من وحي الفهلوة المصرية
من كتاب "واحد دماغ .. وصلحه"
للكاتب الساخر
عز الدين بكير
على الرغم أن الفهلوة من عجائب المصريين؛ وليست الأهرام فقط أعجوبتهم الوحيدة؛ فقد أدهش المصريون العالم على مر التاريخ من خلال اكتشافاتهم أو اختراعاتهم، وليس ما توصل إليه العالمان العظيمان د.أحمد زويل و د.مصطفى السيد (الفيمتو ، النانو) وغيرهما؛ بآخر إنجازات المصريين ، فهذه العقلية العجيبة تحب التميز، وحتى في أبسط الأشياء، تتفجر عبقرياتهم. فلا يوجد شعب في العالم غيرهم، قد اهتدى إلى إمكانية تسمية أفراده بصيغة المثنى (حسنين ومحمدين)، ولا شغف شعب غيرهم بحب الطلاسم فأسمو (الدرمللي). وتعجز أفضل الترجمات عن تفسير ما يقصده المصريون عندما يطلقون على امرأة ما لفظة "أم قويق" أو "أم أربعة وأربعين" ، أو ما يعنيه جرسون المقهى وهو ينادي "واحد شاي وصلحه" ، ولا أظن في غير بلادهم يوجد وظيفة في العالم اسمها (المنجد) ؛ وهو العامل الذي يعيد نفش أقطان الألحفة بسنجته الشهيرة.
إلا أن الفهلوة على ذيوعها بين المصريين، لم تأخذ الاهتمام المنوط بها كإحدى خصائص المصريين، ولا يُعرف حتى هذه اللحظة لماذا خلت منها الدراسات والبحوث (لا توجد عنها رسالة دكتوراة واحدة) لذلك فقد ترددت كثيرًا وأنا أقتحم هذا الموضوع، وقد حذرني الأسطى زينهم زميل المقهى (وهو كثير الإطلاع في الصحف البائتة) من تناول الموضوع، بل وصفه بأنه كاللعب بالنار، ولما أبديت دهشتي من وصفه، قال لي منذرًا :
- ستجد نفسك في النهاية مطلوبًا في قضية أمن دولة.
رددت مصعوقًا :
- أمن دولة ؟
فعاد يؤكد :
- نعم أمن دولة ...
واستطرد :
- ماذا تسمي إفشاء أسرار الدولة ؟
ثم بسخرية تساءل : آداب ؟!
واضطربتُ قليلاً وقد تذكرت أن مصطلح "الفهلوة" لا توجد له ترجمة إلى أي من لغات العالم ... هل يكون الأسطى زينهم على حق ؟!
في الواقع هو رجل ربع متعلم ، لكنه مع ذلك يكثر من قراءة الصحف وملم بقوانين الدولة التي تتغير كل حين .
واكتشفت ذات يوم عند أحد أقربائي قاموسًا كبيرًا اسمه " المنجد " (ليس له علاقة بالوظيفة التي ذكرتها آنفًا) ، لكنني كنت نسيت الميزان الصرفي للكشف على الكلمات ، وحتى لو تذكرته كيف بالله استنتج الفعل من "فهلوة" ؟! على أنه بعد حملة السيدة الأولى للتشجيع على القراءة ومكتبات الأسرة ، وقعت بيدي تفاسير عديدة للمصطلح ، بعضها يفيد بأنه القدرة على خلق وسائل لاصطياد زبون -أيًا كان هذا الزبون- لتحصيل الاستفادة منه -أيًا كانت هذه الاستفادة- .
وعلى عكس كثير من الاختراعات، ظل مخترع الفهلوة الأول مجهولاً في كتب التاريخ بمصر، إلا أن بعض الأوساط العلمية والثقافية، تعرضت لنشوء علم الفهلوة بمصر فأفادت أن أحدهم كان مفلسًا ، فخرج من بيته يبحث عن أي عمل يقتات منه في ظروف اقتصادية تعسة (ليست بالرخاء الذي نعيشه الآن) ، وبلا مؤهلات أو خبرات ، لكنه مع ذلك كان يحتفظ بهذه الموهبة المعروفة بـ"الفهلوة" ، وفي أثناء وقوفه كالشحط ، إلى جانب الطريق يبحلق في الغادي والرائح ، مرت من جانبه سيارة ، ثم توقفت ، ثم عادت بمؤخرتها ، حيث أراد سائقها الركون إلى جانب الطريق ، فما كان من هذا الفهلوي إلا أن صاح في سائق السيارة صيحته المباركة والذهبية ..
- تعالى ، خذ يمينك .. أو خد شمالك .. قف .
ثم جرى نحو نافذة السائق ملوحًا بيده ، قائلاً في صوت دمث :
- أي خدمة يا بك .
فنفحه سائق السيارة بعض النقود ... وهنا تولدت "الفهلوة" العبقرية ، وولدت وظيفة جديدة (منادي سيارات) لم تكتشفها دولة من الدول المتقدمة بعد.
وظل اسم هذا الفهلوي مجهولاً ، لكنه وزع عبقريته على كثير من أصحاب المهن المصريين ، الذين سنتناول سيرهم واحدًا بعد آخر.
وكما نال المصريون جوائز نوبل نتاجًا لعبقرياتهم وما أضافوه للإنسانية من اكتشافات ، فهل كان يمكن لهذا الفهلوي الأول أن ينال هو الآخر، جائزة نوبل لنبوغه في وضع اللبنة الأولى للفهلوة ؟ لا أظن لسبب بسيط، وهو تردده في أن يترك موقف السيارات لمدة اليومين اللذين يستلم خلالهما الجائزة بـ"استوكهلم"، خشية أن يحتل الموقف فهلوي آخر !...........
