مكسيم غوركيАлексе́й Макси́мович Пе́шков or Пешко́в

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    #16
    [align=center]





    [align=center]حياتي[/align]
    [/align]
    [align=center]

    [align=right]
    تأليف: مكسيم غوركي
    [/align]
    [align=right]

    ترجمة: خليل حسني


    الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر


    عدد الصفحات: 305 صفحة


    حجم الملف: 6.7 MB




    إليكم أولا مقدمة المترجم
    [/align]
    [align=right]
    [/align]



    [align=center]





    هنـــ رابط التحميل ــــا
    [/align]


    [/align]

    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #17
      بوليسلوف

      - قصة قصيرة

      بقلم / مكسيم غوركي

      يوما ما حدثني صديق لي قال : كنت أواصل دراستي في موسكو ؛ متًخذا مسكناً صغيراً حيث كانت جارتي البولندية التي أسمها " تيريزا " فتاةً غربيةَ الأطوار . يمكنني وصفها بأنها طويلة القامة , قوية البنية . لها بشرة داكنة , وحواجب ثخينة , وملامح فضًة كما لو أن فأساً أحدث كل هذه الشروخ البارزة في وجهها .. عيناها غائمتان ؛ وصوتُها خشنٌ وعميق ؛ فيما تصرفاتُها تشبه سلوكيات رجلٍ صرفَ حياته في الشجارات والعراك الدائم . كانت ثقيلة الجسد ، ومظهرُها الخارجي يعرض قبحاً مخيفاً . تسكن غرفةً تقابل غرفتي في الطابق العلوي من البناية التي نسكنها ، لذلك غالباً ما ألتقيها عند السلَّم أو في الفناء . ترميني بابتسامةٍ تغلّفها السخرية ، وغالباً ما أبصرُها عائدةً إلى البيت بعينين حمراوين وشعرٍ يتخلّى عن انتظامه . وقد نتواجه فتروح تحدّق بي ثم تهتف : " مُرحِباً : أيها الطالب ! " .

      ضحكتُها تبعثُ على الاشمئزاز ، لذلك قررتُ تغيير غرفتي تجنباً لرؤيتِها .. وفعلاً حظيت بمكانٍ أشعرني بالارتياح خصوصاً وثمَّةَ نافذةٌ أستطيعُ من خلالِها ملاحظة المدينةِ بشوارعِها المنفتحة الهادئة . وكثيراً ما جلستُ طويلاً أتشبّعُ بالمشاهدة وأنهلُ من الهدوء .في أحدى الصباحات : وبعد أن انتهيت من ارتداءِ ملابسي وارتميتُ على السرير فُتحت الباب فجأةً فإذا بـ تيريزا " تقف عند العتبة :
      - مرحباً أيها الطالب !.. قالتها بنبرتها الخشنة المعهودة .
      - ماذا تريدين ؟! . سألتها مستغرباً .
      حين أمعنتُ النظر رأيتها بوجهٍ اكتسى تعابيرَ مرتبكة وخجولة لم أبصرها فيه من قبل .
      - أيها الطالب !.. قالت وأكملت : " أريد أن أسألك معروفاً وأرجو أن لا ترفضه " .
      لم أقل شيئاً إنَّما هي التي استمرت : " أريدك أن تكتب لي رسالة إلى أهلي !" .
      " ماذا تبغي هذه الفتاة برب السماء ؟!.. قلتُ مع نفسي . قفزتُ من على السرير متخذاً مجلسي عند المنضدة ساحباً ورقةً ومقرّباً قنينة الحبر .قلتُ :
      - تعالي : اجلسي وأملي عليّ ما تودّين .
      دخلت جالسةً باحتراس ، ُمطلِقةً نظرةً حادّة باتجاه عيني .
      - حسناً .. لمن أوجّه الكلام ؟
      - إلى " بوليسلوف كاشبوت " الذي يقطن في سوينزياني " قريباً من محطة قطارات وارشو .
      - وماذا تطلبين أن أكتب له ؟ .. هيّا ! قولي .
      - عزيزي بولص .. حبيب قلبي .. حبّي .. روحي . إلهي يحفظك من كلِّ مكروه ... عزيزي لماذا لم تكتب لحمامِتكَ الصغيرة الوديعة منذ زمن بعيد ؟ . لماذا لا تكتب لتيريزا التي تشعر بحزن عميق ؟! بصعوبة بالغة تمالكتُ نفسي من الضَّحك .. " أهذه حمامة ؟! .. أهذه التي طولها ستة أقدام ، ذات القبضة القوية والوجه الحاد والعافية الكاملة والتي تشبه مخلوقة صرفت عمرَها تكنس سخام المواقد الشتوية يمكن اعتبارها حمامة وديعة وصغيرة ؟! " ..
      ضبطتُ نفسي ، واحتفظتُ برباطة جأشي . ورحتُ أسألها :
      - من هو بوليسلوف ؟
      - بولص : يا سيدي !" .. رددّت الاسم بإعجابٍ كما لو كان من المستحيل نكران مَن يكون بوليسلوف هذا .
      - سأتزوج بولص .
      - تتزوّجيه ؟!
      - ولماذا أنت مندهش ! أيها الطالب ؟ ألا يمكن لشابة مثلي امتلاك حبيب ؟
      - شابة ؟! .. أيةُ نكتة ! .. ولكن ربّما .. قد يحدث ذلك . كل شيْ جائز .. منذ متى وأنتما مخطوبان ؟ .
      - منذ عشرة أعوام .
      نعم .. كتبتُ الرسالة مليئة بعبارات الحب والوله واللطف كما لو كنت أتمنى أن أكون أنا بوليسلوف ، ومن أية فتاة تردني هذه العبارات ، إلاّ تيريزا .
      - شكراً لك من قلبي أيها الطالب .
      كانت بالغة التأثر ، فسألتني ردّاً للجميل :
      - هل تطلب مني خدمة أؤديها لك ؟
      - لا : شكراً .
      - أستطيع إصلاح قميصك أو أي من ملابسك أيها الطالب . كان هذا ما يزعجني أحياناً . ومع ذلك شكرتها قائلاً : لا أحتاج .
      في إحدى المساءات وكان قد مرّ أسبوعان على كتابة الرسالة كنتُ جالساً عند النافذة أصفِّرُ وأتركُ لعيني التجوال تسليةً ، مفضلاً عدم الخروج بسبب رداءة الجو عندما فُتحت الباب بغتةً .لقد كانت تيريزا !

