كانت المرة الثالثة لي على ما أعتقد بارتياد المقهى مع زملائي الرواد المدمنين على لعب الورق وشرب الشاي , ارتيادي معهم فقط أيام الجمعة أي في العطلة الأسبوعية , لمحته منزوياً على نفس الطاولة المعتاد الجلوس عليها , متكأ ظهره للجدار واضعاً كفه الأيسر المستندة على الطاولة على خده الأيسر مقابل التلفاز مباشرة , رفع كأس الشاي المليء البارد ليرتشف منها الحسرة والآهات , تاركا العنان لسحاب سيجارته و خياله السارح مع تلك الأغنية العراقية الحزينة . تركتُ رفاقي التائهين في غمار اللعب , بعد أن دلقت كأسي على مراحل مختصرة ودنوت منه حتى لامست طاولته , أرتبك قليلاً وانتصب .
- أتسمح لي بالجلوس معك قليلاً ؟.
- بحركة من كفه المبسطة - بكل سرور , تفضل أخي , أهلاً وسهلاً بك .
- مددت يدي إلى كرسي قريب , لأجلس عليه .
أخذت أسارير وجهه تتفتح شيئاً فشيئاً وتعود إليه بالطمأنينة , أراد أن يخرج نفسه من ذاك الارتباك :
- شاي أم شاي ؟.
- لا هذا ولا ذاك ؟. شكراً , لقد شربت بما فيه الكفاية عند الشباب .
- لا يجوز ذلك , أنت في ضيافتي , العفو المقهى هنا تصنع فقط الشاي , آه لو كانت هذه المقهى بيدي , بإدارتي ؟. لجعلتها فرجة ..؟
- ماذا عساك فاعلا بها؟.
- صفن قليلا , ثم خرجت تنهيدة عميقة وقال : صحيح والله , ماذا عساي أعمل بها؟. لا ولد ولا ...
قاطعته : هل كنت تحبها ؟.
- .....هم !!!
لدى سؤالي له عن حبه لها , نظر إلي بذهول وكأنه تلقى صفعة قوية مباغته من شخص لم يتوقعه , أزداد شحوب وجهه الشاحب أصلاً . حين أكتشف بأنني أعلم أسراره وخباياه .طأطأ رأسه , نفض رماد سيجارته ثم رمقني بنظرة وقال : ماذا تقصد ؟.
- أقصد المقهى ؟ ألم يكن هذا عملك سابقاً ؟.
- لا..لا , أعي ما تقول , لا تتملص من سؤالك , لقد قصدت موضوع آخر (يق البحصة التي في فمك ) لأنني أعرف هذا البلد لا يخفى فيها شيء ؟ ولكنني لم أتوقع منك أنت بالذات يا أستاذ , أن تهينني وأنا أجلك وأحترمك .
- المعذرة , لم أقصد الإساءة إليك أو تجريحك , أنا أيضاً أحترمك و من المؤازرين لمحنتك , أحياناً البني آدم منا بحاجة إلى أن يفضفض ما بداخله , إذا كنت بحاجة للمساعدة أو لعمل ما نقوم لأجلكما , للمصالحة بينكما , أنا مستعد واعتبرني أخاك الصغير.
- فات الأوان يا أستاذ , انتهى كل شيء – أغرورق عيناه بالدموع - انبعثت من صدره تنهيدة مكبوتة واستأنف : خمس وعشرون سنة شقاء, عذاب وشغل وفي الآخر(فراق ) تصوًّر , ذهبت هذه السنين كلها أدراج الرياح , هباء في هباء , لملمت كل مصوغات التي اشتريت لها من كدي ومن عرق جبيني والمبلغ الذي ادخرته لخبايا الزمن , كنست كل شيء ونسيت العِشرة, لماذا ؟. لأنها تحججت بأنني عقيم , مع العلم رافقتني في كل خطوة لدى زياراتنا ومراجعاتنا للأطباء الأخصائيين – وبنقرة قوية من سبابته على الطاولة - من هنا إلى العاصمة ولكن إرادة الله فوق كل شيء , كل ما هو مطلوب مني فعلته , هز رأسه قائلاً : هذه هي حكايتي مع الزمن , مع الغدر , هذا هو قدري ونصيبي . جرحي بليغ , بليغ يا أستاذ لا يندمل .
