قصة قصيرة( الحقير ) كتبها / عبد الهادي شلا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الهادي شلا
    عضو الملتقى
    • 28-09-2009
    • 29

    قصة قصيرة( الحقير ) كتبها / عبد الهادي شلا

    (( الحقــير ))


    ما كان بمقدورأيّ منا أن يهيئه ليكون لقائنا الأول .. حقيران و إمرأة حقيرة ..التقينــا!!
    في الوقت الذي أعلنت كبريات الشركات عن تسريح أعداد كبيرة من موظفيها في ظل الركود العام والوضع الإقتصادي العالمي المتردي ، إلا أنها الشركة الوحيدة التي أعلنتعبر العديد من الوسائل عن حاجتها لشغل وظيفة سكرتير شخصي لرئيس مجلس إدارتها .
    عاطلا عن العمل ..كنت، فما انتَظـَـرت أن أتقدم لها عبر موقع الشركة الألكتروني ، بل اتصَـلتُ تليفونيا وما تَمَكـَنَت الموظفة التي استقبلت مكالمتي بصبر أيوب من إقناعي بأنه لن يُنظـــَر في أي طلب لا يُقـَدَّم عبر البريد الألكتروني ويجب الانتظار حتى يتم فـرز المؤهلين لهذه الوظيفة، فأطـلَقتُ أقصى ما عندي من دمٍ ثقـيل يصعُب إحتماله مواصلا حديثي بلا انقطاع، ولأقطَع عليها الطريق لأي فرصة للإعتذار أو الرفض مُصــِرًا أنني الشخص المطلوب وعلى المسئول الإداري المُختص أن يكون في استقبالي غدا صباحا مؤكـدا لها أنني أُثَبـِّت هذا الموعد على مسئوليتها.. و على عَجـَلٍ أنهيت المكالمة من طرفي قبل أن تنطق بكلمة واحدة.
    الذين يعرفونني يؤكدون أنني سـئيل وخسيس وماكــِر إذا اقتضى الأمر ولا أتـوانى عن هـَدر كرامتي والتوسـُل لتحقيق رغباتي...!!

    قبل الموعد الذي فـَرضْـتُه بنفسي بوقت كاف رغـما عن أنف الموظفة المهذبة أمام وقاحتي وتطفلي، أخـَذْتُ مكاني في البهو الكبير للشركة على أريكة فخمة في موقع يسهل منه مـُراقبة كل ما يجري في ممرات ومكاتب مكشوفة بينما الموظفون بملابسهم الأنيقة.. ووجوههم الصارمة مسرعين .. توافـدوا كأنهم يخشون تأنيب مدرائهم ،أو من عقاب مُهين... إن تأخــروا !!
    بحـَذرٍ وخـُبثٍ ووعيٍ لكل حركة تدور من حولي..راقبتـُهم، فبالإضافة لكل المواصفات الدنيئة فأنا كباقي الحـقيرين والسـُفهاء صاحب عين تـُقــَدِّر مواطن السلامة و الحــَذَر!

    حـركة غير عادية في البهو.. دَبَّت ، وإشارات بالأيـدي وهمس بين الموظفين.. تناقـَـلت، و عيونهم نحو باب الشركة الرئيسي..إتجــَهت .
    بمنتهى التطفل رأسي لأستطلع الأمـر.. مـددت، بينما أحدهم إلى السيارة الفخمة التي تَرجــَّل منها شخص غير عادي.. هــَروَلَ
    لاشك أنه وزير أو صاحب الشركة: في نفسي .. قـُلت ، وأنا أســأل موظفا بجواري وقف ما أعـارني أي اهتمام لولا أنني لكــزته في كف يده لينطق لي على عجل:إنه سيادة رئيس مجلس الإدارة ، وبالنهوض والوقـوف بجانبه..أمــَرني .
    ما أعرت رغبته أي اهتمام، بينما سائقه حاملا حقيبته وبعض الملفات نحو المصعد..ســبقه، مُخـترقا صف الموظفين على جانبي الممـر المؤدي للبهو الذي فيه تًصـَدَّرتُ مجلسي على الأريكة الجلدية الفاخرة بحيث يراني و يستحيل تجاهل وجـودي بكل عجرفتي وشموخي الهش وكـبريائي المصطنع وهي صفات أعرف أنها تغـيظ أصحاب السطوة والمراكز العالية، فالحـقير من أمثالي لا تخلو جعبته من المكـر والدهـاء وأنا أرمُقه بنظرة خاطفة وما قمت من مكاني،بل أضع رِجـلاً على رِجــل في تحــَدٍ واضـحٍ وموجه بقصـد يُصيبه في سـُموه و سـُلطانه.
    نفس النظرة الخاطفة.. بـادلني ، ونحو المصعد أكمل سيره بتعـالٍ وكـبرياء ، إنها صفات أشاركه فيها و سأعرف كيف ألج إلى شخصيته حين أحصُل على الوظيفة أو قبل ذلك إن سنحت الفرصة بلقائه لأي سبب أو ظرف سأصنعه بنفسي إذا لــزم الأمر!!

