الثقافة وأثرها في الشخصية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • شفاء هيتو
    • 05-11-2009
    • 3

    الثقافة وأثرها في الشخصية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الثقافة وأثرها في الشخصية


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    فما سأكتبه الآن إنما هو حصيلة فكرية تراكمت في ذهني من كتب ومقالات متعددة، أحببت أن أهذبها، وأنسق بينها، مستعينة بالله تعالى، وسائلة إياه أن يجنبني الخطأ، و يعيذني من أن أضل، أو أضل، أو أزل، أو أزل.
    تعريف مجمل للثقافة:

    الثقافة في اللغة: من ثَقُفَ الرجلُ ثقافة أي صار حاذِقاً خفيفاً.
    وتطلق كلمة المثقف عرفا على الإنسان الذي يكون ذا مستوى عال في معرفة مجالات العلوم المختلفة.
    وأما الثقافة فهي المعلومات التي يحملها الإنسان، فكل ما يعرفه الإنسان يسمى عرفا ثقافة، سواء كانت هذه المعرفة ذا قيمة، أم لا، فمثلا من كان يعرف عدة لغات، يقال عنه: إنسان مثقف في اللغات، ومن كان حافظا لأسماء الممثلين وسيرهم، يقال عنه: هو مثقف بالناس السافلين، ومن كان مِهنيا بأي مهنة يقال عنه هو مثقف فيها، فمن كان نجارا يقال: هو مثقف بالنجارة، أو حدادا، يقال: هو مثقف في الحدادة، وهكذا في كل معرفة من المعارف البشرية.
    فنستخلص من هذا أن الثقافة هي حياة الإنسان الفكرية، وأن الإنسان يكون مثقفا بقدر ما يحمل من معلومات، سواء كانت عملية، أو فكرية، ثم تقيم ثقافته وتوصف بكونها نافعة، أو ضارة، بعد معرفة نوعها، ومجالها.
    فنستطيع أن نقول بعد هذا، بأن الثقافة مرادفة للمعرفة، وإنما اخترت كلمة الثقافة؛ لأنها الكلمة التي تستخدم بين عامة الناس، ولكلمة المثقف عندهم بريق، لا تحملها كلمة العالم.

    استمداد الثقافة:
    قال الله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة لعلكم تشكرون} النحل: ٧٨، فالإنسان أول ما يصل إلى الدنيا يكون خالي الذهن من أي معلومة، ويكون عقله كصحيفة بيضاء خالية، لكنها متقبلة لاحتواء المعلومات، ثم يبدأ سيره في الحياة فيكتسب المعلومات من هنا وهناك، معتمدا في ذلك على حواسه التي وهبه إياها الله تعالى، وتنموا هذه الحواس بنموه.
    وأولها وجودا السمع، فالإنسان يبدأ بالسمع وهو في بطن أمه، قبل أن يخرج إلى الدنيا، ويتأثر بما يسمعه، ثم تليها حاسة البصر، فيبدأ يلتقط كل صورة تقع عليها حاسته المبصرة، وتنطبع هذه الصور في قلبه، ثم تتلو هاتين الحاستين باقي الحواس: اللمس، والشم، والذوق.
    ولولا حواس الإنسان، لما استطاع أن يتواصل مع العالم الخارجي، ولبقي خالي العلم عما في العالم الخارجي.
    وإنما اقتصر في القرآن على ذكر السمع والبصر؛ لأنهما أجل الحواس، وأكثرها تأثيرا على علم الإنسان، ولو فقدهما إنسان قبل التمييز، سقط عنه التكليف.
    ومع هذا كله فإن الحواس لا تكفي لوحدها إفادة العلم، فهي لا تحكم على شيء، وإنما هي واسطة بين العالم الخارجي، وداخل الإنسان، الذي يحتوي على القلب، والعقل.
    وأول ما تنقل الحواس المحسوسات إلى القلب معدن المشاعر، ثم إذا التفت القلب إلى هذا الزائر، وأراد أن يفكر فيه، نقل هذه المهمة إلى العقل، ليقوم العقل بالتفكير، ويعطيه أحكاما لهذه المحسوسات.
    فمثلا أحيانا ينظر الإنسان إلى صورة خالي التفكير، فهذه الصورة انطبعت في القلب، ولكن لم يعطها العقل أي حكم، ثم لو سئل فجأة عن لون هذه الصورة، أو شكلها، بعد أن لبث وقتا ينظر إليها، لاحتاج إلى زمن فكري، يتمكن من خلاله أن يرسل المحسوسات إلى الذهن من القلب الذي احتوى هذه الصورة، ليخبره بالحكم، وربما احتاج للنظر إليها مرة أخرى، لا لأنها لم تنطبع في قلبه، وإنما لأن القلب منشغل عنها بما لا يدع لها مجالا في القلب، فهي تنتقل إلى مخلفات الذاكرة، دون أن تترك أثرها في القلب.
    ولأن القلب معدن المشاعر، والأحاسيس، فإنه هو قائد الجسد، إذ أنه عندما ينشغل بشعور معين، ربما يصل لحد أن يمتلئ منه، فيسيطر عليه هذا الشعور، ويمنعه من التفكير بكل ما حوله، ويحصر تفكيره فيه.
    فمن أحب إنسانا مثلا، رآه في كل شيء حوله، فيسمع كلاما ولا يفهم منه إلا ما يمكن حمله على شيء يخص هذا الحبيب، ويرى صورا، فلا يلتفت إلا لما يشبه شيئا يخص الحبيب، فهو ممتلئ القلب به، وكيف للقلب أن يأمر العقل بالتفكير في شيء هو خال عنه.
    فكيف دخل هذا الحب إلى القلب، وكيف سيطر عليه؟!
    إنها الحواس بريد القلب..
    ومن هنا نفهم لم أمرنا الله تعالى بغض البصر، وكف السمع، عن المحرمات، ونهينا عن الفضول فيهما بالمباحات، لا لحرمتها، بل حرصا على صفاء القلوب، وخلوه عن غير الحق.
    من هنا نفهم قول الله تعالى: {لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم ءاذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعم بل هم أضل، أولئك هم الغفلون} الأعراف: ١٧٩، فما منعهم من أن تفقه قلوبهم إلا امتلاؤها بالباطل، حتى لم يبق فيها مكان للحق، {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}المطففين: ١٤
    من هنا نعرف كيف كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يؤمنون لسماع آية، فما كان ذاك إلا لأن هذه الآيات لامست شغاف قلوبهم، إذ وجدت لها مكانا، فلما أحبوها تفكروا بها، وما أسرع ما ينكشف الحق للمتفكرين به.
    فالحواس تنقل، والقلب يأمر، والعقل يحكم، ولما كان الآمر هو القلب، كان هو المضغة التي إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله.
    فالحواس مجرد وسائل، ثم يأتي دور القلب والعقل، فتتولد المشاعر، والأفكار، وبعد هذا وذاك تظهر ثمرتهما بالعمل.
    فمن الحس، والعقل، والقلب، تتكون ثقافة الإنسان، ومن خلال ثقافته تتحدد شخصيته، فما شخصية الإنسان إلا (أفكار- مشاعر- أفعال).
    فالأفكار نتاج العقل، والمشاعر نتاج القلب، والعمل ثمرتهما.
    فمن توافق عقله وقلبه، استقام عمله، ومن اختلف عقله وقلبه، ظل تائها متخبطا بينهما، أيتبع ما يمليه عليه عقله من أحكام، أم يتبع مشاعره؟!
    ويبقى في تخبطه وصراعه، يرتقي حينا، ويهبط أحيانا، {واتل عليهم نبأ الذي ءاتينه ءايتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطن فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعنه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} الأعراف: ١٧٥ – ١٧٦
    وبعد تكون ثقافة الفرد، وظهور شخصيته، تتكون ثقافة المجتمعات، ثم تتولد العادات، والتقاليد التي تحكم المجتمعات.
    ويعجب الآباء والأمهات من أبنائهم، كيف يتصرفون نفس التصرفات السيئة، وكيف يمشون في طريق واحد من الانحراف والتمرد، لا يكاد يخالف الآخر الأول منهم إلا بالزيادة عليه؟!
    فيا للعجب من عجبهم، ولو علموا أن ما أفعال أبنائهم إلا نتاج ثقافتهم، لزال عنهم العجب.
    كيف نقول للجيل الجديد: اقتدي بالصحابة، وهو ما سمع بهم؟!
    وكيف يقلد شيئا ما عرفه، ولو سمع به مرة في الأسبوع أو الشهر، فأي مكان يجده له في قلبه الممتلئ بثقافة الانحراف؟!
    {بل قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمة، وإنا على ءاثرهم مهتدون}الزخرف:٢٢ فمخالفة الثقافة التي انبنت منها الشخصية أمر صعب في كل زمان ومكان.
    وقلب الطفل الصغير هو الصحيفة البيضاء، ورقة امتحان الأهل الخالية، التي يحاسبون على كل ما يكتبونه فيها؛ لأن ما سيدخلونه إلى قلوب أطفالهم هو الذي سيتمكن في القلب، ويكبر معهم، ولذا كان الأذان أول ما يسن أن يستمعوا إليه عند ظهورهم إلى الدنيا، لينطبع في قلوبهم نداء الحق.
    وبعد أن يبلغ الطفل تسلم هذه الصحيفة إليه، ليبدأ هو بالكتابة فيها، بعد أن كمل عقله، وصار مسؤولا عن أحكامه وأفعاله.