      - أيها الطالب . أرجو أن لا تكون منشغلاً .. حسناً :لا أرى أحداً عندك.
      - لماذا ؟
      - أريدك أن تكتب لي رسالة .
      - إلى بولص ؟
      - كلا .. أريدك أن تكتب ردّهُ .
      - ماذا ؟ . . صرختُ مندهشاً .
      - اعذرني ، أيها الطالب . أنا غبية . لم أعبر عن نفسي بصورة واضحة . رسالة ليست لي بل لواحدة من صديقاتي .. فهي لا تعرف الكتابة ، ولها حبيب مثلي .
      - أتطلعُ فيها فأحصد خجلاً يغمر وجهها ، وارتعاش كفّيها يفضحان كذبة لم تُصدق .
      - اسمعي أيتها الفتاة . كل ما قلتيه عنك وعن بوليسلوف كان خيالاً مَحظاً .، وأنت تكذبين . إنهُ ليس إلا عذراً للحضور إلى هنا . لا أريدك أن تلعبي مثل هذه الأفعال مرّة أخرى ... أفهمت ؟

      رأيتُ الخوفَ يكتسحها .. إحمرّت خجلاً . أرادت أن تقول شيئاً لكنها عجزت ، حتّى أنني شعرتُ باضطهادها . لا بدّ أنْ ما دفعها لفعلِ ذلك ! ولكن ما هو ؟!

