ساعة البحر تدق ٱحتراقا !
- 1 -
منذ أن برزت تفاحـتا صدرها وﭐسـتدارتا كبرعم صغير والأبواب المسيجة
بحديد ليل شائك تنتفض بدواخلها ، دون أن تنفتح .ووحدها اللاءات القديمة تطوق رغباتها
المكتومة ، وبرأسها دوائر سؤال حارق يتسع .. وذاك الصوت البعيد .. يقرر :
- بين كومة التبن وبرميل البنزين ، أصابع شيطان يضرم الفتيل . لفافة واحدة من
الغواية قد تكفي وينتهي الأمر كله .. بالعار !!
لما كررت هذا له ، ضحك بٱقتضاب شديد فيما عيناه ظلتا جادتين .
تقدمت نحو البحرالهادر أمام مرأى بصرهما وبيدها حفنة رمل ساخنة بدأت تنفلت من بين
أصابعها ببطء . كان هو لايزال متأبطا سترته الجلدية السوداء وياقة قميصه الأبيض
تنفرج قليلا لتكشف عن شعيرات ناعمة تمتد أسفل العنق مثل شجرة مباركة .
للحظة وجيزة تمنت لو تحتمي بغابة صدره من
مخاوفها ، لكنها ﭐكتفت بأن نفضت يديها من الرمل بحركة سريعة .
- أنت بحاجة الى رجل يزلزل المفاهيم من تحت قدميك !! أشفق على شبابك الغض
وأنا أراه يضيع بقوقعة الرطوبة ، العمر يمضي .. وصنارة قلبك يفترض فيها ألا تكون
فارغة من لحظات جنون حقيقية ، تعرفك قيمة الحرية والتمرد..
- ولو .. لو فعلت ولحست موجة الجنون أقدام ليلنا ..ماعساك تقول
لأغنية البحر بصدري ؟؟
- البحر يعرف أنه مجرد حوض صغير لما أحمله بين ضلوعي
من أسماك الحب لأجلك !!
اتسعت نظراتهما بالمدى ، كانت تريد أن تقول له شيئا آخر لكنه
عاجلها بعناق مشجع :
- إنسي الرقيب .. وٱنطلقي .. نحن هنا أمام بحر سيعقد قران قلبين فدعيه يفعل ..
التصقت بذراعه بجذل :
- فليكن قرانا كاثوليكيا إذن !!
مرر يده فوق خصلات شعرها الغزير وسمعها تقول بنبرة حالمة :
- أظنني قد ﭐرتديت صندل الحماقات وسرت به بعيدا معك الى حيث لاأدري.
هل تدري أنت؟؟
- دعي الأسئلة جانبا وٱتركي مسافة منطقة حرة ، نتحاور من خلالها بصمت جميل .
تبسما لبعضهما البعض . وكان البحر أمامـهما يشهق .. ضـاحكا !!
* * * *
- 2 -
بحر .. مرة أخرى ..
والشمس مشغولة بسحب منديلها البرتقالي من دولاب الفضاء لتغطي به
أديم غســق حزين وخلف نتوءات الصخر همسات عـشاق محمومة ، تتلصص عليهم
كعادتها بنظرة باردة .
تراهم على تلك الحال كل أسبوع تقريبا، يتبادلون غيبوبتهم عن العالم
ودون أن يتجرأ أحدهما على فتح عينيه ليفاجيء الآخر: " سمان الحب ستأكلهن
عجاف الخيانة .. فمن يخون أولا ؟؟ "
لم تفكر في الأمر طويلا ، لكنها أغمدت حشرجة أنفاسها المتقطعة
ويداها مدسوستان بجيوب بنطالها الأزرق ، متقدمة بثبات نحو الزرقة .
تركت الموج يلعق حذائها ومساحة من الدخان
تنتشر بأفق الذاكرة :
- متى ستقابل والدي ؟؟
- ولماذا أقابله ؟؟
- لكأنك لاتدري ؟؟
- لن نركب سفينة مخرومة بعدما طردت من عملي !!
- لكن الوقت لم يعد في صالحي ...!!
- ولا أنا ..!!
- لن تفعل هذا بي!!
- ................ !!
كانت كل دواخـلها قد بدأت تنتفض من جديد كما لو أن دماء الشمس قد سرت
في عروقها بدبيب حارق . وجهها شاحب لايزال ..
أرخت رأسها فوق كتفها ثم خطت ، تخبط حذاءها بعنف ﭐنســحق له شيء بقلبها .
فتحت عينيها بسعة . سحبت نفسا عميقا جدا ودون أن تلتفت الى الوراء
ولا الى حبر السحب الداكنة ولكن نظراتها وجسدها يغوص تدريجيا بجوف البحر ..
كانت محمومة بحمرة زاهية !!
خديجة موادي
الدار البيضاء / المغرب
تعليق