    دقائق مـرت، وإلى موظف الاستقبال توجهت لأخـبره بأنني بالأمس تحدثت إلى إحدى الموظفات عن وظيفة سكرتير رئيس مجلس الإدارة المعلن عنها مؤكدا لها أنني سأكون هنا في هذا الوقت.
    ما نطق بحرف واحد كما لو كان ينتظرني...وهو يقودني إلى الدور العلوي، و إلى موظفة جميلة جلست خلف مكتب أنيق.. قـَدَّمـَني.
    إنفرجـت شفتاها عن ابتسامة صفراء بعد أن أنهت مكالمة هاتفية، لتُخـبرني أن سلوكي معها وإصـراري قد استفزها وأزعجها وجعلها حانقة ، وأكدت لي أنها في حياتها العملية ما صادفت شخصا له هذه القـُدرة على الإلحـاح وفــَرض رأيه بمثل هذه الصورة...
    أنا التي استقبلت مكالمتك بالأمس ..وأردَفــَت أنه لن يُنظـــُر في طلبي حتى تنتهي المدة المقررة لاستقبال طلبات الوظيفة فذلك مخالف لقوانين الشركة، و أن الشخص الوحيد الذي يمكنه النظـر في طلبي هو رئيس مجلس الإدارة شخصيا، وهذا غير ممكن الآن...!

    نعم إنها ما قـَابلت، ولن تُقـابل شخصا لئيما مثلي، فقد أفلتت منها العبارة التي كنت أنتظرها وهي أن رئيس مجلس الإدارة هو الوحيد الذي يملك حق الاستثناء، والنَظَـر في طـلبي.

    الآن حـان وقـت إسـتنفار حقــارتي بكل طاقتها لأن مقـابلته هي التي سـتُحسـِـم الأمــر، وأخذت أُعـــَدِّد لها الأسباب التي تجعله لا يمانع في مقابلتي، وما مَنحـتُها فرصة لشـرح هذه الأسباب لأنها وهمية ولا يوجد منها أي سبب حقيقي سوى أنني أريد الحصول على هذه الوظيفة و دخلت معها في أزقة ودروب ملتوية من الحديث الذي يصـعُب فهمُه حتى أصـابها الضـَجر من إلحـاحي وثِقــَل دمي وشـَعَرتُ أنها على وشك طـلب رجـال أمن الشركة كي يلقـوا بي إلى الشارع..ولكـنها رَضـَخَت مستأذنة للتشاور مع رئيس مجلس الإدارة !


    بحـنق شديد، وصوت كظـيم، قالت:السيد " محمود " في انتظـارك.!!
    وقفت بباب مكتب السيد " محمود " ، وضاعتي.. وخبثي في مواجهة قد تكون الفاصلة .. إسـتَنفــَرت ، وما أن رآني ألقي عليه التحية حتى فغـر فاهـه وهو ينهض من وراء مكتبه متجها نحوي و بقلم في يده لـــَوَّح به في وجهي من أعــلى إلى أســفل حتى كــِدت أشـعر به يلامس أنفي ، وبســيل من الكلمات الوقحة التي أعرفها جيدا..أمطــَرني!!
    - أأنت... الذي تَصـَدَّر البهــو واضـعا رِجـلاً على رِجـل أيهــا الحقــير؟
    - نعم سـيد محمود..أجــبت !
    - أو تعرف إسمي أيضا..مستغربا ؟!
    - نعم سيد محمود، فقد سمعته من السيدة في المكتب المجاور حين طلبت منها مقابلتك.. بصوت خفيض ..هَمَسـتُ .
    وقبل أن يمطرني بسـؤاله الثاني أو شتائمه..على عَجـَـلٍ انفتـح باب المكتب عن إمـرأة خـارقة الجمال ما أعــارت أي اهتمام لوجـودي.
    افسحت لها الطريق لتتقــدم نحوالسيد " محمود" لتَهـوِي بحقيبة يـدها على رأسه وهي تقذف شتائمها القبيحة في وجهه كالسـيل العـــَرِم ..مـا صـَدَّقــت مـا رأيت .!!
    - كـيف لا ترد على اتصالاتي أيها الوقـح والمنحط وأنا التي وضـعتك في هذا المنصب رغم ما عرفته عنك من وضـاعة وخــِسة.. في وجهه صــَرَخــَتْ ؟؟!