      - " أيها الطالب .. " توقفت لتقول شيئاً ، لكنّها بلمحةٍ مباغتة استدارت خارجةً من الغرفة .
      مكثتُ مكاني وفي قلبي مشاعر واحتدامات ضاغطة . سمعتها تغلق الباب بعنف ما أشعرني بأنها خرجت غاضبة . لذلك صممّت على دعوتها للعودة شاعراً بالأسف ومقرراً كتابة الرسالة ,خطوت صوب غرفتها . لمحتها جالسة عند منضدتها وقد رمت بوجهها بين كفّيها .
      - يا فتاتي ، أنتِ ..
      عندما أصل إلى هذا القدرِ من القص أشعرُ دائماً بأسىً عميق .قفزَت من مكانها ؛ ومباشرةً توجَّهت إليَّ بعينين مشرقتين ، واضعةً ذراعيها على كتفي . ثم شرعت تنشج باكية كما لو أنَّ قلبها يتفطَّر .
      - ما الاختلاف إن ... إن كتبتَ .. أسطر .. قليلة ؟ آ .. أنتَ تبدو شاباً مرغوباً فيه !.. نعم ، لا يوجد ثمّة بوليسلوف ... وليست هناك تيريزا ! هنالك أنا فقط .. أنا وحيدة .
      - ماذا ؟! هتفتُ مصعوقاً بكلماتها : " لا يوجد بولص مطلقاً " .
      - لا ..
      - ولا تيريزا ؟! .
      - لا .. أنا هي تيريزا .
      تطلعتُ إليها مذهولاً " أحدنا هو المجنون " ..
      عادت إلى منضدتها . استخرجَت قطعة ورق : هنا ! " قالت " هذا ما وردني .. هنا ! .. خذ هذه الرسالة التي كتبتها لي . الناس الآخرون ذوو القلوب الرحيمة ستكتب لي بدَلك ." أمسكتُ الرسالة التي كتبتها لبوليسلوف المُتخيّل :
      - اسمعي تيريزا . لماذا كل هذا ؟ لماذا تريدين الناس أن يكتبوا لكِ بينما أنتِ لم تبعثي الرسالةَ هذه ؟
      - لمَن سأبعثها ؟
      لم أدري ما أقول .. كل ما فعلته هو أنّي تحركتُ خارجاً . لكنَّها انطلقت تفوه :
      - لا يوجد بوليسلوف . أنا خلقته وأردته أن يعيش . أدري أنني ليست كمثل الآخرين . أعرف أنني لا أتسبب بأذى أحد لو أنا كتبتُ إليه .
      - ماذا تقصدين بقولكِ " إليه " ؟ .
      - إلى بوليسلوف طبعاً ؟
      - لكنكِ تقولين لا يوجد شخصٌ بهذا الاسم !
      - نعم .. وما الضرر في عدم وجوده .. أكتب إليه كأنَّه رجلّ حقيقي . وهو أيضاً يردُّ عليَّ . أكتب له مرة أخرى ، ومّرة أخرى هو يرد .

      وأخيراً فهمتُ . لقد أحسستُ بالذنبِ والخجلِ وبصدمةٍ مثلَ طعنةِ ألمٍٍٍ . آآ .. إلى جانبي تسكنُ إنسانةٌ فقيرة ليس لها ما يقابلُها من روح تبثُّه العواطفَ وتُظهِر له الخلجات .. لا أبوان لها ، لا أصدقاء . لذلك اخترعت لنفسها رجلاً تبثه خلجاتها .

      استمرَّت تخاطبني بأسىً عميق : " الرسالةُ هذهِ التي كتبتها لي لتصل إلى بوليسلوف طلبت ُ من شخصٍ آخر يقرأها لي وبصوت عالِ . استمعتُ وتخيلتُ أن بوليسلوف رجلٌ يحيا في هذا العالم . ثم طلبتُ إجابةً من بولص إلى حبيبته تيريزا .. إلي . هكذا أشعرُ أن ثمة بوليسلوف يحيا في مكان ما . لا أعرف أين . وهكذا أستطيع التواصل في الحياة فتصبح عندي أقلَّ صعوبةٍ ، أقلَّ فضاعةٍ . وأقلَّ حدّة " .منذ ذلك اليوم وأنا أكتب الرسائل . اكتبها مرتين في الأسبوع . رسائل مرسلة من تيريزا إلى بوليسلوف ؛ وأخرى من بوليسلوف إلى تيريزا .

      أقول كلماتي المليئة بالعاطفة ؛ وبالأخص الردود ، وهي تصغي إلى القراءة باكية ، ضاحكة ؛ ولكن سعيدة . وفي المقابل صارت تعتني بملابسي . ترتِّق قمصاني وجواربي ، وتنظف حذائي ، وتمسح قبعتي وتفرّشها .بعد ثلاثة أشهر ألقي القبض عليها بشبهةٍ فأودعت السجن . ولم أرها بعد ذلك .لا بدَّ أنها ماتت .

      ترجمة : زيد الشهي
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • محمد سلطان
        أديب وكاتب
        • 18-01-2009
        • 4442

        #18
        طفولتي






        " في طفولتي أصور نفسي كخلية نحل, وضع فيها مختلف الأشخاص البسطاء العاديين مثلما النحل عسل معارفهم وأفكارهم عن الحياة. وأثروا روحي بسخاء, كل بما استطاع . وكثيراً ما كان هذا العسل قذراً مراً,
        ولكن كل معرفة هي مع ذلك عسل "