    الدين الإسلامي وبناء الشخصية:

    وبعد أن عرفنا كيف تتكون شخصية الإنسان، فلنأت إلى ديننا الإسلامي، دين الكمال، ولننظر كيف أمرنا بالتعامل مع قلوبنا، وعقولنا لتتكون أفكارنا، ومشاعرنا، وتستقيم أفعالنا، فهو ما ترك أمر تكوين شخصياتنا إلى أهوائنا.
    أما العقل: فقد أمرنا الله تعالى أن يكون استخدامنا للعقل موجها للتعرف عليه، والوصول إليه، والزهد فيما سواه، فمن وجه عقله لغير ذلك لم ينفعه علمه، والآيات التي أمرنا بها في التفكر كثيرة: (أفلا تعقلون..أفلا تتفكرون.. لقوم يعقلون.. لقوم يتفكرون....)
    وإنما أمرنا الله تعالى أن نتوصل إليه بعقولنا، لا بمشاعرنا؛ لأن العقل إذا توصل لحكم يقيني، فلا يمكنه أن يبطله، مهما انشغل عنه وغفل، و مهما هجره، ما لم يصل لحد النسيان، ويحتاج فيه لعلم جديد، وأما القلب، فهو دائم التقلب، متجدد المشاعر، لا يكاد يستقر الشعور فيه وإلا ويخلفه شعور غيره.
    ولكون العقل محل الأحكام، اعتمد عليه في الإيمان، وصنف أسلافنا من أهل السنة والجماعة، (الأشاعرة، والماتريدية) - رضوان الله عليهم- كتبهم في علم العقائد بناء على الأحكام العقلية، التي يتوصل الإنسان من فهمها إلى درجات اليقين، فيبني إيمانه وأفكاره على بصيرة وأساس ثابت، لا يختل، ولا يتغير.
    وثقة الإنسان بأفكاره، تعطيه الثقة بأفعاله، فيمضي واثقا مطمئنا أنه على الحق، { وحآجه قومه، قال: أتحجوني في الله وقد هدان؟! ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاوسع ربي كل شيء علما، أفلا تتذكرون؟! وكيف أخاف ما أشركتم، ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطنا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟! الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمنهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} الأنعام: ٨٠ – ٨٢{ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} يوسف: ١٠٨
    فمن فسد اعتقاده، فسدت أفعاله، ومن استقام اعتقاده استقامت أفعاله، وبقدر ثبات الاعتقاد، وحضوره بالذهن في كل لحظة تكون الأفعال موافقة له، وبقدر تزعزعه، والغفلة عنه تكون الأفعال مخالفة له، ومن هنا نعرف ما معنى درجة الإحسان، وهي أن تعبد الله كأنك تراه، تراه بعظمته، وقدرته، وعلمه بك؛ لأنك مستحضر لاعتقادك في كل لحظة من لحظات وجودك، وأما الغافل عنه، الذي يشغل نفسه بغيره، فإنه ما يزال يبتعد عن الله تعالى بمعاصيه حتى يرين على قلبه، ثم يحول الله بينه وبين عقله فيضل بعد هدى كان عليه، وبذلك قال الله تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصرهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، ونذرهم في طغينهم يعمهون} الأنعام: ١١٠.
    وما دمنا قد قدمنا أن العقل لا يفكر إلا بإرادة القلب، كان لزاما أن يكون لهذا القلب قيود حتى لا يخالف العقل، ولذا فإن ديننا لم يتركه حرا طليقا، يخوض في بحار المشاعر كيف شاء، فيتعارض مع العقل، ويتصارع معه، بل شرط عليه شروطا، في الحب والكره، لا بد له منها ليحقق عبوديته.
    قال الله تعالى: {قل إن كان أبآؤكم، وأبنآؤكم، وإخونكم، وأزوجكم، وعشيرتكم، وأمول اقترفتموها، وتجرة تخشون كسادها، ومسكن ترضونها، أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين} و التوبة: ٢٤ فسمى من فضل حب شيء على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فاسقا.
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)، (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، ونفسه، والناس أجمعين)، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب العبد لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار)، (المرء مع من أحب يوم القيامة).
    وهكذا ألزمنا الله تعالى بالتحكم في قلوبنا، ومشاعرنا، فما خالف منها ما جاء به الشرع وجب علينا أن نبغضه، وما وافقه أحببناه.
    ما أمرنا بذلك إلا لتنساق أفعالنا لهذا الدين، بعد أن تمتلئ قلوبنا منه، فيوافق العقل، القلب، ثم تستقيم الأفعال.
    فما كمال الإيمان إلا بتوافقهما: (الآن ياعمر).
    ويتساءل الإنسان بعد هذا: كيف لي أن أتحكم في هذا القلب، الصبي الذي لا يكبر، الطائش الذي لا يعقل؟!
    فيجيبنا القرآن: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتبع هواه وكان أمره فرطا} الكهف: ٢٨
    إذن هي الحواس، العين عندما تعدو للباطل، تملأ القلب منه، فكيف تستقيم أفعال من ادعى الإيمان، ثم ملأ قلبه بمحبة أهل الكفر والضلال؟!
    أو يرضى عنهم، والرضا بالفسق فسق، وبالكفر كفر؟!
    أم يجالسهم ويدعي أن معرفته للحق تقيه من التأثر بهم؟!
    أو نسي قول الله تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصرهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، ونذرهم في طغينهم يعمهون} الأنعام: ١١٠، وذاك من جراء ما اكتسبوا من سيئات.
    ونهينا عن سماع الباطل: الغيبة، وإن لم نغتب بألسنتنا، لكنها الأذان، ستنقل إلى القلب ما سمعت فيمتلئ القلب به، الكلام عن الفواحش، عن انتشار المنكرات، عن أحاديث أهل الباطل، عن الدنيا وما فيها من المغريات، كل هذا سيؤثر على القلب، {وقد نزل عليكم في الكتب أن إذا سمعتم آيت الله يكفر بها، ويستزأ بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم، إن الله جامع المنفقين، والكفرين في جهنم جميعا} النساء: ١٤٠
    و قد وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: {والذين هم عن اللغو معرضون}المؤمنون: ٣
    اشتكى أناس الدنيا بحضرة رابعة العدوية -رضي الله عنها- ، فقالت لهم: لو لم تكن في قلوبكم لما ذكرتموها.
    فلنُصَبّر حواسنا على الحق، حتى يستسيغه القلب، ويرسخ فيه.
    فالنظر إلى الكعبة، إلى المصحف، إلى العلماء، إلى العباد، عبادة يثاب عليها الإنسان؛ لأنه بها سيملأ قلبه بالحق المتمثل أمام عينيه.
    ولتعويد النفس، والتحكم في القلب كلام كثير ليس هذا محله، وإنما ذكرت ما ذكرت استطرادا.
    ولنرجع لموضوعنا:
    بعد أن أمرنا الله باستخدام عقولنا، وحدد لنا طريق قلوبنا، قال تعالى في آخر آية من آيات الأحكام نزولا: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم، فلا تخشوهم واخشون، اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلم دينا} المائدة: ٣
    فتلقى الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين هذا الدين على النحو الذي أراده الله، وارتضاه لهم، فتوافقت قلوبهم وعقولهم، واستقامت أفعالهم.
    استمدوا ثقافتهم من مدرسة النبوة، فانطبعت هذه الثقافة على أفعالهم، وظلت سيرهم المدرسة الواقعية في حياة الناس: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} الأنعام: ٩٠
    (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور).
    {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى، ويقولون: سيغفر لنا، وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه، ألم يؤخذ عليهم ميثق الكتاب ألا يقولوا على الحق إلا الحق ودرسوا ما فيه}الأعراف: ١٦٩
    جاء من بعدهم، فتوسعوا في دنياهم فأخذت تنال من قلوبهم، حتى استولت عليها، ولم تبق للدين مكانا، فرأوا أنفسهم من غير أسس، فمضوا يبحثون عن هذه الأسس التي سيبنون حياتهم عليها، فما قادتهم القلوب التي امتلأت من الدنيا إلى الدين، بل قادتهم إلى أهل الدنيا، فبدؤوا يستمدون منهم ثقافتهم، بها يتأثرون، و بها ويعملون.
    ومن ابتغى الهدى من غير الدين أضله الله.
    فما اتخذوا لأنفسهم أساسا من غير الدين، إلا وهدموا مقابله أساسا من دينهم، وما اتبعوا أدبا من غيره، إلا وهجروا مقابله سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وما زالوا على هذه الحال إلى أن وصلت أمتنا إلى ما وصلت إليه من بعد عن الدين.
    خذلوا دينهم، فخذلهم الله، وسلط عليهم أعداءهم، وكيف لأعدائهم أن يقودوهم إلى الهدى وقد ملأت قلوبهم منهم حسدا: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفارا حسدا من عند أنفسهم} البقرة: ١٠٩
    فلنتدرج في ذكر الحال التي وصلنا إليها في عصرنا الحالي، عصر العولمة.
    بعد كمال الدين عاش الناس في ظلاله قرونا طويلة، ملكوا فيها العالم فعمروه، وارتقوا فيه حتى بلغوا ذروة الحضارة، وكل من يقرأ تاريخ أمتنا يعلم مدى الثقافة والعلم الذي بلغه أجدادنا، بفضل الله تعالى، وفضل اتباعهم للدين، والمسلمون في كل ما قدموه للدنيا ما قدموه إلا ابتغاء وجه الله، وعبودية لله، ومن قرأ التاريخ رأى لذلك صورا تكاد تكون مسطورة من الخيال باتباعهم أوامر الدين، فهم في سلطانهم وامتلاكهم للدنيا لا يرون أنفسهم إلا عبيدا مسخرين قائمين بأمر الله تعالى، بنوا علمهم وحضارتهم على بصيرة.
    ثم مازالوا يتوسعون في الدنيا والترف إلى أن ابتعدوا عن الدين، وجهلوا به، وبدأت تدخل عليهم الثقافات الأخرى فيعجزون عن تمحيصها وتمييز السقيم منها، لجهلهم بدينهم، وما جهل قوم بقيمة شيء إلا وأضاعوه، وبضياع الدين ضاع العز، وحل محله الذل والخنوع، والتقبل لكل ما جاء من أهل السلطان.
    وكان بهذا الأمر سقوط الدولة العثمانية والتي كان سقوطها إيذانا بزوال الخلافة من العالم الإسلامي، وسبق ذلك تسلل المستشرقين في ظلال المستعمرين، فبدؤوا يعملون معاولهم في هدم الدين بين العامة، وقطع صلتهم عن العلماء.
    وكانت أوربا قد بدأت نهضتها العلمية، ولما كانت تدين بالدين النصراني والذي يخالف العقل، بدأت الثورة على الدين بين طبقات المتعلمين هناك؛ لأنهم رأوا أن دينهم مخالف لعقلهم، الذي ما عادوا يستطيعون أن يتخلوا عنه بعد أن وصلوا به إلى درجة رفيعة من العلم، وقد كانوا من قبل يغمرونه طاعة لأمر الكنسية، وخوفا من سطوة القساوسة والرهبان، فكان وضع أول حجر أساس في حضارتهم على هدم الدين، والتمرد عليه، ثم شيدوا هذا البناء، فكانت غايتهم منه السيطرة على هذا الكون، باكتشاف حقيقته، وما يزالون إلى الآن في (طغيانهم يعمهون) وفي ضلالهم يتخبطون، فكيف يهدي الله قوما كان أساس حضارتهم الجحود، وهذا هو الفرق بين حضارة الإسلام، وحضارة الغرب، {أفمن أسس بُنينه على تقوى من الله ورضون خير أمن أسس بنينه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظلمين} التوبة: ١٠٩
    فلما استعمرت العالم الإسلامي فتحت فيه المدارس التي بدأت تبث الفكر الإلحادي، فأرضعوا الناس لبان التمرد على الدين، وغذوهم بأفكارهم، ومبادئهم، وأن ليس لغير العلم التجريبي قيمة، وأن العلوم الغيبية إنما هي أوهام وخيالات جاء بها أئمة الدين ليسيطروا على عقول الناس، وتكون لهم الكبرياء في الأرض.
    وما كان هذا إلا قياسا للدين الإسلامي، دين العقل والعلم، على دينهم النصراني المحرف، دين الخرافة والوهم.
    ومن هنا انتشر بين الكُتَّاب العرب الذين سموا بالمسلمين، واتسموا بالإلحاد، في تلك الفترة رد المعجزات، وإنكار وجود الملائكة، وغيرها من الأمور الغيبية، تلميحا وتصريحا، افتتانا منهم بالعلم التجريبي.
    ومن ذلك ما قاله فريد وجدي: (إن العلم الحديث الغربي قذف بالأديان جملة إلى عالم الأساطير، وإن الشرق الإسلامي اطلع على هذا القذف بعد اتصاله بالغرب وعلومه، ورأى دينه ماثلا بين الأديان المقذوف بها، فأحجم عن مكافحة القاذف، ولم ينبس بكلمة؛ لأنه رأى الأمر أكبر من أن يحاوله، ولكنه استبطن الإلحاد، وتمسك به، متيقنا أنه مصير إخوانه كافة متى وصلوا إلى درجته العلمية)
    وقال شاعرهم:

