أشرق الصبح وغنت بالأناشيد الطيور ، وتسلل غناؤها إلى سمعى من خلال نافذة تطل على ما يشبه الحديقة .
صحوت من نومى ، صليت صباحى ، وتناولت ما تيسر من طعام ، وخرجت من فورى إلى المقهى - مقهى الساخرين .
جلست على مقعدى المفضل فى مواجهة الشارع ؛ أتناول فى بطء فنجانى الساخراللذيذ.
رأيته من بعيد يفتح دكانه الذى ورثه عن أبيه الذى ورثه عن جدّه فى سلسلة متعددةالحلقات .
صحوت من نومى ، صليت صباحى ، وتناولت ما تيسر من طعام ، وخرجت من فورى إلى المقهى - مقهى الساخرين .
جلست على مقعدى المفضل فى مواجهة الشارع ؛ أتناول فى بطء فنجانى الساخراللذيذ.
رأيته من بعيد يفتح دكانه الذى ورثه عن أبيه الذى ورثه عن جدّه فى سلسلة متعددةالحلقات .
نظف الدكان ، ورشّ أمامه من الماء ما يسكّن به تراباً تثيره الأقدام المنهكة ، إنه والحق يقال قد قام بتطوير الدكان ، وتحسينه حتى صار مضرب المثل فى جودة البضاعة وحُسْن السمعة .
جلس أمام الدكان تعلو وجهَه المستدير ابتسامة لزجة ، ونظرة لايمكنك تحديد مغزاها ، تعلو رأسه لافتة عريضة ، كتبها خطّاط بارع ...
" منتوف عريان السنكوحلى- لتجارة المبادئ والقيم - بيع /شراء / استبدال " .
وتعجبتُ ثم تذكرت أن الأيام أيامُ انتخابات ( مجلس الشعب ) ، وكل مرشح يضع مبدأه على لافتة يجذب إليه المغفلين ، ويدغدغ عواطف البسطاء .
" منتوف عريان السنكوحلى- لتجارة المبادئ والقيم - بيع /شراء / استبدال " .
وتعجبتُ ثم تذكرت أن الأيام أيامُ انتخابات ( مجلس الشعب ) ، وكل مرشح يضع مبدأه على لافتة يجذب إليه المغفلين ، ويدغدغ عواطف البسطاء .
* من بعيد جاء الزبون الأول قصير بطين ، يلهث مثل قط سمين ، طاردته عشرات الكلاب ، جمع المال من بيع الوهم فى شركات توظيف الأموال ، والآن وجَب تحصين المبلغ بحصانة البرلمان .
نظر إليه صاحب الدكان كأنما يُفصّل له زوج من الأحذية على مقاسه ، ثم أعطاه مبدأه المناسب (النزاهة سر نجاحنا ) وخرج صاحبنا يحسد نفسه على ما أصابَ من توفيق .
* وجاء الآخر طويل عريض يسيل كبرياءً وفخراً ، يقفز أمامه أحد أتباعه مثل قرد عجوز ، لم يَعُدْ يجيد الرقص ، إنه ضابط شرطة برتبةلواء سابق - وعلى نفس القياس السابق اختار له صاحب الدكان مبدأ ( نعم لحماية حقوق المواطن - لا لقانون الطوارئ ) ، حمل مبدأه فى غير مبالاة وانصرف .
* وجاء الثالث يرفل فى حلة زاهية تزين أصابعه الخواتم الذهبية المرصّعة - زاد عليهامؤخّراً سِبْحَةً من صنع الصين الشقيقة .
لطالما شُوهِدَ داخلاً أو خارجاً من بيوت ليست فوق مستوى الشبهات وكم ارتكب من جرائم الشرف على مذبح الفقر والحرمان .
نظر إليه صاحب الدكان طويلاً وتردّد وأخيراً أعطاه مبدأً رآه مناسباً (نعم لتطبيق شَرْع الله فى الأرض !! ) .
لطالما شُوهِدَ داخلاً أو خارجاً من بيوت ليست فوق مستوى الشبهات وكم ارتكب من جرائم الشرف على مذبح الفقر والحرمان .
نظر إليه صاحب الدكان طويلاً وتردّد وأخيراً أعطاه مبدأً رآه مناسباً (نعم لتطبيق شَرْع الله فى الأرض !! ) .
