الجزء الأول :
قصيدة شاهر الخضرة قصيدة ماكرة ومفعمة بالدلالات .. تبدو للوهلة الاولى صعبة القراءة لكن الصعوبة التي وجدتها هنا ليس في قراءتها ولكن في كتابتها ...هذه قصيدة لا يكتبها الا شاعر حقيقي خبر الكتابة وعرف لذتها وتدفقها وتمنعها وحالاتها الكثيرة واقترب من اللغة اقتراب العاشق الذي يعرف جسد معشوقه بكامل تفاصيله الروحية والمادية....
القصيدة التي تحمل اسم ( من الاسفل احاول القراءة) قصيدة تتحدى القارئ وتحاول ان تقربه من ذاتها...
بداية من العنوان الذي يتحدى المتلقي عبر كلمات مبطنة في غاية المكر (احاول) المحاولة تعني ان الطريق قابل للاخفاق.. ومحفوف بالصعوبات... (القراءة) ولم يذكر الشاعر الكتابة مثلا وذلك ان الكتابة اصبحت من الماضي فالقصيدة اصبحت جاهزة ومكتملة الولادة والمعالم... لكن ما تبقى هو القراءة اي المتلقي.. الذي تحداه وفي ذات الوقت اعطاه مفتاح في غاية الاهمية (من الاسفل) وهذه العبارة سوف نرصد صحتها في المقطع الاول من القصيدة الذي يحمل رقما سالبا (-1) اي قبل الصفر ....
الشاعر قصد ان يشرك القارئ في فعل الكتابة وكأنه بهذا يتحداه ويتمنى عليه ان يقرأه وربما ان يكتشف معاناته وما اقترفت روحه الشاعرة من اثم الكتابة الغامضة او على الاقل الكتابة المتمنعة ...
هل كان العنوان تحديا فقط ام دعوة للقارئ لاشتراك معه في معرفة ما كتبته روحه في لحظة حضور الوعي الشعري... ؟؟؟
لنقرأ .....
( -1 )
كان لها سقف لنبدأ في تلمس معالم القصيدة عبر مفرداتها التي دائما اعتمدها الشاعر كدوال على فضاءات فسيحة ..فالبداية استداع للزمان والمكان معا ...(كان) تدل على الماضي كزمان يبدأ من الشاعر وبمشينا الحذر في ارض القصيدة يجب ان لا ننسى استدعاء العنوان في كل حين ... لندرك ان الماضي هو اوفق الازمنة لقراءة من الاسفل ...
المكان (لها سقف) مما يستدعي التساؤل عن ماهية المكان الذي يتحدث عنه الشاعر .. لكنه اعطانا بعض الدلالات (لها) اي انه مكان ذا اسم مؤنث ... واهم ما فيه (سقف) وهنا لا بقصد الشاعر ان يضعنا امام لغز نسعى لحل معظلته ولكنه يحاول ان يستدعي كل ما من شأنه ان يساعد القارئ لمعرفة ما اوحت به الروح الكاتبة ليعيده للشاعر معرفة يستفيد منها لذاته...
لها سقف
مغلقة أبوابها
وجدرانها
يبدأ الشاعر بتفصيل ما يراه بأمانة وكأنه يسعى جاهدا ان يأخذ بيد القارئ لمعرفة ما يريد وبذات الوقت يدرك تماما انه لا يريد الافصاح تماما عما يريد... هي تلك الروح التي يصفها الشاعر ب(بين بين) هي التردد ما بين نقيضين... هي الثنائية التي يدركها جيدا وسوف يقدمها لاحقا عبر التحدث عن (المؤنث والمذكر) وما له سقف وابوابه مغلقة وليس له (نوافذ) عبر انغلاق الجدران هو جوهر شيء او مكان او روح... هنا ندرك تماما خدعة الشاعر
فالوصف الذي قد يبدو بسيطا دائما ما ينزاح الى معنى اكثر غموضا وبعدا عما نكون ادركناه للتو...
لا منفذ لهواء ولا لشمس
قد نقول ان الهواء والشمس اوصاف عادية لسقف مغلقة ابوابه وجدرانه بلا نوافذ ولكن مهلا هل نثق بالشاعر بهذه السهولة ..؟؟ لا بالطبع فهاتين الكلمتين لا يزيدان الوضوح بل الغموض فالهواء والشمس يحملان دلالات عميقة ومتغيرة فالهواء هو الروح وهو الحرية وهو كثير من الاشياء .. والشمس كذلك ... فهل نركن لمكر الشاعر ؟؟؟ ام لمكر ما كتبته يداه ؟؟؟
تراها النساء سميكة . .
النساء تراها سميكة اي ان غير النساء يراها غير سميكة ... لماذا فصل الشاعر بين ما تراه النساء وما يراه غير النساء ؟؟؟ هل ترى النساء شيئا ويرى الرجال (وهذه كلمة لم يفصح عنها الشاعر) شيئا آخر ؟؟؟ اذا هي شيء غير مادي وإلا لاتحدت الرؤية وهنا ورغم تأكيدات الشاعر ان ما يفصح عنه شيئا فشيئا جمادا الا انه هنا يؤكد انه غير ذلك..ويعطيه دلالة تنسف كل ما سبق...