    قام في الناس نبي إنما شأنه ليس كشأن المرسلين

    وحد الناس وقد فرقهم كافة الرسل على مر السنين


    جاءهم من غير إنجيل ولم يأتهم بالوحي جبريل الأمين

    لم يروا معه عصى موسى التي تلقف الإفك وسحر الساحرين

    معجزات العلم قد أوفت على معجزات الدين في ماضي القرون

    إذ أراهم كيف يحي علمه ميتا لولاه وارته المنون

    خاطبوا المريخ حتى إنهم سمعوا المريخ في صوت مبين

    ورأوا منه الذي أدهشهم قدرة العلم على جنس الجنين

    آمنوا بالعلم دينا وهدى ليس بعد العلم للأفهام دين


    فأي فتنة هذه التي فتنت أهل ذاك الزمان، ليميز الله الخبيث من الطيب، اتخذوا العلم سلاحا ليقتلوا فيه الدين، فما لبث هذا السلاح أن تحول ليكون المدافع عن الدين، وهانحن نرى اليوم كم أظهر لنا العلم من معجزات للقرآن الكريم، {سنريهم آيتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت: ٥٣، لكنها فتنة أهل ذاك الزمان.
    وزاد الأمر على الأمة أن الولاية والمناصب كانت من نصيب من ارتضع لبان الإلحاد، وتربى على أيدي المستعمرين، في مدارسهم، أو في بلادهم بالبعثات التي كانوا يبعثون بها إلى تلك البلاد، مختلفة الثقافة، ليرجعوا بثقافة جديدة، وأفعال جديدة، نابعة من تلك الثقافة، ومن هذا ما كان من هدى الشعراوي، وقاسم أمين، وأمثالهم من دعاة تحرر المرأة، بخلع حجابها، واختلاطها بالرجال، وغيرها من الأمور التي أهانت المرأة، وأذلتها، بعد أن أعزها الإسلام وكرمها، كل هذا جاءنا من تلك الديار، ديار القوم الضالين.
    وتقبله الناس؛ لأنهم أشربوا حب الغرب بذلهم، فالتبس عليهم الحق بالباطل، بعد أن فسدت قلوبهم.
    وبدأت ثقافة الغرب تنتشر في بلاد العالم الإسلامي، فمن كتب تؤلف لنشر الأفكار، ومن قصص تترجم، لنشر الحياة الأجنبية، وتسمى بالقصص العالمية، ولا أعلم كيف أخذت هذا الاسم، مع أنها لا تحمل في طياتها إلا قصص الحياة الغربية، بضلالها وفحشها، ليألفها الناس، فتمتلئ منها قلوبهم، ويتمنون أن لو تكون هذه حياتهم، هذا إن عجزوا عن تقليدها، وإلا فما أسرع ما نراهم يتحولون إلى هذه الحياة، حياة الرياء والنفاق.
    وانتشر ما يسمى بالأتكيت، فكان بانتشاره هجر سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبدلت كلمة الحرام والمكروه بالعيب، وأبدلت مراقبة الله تعالى بمراقبة الناس، والخوف من ألسنتهم أن يتهمونا بالارتكاب العيب إن خالفنا عادة من العادات، فصارت الحرمة للعادات والتقاليد، ولم يعد للسنن، أو المكروهات حرمة.
    ثم زاد الأمر بظهور الإعلام المصور، فنقلت إلينا حياتهم حية، نراها بأعيننا، ليكون تأثيرها أكبر، وتقضي على ما تبقى من قيم وأخلاق.
    ونرى الناس منهمكين بها، فمن مدع أنه لا يتأثر؛ وإنما يتسلى بها وهو يعرف الحق، فما تسليته هذه إلا سم لقلبه وعقله، {أفأمنوا مكر الله؟! فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}الأعراف: ٩٩{ونقلب أفئدتهم وأبصرهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} الأنعام:110، وكيف يخشى اللهَ قلبٌ امتلأ بصور أهل الضلال، وحياتهم، واستساغ سماع ضلالهم الذي هم عليه.
    ومنهم من يقول: إنما أقرأ من كتبهم ما كان يتحدث عن الشخصيات، والتحكم فيها، ونحو ذلك من أمور نفسية، وإنما ألتجئ لكتبهم إذ ليس في ديننا أمثالها!!
    فلا نملك إلا أن نقول عن أمثال هؤلاء: ما قدروا الدين حق قدره، ولو اطلعوا على تراث أسلافهم، لاستحوا من هذا الكلام، نعم هناك فرقان بين ما كتبه أسلافنا وبين ما يلتجئون إليه، فما كتبه أسلافنا -رضوان الله عليهم- مبني على أساس الدين، فهو قليل الخطأ، وما كتبه أعداؤنا مبني على هدم الدين، فهو مليء بالسموم، غير أن هذا ظاهره فيه الإغراء، وباطنه من قبله الفساد، وذاك يكتفي بحسن باطنه، عن زخرفة ظاهره.
    {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} الأنعام: ١١٦
    يقرأ المؤمن في اليوم والليلة قول الله تعالى: {اهدنا الصرط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين} الفاتحة: ٧ ما يزيد عن عشرين مرة، ثم يلتجئ إلى الضالين طالبا الهدى منهم!!
    كم رأينا من دعاة إلى الدين يدعون الناس لقراءة أمثال هذه الكتب، ناسين أنها مبنية على الثقافة الغربية، والحياة الغربية، المخالفة لديننا، ومبادئنا، ويرمون بكتب أسلافنا وراء ظهورهم، {ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشيطين في الأرض حيران له أصحب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين} الأنعام: ٧١
    وكان أكثر ما اهتم الغرب بنشره وترسيخه في الأذهان، تمهيدا لنشر ثقافتهم، هو تقبل كل جديد، بشعارات براقة: (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)، (لا تكن منغلقا، حاول أن تتقبل أفكار الآخرين)، (جرب بنفسك كل جديد)، وما إلى ذلك من عبارات خادعة، كان لها أكبر أثر حتى على بعض دعاة المسلمين.
    غفلوا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور).
    غفلوا أن الحق واحد لا يقبل التغيير، أو التبديل، ولا يتقبل أي فكرة خارجة عنه.
    سيقول البعض: أوليس قد اختلف أهل الحق، ووجب احترام خلافهم، فما بال المذاهب الفقهية أربعة، وأهل الحق يقرونها جميعا؟!
    فنقول: نعم هناك خلاف، ولكنه ضمن نطاق معين، وشروط خاصة، فالحق دائر بين أمور منحصرة لا يخرج عنها، فإن خرج، أو اختلت شروطه رد على قائله، ولم يقبل.
    ((فلا يذادن رجال عن حوضي، كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقا، فسحقا، فسحقا))