    إنني أحــقَـر وأكــثر انحطاطا منه لو تَعلمين سلوكياتي مع البشر... حدثت نفسي وسط هذه العاصفة الهوجــاء، وشــماتتي فيـه.!!
    هـَــدَأَت قـليلا ..بعد أن أزبـَدَت وأرغــَت ثم على أريكة في زاوية المكتب بجسدها .. ألقت ، ووضعت ســاقا على ســاقٍ لتنحسـِر تنورتهـا عن مساحة واسعة من قطعتين من المـرمـر دون مبـالاة، وخُصلة من شـعرها الأشــقر على جبهتها ..تدلـت كأنها ثعبان من الذهب تلـَوى في طـبق من القشــدة وهي تُشــعل سيجارتها الأولى.
    بوجودي شعــَرَت..، بينما إنحنيتُ برأسي قليلا أحييها ..
    بإصــبعها نحـوي ..أشارت وهي تسال السيد " محمود" ، ومن هــذا؟
    إنني لم أره من قبل في الشــركة؟ لابد أنه واحــد من أصــدقائك الخسيسين؟
    صوتها في مسمعي.. صــدى لصــوتٍ أعــرفه، ولكنني اسـتبعدت ذلك، فالفرق بين صوت هذه المرأة وجمالها الباهر وثرائها وبين صوت تلك الشـعثاء "زكــية" إبنة أبو زكــية الزبــال.. شاســِعا..!!؟؟
    إمرأة لها هذه الحقــارة وهذا اللسان الذي يقطُـر ســُماً، بغض النظــر عن مظهرها الأرستقراطي وحركاتها المُصطنعة، لابُـد أن أثير فضولها بالحديث معي وأنا أحـاول معرفة شخصيتها لربما كانت هي " زكـية" بنت الزبـال..هذا ما قــَرَّرت.!!
    - سيدتي..هوني عليك فكل أمـور حياتنا لها وجهان..حسنٌ و قبيحٌ، وعلينا أن نوازن علاقاتنا بينهما كي نسير نحو ما نريد ونحقق أغراضنا...الشــريفة و..الدنيئــة !!
    نفسـا عميقـا من سيجارتها.. ســَحَبَتْ ، و رأسها لتخفي ملامح وجههــا الذي عرفته... طأطأت .
    كـدت أهـتف :أنت " زكــية " بنت الزبــال ؟! لـولا أن نذالتي وخِسـتي يمنعاني خشية أن أفقد كل ما صنعته من أجل الحصول على الوظيفة بتصرف أخـرق ليس هذا وقته.
    " زكـية " هي البنت الوحيدة لزبال حارتنا القديمة لذلك ينادونه " ابوزكـية " ، كانت كثيرة الشكوى من حالة فقــرها و من عمل أبيها الشـريف، وكانت دائمة الشجار مع أمها التي تعمل " بلانــه " في الأفــراح وتقضي معظم الليل خـارج البيت، وكانت على استعداد بيع " الغــالي " من أجل أن تحقق مبتغاها، ومنذ أعوام غادر "ابوزكـية" الزبـال وأسرته الحارة بشكل مفاجئ ، وما عــرف أحـد إلى أين.!!
    - أغـرُب عن وجهي الآن ولا تعــُد إلى هذه الشركة فطــلبك مرفوض مهما كانت مؤهلاتك عالية..السيد " محمود " صــارخا في وجهي.
    وقاحته كانت أســرع مما توقعت، وما أنقــذني منه سوى السيدة مُقـاطــِعة:أمــا إلتقينــا من قــبل؟
    ربما تشابه بيني وبين شخص أخــر يا سيدتي ، ولولا أنني أخشى الزلل والخطـأ لقلت أنك إبنة حارتنـا " زكــية"، ولكنني أعتذر فالفـرق بينك وبينها كــبير وشاسع...بخبث شديد على مسمعها ألقــيت.
    - ومن هذه " زكـية " بصوت ثعلب ماكــر..ســألتني ؟
    ترددت قليلا، ولكن الأمر يجب أن يُحسم لصالحي مهما كان رد فعلها فأنا على يقين أنها هي "زكــية" إبنة الزبال فاستجمعت كل شجاعتي ، وانا أنظر إلى الشرر المتطاير والفضول الغريب في عيون السيد " محمود " ..إنها إبنة زبال حارتنا القديمة، فلها ملامحك ولولا شـَعرُك الذهبي وملابسك الفاخـرة وهيبتك لقلت أنك هي، ولكني أعتذر لوقاحتي يا سيدتي وارجــو المعذرة فقد مضت سنوات على مغادرتها مع أمها وأبيها حارتنا القديمة، وما عاد أحد يذكرهم..اضفت قاصدا إثـارتهــا.
    من مكانها نهضت، و أطـراف تنورتها لتستر ما انكشفت عنه من سـاقيهـا وأكثر.. لـَملـَمَت، وإلى السيد "محمود"..اتجهت تأمــُره بتعييني في وظيفة سكرتيرا شخصيا لها...فـــوراً.!


