[align=justify]
كنت لا زلت في أول غربتي, حيث المشاهد الجانبية لا تعني الشيء الكثير. كل ما هناك ينبئ بغموض
يتوالى, تتملكني الدهشة حين التواصل لكنني أفيق كل صباح من حلم قديم يذوب شيئاً فشيئاً, وإذ بي داخل
صومعة تأخذ شكلا آخر. هي شرنقة الغربة, حين تحتوي طفولتي بين أغلفة غريبة. لم استطع أن أمعن
النظر في الأشياء بقدر ما هربت إلى داخل عقلي. يزداد حنيني, وتغيب عيوني في حزن داكن. لكنني ارحل
من كل أمور الوقت الراهن, وأسافر بالحركة والصوت, كنت أصل حتى نهاية الغربة حيث صديقي, هو
الآخر يمتهن الغربة, ولكن بجدارة لم استطع لها صبرا.
أحيانا كنت أعود إليه من عيون غريبة, لأشاهد عيونه العسلية, وشعره الكث المحبب. يساعدني الله في
شؤوني حين أغمض عن الدنيا كل المشاهدة . أسير كما النائم, حتى استفيق على صوت موسيقى تأتي من
كمان بعيد, صوت يمتلك الدفء وسط برد ذلك الشتاء. ويتعالى الصوت نداء, لموسيقى تأتي من آخر
قاطرة, في القطار الكهربائي, يأتي من آلة الأكورديون يتقارب الصوت كما تقترب الأرواح العازفة
, حتى يمسي على الأجواء حديث له نبرة صوت وكأنه صدى الحنين. اقتربت مني وهي تعزف, ودون أن
تطلب أعطيتها ما معي من نقود, وتركت عيوني خلف نافذة القاطرة, التفت إليها وهي تغادر نحو التقاء
برجل عجوز يعزف أيضا. رحل الاثنان من قاطرة الزمن المر, إلى مظلة قرب الرصيف. نظرت ملياً قبل
أن يغادر بي زمني إلى حيث لا أريد. تبسمت له الصغيرة, ونظر إلى ما جمعته في يدها. كان البرد أقوى
من ابتسامة الرضا, وكانت الغربة أقوى من أن أغادر القاطرة نحو جماليات تلمع في سماء الحياة صدفة.
عدت إلى عيوني وهي تسافر من نافذة القاطرة, والتقيت صديقي في تلك الليلة. كنت سعيداً لأني وجدت
غرباء, ولكنهم دون سفر.
[/align]
تعليق