    وربما يفهم الإنسان من هذا الكلام أنه يتحتم علينا أن نرد كل ما جاءنا من الغرب، وما إلى هذا قصدنا، ولكننا نقول:
    ما جاءنا من الغرب ينقسم لقسمين:
    علم مبني على أمور تجريبية، تصل لدرجة اليقين، أو ما قاربه، وليس فيه ما يخالف الدين، أو يخشى على النفس من أن تتأثر به، كعلم الفلك، والهندسة، وغيرها من الأمور، فهذه نقبلها؛ لأنها ليست مبنية على مجرد اجتهادات ظنية، ومن هذا أيضا المخترعات، وغيرها.
    وعلم مبني على أمور اجتهادية، واستقراءات ناقصة، أو خاصة بطبيعة شعوبهم وحياتهم دون غيرهم، ومن هذا الكثير من علم النفس، والأمور الفكرية، والأخلاقية، وبناء الشخصية، وأمثال هذه الأمور.
    فهذه يجب منع العامة عن مطالعتها، لا لأن كل ما فيها باطل، فلا بد أن فيها الكثير من الصواب، ولكن لأن العامة الذين أشربوا حب الغرب لن يتمكنوا من التمييز بين الحق والباطل فيها.
    وقد قال الإمام الغزالي في كتابه ((المنقذ من الضلال)): (ولعمري لما غلب على أكثر الخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة، والبراعة، وكمال العقل، وتمام الآلة في تمييز الحق عن الباطل، والهدى عن الضلال، وجب حسم الباب في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضلالة ما أمكن)....( وكما يجب صون من لا يحسن السباحة عن مزالق الشطوط، يجب صون الخلق عن مطالعة تلك الكتب، وكما يجب صون الصبيان عن مس الحيات، يجب صون الأسماع عن مختلط تلك الكلمات)... وهذا إنما قاله الإمام الغزالي –رحمه الله تعالى، وجمعنا به في جنانه – عن كتب أهل الباطل في زمانه، ولكل زمان أهل حق وأهل باطل.
    وقد أفتى الإمام الرملي رحمه الله تعالى بحرمة قراءة التوراة والإنجيل، إلا لعالم متبحر، وما ذاك إلا لهذا الذي قدمناه.
    وكم رأينا من أناس في زماننا، يحفظون مواضع من الأناجيل، مدعين أنهم إنما يطالعون هذه الكتب ليردوا على أهلها، لكنهم مع هذا لا يعرفون أبسط المسائل في العقيدة الإسلامية، فعلى أي أساس ستنبني ردودهم؟!
    وأما ما يأتينا من الغرب بدعوى التسلية، من قصص، وغيرها، فهذه لا نملك إلا أن نقول عنها: {وقتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}الأنفال: ٣٩، فإذا عجزنا عن مقاتلة أجسادهم، فلنقاتل أفكارهم، وحياتهم، وضلالهم، حتى لا نستسيغها، وتمتلئ قلوبنا منها، فتكون النتيجة اتباع واقتداء، وهذا ما آلت إليه الحال، حتى اتسع فيها الخرق على الراقع، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    اللهم يا حفيظ احفظنا بحفظك من كل باطل
    احفظ أبصارنا عن رؤية المعاصي وأهلها
    واحفظ أسماعنا و ألسنتنا عن الباطل
    واحفظ قلوبنا عن محبة الباطل وأهله
    ولا تجعل فيها لغير الحق مكانا، ولا تجعل لأهوائنا علينا سلطانا
    وثبتنا على نهج الاستقامة، واجمعنا وأحبتنا على حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم غير مغيرين في ديننا ولا مبدلين.
    آآآآمـييييـن

    شفاء هيتو
    4-6-1429-هـ
    8-6-2008-م
  • د. وسام البكري
    أديب وكاتب
    • 21-03-2008
    • 2866

    #2
    أهلاً بك د. شفاء هيتو في الصالون الأدبي في ملتقى الأدباء والمبدعين العرب.

    موضوعك قيّم ومفيد، ولكن كنتُ آمُل التفريق بين الصدر والعجز في الأبيات المستشهد بها، لتنتظم في تنسيق أجمل.
    وأما التعقيب العلمي عليه من السادة المعقّبين، فسيأخذ مجاله إن شاء الله.
    مع التقدير
    د. وسام البكري

    تعليق

    • يسري راغب
      أديب وكاتب
      • 22-07-2008
      • 6247

      #3
      في تعريف للثقافه اتبناه قيل انها :-
      قدرة المجتمعات على التجاوب مع تطور الحضارات
      القدره هي الامكانيات الاقتصاديه والكفاءات البشريه
      المجتمعات هي المكان بالنظام والسكان
      التجاوب يعني الاتصال والتواصل والتفاهم والالتماس
      تطور تعني اي مخترعات حديثه في كافة مجالات الحياة
      الحضارات هي مجمل التراكمات الانسانيه في / القيم والعلوم والفنون والاداب
      فهل حقا تكون الثقافه بهذا الحجم الكبير
      ------------------------
      الدكتوره شفاء هيتو الموقره
      مرور سريع مع كامل التقدير
      ودمت سالمه منعمه غانمه مكرمه
      التعديل الأخير تم بواسطة يسري راغب; الساعة 09-11-2009, 18:03.

      تعليق

      • ناصر المطيري
        عضو الملتقى
        • 29-10-2009
        • 86

        #4
        مقال جميل مع عدم التركيز على الموضوع الأساسي وهو من وجهة نظري إبداع من الكاتب ليدخل الأفكار ببعضها..ولكي يطرق أكثر من موضوع من باب واحد..

        ملاحظه وأتمنى منكِ يا أستاذتنا العزيزة مراجعه المقال ..
        فالآيه / {قل إن كان أبآؤكم، وأبنآؤكم، وإخونكم، وأزوجكم، وعشيرتكم، وأمول اقترفتموها، وتجرة تخشون كسادها، ومسكن ترضونها، أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين} و التوبة: 24

        فيها أخطاء وسهو ويرجى تعديلها ومراجعه باقي الآيات مع الحرص على توضيح الشدة والهمزة والضمه لأن باللغه العربيه تختلف المعاني ..

        ولكِ كل الشكر على ما قلتِ ولكن أرجو أن تعيدي قراءة المقال و تعديل الأخطاء التي فيها.