        طفولتي - مكسيم غوركي



        عندما كتب مكسيم غوركي ثلاثيته الشهيرة التي تحكي سيرته منذ الطفولة, كان يقصد الدعوة للنهوض بالمجتمع الروسي, وبالأخص طبقة المجتمع الفقيرة المعدمة , التي تعيش مآسي وصراعات لا تحتمل , حتى أصبح الروس المجبرين على حياة فقيرة فارغة, يفتشون عن تسلية لهم في الحزن نفسه, فيلعبون به كالأطفال, ولا يحسون بالخجل من مصائبهم إلا في القليل النادر. وحين تكون الحياة رتيبة يسمي الحزن نفسه عيداً وحدثاً مرحباً بهما! وحتى الحريق يصير تسلية لذيذة. وكذلك الجرح البسيط في وجه فارغ من كل معنى يضحى زينة جميلة رائعة. في كل بيت من طبقات هذا المجتمع كان يوجد " إنسان " يسقط وينهار ويتعذب . القيم العائلية منهارة, الفقر أجبر أطفال في عمر الزهور للعمل في تجميع الخشب من أجل كسب القوت اليومي. الضرب هو الوسيلة الوحيدة للتربية, ولأتفه الأسباب. بل حتى الصراعات الدينية تضرب في صدور هذا المجتمع, وهذا الإنسان الذي يتعذب . بالرغم من تشابه أغلب القصص التي تُحكى في هذه الثلاثية , إلا انها جميعاً تتشابه بصورة غريبة جداً, موضوعها الآلام البشرية والذل والهوان, وفي كل منهما انسان يتعذب .

        لم يركز مكسيم في كتابته للرواية على حال الفرد الروسي, بل كان التركيز مركزاً باتجاه المجتمع الذي كان يحلم به مكسيم أن يتخلص من هذا الجنون. والقيام بنهضة إجتماعية تحفظ كيان الإنسان ومركزه وكرامته في هذا المجتمع. يقول مكسيم بين ثنايا " طفولتي " الجزء الأول من سيرته :

        " حين أذكر شناعات تلك الحياة الروسية الهمجية أتساءل أحياناً أكانت تستحق المرء أن يتحدث عنها ؟ لكنني اقتنعت بعد التفكير أن من الواجب أن أعرضها , لأنها تشكل الحقيقة الشريرة الدنيئة التي لم تستأصل شأفتها بعد حتى اليوم الحاضر .. انها تمثل حقيقة يجب معرفتها حتى أعمق جذورها , كي ننتزعها بعد ذلك من حياتنا الكئيبة الملطخة بالعار , ننتزعها من صميم نفس الإنسان وذاكرته .

        لكن هناك سبباً اخر , أكثر رضى , يدفعني إلى وصف هذه الاهوال المقيته . بالرغم من بشاعتها , وبالرغم من الطريقة التي تشوه بها ما كان يمكن أن يكون في نفوسنا رائعة دون ذلك . إن الإنسان الروسي يملك من الفتوة وسلامة الفكر ما يكفي كي يبيد مثل هذه الأشياء ... إن حياتنا لرائعة , ليس لأنها نمت في تربة خصبة من الحيوانية فحسب . بل لما يتضوأ وراءها من قوى خلاقة براقة وصحية . وإن اثر الخير ليتضاعف , وإن شعبنا سوف يستيقظ أخيراً إلى حياة ملأى بالجمال , مشعشة بالإنسانية "

        التصوير الفني في الرواية ,موسيقى حزينة واقعية أساسها البؤس والحزن. لم يرسم مكسيم من خياله شخصيات خيالية , كل شخصية تحمل الطيبة والنقاء , وشخصية أخرى الشر مزروع في أحشائها . بل كان يكتب شخصيات عاشها وتعامل معها أقسى سنوات أيامه عذاباً . فالجد الذي لم يرحم مكسيم , وكان شريراً ,كان طيباً بعض الأحيان , ويتحول لطفل وديع بسبب تأثره بذكرياته القديمة .كل شخص في شخصيات حياة مكسيم كان يحمل الطيب من جهة , والشر من جهة آخرى .


        بعد الإغفاءة الاخيرة لوالد أليوشا بشكوف - بطل السيرة والروائي نفسه - بسبب مرض الكوليرا الذي ضرب روسيا تلك الفترة , ومشاهدته لدموع الرجال التي لم يشاهدها وهو في عمر الأطفال, ينتقل مع والدته فاريوشا, وجدته أكولينا إيفانوفنا إلى مدينة نيجنئ المعروفة بمدينة الكنائس. للعيش في كنف عائلة والدته. وفي هذه المدينة, وفي جو هذه العائلة المثيرة تدور سيرة أليوشا المليئة بالقهر والحزن والبؤس. عندما يصل أليوشا للعيش في كنف هذه العائلة وهو طفل يتفاجئ بجو العائلة القائم على الصراعات بين أفراد العائلة الواحدة. لا رحمة ولا ترابط بينهم ,ولا علاقة صحية قائمة بينهم, التفكك الأسري والصراعات على أموال الأب الحي هي القائمة منذ وصول أليوشا للمنزل. صراعات الخال ميخائيل الذي يوصف بالسيرة بالمنافق الكبير, والخال ياكوف الكافر الجبان كما يصفه الجد هي البداية لدخول الطفل اليتيم في صراعات العائلة, التي تمثل العائلة الروسية الفقيرة في العهد القصيري.