حجارة قلعة
حجارة رقيقة
البعض يراها منيعة كقلعة والبعض يراها غير ذلك وهذه يؤكد ان ما خلصنا اليه في المقطع السابق حقيقة وان ما يصفه الشاعر ليس شيئا ماديا جامدا فالشيء المنيع او الرقيق هو ذات واحدة ولكن تختلف باختلاف الناظر وليس اختلاف الوجود في ذاته...
رقة جفنيك
من يراها رقيقة يراها كرقة جفنيك...
كاف المخاطبة هنا ..كاف مخاتلة لا يجب ان نأمن جانبها ... او ان نثق بها... ولكن لنستمع اليها جيدا (رقة جفنيك) من يراها رقيقة يراها مثلما اراها انا ...فالشاعر يقرر ان هناك مخاطبة وهي رقيقة الجفنين وهذا لا يراه كل البشر وانما يراه غير النساء فقط لان النساء منذ البدء يرونها سميكة ...!!!!
يحومون حولها
طوافا
يعود الشاعر لاوصاف(ها) تلك التي لها سقف.... ليقول (يحومون) ولكن لماذا يحومون حولها ولا يطوفون ؟؟ لانها لا تصلح للطواف حولها
فالمرور من حولها اي التحويم ... لا يكون طوافا الا للمقدس اما هنا فالشاعر ينفي قدسيتها فينفي عنه الطواف رغم انه يقر ان ما يقومون به يشبه الطواف ..
وشبه الحوم بالطواف لانه لا يجده مقدسا...لكنه يشبه التقديس ولكنه تقديس كاذب لانه منفي في ذاته... فأن نقول جوعى عن الصائمين ينفي عنهم العبادة وكذلك ان نقوم حوما عن الطواف ينفي علي الفاعل جلال فعله وينفي عن المفعول به اي المحوم حوله قدسية وجوده.
لا أحد يمس الحجر
مس الحجر تبرك به وهنا لا تبرك بالحجر لانه في الاساس غير مقدس كما ورد في الجملة السابقة ولا نستطيع ان نقرأ هذه الجملة الا بمعرفة الجملة السابقة لها فلو سألنا لماذا لا احد يمسك الحجر ستكون الاجابة في ما سبق اي ان السؤال في الاسفل والاجابة في الاعلى قليلا (لان لا قداسة للحجر) وما يؤكد عدم القداسة الجملة التالية التي تقول (مجللة بلون..) وهذه الجملة توحي بأن هذه الهيبة مفتعلة وغير حقيقية ...
المجللة بلون هيبة سمائية
طافت بها سبعا
من هي التي طافت ... وكأنها تريد بركة اصلا قرر الشاعر انها غير موجودة الحقيقة لا يعنينا كثيرا ان نعرف من هي فالشاعر يعرف تماما ويخفي معرفته ببراعة شديدة ولكنه يفصح لاحقا
يدُها دون أن تحمل أمرا
اليد ما يدل على الارادة والفعل ... اليد تحركت على غير هدى (دون ان تحمل امرا) وهذه دلالة في حد ذاتها على تمرد الاشياء مثلما تمردت هذ القصيدة على المألوف ...
تركت جسدها . .
لم يقل ابتعدت عن جسدها ولكن تركت جسدها وهذا يدل ان اليد تريد ان تبحث عن شيء بغير هدى والانفصال يحير الشاعر ولكنه لا يثير استغرابه فهو يستوعبه منذ البدء
لمست الحجر
لمس الحجر الذي حمل بركة كاذبة جعله يلين...بنفسه وليس بافقه اي ان يتحرك بنفسه هو لا بقدرته وقداسته
لانَ . .
انصهر نسغاً الحجر هنا تخلى عن قناعه ولبس حالة حقيقية وجميلة حالة طبيعية تستجيب للاخر وتنسجم معه بل تتوحد به وتشترك معه عبر التحول الى نسغ ... اي اندماج ذاتين في ذات واحدة
رشحت عيناه هل هو تعاطف الحجر او امنيته لو كان مقدسا لتحظى اليد الباحثة عن البركة بما تريد من جراء لمسه والطواف حوله ...؟
أنَّتا أنّة ليلٍ . .
هاتين العينين للحجر انتا انة ليل... اي انهما تعاطفتا حتى اقصى الحدود ولكن لماذا ليل ... تجيب الكلمة التي بعدها (الليل شهوة)
الليل شهوة
شهوة ولكن لماذا ؟؟؟ لو عدنا لبداية القراءة لوجدنا الاجابة لكن لن نفعل الان على الاقل فالشهوة المذكورة هنا ككل ما في هذه القصيدة من كلمات تشبه الرمال المتحركة التي لا تركن لجدار يقينا التداعي ..