        وتقبلوا مروري
        التعديل الأخير تم بواسطة د. وسام البكري; الساعة 09-11-2009, 17:01. سبب آخر: صححنا مشاركة ناصر المطيري لغوياً
        [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][FONT=Traditional Arabic]كن على حذرٍ من الكريم إذا أهنته ومن السفيه إذا أكرمته.. ومن العاقل إذا أحرجته ومن الأحمق اذا رحمته[/FONT][/COLOR][/SIZE][/FONT]

        تعليق

        • شفاء هيتو
          • 05-11-2009
          • 3

          #5
          الأخ الفاضل ناصر المطيري.. جزاكم الله خيرا على التنبيه، لكن كتابة الآيات القرآنية بالخط العادي مع مراعاة خط المصحف تتولد منه أخطاء لا أعلم كيف يمكن إصلاحها على الحاسب..
          لكني سأحاول بإذن الله..

          تعليق

          • محمد جابري
            أديب وكاتب
            • 30-10-2008
            • 1915

            #6
            الأستاذة د. شفاء هيتو

            أيات القرآن الكريم يجب ان تنقل عوض ان تكتب ويستحسن استعمال برنامج : "الباحث في القرآن الكريم " فاطلبيه من كوكل.
            http://www.mhammed-jabri.net/

            تعليق

            • د. م. عبد الحميد مظهر
              ملّاح
              • 11-10-2008
              • 2318

              #7
              الأستاذة شفاء

              تحية طيبة

              أين أنت؟

              ومن أجل الحوار هل لك ان تحددى بعض المحاور ؟

              ملحوظة: حروف المقالة صغيرة جدا عندى ، فعل هى كذلك عندكم؟

              تعليق

              • د. م. عبد الحميد مظهر
                ملّاح
                • 11-10-2008
                • 2318

                #8
                الأستاذة شفاء

                المقالة طويلة ، وقد أعدت تنسيق المقالة حتى استطيع القراءة.

                والرجاء مراجعة الآيات القرآنية كما جاء فى تعليق المداخلة رقم 4.

                وتحيتى
                بسم الله الرحمن الرحيم

                الثقافة وأثرها في الشخصية

                الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فما سأكتبه الآن إنما هو حصيلة فكرية تراكمت في ذهني من كتب ومقالات متعددة، أحببت أن أهذبها، وأنسق بينها، مستعينة بالله تعالى، وسائلة إياه أن يجنبني الخطأ، و يعيذني من أن أضل، أو أضل، أو أزل، أو أزل.

                تعريف مجمل للثقافة:

                الثقافة في اللغة: من ثَقُفَ الرجلُ ثقافة أي صار حاذِقاً خفيفاً. وتطلق كلمة المثقف عرفا على الإنسان الذي يكون ذا مستوى عال في معرفة مجالات العلوم المختلفة. وأما الثقافة فهي المعلومات التي يحملها الإنسان، فكل ما يعرفه الإنسان يسمى عرفا ثقافة، سواء كانت هذه المعرفة ذا قيمة، أم لا، فمثلا من كان يعرف عدة لغات، يقال عنه: إنسان مثقف في اللغات، ومن كان حافظا لأسماء الممثلين وسيرهم، يقال عنه: هو مثقف بالناس السافلين، ومن كان مِهنيا بأي مهنة يقال عنه هو مثقف فيها، فمن كان نجارا يقال: هو مثقف بالنجارة، أو حدادا، يقال: هو مثقف في الحدادة، وهكذا في كل معرفة من المعارف البشرية.

                فنستخلص من هذا أن الثقافة هي حياة الإنسان الفكرية، وأن الإنسان يكون مثقفا بقدر ما يحمل من معلومات، سواء كانت عملية، أو فكرية، ثم تقيم ثقافته وتوصف بكونها نافعة، أو ضارة، بعد معرفة نوعها، ومجالها. فنستطيع أن نقول بعد هذا، بأن الثقافة مرادفة للمعرفة، وإنما اخترت كلمة الثقافة؛ لأنها الكلمة التي تستخدم بين عامة الناس، ولكلمة المثقف عندهم بريق، لا تحملها كلمة العالم.

                استمداد الثقافة:

                قال الله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة لعلكم تشكرون} النحل: ٧٨،

                فالإنسان أول ما يصل إلى الدنيا يكون خالي الذهن من أي معلومة، ويكون عقله كصحيفة بيضاء خالية، لكنها متقبلة لاحتواء المعلومات، ثم يبدأ سيره في الحياة فيكتسب المعلومات من هنا وهناك، معتمدا في ذلك على حواسه التي وهبه إياها الله تعالى، وتنموا هذه الحواس بنموه. وأولها وجودا السمع، فالإنسان يبدأ بالسمع وهو في بطن أمه، قبل أن يخرج إلى الدنيا، ويتأثر بما يسمعه، ثم تليها حاسة البصر، فيبدأ يلتقط كل صورة تقع عليها حاسته المبصرة، وتنطبع هذه الصور في قلبه، ثم تتلو هاتين الحاستين باقي الحواس: اللمس، والشم، والذوق. ولولا حواس الإنسان، لما استطاع أن يتواصل مع العالم الخارجي، ولبقي خالي العلم عما في العالم الخارجي. وإنما اقتصر في القرآن على ذكر السمع والبصر؛ لأنهما أجل الحواس، وأكثرها تأثيرا على علم الإنسان، ولو فقدهما إنسان قبل التمييز، سقط عنه التكليف. ومع هذا كله فإن الحواس لا تكفي لوحدها إفادة العلم، فهي لا تحكم على شيء، وإنما هي واسطة بين العالم الخارجي، وداخل الإنسان، الذي يحتوي على القلب، والعقل. وأول ما تنقل الحواس المحسوسات إلى القلب معدن المشاعر، ثم إذا التفت القلب إلى هذا الزائر، وأراد أن يفكر فيه، نقل هذه المهمة إلى العقل، ليقوم العقل بالتفكير، ويعطيه أحكاما لهذه المحسوسات.

                فمثلا أحيانا ينظر الإنسان إلى صورة خالي التفكير، فهذه الصورة انطبعت في القلب، ولكن لم يعطها العقل أي حكم، ثم لو سئل فجأة عن لون هذه الصورة، أو شكلها، بعد أن لبث وقتا ينظر إليها، لاحتاج إلى زمن فكري، يتمكن من خلاله أن يرسل المحسوسات إلى الذهن من القلب الذي احتوى هذه الصورة، ليخبره بالحكم، وربما احتاج للنظر إليها مرة أخرى، لا لأنها لم تنطبع في قلبه، وإنما لأن القلب منشغل عنها بما لا يدع لها مجالا في القلب، فهي تنتقل إلى مخلفات الذاكرة، دون أن تترك أثرها في القلب. ولأن القلب معدن المشاعر، والأحاسيس، فإنه هو قائد الجسد، إذ أنه عندما ينشغل بشعور معين، ربما يصل لحد أن يمتلئ منه، فيسيطر عليه هذا الشعور، ويمنعه من التفكير بكل ما حوله، ويحصر تفكيره فيه. فمن أحب إنسانا مثلا، رآه في كل شيء حوله، فيسمع كلاما ولا يفهم منه إلا ما يمكن حمله على شيء يخص هذا الحبيب، ويرى صورا، فلا يلتفت إلا لما يشبه شيئا يخص الحبيب، فهو ممتلئ القلب به، وكيف للقلب أن يأمر العقل بالتفكير في شيء هو خال عنه. فكيف دخل هذا الحب إلى القلب، وكيف سيطر عليه؟! إنها الحواس بريد القلب..ومن هنا نفهم لم أمرنا الله تعالى بغض البصر، وكف السمع، عن المحرمات، ونهينا عن الفضول فيهما بالمباحات، لا لحرمتها، بل حرصا على صفاء القلوب، وخلوه عن غير الحق.