        الجد وهو إحدى شخصيات السيرة بالإمكان تصوره أنه مجنون طائش. وسيلته في الإدارة هي العقاب الجماعي, ضرب الأطفال والرجال, بل حتى النساء. ولا يمكن صبغة صفة الشر على الجد بصورة مطلقة, فهو رغم جنونه وتعطشه للضرب, إلا أنه يتحول لطفل وديع حين يسترجع ذكرياته مع زوجته ,والعذابات التي قاساها في حياته . يقول مكسيم بما معناه أنهما كانا دائماً ينسيان وجوده عندما يسترجعون ذكرياتهم , حتى يلوح لي أنهما ينشدان أغنية شجية, لكنها حزينة في الغالب, موضوعها النار, والامراض والمصائب والإعتداء على الناس بالضرب, والموت المفاجئ, واللصوص الأذكياء, والنبلاء المرتزقة, والمتسولون المتعددون . يبقى التذكير بأن الجد كان يعطف على أليوشا بعض الأحيان, ويحبه في لحظة صفاء, حتى قال لـ أليوشا ينصحه " ستبقى وحيداً, أفاهم أنت.. تظل وحيداً تدبر أمور نفسك بنفسك . تعلم أن تعتني بنفسك, وإياك أن تنحني للغير ! عش هادئاً مسالماً, لكن كن عنيداً, وامض في طريقك الخاصة دون خوف او وجل.. واصغ للجميع, لكن افعل ما تعتقد أنه الافضل "

        الجدة وهي الشخصية الثانية في السيرة تحمل الطيبة والنقاء والعطف على هذا الطفل اليتيم, وهي في نفس الوقت, تقع في المتاعب وتدمن الشرب بسبب الصراعات والقلق لـ إعتمادها بعد فترة من حياتها على العيش من رزق يديها, بعد الإنفصال المالي بين الزوج وزوجته . تصور مكسيم لجدته انها تمثل العذراء في حبها له وعطفها عليه. هي الي تدافع عنه تحت سياط الجد, و صراعات العائلة. تحكي له القصص, وأعتقد ان مكسيم استفاد من الروح القصصية التي كانت تقولها له جدته. فبعض القصص التي ذكرها في ثنايا السيرة لا يمكن القول إلا أنها رائعة جداً, خصوصاً قصة إيفان المحارب وفيرون الراهب.

        تنتهي السيرة الأولى من الثلاثية بوفاة والدة مكسيم بعد فترة من زواج ثاني, وبقول الجد لـ أليوشا " ليس لك مكان بعد اليوم هنا.. فقد آن لك أن تخرج إلى ما بين الناس لكسب القوت " . وهكذا خرج أليوشا إلى ما بين الناس .وهي الجزء الثاني من سيرة المؤلف اليتيم أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف
        صفحتي على فيس بوك
        https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

        تعليق

        • محمد سلطان
          أديب وكاتب
          • 18-01-2009
          • 4442

          #19
          رواية الأم

          تقديم لا بد منه.

          تتميز كل المراحل التاريخية برأي ماركس, بمواجهة بين طبقتين اجتماعيتين. في العصور القديمة طبقة العبيد وطبقة المواطنين الأحرار. وفي المجتمع الإقطاعي الفلاحون والسادة, ومن ثم النبلاء والبرجوازيون. في زمن ماركس أصبح المجتمع برجوازياً رأسمالياً, وأصبح التعارض واضح وجلي بين الرأسماليين والعمال. فهناك من جهة من يمتلك وسائل الإنتاج, ومن جهة آخرى الذين لا يمتلكونها. وبما أنه لا يمكن أن تتخلى الطبقة المسيطرة عن سلطتها, فإن الثورة هي التي تستطيع اجبارها على ذلك.

          في عام 1847 اجتمع الشيوعيون ليؤسسوا عصبتهم, وفوض ماركس وانغلس ليشكلوا مبادىء هذه العصبة وبرنامجها المتبع وكان هذا البرنامج قد عرف فيما بعد بـ بيان الشيوعية حيث وضع فيه ماركس جوهر أفكاره وأسس العمل على تحقيقها ,وكانت بداية هذا البيان " إن شبحاً يتهدد أوربا - شبح الشيوعية ". قامت عصبة الشيوعيون على أنقاض جماعة رابطة العادلين في فرنسا والتي كانت لا تؤمن بضرورة الثورة والاستيلاء على السلطة وكان شعارها الناس كلهم أخوة, أقنع ماركس أعضاء هذه الجماعه بأنهم يحلمون بعالم وردي واستبدل الشعار إلى أن أصبح يا عمال العالم اتحدوا . ذكر في آخر البيان مانصه " يرفض الشيوعيون التستر على مفاهيمهم وخططهم, وهم يوضحون بجلاء انه لا يمكن تحقيق أهدافهم إلا بقلب كل نظام اجتماعي سابق بالعنف. فلترتجف الطبقات الحاكمة أمام الثورة الشيوعية. ليس أمام البروليتاريا ما تخسره إلا اغلالها. انها ستربح , يا عمال العالم .. اتحدوا "