بقلم : ماهين شيخاني
2-9-200
- أتسمح لي بالجلوس معك قليلاً ؟.
- بحركة من كفه المبسطة - بكل سرور , تفضل أخي , أهلاً وسهلاً بك .
- مددت يدي إلى كرسي قريب , لأجلس عليه .
أخذت أسارير وجهه تتفتح شيئاً فشيئاً وتعود إليه بالطمأنينة , أراد أن يخرج نفسه من ذاك الارتباك :
- شاي أم شاي ؟.
- لا هذا ولا ذاك ؟. شكراً , لقد شربت بما فيه الكفاية عند الشباب .
- لا يجوز ذلك , أنت في ضيافتي , العفو المقهى هنا تصنع فقط الشاي , آه لو كانت هذه المقهى بيدي , بإدارتي ؟. لجعلتها فرجة ..؟
- ماذا عساك فاعلا بها؟.
- صفن قليلا , ثم خرجت تنهيدة عميقة وقال : صحيح والله , ماذا عساي أعمل بها؟. لا ولد ولا ...
قاطعته : هل كنت تحبها ؟.
- .....هم !!!
لدى سؤالي له عن حبه لها , نظر إلي بذهول وكأنه تلقى صفعة قوية مباغته من شخص لم يتوقعه , أزداد شحوب وجهه الشاحب أصلاً . حين أكتشف بأنني أعلم أسراره وخباياه .طأطأ رأسه , نفض رماد سيجارته ثم رمقني بنظرة وقال : ماذا تقصد ؟.
- أقصد المقهى ؟ ألم يكن هذا عملك سابقاً ؟.
- لا..لا , أعي ما تقول , لا تتملص من سؤالك , لقد قصدت موضوع آخر (يق البحصة التي في فمك ) لأنني أعرف هذا البلد لا يخفى فيها شيء ؟ ولكنني لم أتوقع منك أنت بالذات يا أستاذ , أن تهينني وأنا أجلك وأحترمك .
- المعذرة , لم أقصد الإساءة إليك أو تجريحك , أنا أيضاً أحترمك و من المؤازرين لمحنتك , أحياناً البني آدم منا بحاجة إلى أن يفضفض ما بداخله , إذا كنت بحاجة للمساعدة أو لعمل ما نقوم لأجلكما , للمصالحة بينكما , أنا مستعد واعتبرني أخاك الصغير.
- فات الأوان يا أستاذ , انتهى كل شيء – أغرورق عيناه بالدموع - انبعثت من صدره تنهيدة مكبوتة واستأنف : خمس وعشرون سنة شقاء, عذاب وشغل وفي الآخر(فراق ) تصوًّر , ذهبت هذه السنين كلها أدراج الرياح , هباء في هباء , لملمت كل مصوغات التي اشتريت لها من كدي ومن عرق جبيني والمبلغ الذي ادخرته لخبايا الزمن , كنست كل شيء ونسيت العِشرة, لماذا ؟. لأنها تحججت بأنني عقيم , مع العلم رافقتني في كل خطوة لدى زياراتنا ومراجعاتنا للأطباء الأخصائيين – وبنقرة قوية من سبابته على الطاولة - من هنا إلى العاصمة ولكن إرادة الله فوق كل شيء , كل ما هو مطلوب مني فعلته , هز رأسه قائلاً : هذه هي حكايتي مع الزمن , مع الغدر , هذا هو قدري ونصيبي . جرحي بليغ , بليغ يا أستاذ لا يندمل .
بقلم : ماهين شيخاني
2-9-200
تعليق