هذا اللون هو الأقرب للون بشرتي ولن يلاحظ الناس باني قد صبغت شعري. وبعد أن فكر طويلا قرر بيع الأرض التي كان قد ورثها عن أبيه. تألم كثيراً في البداية خاصة وانه كان يعلم كم ستكون صعبة حياة أسرته خاصة لأنه فكر في التراجع عنها. نفخ نفساً طويل:
- افففففففففففففففف
لكنه عاد ليجد المبررات لفعلته إنها لا تفهمني جيدا من حقيأن أعيش
-أنتِ طالق
فاجأ زوجته التي نزل عليها الخبر كالصاعقة فأخذت تبكي مستجدية:
-الآن بعد طول عمر، كيف ستدبر الأولاد الذين جاءت بهم إلى الحياة أليس ذاك حراماً؟ دعني خدامة عندك، مش عشاني عشان الأولاد اللي هم اليوم بحاجة إليك أكثر من أي وقت مضى.
حاولت ثنيه عن قراره إلا انه لم يرضخ أمام استعطافها وصرخ فيوجهها:
- خلص بطلتي تنفعي، قرف يقرفك
حزم أمتعته وسافر ليعيش في قرية نائية. كثيراً ما كان يسافر ليصطحب أحد بنات الهوى في ليلة حمراء فقد أضحت النقود متوفرة بعد الحصول على القرض وتحويش ما كان في صندوق الحركة وبيع الأرض. وكان يحرص علىالحضور إلى بيته المستأجر مع ربطة عنق وحقيبة مدراء ليوحي بأنه شخصية مهمة، وقد نجحت الخطة حيث نجح في الإيقاع بإحدى الفتيات في شباكه، فتزوج منها ولكن الفتاة لمتكن غنية كما أراد. فسرعان ما نفذ المال، وعاد يعاني مجدداً. فتش عن عمل يكسب بهقوته لكن مؤهلاته لم تكن تجيز له العمل في وظيفة محترمة، وبعد تفكير طويل قرر أن يعمل منجماً، وكيف سيكون ذلك؟
فكر قليلاً وسرعان ما وجد الوسيلة، اتصل بشقيقته التي كانت تسكن أحدى القرى وشكا لها ظروفه، مبدياً أسفه على أخطاء الماضي. وأقنعه ابان تعمل معه بعد أن شرح لها الآلية:
- كل ما هو مطلوب أن تتقصي أخبار الناس وتزوديني بها أولا بأول، وبعد أيام معدودة أكون قد حفظت المعلومات فأحضر وأقوم بعملية الفتح بالفنجان مبرزاً المعلومات ونتقاسم الأرباح.
هكذا بدأ يصطاد الناس اليائسين والبائسين.
كان بعد احتساء القهوة، يمسك بالفنجان محدقاً ثم يرفع رأسه وهو ينظر باستغراب إلى وجه زبونته
انظري .. أنظري داخل الفنجان لديك مشكلة ( يصمت قليلاً ثم يكمل حديثه بعد أن يظهر وكأنها انفرجت أساريره) ولكن هناك عمود فرج أنظري إلى الفتحة في الدائرة السوداء.
تحسنت ظروفه المادية فقرر أن يحترف مهنة أخرى ولحسن طالعه وجد صديقه "ساهر" الذي سهل أمره. سوف أصبح كاتباً، قال لنفسه، آه شو فيها، بدأ يكتب القصة القصيرة ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، وجن جنونه عندما لم يلتفت إليه أحد من الأدباء.
سوف أصبح ناقدا. العملية ليست صعبة. أفتش عن أقوال الفلاسفة الأجانب المترجمة واطعّم مقالاتي بأقوال هؤلاء الفلاسفة فأظهر مثقفاً وأصفي حساباتي مع كبار الأدباء، سوف أستفزهم جميعاً. سأكون محط انتباه الحركة الأدبية كلها.
نهض مسروراً لفكرته الجديدة، توجه إلى المرآة لترتيب هندامه. شاهد جذور شعره البيضاء وقد ارتفعت فوق الجلد فقرر أن يصبغه. مزج المركب الخاص الذي كان يحتوي المواد الكيماوية المثبتة للصبغة وكان على عجلة من أمره، فانسكبت المادة على رأسه دون أن يحركها جيداً فسالت على عينيه وعلا صراخه، وما زال يصرخ وليس من مجيب
لقد أصبح أعشى، اختلطت عليه النقاط والحروف في الكلمات فأضحى يرى أل ..نور= بور- وال.. قرار= فرار – والجوار = خوار، كما أضحت تزعجه زقزقة العصافير فيعتبرها نعيقا
***************************
أضحى " مصباح المنور" يستصعب التحرك بحرية مما ادخله في حالة عصبية كبيرة فأخذ يهوج ويموج لأتفه الأسباب حتى أزعج المحيطين به . ولم يقتصر صراخه على ساعات النهار وإنما تعداها أحياناً إلى ساعات الليل المتأخرة حيث السكون يرسل الصوت بعيداً فكبرت حلقة التذمر، احد السكان تساءل:
- من أين جاء هذا المجنون؟ وهل هذا ما كان يناقصنا؟!!
حاول كبار السن وعظه خاصة عندما كانوا يسمعونه يسب رب العالمين بعد تعثراته الكثيرة أثناء ذهابه وإيابه، ولكن عبثًا، ووجد الصغار وسيلتهم للتسلية فأخذوا يلحقون به وهم يخبطون على الأتناك مرددين معاً:
- ها هو المجنون .. ها هو المجنون .