          أسس وجوهر هذا البيان تقوم على افتراض أن منذ فجر الانسانية وحتى اليوم كانت العلاقة علاقة صراع بين المُستغِل والمُستغَل ,بين المالك وبين العامل ,بين الفلاح وبين الاقطاعي,استغلال الإنسان للإنسان وأمة لأمة. وكانت الغلبة تنتهي إما لإحداهما أو بسقوطهما معا.وعلى افتراض بأن تفكك الإقطاعية كان من نتيجة تعفنها واعاقتها للبرجوازية ,فإن المنطق يفرض حتما بأن مستوى تطور الطبقة البرجوازية " الانتاج الكبير " سيصل بها إلى حد لا تستطيع فيه التقدم.وعندها ستقوم البروليتارية بسحق هذه الطبقة " البرجوازية " ورفع الجور والظلم عن الطبقة العاملة " البروليتاريا " وعندها يتحقق المجتمع الشيوعي حيث تنتفي فيه الملكية الخاصة "وليس الملكية الشخصية "حيث الملكية الخاصة هي الناتجة عن استغلال العمال وأخذ ما ينتجه من القيمة المضافة دون أدنى جهد يذكر من قبل الرأسمالي, أما الملكية الشخصية هي ما تحصل عليه نتجية القيام بعمل.

          ماهو الرابط بين هذه المقدمة التي تحمل البيان الشهير لعصبة الشيوعية و رواية الأم لمكسيم غوركي؟

          القارئ لسيرة مكسيم غوركي سيعرف أن هذا الفتى منذ صباه المبكر وحتى أغلب حياة مراهقته عاش عاملاً منخرطاً في سلك العمال. شاهداً على تسلط أرباب العمل, وحالة الفقر والجوع والعمل المرهق التي تصيب العمال. والأهم من ذلك أنه عاش حياة مشردة لا تعرف الاستقرار في عمل واحد. تنقل بين عدة مهام كما هو واضح في ثلاثيته التي تحكي سيرة حياتة.. لقد أخذ غوركي من البيان الشهير لعصبة الشيوعية كلمتين فقط .. وحولها إلا فكرة رواية أدبية .


          " يا عمال العالم .. اتحدوا "


          هذه الجملة المعنونة بالبيان المذكور أعلاه تحمل الروح والفكرة الأساسية لرواية الأم لـ مكسيم غوركي. من سيقرأ الرواية دون قراءة ثلاثية مكسيم قد لا تعجبه الرواية لغرابة الطرح الروائي أولاً . و غياب الفكرة ثانياً, التي يحملها مكسيم في روايته الأشهر على الإطلاق. في هذه الرواية لم يكتب مكسيم عن العمال بوجه خاص. كان يكتب نفسه و هو منخرط في سلك العمال. ويكتب جدته عبر تجسيدها في شخصية الأم , وما تمثله الأم من روح ثورية قادرة على صنع الحياة. و يكتب عن جده في تجسيده لشخصية ميخائيل فلاسوف. رغم صرخات و لعنات مكسيم في ثلاثيته إلا أنها لم تكن تحمل رؤية تجاه أرباب العمال, و تحسين مستوى العمال. و معالجة الاوضاع الإجتماعية القائمة أساساً على الاوضاع الإقتصادية و السياسية . تشكلت رؤيته أخيراً في روايته الأم.


          تبدأ الرواية ببداية العمل في أحد المصانع صباحاً . وكيف يقوم العمال ملبين النداء صاغرين لما هو مفروض عليهم القيام به من أعمال. أوصاف العمال وكيف يلبون النداء استطاع مكسيم تصويرها بحرفيه اعتماداً على رؤيته ومشاهداته للعمال وهو عامل في شبابه. وأجاد تصوير على وجه الدقة لحظة انتهاء العمل في هذا المصنع . فالعمال بعد إنتهائهم من اعمالهم يُطردون إلى بيوتهم أو للشوارع وقد أسودت وجوههم, تفوح من اجسامهم رائحة الزيت و القذارة.