    - إذا أنت إبن " أبو مرزوق" الذي كان يعمل في تصليح الأحذية القديمة وأمك التي كانت تخدم في بيت الحاج "مسعود" ؟ فقد عرفتك بمجرد أن تيقنت أنك تجهلني لتغيــر شكلي بعد هذه السنين.
    - وأنت " زكـية" إبنة..آســف السيدة " زكـية".
    - الآن إسمي "شـوشـو" صاحبة هذه الشركة، وكل من فيها يعمل عندي بما فيهم هذا الوغــد"محمود" الحقير كما ترى، فكل سلطانه وجــبروته وخِسته سـَلَّطـَها على الموظفين في شركتي لأنه من نفس البيئة القــذرة التي أنت و..أنــا منهــا أيضـا..
    وقد عــينتُك سـكرتيرا شخصيا لي لأن لكل منا نفس الصــفات التي تؤهلك لخدمتي ثم أنك إبن حــارتي القديمة التي لا أريد ذِكــرها.. بنـبرة تهـديد ووعـيد ..أضـافت.
    - فهمت يا ســيدة " شوشو " وسأكون في خدمتك .
    سأضع رأسي تحت حذائك للوصول إلى مبتغاي، فأنا أعرف نفسي جيدا...ولن تجدي أحـقر مني بل سـأتفوق على " محمود" هــذا الذي رأيتُ ذُلــَّه وانكساره أمـام ســطوتك وجــبروتك ، ولا أريد أن أعرف عن سنوات غــيابك عن الحـارة شـيئا الآن،لأنك ستقصين عــلَيَّ حكايتك بالتفصيل منذ غادرتي الحارة القديمة فيما بعد ، ولا يُعـقــَل أنك ورثتـي هذه الشركة الضخمة عن السيد " ابو زكـية" الزبــال..ودون أن يكون الثمن " غالياً ".. المهم أنني حصلت على الوظيفة عند بنت الزبال الحــقيرة رغم أنف الموظفة المهذبة و..السيد "محمود "الحــقير.. حدثت نفسي.!

    " تمــت "
  • مجدي السماك
    أديب وقاص
    • 23-10-2007
    • 600

    #2
    تحياتي

    المبدع الفنان عبد الهادي شلا..تحياتي
    سعدت لتواجدك هنا..معنا..ارجو لك طيب المقام في بيتك الجديد.قصتك جميلة..تستحق التقدير.واللغة سلسة ورائعة.اتمنى لك دوام الابداع.
    مودتي
    عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      نص مختلف لطيف يحمل دلالات رمزية عن عالم غريب دنيء
      تحية ألق وتقدير
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      يعمل...
      X