                من هنا نفهم قول الله تعالى:

                {لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم ءاذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعم بل هم أضل، أولئك هم الغفلون} الأعراف: ١٧٩،
                فما منعهم من أن تفقه قلوبهم إلا امتلاؤها بالباطل، حتى لم يبق فيها مكان للحق، {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}المطففين: ١٤

                من هنا نعرف كيف كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يؤمنون لسماع آية، فما كان ذاك إلا لأن هذه الآيات لامست شغاف قلوبهم، إذ وجدت لها مكانا، فلما أحبوها تفكروا بها، وما أسرع ما ينكشف الحق للمتفكرين به. فالحواس تنقل، والقلب يأمر، والعقل يحكم، ولما كان الآمر هو القلب، كان هو المضغة التي إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله. فالحواس مجرد وسائل، ثم يأتي دور القلب والعقل، فتتولد المشاعر، والأفكار، وبعد هذا وذاك تظهر ثمرتهما بالعمل. فمن الحس، والعقل، والقلب، تتكون ثقافة الإنسان، ومن خلال ثقافته تتحدد شخصيته، فما شخصية الإنسان إلا (أفكار- مشاعر- أفعال). فالأفكار نتاج العقل، والمشاعر نتاج القلب، والعمل ثمرتهما. فمن توافق عقله وقلبه، استقام عمله، ومن اختلف عقله وقلبه، ظل تائها متخبطا بينهما، أيتبع ما يمليه عليه عقله من أحكام، أم يتبع مشاعره؟! ويبقى في تخبطه وصراعه، يرتقي حينا، ويهبط أحيانا،

                {واتل عليهم نبأ الذي ءاتينه ءايتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطن فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعنه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} الأعراف: ١٧٥ – ١٧٦

                وبعد تكون ثقافة الفرد، وظهور شخصيته، تتكون ثقافة المجتمعات، ثم تتولد العادات، والتقاليد التي تحكم المجتمعات. ويعجب الآباء والأمهات من أبنائهم، كيف يتصرفون نفس التصرفات السيئة، وكيف يمشون في طريق واحد من الانحراف والتمرد، لا يكاد يخالف الآخر الأول منهم إلا بالزيادة عليه؟! فيا للعجب من عجبهم، ولو علموا أن ما أفعال أبنائهم إلا نتاج ثقافتهم، لزال عنهم العجب. كيف نقول للجيل الجديد: اقتدي بالصحابة، وهو ما سمع بهم؟! وكيف يقلد شيئا ما عرفه، ولو سمع به مرة في الأسبوع أو الشهر، فأي مكان يجده له في قلبه الممتلئ بثقافة الانحراف؟!

                {بل قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمة، وإنا على ءاثرهم مهتدون}الزخرف:٢٢

                فمخالفة الثقافة التي انبنت منها الشخصية أمر صعب في كل زمان ومكان. وقلب الطفل الصغير هو الصحيفة البيضاء، ورقة امتحان الأهل الخالية، التي يحاسبون على كل ما يكتبونه فيها؛ لأن ما سيدخلونه إلى قلوب أطفالهم هو الذي سيتمكن في القلب، ويكبر معهم، ولذا كان الأذان أول ما يسن أن يستمعوا إليه عند ظهورهم إلى الدنيا، لينطبع في قلوبهم نداء الحق. وبعد أن يبلغ الطفل تسلم هذه الصحيفة إليه، ليبدأ هو بالكتابة فيها، بعد أن كمل عقله، وصار مسؤولا عن أحكامه وأفعاله.

                الدين الإسلامي وبناء الشخصية:

                وبعد أن عرفنا كيف تتكون شخصية الإنسان، فلنأت إلى ديننا الإسلامي، دين الكمال، ولننظر كيف أمرنا بالتعامل مع قلوبنا، وعقولنا لتتكون أفكارنا، ومشاعرنا، وتستقيم أفعالنا، فهو ما ترك أمر تكوين شخصياتنا إلى أهوائنا. أما العقل: فقد أمرنا الله تعالى أن يكون استخدامنا للعقل موجها للتعرف عليه، والوصول إليه، والزهد فيما سواه، فمن وجه عقله لغير ذلك لم ينفعه علمه، والآيات التي أمرنا بها في التفكر كثيرة:

                (أفلا تعقلون..أفلا تتفكرون.. لقوم يعقلون.. لقوم يتفكرون....)

                وإنما أمرنا الله تعالى أن نتوصل إليه بعقولنا، لا بمشاعرنا؛ لأن العقل إذا توصل لحكم يقيني، فلا يمكنه أن يبطله، مهما انشغل عنه وغفل، و مهما هجره، ما لم يصل لحد النسيان، ويحتاج فيه لعلم جديد، وأما القلب، فهو دائم التقلب، متجدد المشاعر، لا يكاد يستقر الشعور فيه وإلا ويخلفه شعور غيره. ولكون العقل محل الأحكام، اعتمد عليه في الإيمان، وصنف أسلافنا من أهل السنة والجماعة، (الأشاعرة، والماتريدية) - رضوان الله عليهم- كتبهم في علم العقائد بناء على الأحكام العقلية، التي يتوصل الإنسان من فهمها إلى درجات اليقين، فيبني إيمانه وأفكاره على بصيرة وأساس ثابت، لا يختل، ولا يتغير. وثقة الإنسان بأفكاره، تعطيه الثقة بأفعاله، فيمضي واثقا مطمئنا أنه على الحق،

                { وحآجه قومه، قال: أتحجوني في الله وقد هدان؟! ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاوسع ربي كل شيء علما، أفلا تتذكرون؟! وكيف أخاف ما أشركتم، ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطنا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟! الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمنهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} الأنعام: ٨٠ – ٨٢{
                قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} يوسف: ١٠٨

                فمن فسد اعتقاده، فسدت أفعاله، ومن استقام اعتقاده استقامت أفعاله، وبقدر ثبات الاعتقاد، وحضوره بالذهن في كل لحظة تكون الأفعال موافقة له، وبقدر تزعزعه، والغفلة عنه تكون الأفعال مخالفة له، ومن هنا نعرف ما معنى درجة الإحسان، وهي أن تعبد الله كأنك تراه، تراه بعظمته، وقدرته، وعلمه بك؛ لأنك مستحضر لاعتقادك في كل لحظة من لحظات وجودك، وأما الغافل عنه، الذي يشغل نفسه بغيره، فإنه ما يزال يبتعد عن الله تعالى بمعاصيه حتى يرين على قلبه، ثم يحول الله بينه وبين عقله فيضل بعد هدى كان عليه، وبذلك قال الله تعالى:

                {ونقلب أفئدتهم وأبصرهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، ونذرهم في طغينهم يعمهون} الأنعام: ١١٠.

                وما دمنا قد قدمنا أن العقل لا يفكر إلا بإرادة القلب، كان لزاما أن يكون لهذا القلب قيود حتى لا يخالف العقل، ولذا فإن ديننا لم يتركه حرا طليقا، يخوض في بحار المشاعر كيف شاء، فيتعارض مع العقل، ويتصارع معه، بل شرط عليه شروطا، في الحب والكره، لا بد له منها ليحقق عبوديته. قال الله تعالى:

                {قل إن كان أبآؤكم، وأبنآؤكم، وإخونكم، وأزوجكم، وعشيرتكم، وأمول اقترفتموها، وتجرة تخشون كسادها، ومسكن ترضونها، أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين} و التوبة: ٢٤

                فسمى من فضل حب شيء على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فاسقا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

                (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)،
                (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، ونفسه، والناس أجمعين)،
                (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)،
                (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب العبد لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار)،
                (المرء مع من أحب يوم القيامة).


                وهكذا ألزمنا الله تعالى بالتحكم في قلوبنا، ومشاعرنا، فما خالف منها ما جاء به الشرع وجب علينا أن نبغضه، وما وافقه أحببناه. ما أمرنا بذلك إلا لتنساق أفعالنا لهذا الدين، بعد أن تمتلئ قلوبنا منه، فيوافق العقل، القلب، ثم تستقيم الأفعال. فما كمال الإيمان إلا بتوافقهما: (الآن ياعمر). ويتساءل الإنسان بعد هذا: كيف لي أن أتحكم في هذا القلب، الصبي الذي لا يكبر، الطائش الذي لا يعقل؟! فيجيبنا القرآن:

                {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا، واتبع هواه وكان أمره فرطا} الكهف: ٢٨

                إذن هي الحواس، العين عندما تعدو للباطل، تملأ القلب منه، فكيف تستقيم أفعال من ادعى الإيمان، ثم ملأ قلبه بمحبة أهل الكفر والضلال؟! أو يرضى عنهم، والرضا بالفسق فسق، وبالكفر كفر؟! أم يجالسهم ويدعي أن معرفته للحق تقيه من التأثر بهم؟! أو نسي قول الله تعالى:

                {ونقلب أفئدتهم وأبصرهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، ونذرهم في طغينهم يعمهون} الأنعام: ١١٠،

                وذاك من جراء ما اكتسبوا من سيئات. ونهينا عن سماع الباطل: الغيبة، وإن لم نغتب بألسنتنا، لكنها الأذان، ستنقل إلى القلب ما سمعت فيمتلئ القلب به، الكلام عن الفواحش، عن انتشار المنكرات، عن أحاديث أهل الباطل، عن الدنيا وما فيها من المغريات، كل هذا سيؤثر على القلب،

                {وقد نزل عليكم في الكتب أن إذا سمعتم آيت الله يكفر بها، ويستزأ بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم، إن الله جامع المنفقين، والكفرين في جهنم جميعا} النساء: ١٤٠

                و قد وصف الله تعالى المؤمنين بقوله:

                {والذين هم عن اللغو معرضون}المؤمنون: ٣

                اشتكى أناس الدنيا بحضرة رابعة العدوية -رضي الله عنها- ، فقالت لهم: لو لم تكن في قلوبكم لما ذكرتموها. فلنُصَبّر حواسنا على الحق، حتى يستسيغه القلب، ويرسخ فيه. فالنظر إلى الكعبة، إلى المصحف، إلى العلماء، إلى العباد، عبادة يثاب عليها الإنسان؛ لأنه بها سيملأ قلبه بالحق المتمثل أمام عينيه. ولتعويد النفس، والتحكم في القلب كلام كثير ليس هذا محله، وإنما ذكرت ما ذكرت استطرادا. ولنرجع لموضوعنا: بعد أن أمرنا الله باستخدام عقولنا، وحدد لنا طريق قلوبنا، قال تعالى في آخر آية من آيات الأحكام نزولا:

                {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم، فلا تخشوهم واخشون، اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلم دينا} المائدة: ٣

                فتلقى الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين هذا الدين على النحو الذي أراده الله، وارتضاه لهم، فتوافقت قلوبهم وعقولهم، واستقامت أفعالهم.
                استمدوا ثقافتهم من مدرسة النبوة، فانطبعت هذه الثقافة على أفعالهم، وظلت سيرهم المدرسة الواقعية في حياة الناس:

                {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} الأنعام: ٩٠

                (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور).