          في أحد بيت عمال المصنع تدور الرواية. ميخائيل فلاسوف رجل طاعن في السن و ميكانيكي من عمال المصنع , تتطابق تصرفاته مع أفراد عائلته تصرف رب العمل مع العمال. سكير و عربيد لا يعرف من الحياة سوى التفنن والإبداع في ضرب زوجته بيلاجيا نيلوفنا. وهي بطلة الرواية والمساة بـ " الأم "

          في هذا البيت يسير الابن بافل أحد أبطال الرواية الأساسيين على سيرة أبيه في العربدة والسكر, إلا أنه يتغير بعد وفاة الأب. ف يتجه للقراءة , حتى شكت الأم بأن ابنها سلك طريق الرهبنة. ولم تدري بأنه يقرأ كتب ممنوعة تدعو للثورة على أرباب العمل و الدعوة للإشتراكية. كانت الفكرة المطروحة في عقل بافل بأنه إذا أردنا معرفة البؤس في الحياة وما يعانيه الفقراء من ظلم يجب أن ندرس أولاً, ثم نعلم الآخرين. خصوصاً العمال. ويجب أن نبحث عن مصادر هذا الشقاء و البؤس لإزالته. وكيف يجب أن يعيش الناس اليوم, لا كيف كانوا يعيشون في الماضي.


          يبدأ بافل بتشكيل جماعة ثورية تتألف من الفقراء, و العمال المعدمين في منزله . يأخذهم الحديث باتجاه الاتفاق على أهم المبادئ التي يجب الالتزام بها. في هذا الجو القائم على الحوار الساخن و الحاد أحياناً بين أطراف الجماعة , تتعرف الأم على شخصيات فقيرة تدعو للحياة, ملتزمة بخط لا يمكن الحياد على تنفيذه. هي امية و لا تعرف بالتحديد عن ماذا يتحدثون , و لكن عاطفة الأمومة أخبرتها بأن ابنها كرس نفسه لقضية جوهرية تصب في مصلحة الإنسان الروسي, و العامل الروسي, و سبل تدعيم العلاقات الإجتماعية. رغم قلقها على مصير ابنها إلا انها تفخر بابنها وهي تشاهده يرأس الاجتماعات ويتحدث بأشياء لا تفهمها. ولكنها لم تكن أمه وحده.. كانت أماً لجميع أصدقائه الذين يجتمعون في بيتها.. كان حنانها كأم يفيض عليهم جميعا ويحيط بهم.. تمنحهم الدفء والحنان ويمنحونها معنى جديد للحياة.فيأخذها النقاش معهم ., و تقرر الدخول في هذه الجماعة في الأخير. مرغمة بعاطفة الأمومة.


          كان بافل وأعضاء الجماعة الثورية يطبعون المنشورات ويووزعونها بين العمال. رغم خطورة هذا الفعل وتربص الجواسيس بهم إلا أنهم قرروا مواصلة عملهم حتى آخر الطريق ,لا يحيدون عن الفكرة, والإيمان بقضية العمال المهدورة. كان بافل يهيء أمه لتلك الساعة التي سيعتقلونه فيها، فكان يرفض حتى أن تعبر أمه عن مشاعرها وخوفها ويعتبر ذلك حجر عثرة في سبيل تحقيق هدفه السامي.. دون أن يفهم أن مشاعر الأم هي أسمى وأهم من أي قضية أخرى

          " عليك ألا تحزني، ولكن يجب أن تفرحي. أي متى يا رب يكون عندنا أمهات يفرحن في حين يرسلن أبناءهن إلى الموت من أجل الإنسانية؟"

          عندما سجن ابنها تابعت هي مسيرته وأصبحت توزع المناشير مع أصدقائه ... بدأت الرواية والأم خائفة ومتوجسة من أصدقاء ابنها ثم تعاطفت معهم ومع قضيتهم وفي النهاية تبنت هي القضية وأصبحت كغيرها من الرفاق المناضلين من أجل القضية.

          كيف ستكون حياة الأم؟ وما مصير الجماعة الثورية بزعامة بافل؟ هذا ما ستجدونه عند قراءة الرواية. لكن الحقيقة الوحيدة في الرواية. أن الأم كانت ترمز لطريقة أو بأخرى للوطن. رمزاً للمستقبل والنضال والإشراق والتمرد والقوة الإنسانية. أعد من سيقرأ الرواية بعدم نسيان بطل الرواية بافل وهو يخطب في المحكمة بروح حيه ترفض الإستسلام . كان يجسد شخصية الثوري الحقيقة الرافض للعنف, والمؤيد لقيام نهضة إجتماعية وثقافية بين صفوف العمال.

          اقتباسات

          " لن تستطيعوا مهما فعلتم أن تقتلوا روحاً بعثت من جديد".

