كونتيسة الدماء
إذا ما ذكرت السفاحات من النساء " الجنس اللطيف " يقفز اسم "الكونتيسة اليزابث باثوري" “Elizabeth Bathory”، أو كونتيسة الدماء كما أصبحت تعرف فيما بعد، أن قصتها تشبه قصص الرعب الخيالية ولكن حقيقية تماماً، وذلك طبقاً لسجلات البلاط الملكي في عصرها، ولدت "اليزابيث باثوري" عام "1560م" وكانت تنتسب إلى عائلة "باثوري" الغنية واسعة النفوذ، وفي سن الخامسة عشرة عندما اكتمل نضجها وأينع جمالها الخلاب تم تزويجها من "الكونت فرنسيز ناداسدي" “Ferencz Nadasdy” الذي كان يكبرها بأحد عشر عاماً وكان العريس قد أكتسب مقدماً شهرة عريضة كرجل عسكري، وفي الحقيقة كان معروفاً باسم "بطل المجر الأسود" وربما ترجع هذه التسمية إلى لون بشرته السمراء، وتعبيراً عن سعادته بارتباطه بآل "باثوري" المعروفين سمح الكونت لعروسته الصغيرة بأن تستمر في حمل اسم عائلتها، وقد ذهب هو نفسه خطوة أبعد فأضاف اسم "باثوري" إلى اسمه هو.
ولأن الكونت "ناداسدي" كان غالباً متغيباً يتابع أعماله العسكرية كانت الكونتيسة حديثة الزواج تجد نفسها وحيدة في القلعة الكبيرة الكئيبة وحولها زمرة من الخدم غريبي الأطوار، وقد أنشأت "اليزابيث" التي لم يقر لها قرار، وقد أنهكها السأم علاقة غرامية مع زائر جذاب، ولكن سرعان ما أخفقت هذه العلاقة في إشباع شغفها وتطلعها إلى الإثارة.
وبمرور الوقت قدم أحد الخدم الذكور وكان يدعى "ثوركو" “Thorko” من الذين يؤمنون بالخرافات الكونتيسة التي يسهل التأثير عليها إلى "عالم القوي الخفية"، ولكن في آخر الأمر انقلبت المتعة البريئة التي أرادتها الكونتيسة لكسر الملل إلى شكل مشؤوم من الإثارة ألا وهو تعذيب الخدم من البنات الصغيرات، ويمكن القول أن الدافع النفسي وراء هذا الإنقلاب هو خوف الكونتيسة باثوري المرضي من أن تطعن في السن وتفقد جمالها، وكانت البنات الصغيرات يرمزن إلى التهديد الذي كانت تحس وطأته بشدة.
وفي عام (1600م) توفي الكونت ناداسدي ، وكانت أرملته الشابة "باثوري" مازالت جميلة، ولكن العمر يتقدم بسرعة مما دفعها إلى مواصلة البحث عن ضالتها المنشودة وهي الشباب والجمال الدائم، وقد انتهي بها هذا البحث إلى خاتمة رهيبة جعلتها واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للرعب في التاريخ، وقد بدأت قصة الكونتيسة مع الدماء بصفعة، فقد صفعت إحدى خادماتها الصغيرات صفعة قوية، كانت من القوة إلى الحد الذي فجر الدماء من وجه الخادمة المسكينة، ولقد أوحى منظر الدماء الساخنة ولونها الأحمر القاني إلى الكونتيسة بالفكرة فجأة.. لما لا يكون الدم هو العنصر المفقود في التركيبة السحرية للشباب الدائم والتي كان يؤرقها البحث عنها؟
وبناءاً على أوامر الكونتيسة أمسك خادمان من الذكور بالفتاة المسكينة واحنياها فوق وعاء كبير وتم اختراق جسدها في أماكن حساسة قابلة للجرح وتم استصفاء دمها في الوعاء، وطردت الكونتيسة الخدم وتقدمت إلى الوعاء لتستحم في دم الفتاة القتيل الساخن مغطية جسدها كله بالسائل الأحمر القاني، ومن هنا ولد تعبير "حَمَام الدم" “Bloodbath” من تلك اللحظة، وبهذا أقرت الكونتيسة نظاماً مخيفاً ، فكانت تصدر الأمر "أحضروا لي فتاة صغيرة" ولمدة حوالي العشر سنوات تم قتل العشرات من الخادمات الصغيرات اللواتي في سن الزواج من أجل استصفاء دمائهن، وكان يتم إغراؤهن على الحضور بوعود العمل في قصر كبير محترم.
ولسوء حظ الكونتيسة عرفت واحدة من الفتيات المعدات "لحلب" دمائهن بالمصادفة البحتة ما كان يجري في القصر، وقد نجحت تلك الفتاة في الهرب، ولم تضع الفرصة فقد هرعت إلى السلطات وأخبرت عن كل ما رأته في القصر، وعندما وصل الخبر إلى علم الملك "مثياس" “Matthias” أمر بإجراء تحقيق على وجه السرعة، ولسخرية الأقدار فقد قام قريب للكونتيسة "باثوري" بقيادة الجماعة التي قامت بالهجوم المفاجئ على القصر معضداً بثلة من الجنود، وعندما دخلوا القصر ذهل الجميع حتى الجنود الأشداء من هول ما رأوا، فقد رقدت فتاة ميتة في القاعة الرئيسية بينما كان يُستصفي دم أخرى، وفي زنزانة أرضية، اكتشفوا "اسطبل" فتيات صغيرات على قيد الحياة ، ولكن كان من الواضح أنه قد تم "حلب" دمائهن على فترات، وخارج القصر وجدت حوالي خمسون جثة مدفونة لفتيات من القرويات.
وأمر الملك بمحاكمة عاجلة، ورفضت الكونتيسة "باثوري" بترفع أن تظهر، ولكن تحت وطأة العذاب أقر شركاؤها في الجريمة بكل ما كان يجري في القصر، وعند انتهاء المحاكمة ضرب عنق كل المتورطين في هذه الجريمة ما عدا اثنتين من النساء أحرقتا وهما على الخازوق وهو عقاب الساحرات. أما الكونتيسة الدموية فعلي الرغم من كل الصرخات بموتها فقد تدخل أصحاب نفوذ قوي لإنقاذها من هذا المصير، وتم الاكتفاء بوضعها في مخدعها، وسد عليها بالحجارة تاركين كوة صغيرة لإدخال الطعام والماء لها، وكان هذا هو الاتصال الوحيد بالعالم الخارجي الذي سمح لها به، ولقد ظلت حبيسة سجنها هذا لمدة أربعة أعوام متروكة في عزلة تامة من الجميع حتى أهلها، وأخيراً ماتت غير مأسوف عليها مشيعة باللعنات.
[/align]
تعليق