                {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى، ويقولون: سيغفر لنا، وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه، ألم يؤخذ عليهم ميثق الكتاب ألا يقولوا على الحق إلا الحق ودرسوا ما فيه}الأعراف: ١٦٩

                جاء من بعدهم، فتوسعوا في دنياهم فأخذت تنال من قلوبهم، حتى استولت عليها، ولم تبق للدين مكانا، فرأوا أنفسهم من غير أسس، فمضوا يبحثون عن هذه الأسس التي سيبنون حياتهم عليها، فما قادتهم القلوب التي امتلأت من الدنيا إلى الدين، بل قادتهم إلى أهل الدنيا، فبدؤوا يستمدون منهم ثقافتهم، بها يتأثرون، و بها ويعملون. ومن ابتغى الهدى من غير الدين أضله الله. فما اتخذوا لأنفسهم أساسا من غير الدين، إلا وهدموا مقابله أساسا من دينهم، وما اتبعوا أدبا من غيره، إلا وهجروا مقابله سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم. ما زالوا على هذه الحال إلى أن وصلت أمتنا إلى ما وصلت إليه من بعد عن الدين. خذلوا دينهم، فخذلهم الله، وسلط عليهم أعداءهم، وكيف لأعدائهم أن يقودوهم إلى الهدى وقد ملأت قلوبهم منهم حسدا:

                {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفارا حسدا من عند أنفسهم} البقرة: ١٠٩

                فلنتدرج في ذكر الحال التي وصلنا إليها في عصرنا الحالي، عصر العولمة. بعد كمال الدين عاش الناس في ظلاله قرونا طويلة، ملكوا فيها العالم فعمروه، وارتقوا فيه حتى بلغوا ذروة الحضارة، وكل من يقرأ تاريخ أمتنا يعلم مدى الثقافة والعلم الذي بلغه أجدادنا، بفضل الله تعالى، وفضل اتباعهم للدين، والمسلمون في كل ما قدموه للدنيا ما قدموه إلا ابتغاء وجه الله، وعبودية لله، ومن قرأ التاريخ رأى لذلك صورا تكاد تكون مسطورة من الخيال باتباعهم أوامر الدين، فهم في سلطانهم وامتلاكهم للدنيا لا يرون أنفسهم إلا عبيدا مسخرين قائمين بأمر الله تعالى، بنوا علمهم وحضارتهم على بصيرة.

                ثم مازالوا يتوسعون في الدنيا والترف إلى أن ابتعدوا عن الدين، وجهلوا به، وبدأت تدخل عليهم الثقافات الأخرى فيعجزون عن تمحيصها وتمييز السقيم منها، لجهلهم بدينهم، وما جهل قوم بقيمة شيء إلا وأضاعوه، وبضياع الدين ضاع العز، وحل محله الذل والخنوع، والتقبل لكل ما جاء من أهل السلطان. وكان بهذا الأمر سقوط الدولة العثمانية والتي كان سقوطها إيذانا بزوال الخلافة من العالم الإسلامي، وسبق ذلك تسلل المستشرقين في ظلال المستعمرين، فبدؤوا يعملون معاولهم في هدم الدين بين العامة، وقطع صلتهم عن العلماء.

                وكانت أوربا قد بدأت نهضتها العلمية، ولما كانت تدين بالدين النصراني والذي يخالف العقل، بدأت الثورة على الدين بين طبقات المتعلمين هناك؛ لأنهم رأوا أن دينهم مخالف لعقلهم، الذي ما عادوا يستطيعون أن يتخلوا عنه بعد أن وصلوا به إلى درجة رفيعة من العلم، وقد كانوا من قبل يغمرونه طاعة لأمر الكنسية، وخوفا من سطوة القساوسة والرهبان، فكان وضع أول حجر أساس في حضارتهم على هدم الدين، والتمرد عليه، ثم شيدوا هذا البناء، فكانت غايتهم منه السيطرة على هذا الكون، باكتشاف حقيقته، وما يزالون إلى الآن في (طغيانهم يعمهون) وفي ضلالهم يتخبطون، فكيف يهدي الله قوما كان أساس حضارتهم الجحود، وهذا هو الفرق بين حضارة الإسلام، وحضارة الغرب،

                {أفمن أسس بُنينه على تقوى من الله ورضون خير أمن أسس بنينه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظلمين} التوبة: ١٠٩

                فلما استعمرت العالم الإسلامي فتحت فيه المدارس التي بدأت تبث الفكر الإلحادي، فأرضعوا الناس لبان التمرد على الدين، وغذوهم بأفكارهم، ومبادئهم، وأن ليس لغير العلم التجريبي قيمة، وأن العلوم الغيبية إنما هي أوهام وخيالات جاء بها أئمة الدين ليسيطروا على عقول الناس، وتكون لهم الكبرياء في الأرض. وما كان هذا إلا قياسا للدين الإسلامي، دين العقل والعلم، على دينهم النصراني المحرف، دين الخرافة والوهم. ومن هنا انتشر بين الكُتَّاب العرب الذين سموا بالمسلمين، واتسموا بالإلحاد، في تلك الفترة رد المعجزات، وإنكار وجود الملائكة، وغيرها من الأمور الغيبية، تلميحا وتصريحا، افتتانا منهم بالعلم التجريبي. ومن ذلك ما قاله فريد وجدي:

                (إن العلم الحديث الغربي قذف بالأديان جملة إلى عالم الأساطير، وإن الشرق الإسلامي اطلع على هذا القذف بعد اتصاله بالغرب وعلومه، ورأى دينه ماثلا بين الأديان المقذوف بها، فأحجم عن مكافحة القاذف، ولم ينبس بكلمة؛ لأنه رأى الأمر أكبر من أن يحاوله، ولكنه استبطن الإلحاد، وتمسك به، متيقنا أنه مصير إخوانه كافة متى وصلوا إلى درجته العلمية)

                وقال شاعرهم:

                قام في الناس نبي إنما شأنه ليس كشأن المرسلين
                وحد الناس وقد فرقهم كافة الرسل على مر السنين
                جاءهم من غير إنجيل ولم يأتهم بالوحي جبريل الأمين
                لم يروا معه عصى موسى التي تلقف الإفك وسحر الساحرين
                معجزات العلم قد أوفت على معجزات الدين في ماضي القرون
                إذ أراهم كيف يحي علمه ميتا لولاه وارته المنون
                خاطبوا المريخ حتى إنهم سمعوا المريخ في صوت مبين
                ورأوا منه الذي أدهشهم قدرة العلم على جنس الجنين
                آمنوا بالعلم دينا وهدى ليس بعد العلم للأفهام دين

                فأي فتنة هذه التي فتنت أهل ذاك الزمان، ليميز الله الخبيث من الطيب، اتخذوا العلم سلاحا ليقتلوا فيه الدين، فما لبث هذا السلاح أن تحول ليكون المدافع عن الدين، وهانحن نرى اليوم كم أظهر لنا العلم من معجزات للقرآن الكريم، {سنريهم آيتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت: ٥٣، لكنها فتنة أهل ذاك الزمان. وزاد الأمر على الأمة أن الولاية والمناصب كانت من نصيب من ارتضع لبان الإلحاد، وتربى على أيدي المستعمرين، في مدارسهم، أو في بلادهم بالبعثات التي كانوا يبعثون بها إلى تلك البلاد، مختلفة الثقافة، ليرجعوا بثقافة جديدة، وأفعال جديدة، نابعة من تلك الثقافة، ومن هذا ما كان من هدى الشعراوي، وقاسم أمين،وأمثالهم من دعاة تحرر المرأة، بخلع حجابها، واختلاطها بالرجال، وغيرها من الأمور التي أهانت المرأة، وأذلتها، بعد أن أعزها الإسلام وكرمها، كل هذا جاءنا من تلك الديار، ديار القوم الضالين. وتقبله الناس؛ لأنهم أشربوا حب الغرب بذلهم، فالتبس عليهم الحق بالباطل، بعد أن فسدت قلوبهم.