          - علينا أن نصرخ بحزم بكل ما نريد، سواء كان هذا ايجابا أم سلباً.
          -وحتى لو كان هذا التصريح لأمك؟
          -أجل، للجميع على حد سواء. فلا أريد أن تكبلني صداقة أو محبة
          -حسناً، إنك بطل. ولكن امسح مخاط أنفك، وامض قل كل هذا الكلام لساندرين وليس لأمك.
          لكني قلته لها أيضاً.
          أبهذه الطريقة؟ انك تكذب علي. وإنما قلته لها بلطف، بحنان. لكن أمام أمك المسكينة تعرض بطولتك. ثق أيها البهيم أن بطولتك هذه لا تساوي فلساً".

          " لا تخافوا شيئاً مطلقاً. إذا لا يوجد شيء أشقى وأتعس من حياتكم التي تعيشونها طوال العمر."

          " من أجلهم جميعاً أيتها الأم, بلا استنناء. نحن لا نعرف فرقاً و أمماً . بل نعرف رفاقاً فحسب, وأعداء فحسب. رفاقنا هم كل العمال, وأعداؤنا جميع الحكومات والأغنياء. لو استعرضتِ العالم بنظرةِ وأدركت كثرة عددنا نحن العمال, وعظمة قوانا, فإن فرحاً لا حدود له سيجتاحك, ويغمر قلبك برقص العيد. نحن جميعاً أبناء أم واحدة. تلك هي عقيدة أخوة العمال في العالم أجمع. العقيدة التي لا تُغلب. والتي توفر الدفء لقلوبنا. إنها الشيء الذي يشع في سماء عادلة وتلك السماء هي في قلب الإنسان العامل. إن الاشتراكي مهما كانت هويته, ومهما كان اسمه, هو اخ لنا في الروح حتى آخر الزمن : في الماضي, وفي الحاضر, وإلى الأبد! "



          عن رواية الأم


          في العام 1905،كان مكسيم غوركي في السابعة والثلاثين من عمره، وقد حقق شهرة, منذ بدأ يكتب وهو في الرابعة والعشرين. كان اشتراكي النزعة، ثوري الأفكار منذ شبابه. وهكذا انضم في العام 1905 الى الثورة التي اندلعت ,من دون أن يكون في البداية ماركسياً بل كان انساني النزعة في شكل مبهم في أحسن حالاته. حين اندلعت تلك الثورة كتب مؤيداً لها، ما جعل السلطات القيصرية تعتقله, لكنها ما لبثت أن أطلقت سراحه بفضل موجة عارمة من الاحتجاج العالمي. وهو ما إن خرج من المعتقل حتى توجه ليعيش في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كتب رواية الأم. بيد أن السلطات الأميركية ما لبثت ان طردته بحجة ان المرأة التي تعيش معه ليست زوجته الشرعية. وهكذا عاد الى بلده لينشر الرواية هناك بعد سنتين على شكل حلقات في مجلة أسبوعية.

          منذ صدورها للمرة الأولى وصفت رواية الأم بأنها الرواية الكبرى التي تتحدث عن الشعب الذي سيهز العالم كله عما قريب، ومع هذا فإن النقاد الذين تابعوها منذ البداية لم يروا فيها سوى شهادة على الحياة التي يعيشها الناس البسطاء الطيبون.

          تعتبر رواية الأم من النصوص الممهدة، لاندلاع الثورة الروسية. ومع هذا لا بد لنا من أن نذكر هنا أن ألكسي بشكوف، وهو الأسم الأصلي الحقيقي لمكسيم غوركي، ما إن تحققت نبوءته في رواية الأم واندلعت الثورة البلشفية الروسية في العام 1917، حتى وقف موقفاً سلبياً تجاهها، إذ رأى انها كانت شعبوية أكثر من اللازم، ثم ما لبث أن غادر روسيا في العام 1921، ولم يعد اليها الا في العام 1928، بناء على طلب شخصي من ستالين، الذي سيحيطه بعنايته، وسيوصله في العام 1934، إلى منصب رئيس اتحاد الكتّاب. ومع هذا، على رغم هذا المجد السلطوي، ما لبث غوركي أن رحل عن هذا العالم بشكل مفاجئ بعد عامين من ذلك. وحتى اليوم لا يزال كثير من الشكوك يحيط بوفاته: هل مات حقاً بفعل داء الرئة الذي أصيب به، أو قيل أنه أصيب به، أم تراه مات مسموماً بأمر من ستالين شخصياً؟

          مصدر و مرجع هذه المعلومات
          الموسوعة العربية العالمية
          صفحتي على فيس بوك
          https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

          تعليق

          يعمل...
          X