ثورة حمار
نعيش على واقع الأمل ..، كثيرون يرددون هذه العبارة في مدينتنا وهم يحملون بدواخلهم تساؤلات لا حصر لها .وقلما يستطيع أحدهم أن يكسر جدار الصمت ، ويصرخ أمام الملأ.
ترى ما الذي يمنعهم من الصراخ ، أهو ذلك " الغول " الذي نسجته مخيلات الأمهات لإخافة صغارهن ، أم أنهم فقط تعودوا سياسة الصمت ، أو لا ربما هو الغول إذن ؟،،،.
مخجل هذا الصمت وخزي هو الجبن الذي سكن ذواتنا ، كثيرا ما وددت أن أصرخ ، والآن تركت هذه المهمة لصديقي الحمار لينوب عني ، فإليكم ثورة حمار :
قرر الحمار البوح ،،،وأخيرا سيتخلص من الأغلال ، من وزر السنين المرهقة ، من ليالي النهيق ، من قول نــــــــــــــــــعم.
اليوم يركل مسافات الإلغاء والإقصاء ، ثخون الزمن وأوجاع الدهر.
هو اليوم على موعد مع التاريخ ، قرر الحكي دونما تردد ، بعد اليوم لا سكوت لا خنوع .
الجلسة جلسة عمومية والحضور من أصحاب العمامات ، والطرابيش الوطنية ،،،الأضواء تسلط على الحضور والحمار دخل اليوم على غير عادته يمشي بخيلاء ...يعلن رئيس الجلسة افتتاح المداخلات ، أية واقعة شدت الحضور ؟؟.
صــه يا صاجبي :" لا تستعجل اليوم حدث غير عادي ، زلزال دون سابق إنذار ، بركان ثائر ، موجة من الغضب " .
ترى من المتحدث ؟
(( لا ..لا تتعجل ، سوف ينكشف لك المستور...
تعطى الكلمة ..لمن لمن..ياترى؟.
الحضور في حالة من الذهول ، القهقهات تتعالى في أرجاء القاعة الواسعة الأطراف ، وآخرون لا يعبؤون لأنهم تعودوا على أن الحمار حيوان مسالم ، وإن كان يركل أحيانا ، تعودوا على سماع نعم سيدي ، حاضـــــــــر سيدي ...
يصدر الحمار كلامه بمقدمته المعهودة ، لا أحد يتوقع الكارثة ، إنها في الطريق ، أغمض عينيه ، وجعل أذنيه تتطاولان ، وأفرج عن ابتسامة عريضة غير مألوفة ، ونهق نهقة جعلت الرعب يسري في المكان ، وكأنه بذلك يمهد لقنبلة موقوتة وشيكة الإنفجار ، ليقول : " منذ زمن وأنتم تنادوني ياحمار ، تحرك ياحمار ، يا حمار ، حتى صارت أذناي الطويلتان لا تلتقطان سوى كلمة " يا حمار ، نفذ الآوامر ياحمار ، أسرع يا حمار ،،،ما أبطأك ياحـــمار "، ياحمار ، ياحمار ، وإن أردتم تشبيه أحدهم بأحقر الأوصاف تقولون يا حمار ، وإن رغبتم في حمل الأوزار تقولون : " اتركوها للحمار ".
سنوات من الظلام ، من الهوان ، أما آن لهذا الحمار أن يصبح آخر ، أما آن للذليل أن يصبح عزيزا ، أجيال والحمار مقصي ، أجيال والحمار في قوقعته ..ألم تفكروا قط في هذا الحمار المسكين ، في رد الإعتبار لهذا المخلوق البئيس ، أما آن الآوان للتخفيف عنه ؟؟.
نعم هو الحمار ارتبط على مر العصور بحمل الأثقال وبتنفيذ الآوامر دونما تعقيب أو تأفف ، بالغباء ، بقول نعم .
اليوم الحمال يريد السراح ، فك القيود ، التحليق في الأفق ، أليس حريا بكم أن تعدلوا ، أين هو القسطاس ؟، أم يبقى مجرد حبر على ورق ، الحمار المسكين لم يشك ، ولم يئن حتـــى ...ولم يتذمر طوال هذه السنوات ، لم تلاحظوا يوما بكاءه ، لم تعيروا الاهتمام والانتباه لما يشعر به هذا المسكين ، سمحتم لأنفسكم بأن يظل الغش لصيقا بالحمار .
تمعنوا في سنوات ،،،وسنوات من الصمت ، من الاحتضار ، الحمار اليوم سيفتح صفحة جديدة ، سيصرخ في وجه الجميع : " كنت أنا الحمار ، ينادونني بالحمار ، فمن حقي إذن التعبير ، الخروج من صمت الصمت ، والانطلاق.
لتثور في القاعة موجة غريبة وأصوات مزمجرة لم نعهدها من ذي قبل ، بعضهم يردد : (( أحسنت يا حمار ، وأخيرا قررت البوح ، وآخرون : " اصمت ياحمار فلست سوى حمار ..ليتحولوا إلى شد وجدب ، فيصدر الحمار نهيقا مدويا كالرعد ، وتعود بذلك الأمور إلى نصابها ..
يستطرد الحمار قائلا : " اسمي الحمار ، أمي الأثان ، لكنني بعد اليوم لن أظل كذلك ، سأخرج عن تقاليد مملكة الحمير ، اليوم سأعقد مصالحة مع الماضي ، سأشجب عناوين الغباء ، سأغادر زمن الإنغلاق ومملكة الأحزان البئيسة هذه.
ظل الحمار يسرد قصته ، وعدسات الكاميرا مركزة عليه ، والضيوف الغرباء انتشلتهم الدهشة بعيدا ، وبعض الأعناق تشرئب لترى من يأخذ الكلمة ، من صاحب هذه الثورة وهذا الانقلاب اللامعهود ، وبدأت التقارير والكتابات للتو ، والصور والتعاليق ..انتهـــــــــــــــــــــى الجمع العام .
وفي الغد سمعت في المدينة شعارات ، وتصدرت صور الحمير أعداد الجرائد والمجلات ، وفي القنوات الفضائية بتث وأذيعت مداخلة حمار الأمس ، فالحمار إذن لم يعد حمارا ، الحمار خرج من صمت الصمت ، والخبر شاع في الجوار .
ليقرر ما تبقى من حمير الدخول في إضراب لربح معركة الحمير الكبرى ، التي جعلوا شعارا لها : بعد اليوم لا صمت ، الحمير قادمون من صمت الصمت ، ليواصلوا المعركة التي حمل مشعلها صديقنا " الحـــــــــــــــــــمار " .
تعليق