من كتاب "واحد دماغ .. وصلحه"
للكاتب الساخر
عز الدين بكير
على الرغم أن الفهلوة من عجائب المصريين؛ وليست الأهرام فقط أعجوبتهم الوحيدة؛ فقد أدهش المصريون العالم على مر التاريخ من خلال اكتشافاتهم أو اختراعاتهم، وليس ما توصل إليه العالمان العظيمان د.أحمد زويل و د.مصطفى السيد (الفيمتو ، النانو) وغيرهما؛ بآخر إنجازات المصريين ، فهذه العقلية العجيبة تحب التميز، وحتى في أبسط الأشياء، تتفجر عبقرياتهم. فلا يوجد شعب في العالم غيرهم، قد اهتدى إلى إمكانية تسمية أفراده بصيغة المثنى (حسنين ومحمدين)، ولا شغف شعب غيرهم بحب الطلاسم فأسمو (الدرمللي). وتعجز أفضل الترجمات عن تفسير ما يقصده المصريون عندما يطلقون على امرأة ما لفظة "أم قويق" أو "أم أربعة وأربعين" ، أو ما يعنيه جرسون المقهى وهو ينادي "واحد شاي وصلحه" ، ولا أظن في غير بلادهم يوجد وظيفة في العالم اسمها (المنجد) ؛ وهو العامل الذي يعيد نفش أقطان الألحفة بسنجته الشهيرة.
إلا أن الفهلوة على ذيوعها بين المصريين، لم تأخذ الاهتمام المنوط بها كإحدى خصائص المصريين، ولا يُعرف حتى هذه اللحظة لماذا خلت منها الدراسات والبحوث (لا توجد عنها رسالة دكتوراة واحدة) لذلك فقد ترددت كثيرًا وأنا أقتحم هذا الموضوع، وقد حذرني الأسطى زينهم زميل المقهى (وهو كثير الإطلاع في الصحف البائتة) من تناول الموضوع، بل وصفه بأنه كاللعب بالنار، ولما أبديت دهشتي من وصفه، قال لي منذرًا :
- ستجد نفسك في النهاية مطلوبًا في قضية أمن دولة.
رددت مصعوقًا :
- أمن دولة ؟
فعاد يؤكد :
- نعم أمن دولة ...
واستطرد :
- ماذا تسمي إفشاء أسرار الدولة ؟
ثم بسخرية تساءل : آداب ؟!
واضطربتُ قليلاً وقد تذكرت أن مصطلح "الفهلوة" لا توجد له ترجمة إلى أي من لغات العالم ... هل يكون الأسطى زينهم على حق ؟!
في الواقع هو رجل ربع متعلم ، لكنه مع ذلك يكثر من قراءة الصحف وملم بقوانين الدولة التي تتغير كل حين .
واكتشفت ذات يوم عند أحد أقربائي قاموسًا كبيرًا اسمه " المنجد " (ليس له علاقة بالوظيفة التي ذكرتها آنفًا) ، لكنني كنت نسيت الميزان الصرفي للكشف على الكلمات ، وحتى لو تذكرته كيف بالله استنتج الفعل من "فهلوة" ؟! على أنه بعد حملة السيدة الأولى للتشجيع على القراءة ومكتبات الأسرة ، وقعت بيدي تفاسير عديدة للمصطلح ، بعضها يفيد بأنه القدرة على خلق وسائل لاصطياد زبون -أيًا كان هذا الزبون- لتحصيل الاستفادة منه -أيًا كانت هذه الاستفادة- .
وعلى عكس كثير من الاختراعات، ظل مخترع الفهلوة الأول مجهولاً في كتب التاريخ بمصر، إلا أن بعض الأوساط العلمية والثقافية، تعرضت لنشوء علم الفهلوة بمصر فأفادت أن أحدهم كان مفلسًا ، فخرج من بيته يبحث عن أي عمل يقتات منه في ظروف اقتصادية تعسة (ليست بالرخاء الذي نعيشه الآن) ، وبلا مؤهلات أو خبرات ، لكنه مع ذلك كان يحتفظ بهذه الموهبة المعروفة بـ"الفهلوة" ، وفي أثناء وقوفه كالشحط ، إلى جانب الطريق يبحلق في الغادي والرائح ، مرت من جانبه سيارة ، ثم توقفت ، ثم عادت بمؤخرتها ، حيث أراد سائقها الركون إلى جانب الطريق ، فما كان من هذا الفهلوي إلا أن صاح في سائق السيارة صيحته المباركة والذهبية ..
- تعالى ، خذ يمينك .. أو خد شمالك .. قف .
ثم جرى نحو نافذة السائق ملوحًا بيده ، قائلاً في صوت دمث :
- أي خدمة يا بك .
فنفحه سائق السيارة بعض النقود ... وهنا تولدت "الفهلوة" العبقرية ، وولدت وظيفة جديدة (منادي سيارات) لم تكتشفها دولة من الدول المتقدمة بعد.
وظل اسم هذا الفهلوي مجهولاً ، لكنه وزع عبقريته على كثير من أصحاب المهن المصريين ، الذين سنتناول سيرهم واحدًا بعد آخر.
وكما نال المصريون جوائز نوبل نتاجًا لعبقرياتهم وما أضافوه للإنسانية من اكتشافات ، فهل كان يمكن لهذا الفهلوي الأول أن ينال هو الآخر، جائزة نوبل لنبوغه في وضع اللبنة الأولى للفهلوة ؟ لا أظن لسبب بسيط، وهو تردده في أن يترك موقف السيارات لمدة اليومين اللذين يستلم خلالهما الجائزة بـ"استوكهلم"، خشية أن يحتل الموقف فهلوي آخر !...........