كان هذا يشعل النار تحت قدر عصبيته لتغلي ولتعلو مع الأثير مسبات مما يدخل البهجة إلى نفوس الصبية ويشجعهم على مواصلة لعبتهم . حاول الأهالي منع أولادهم من ممارسة هذه اللعبة ولكنهم فشلوا ؟!! وتطورت اللعبة إلى رميه بالحصى فأضحى لا يجرؤ على الخروج من بيته. وكي ينسى ما ألم به أخد يتعاطى شرب الكحول ووجدت زوجته نفسها تدلق مشاعرها أمام الأقرباء والجيران، إحدى الجارات بقت الحصوة كما يقولون:
- ومن الذي اجبرك ألم تجدي غير هذه الأشكال؟!.
أضافت أخرى بلهجة ساخرة فيها الكثير من حدة:
- واحد طلق زوجته وترك أولاده وجاء ليسكن في بلد ثاني بكون ماله اشي، كان لازم تسألي عنه.
وأضافت وهي تحرك كفيها أمام وجهها
- ولا بس بدنا نتجوز.
وقالت ثالثة:
- كانت في السابق النصيحة تساوي جمل وكان الناس يشتروها اما اليوم صارت ابلاش ما في حدا يشتريها، ما قلنالك هذا واحد فاعل تارك ما كنتي تسمعي .
اقترحت عليه زوجته ترك بلدها والسكن في بلد أخر وكم كانت متفاجئة عندما قبل الاقتراح فوراً، أردت التراجع عن فكرتها، بعد ان فكرت كيف ستترك أهلها ومعارفها، أحست انه سيغمى عليها، ولكنها عادت وقالت لنفسها :
- بلوة وبتليت بلكي بغير جو وبرتاح
تأففت وأضافت:
- نصحوني قلولي شو بدك فيه مرديتش على حدا، بس الزلمي كان في البداية ما شاء الله عليه، كان رايق، يعرف يتصرف ويحكي أحسن من كثير ناس شو اللي جراله ؟ .
حملوا أمتعتهم وسافروا إلى قرية بعيدة وهناك استأجروا بيتاً متواضعاً في وسط القرية ولكن الحظ كان له بالمرصاد فسرعان ما تعثر وكسرت رجله وأصبح عاجزاً كلياً عن الذهاب والإياب فواصل صراخه المرفق بالمسبات مما دفع زوجته لمواجهته بحزم بعد ان عيل صبرها:
- وبعدين معك، العيشه معك مقرفة، وصارت مقرفة أكثر، قلت هاي قسمتي وللي جاي من عند الله يا محلاه، بس قديش بقدر أتحمل بدك تخزي إبليس وتتقي الله ولا ..لاء؟!
صمت لحظة واخذ يهز رأسه ثم وجد نفسه يقول:
- أنا شايف انه الحق معك، أنا أكبرت وشايف انه لازم أتوب وأتدين، ارمي قناني البيرة في الزبالة .
- بسم الله الرحمن الرحيم، شو بدك تعمل؟!!!
- أتدين
قالت باستغراب شديد وقد وضعت اصبعها على أذنها:
- انت؟!.. إيه .. أنا سامعه امنيح؟!!
- اه ليه مستغربه انا رحت واجيت اكثير في حياتي وكبرت في العمر ولازم عاد أتوب .
- طيب حلو أكثير.. الله يقدرك .. من فمك لباب السما، بس كيف بدك أتوب؟ وماذا ستفعل مع صديقك " اياد " الذي وقع لك على كفالة لقرض وهو يلاحقك من قرية إلى أخرى لان دائرة الاجراء تصادر له كل قطعة كهربائية يشتريها بسبب هروبك من الدفع، كيف ستبري ذمتك؟!! شو انت مفكر انه التوبه كلمه بنقولها وخلصنا ؟ لا يا حبيبي لا ، اللي بدو يتوب بدو يسد الحق، ولا هاي مش وارده في حساباتك؟ بعدين انا ما بدي أاكل حرام.. بعدين ما تركت اشي لاولادك كله شفطته ومرتك طلقتها وتجاوزتني وإحنا الله ما بعثلنا أولاد، وكل العمر ما اطلعت على أولادك ليه؟؟ ليه .. ليههههههه .. التهيت في ذاتك وصرت تحسد الناجحين وتهاجمهن؟ شفت القشه اللي في عنين الناس وما شفت الخشبه اللي في عينك، كم مرة ذكرتك في المثل اللي بقول "الحاسود لا يسود" .. كم مرة قلتلك أولادك، اولادك من دمك ولحمك مش لازم تنساهن او تتخلى عنهن وأنا مستعدة أروح معك، اسه صاروا شباب ابتعرفهن إذا التقيت معهم بالصدفة في الشارع؟ اتشوفهن، نظرك مش رح يساعدك، على الأقل تعرف شو أخبارهن
ووجد نفسه يبكي بصوت عال:
- لا توجعيلي قلبي من شان الله .. من شان الله انت مش حاسي شو جواتي، ما كان هذا اللي ضغطني كل الوقت، حاسس حالي بدي أفقع، واللي أعظم من هيك، أعرفت انه بنتي أتجوزت وقتل جوزها في حادث طرق وما رحت واسيتها اااااااه عهزمن الزفت .
- كله من ايدك
- قلتلك بكفي، ان شاء الله يقدرني واقدر احتضنهم بين ايدي، أشم ريحتهن واسمع صوتهن، سامحني يا ربي، انا بدي أتووووب.. بدي أتدين.. بدي ا.. ت.. د.. يييييييينن
واختنق صوته .
تعليق