ساعاتٌ طويلة لم ينقطع خلالها سيل الزبائن ، من المرشحين التعساء للمنصب العجيب ، هذا يريد الصدق والإخلاص ، وهذا يفضل العمل فى صمت ، أما هذا فيريد إقامة دولة الإسلام ، ويعيدها خلافة راشدة ، وهذا نصير الكادحين - لكنّ ما أثار شهيتى للضحك ، هو ذلك العجوز ذو الثمانين ربيعاً ، وهو يدعو الشباب إلى انتخابه ، للعمل معاًعلى طريق المستقبل .
* بمرورالوقت قلّ عدد الزبائن ، وتباطأت الخطوات ، ومع الغروب جاء الأخير ، سأل بلا مبالاة : -
هل بقى لديك من المبادئ شيء ؟!
وأجاب صاحب المحل بالنفى ، لا .. كل المبادئ بيعت يا سيدى !
لم ينزعج - همّ بالانصراف لكن البائع استوقفه - لحظة ياسيدى ، لقد ذكرت مبدأ قديماً وأنا أنظف المخزن يبدو أنّ والدى ألقاه هناك ، لعدم الصلاحية للمرحلة الحالية .
هل بقى لديك من المبادئ شيء ؟!
وأجاب صاحب المحل بالنفى ، لا .. كل المبادئ بيعت يا سيدى !
لم ينزعج - همّ بالانصراف لكن البائع استوقفه - لحظة ياسيدى ، لقد ذكرت مبدأ قديماً وأنا أنظف المخزن يبدو أنّ والدى ألقاه هناك ، لعدم الصلاحية للمرحلة الحالية .
طلب الزبون إحضاره على الفور، وذهب البائع وجاء بالمبدأ الأخير- نفض التراب عنه وقرأوا جميعاً : -
( الاستقلال التام ، أوالموت الزؤام -لا للاستعمار - تسقط بريطانيا العظمى ) تساءل المرشح فى بلاهة : -
هل يصلح هذا المبدأ فى المرحلة الحالية ، وأقنعه البائع واشترى المبدأ
لعله من باب أداء الواجب وخرج يجر مبدأه القديم .
وجاء يوم الحَسْم ، وارتفع غبار المعركة ، واختلف الأحزاب من بينهم ، وويل للذين فشلوا فى تلك المعركةالغريبة .
ثم انجلى الغبار ، ونجح صاحب آخر المبادئ - الاستقلال التامّ أو الموت الزؤا ....
واندهشت ومعى كلُّ رواد المقهى !!
كيف نجح ؟ مَنْ أعطاه صوته ؟ وعلى أىّ أساس؟!
هل نام الناس كلّ هذا الزمن ، فلما استيقظوا انتخبوه ، على أساس المبدأ القديم ؟!
إذن ما أشبههم بأهل الكهف ، إذ أرسلوا أحدهم بوَرِقِِهم إلى المدينة ، ينظر أيها أزكى طعاماً ، وهم يظنّون أنّ الزمان هو الزمان !! .
( الاستقلال التام ، أوالموت الزؤام -لا للاستعمار - تسقط بريطانيا العظمى ) تساءل المرشح فى بلاهة : -
هل يصلح هذا المبدأ فى المرحلة الحالية ، وأقنعه البائع واشترى المبدأ
لعله من باب أداء الواجب وخرج يجر مبدأه القديم .
وجاء يوم الحَسْم ، وارتفع غبار المعركة ، واختلف الأحزاب من بينهم ، وويل للذين فشلوا فى تلك المعركةالغريبة .
ثم انجلى الغبار ، ونجح صاحب آخر المبادئ - الاستقلال التامّ أو الموت الزؤا ....
واندهشت ومعى كلُّ رواد المقهى !!
كيف نجح ؟ مَنْ أعطاه صوته ؟ وعلى أىّ أساس؟!
هل نام الناس كلّ هذا الزمن ، فلما استيقظوا انتخبوه ، على أساس المبدأ القديم ؟!
إذن ما أشبههم بأهل الكهف ، إذ أرسلوا أحدهم بوَرِقِِهم إلى المدينة ، ينظر أيها أزكى طعاماً ، وهم يظنّون أنّ الزمان هو الزمان !! .
نظرتُ وأصدقاء المقهى الحبيب إلى الدكان ، الذى كان حديث المدينة بالأمس القريب ، فإذا هو مُغْلق وعليه لافتة من صُنْع الخطاط البارع نفسه ، لكنها هذه المَرّة تقول : -
( الدكّان مغلق لحين حلول موعد الانتخابات القادمة )
تعليق