                وبدأت ثقافة الغرب تنتشر في بلاد العالم الإسلامي، فمن كتب تؤلف لنشر الأفكار، ومن قصص تترجم، لنشر الحياة الأجنبية، وتسمى بالقصص العالمية، ولا أعلم كيف أخذت هذا الاسم، مع أنها لا تحمل في طياتها إلا قصص الحياة الغربية، بضلالها وفحشها، ليألفها الناس، فتمتلئ منها قلوبهم، ويتمنون أن لو تكون هذه حياتهم، هذا إن عجزوا عن تقليدها، وإلا فما أسرع ما نراهم يتحولون إلى هذه الحياة، حياة الرياء والنفاق. وانتشر ما يسمى بالأتكيت، فكان بانتشاره هجر سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبدلت كلمة الحرام والمكروه بالعيب، وأبدلت مراقبة الله تعالى بمراقبة الناس، والخوف من ألسنتهم أن يتهمونا بالارتكاب العيب إن خالفنا عادة من العادات، فصارت الحرمة للعادات والتقاليد، ولم يعد للسنن، أو المكروهات حرمة. ثم زاد الأمر بظهور الإعلام المصور، فنقلت إلينا حياتهم حية، نراها بأعيننا، ليكون تأثيرها أكبر، وتقضي على ما تبقى من قيم وأخلاق. ونرى الناس منهمكين بها، فمن مدع أنه لا يتأثر؛ وإنما يتسلى بها وهو يعرف الحق، فما تسليته هذه إلا سم لقلبه وعقله،

                {أفأمنوا مكر الله؟! فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}الأعراف: ٩٩{
                ونقلب أفئدتهم وأبصرهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} الأنعام:110،

                وكيف يخشى اللهَ قلبٌ امتلأ بصور أهل الضلال، وحياتهم، واستساغ سماع ضلالهم الذي هم عليه. ومنهم من يقول: إنما أقرأ من كتبهم ما كان يتحدث عن الشخصيات، والتحكم فيها، ونحو ذلك من أمور نفسية، وإنما ألتجئ لكتبهم إذ ليس في ديننا أمثالها!! فلا نملك إلا أن نقول عن أمثال هؤلاء: ما قدروا الدين حق قدره، ولو اطلعوا على تراث أسلافهم، لاستحوا من هذا الكلام، نعم هناك فرقان بين ما كتبه أسلافنا وبين ما يلتجئون إليه، فما كتبه أسلافنا -رضوان الله عليهم- مبني على أساس الدين، فهو قليل الخطأ، وما كتبه أعداؤنا مبني على هدم الدين، فهو مليء بالسموم، غير أن هذا ظاهره فيه الإغراء، وباطنه من قبله الفساد، وذاك يكتفي بحسن باطنه، عن زخرفة ظاهره.

                {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} الأنعام: ١١٦

                يقرأ المؤمن في اليوم والليلة قول الله تعالى:

                {اهدنا الصرط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين} الفاتحة: ٧

                ما يزيد عن عشرين مرة، ثم يلتجئ إلى الضالين طالبا الهدى منهم!! كم رأينا من دعاة إلى الدين يدعون الناس لقراءة أمثال هذه الكتب، ناسين أنها مبنية على الثقافة الغربية، والحياة الغربية، المخالفة لديننا، ومبادئنا، ويرمون بكتب أسلافنا وراء ظهورهم

                ، {ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشيطين في الأرض حيران له أصحب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين} الأنعام: ٧١

                وكان أكثر ما اهتم الغرب بنشره وترسيخه في الأذهان، تمهيدا لنشر ثقافتهم، هو تقبل كل جديد، بشعارات براقة:

                (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)،
                (لا تكن منغلقا، حاول أن تتقبل أفكار الآخرين)،
                (جرب بنفسك كل جديد)،

                وما إلى ذلك من عبارات خادعة، كان لها أكبر أثر حتى على بعض دعاة المسلمين.غفلوا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور). غفلوا أن الحق واحد لا يقبل التغيير، أو التبديل، ولا يتقبل أي فكرة خارجة عنه.سيقول البعض:

                أوليس قد اختلف أهل الحق، ووجب احترام خلافهم، فما بال المذاهب الفقهية أربعة، وأهل الحق يقرونها جميعا؟! فنقول:

                نعم هناك خلاف، ولكنه ضمن نطاق معين، وشروط خاصة، فالحق دائر بين أمور منحصرة لا يخرج عنها، فإن خرج، أو اختلت شروطه رد على قائله، ولم يقبل. ((فلا يذادن رجال عن حوضي، كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقا، فسحقا، فسحقا)) ، وربما يفهم الإنسان من هذا الكلام أنه يتحتم علينا أن نرد كل ما جاءنا من الغرب، وما إلى هذا قصدنا، ولكننا نقول:ما جاءنا من الغرب ينقسم لقسمين:

                علم مبني على أمور تجريبية، تصل لدرجة اليقين، أو ما قاربه، وليس فيه ما يخالف الدين، أو يخشى على النفس من أن تتأثر به، كعلم الفلك، والهندسة، وغيرها من الأمور، فهذه نقبلها؛ لأنها ليست مبنية على مجرد اجتهادات ظنية، ومن هذا أيضا المخترعات، وغيرها.

                وعلم مبني على أمور اجتهادية، واستقراءات ناقصة، أو خاصة بطبيعة شعوبهم وحياتهم دون غيرهم، ومن هذا الكثير من علم النفس، والأمور الفكرية، والأخلاقية، وبناء الشخصية، وأمثال هذه الأمور. فهذه يجب منع العامة عن مطالعتها، لا لأن كل ما فيها باطل، فلا بد أن فيها الكثير من الصواب، ولكن لأن العامة الذين أشربوا حب الغرب لن يتمكنوا من التمييز بين الحق والباطل فيها. وقد قال الإمام الغزالي في كتابه ((المنقذ من الضلال)):

                (ولعمري لما غلب على أكثر الخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة، والبراعة، وكمال العقل، وتمام الآلة في تمييز الحق عن الباطل، والهدى عن الضلال، وجب حسم الباب في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضلالة ما أمكن)....( وكما يجب صون من لا يحسن السباحة عن مزالق الشطوط، يجب صون الخلق عن مطالعة تلك الكتب، وكما يجب صون الصبيان عن مس الحيات، يجب صون الأسماع عن مختلط تلك الكلمات)...

                وهذا إنما قاله الإمام الغزالي –رحمه الله تعالى، وجمعنا به في جنانه – عن كتب أهل الباطل في زمانه، ولكل زمان أهل حق وأهل باطل. وقد أفتى الإمام الرملي رحمه الله تعالى بحرمة قراءة التوراة والإنجيل، إلا لعالم متبحر، وما ذاك إلا لهذا الذي قدمناه. وكم رأينا من أناس في زماننا، يحفظون مواضع من الأناجيل، مدعين أنهم إنما يطالعون هذه الكتب ليردوا على أهلها، لكنهم مع هذا لا يعرفون أبسط المسائل في العقيدة الإسلامية، فعلى أي أساس ستنبني ردودهم؟!

                وأما ما يأتينا من الغرب بدعوى التسلية، من قصص، وغيرها، فهذه لا نملك إلا أن نقول عنها:

                {وقتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}الأنفال: ٣٩،

                فإذا عجزنا عن مقاتلة أجسادهم، فلنقاتل أفكارهم، وحياتهم، وضلالهم، حتى لا نستسيغها، وتمتلئ قلوبنا منها، فتكون النتيجة اتباع واقتداء، وهذا ما آلت إليه الحال، حتى اتسع فيها الخرق على الراقع، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

                اللهم يا حفيظ احفظنا بحفظك من كل باطل
                احفظ أبصارنا عن رؤية المعاصي وأهلها
                واحفظ أسماعنا و ألسنتنا عن الباطل
                واحفظ قلوبنا عن محبة الباطل وأهله
                ولا تجعل فيها لغير الحق مكانا، ولا تجعل لأهوائنا علينا سلطانا
                وثبتنا على نهج الاستقامة، واجمعنا وأحبتنا على حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم غير مغيرين في ديننا ولا مبدلين.

                آآآآمـييييـن

                شفاء هيتو
                4-6-1429-هـ

                8-6-2008-م


                ***************

                و فى انتظار محاور الحوار
                التعديل الأخير تم بواسطة د. م. عبد الحميد مظهر; الساعة 26-11-2009, 21:23.

                تعليق

                • د. م. عبد الحميد مظهر
                  ملّاح
                  • 11-10-2008
                  • 2318

                  #9
                  [align=right]
                  الأستاذ الفاضل د. شفاء هيتو

                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                  مقالتك نشرت يوم 8 نوفمبر2009

                  و نحن الآن فى مرحلة مراجعة ما تم فى

                  ملتقى الحوار الفكري و الثقافي

                  فما هى الرسالة التى أردت توصيلها من خلال مقالتك؟

                  و هل تعتقد ان رسالتك قد وصلت؟

                  و تحياتى

                  [/align]

                  تعليق

                  يعمل...
                  X