من يصغى لصداها تحت عينيه ؟ صدى الشهوة يبرر كل ما قيل قبلها .. هنا يجب ان نتوقف لنعيد القراءة من الاسفل كما اراد الشاعر لنكتشف معاناته التي يريد البوح بها ولكن ليس بسهولة ويسر
. . . . . . . .
بعد غربة ألف عام تذكَّرت
روحي . .
هنا يعود الشاعر الى الوراء بخط رجعي... تذكرت روحه ما حدث من (الذات الانثى) والطواف والحجر والليل والشهوة والامنيات المأمولة
أجساد مدى (جسدي مدى.... اجساد مدى ) وصف للاجساد الكثيرة التي بدأت تتشكل
وعت نفسها المدى حين يعي نفسه يكون تقلص واصبح اصغر اي تقلص المدى الى جسد ارضي
تيقنتْ أنها أحد بدأت تتشكل وهنا ايضا عودة للوراء لان البداية ستكون في الجملة التالية
صارت تمسّد بطنها وكأن النطفة هنا تشكلت .. ولو قرأنا من الاسفل لوجدنا النص واضح تماما (مسدت البطن / تيقنت انها احد / وعت نفسها / تشكلت )
وتقول يا حيطان : (نعود الى الجدران في البداية ... (الحيطان التي كتب عنها الشاعر سابقا) لكنا هنا سنقراها بمعزل عما كتب سابقا ...
ليني ( وكأن الحجر اصبح رحم يجب ان يلين ... وكأن النداء يرصد حياة من لاشيء او من جماد ...
افتحي شبّاكا من . . ( الجدران التي كانت بسقف وبلا ابواب تحاول ان تتخلص من حالة الجماد التي كانت عليها ومن حالة الانغلاق لتكون شيئا لينا وطيعا ...
عتم ٍ ( كلمة عتمِ ) التي نزلت الى السطر التالي لتقول انها سقطت او نزلت معلقة تحيلنا الى (الليل شهوة) لنقرأها بدلالات اكبر من كونها كلمة تدل على الستر ولكن تدل على الخفاء بالمطلق
أو من خريف الخريف تعيدنا الى (العراء) فالخريف يسقط اوراقه ويعيري ذاته... الشجرة العارية لا تظهر لنا ملامحها ابدا وكأنها تتخفى ... او تنكر ذاتها او لا تريد الافصاح
أو من شمس تشبهه الشمس ذات الاضاءة الباهرة تشبهه وهذا التشبيه ماكر لانه يأتي بمقابل الكثير من الخفاء والليل والعتم والخريف ... (لا ننسى ان الهاء التي تعود على ذات (مذكرة) تأتي لتقابل الهاء التي حضرت في البداية لتدل على ذات مؤنثة
ولو من وهم ٍ ( بالتاكيد لا يقصد الشاعر الوهم بمعنى الخيال المحظ ولكن يريد ان يكون باهتا كأنه غير حقيقي وهذا تخفي اخر يريد ان يطمس به القصيدة
هل كان الصبح أطرش ؟ لانستطيع قراءة هذه القصيدة الا من الاسفل كما صرح الكاتب في البداية فالنقرأ ) الزمن لم يبدأ ... انما اشتهى ان ينام في العراء.... ربما ليس اصم ولا اعمى ولكن .. هل كان الصبح اطرش .. ؟؟؟ الزمن هو الصبح ... الذي لم يبدأ ... وهو اشتهى ان ينام في عماء اي دون ان يكون مفضوحا او جليا... الطرش هو الصمم.... فلماذا تساءل الشاعر عن الصبح هل كان اطرش ؟؟ ثم عاد ليكون ليس اصم ولا اعمى ؟؟؟
الطرش تحيل على الحوار المتبادل... لكن الصمم عاهة قد لا تستدعي وجود صوت الاخر.. والعمى ليس به ... الصبح بالتأكيد ليس اصم اي انه لا يسمع وليس اعمى ولكنه .. من الممكن ان يكون اطرش اي انه لا يسمع الاخر... ويشتاق ان ينام في العماء.. .
ربما ليس أصم
ولا أعمى
إنما اشتهى أن ينام في عماء
والزمن لم يبدأ . .
يا رحما ينتظر وقتا
النداء هنا للرحم والرحم ورد سابقا في (صارت تمسد بطنها) ونعود هنا للاعلى لنقرأ من جديد ... تلك التي بلا سقف مغلقة ابوابها وجدرانها...
فتحت أبوابك . . روحي . . دون أن أوجع دفأ الحيطان
جميل ان تفتح الابواب الروح..التبادل هنا والتداخل بين (الهاء) المذكرة والمؤنثة وبين المكان والذي قد يعبر عن الروح ذاتها ...تلك الروح غير المقدسة التي تخفي ما بها ... لنقرأ ثانية (فتحت ابوابك ..روحي) من الفاعل الروح ام الابواب ؟؟ قد تكون جملة (دون ان اوجع دفأ الحيطان) قد اكدت القراءة الثانية اي ان الفاعل هي الروح .. ولكن قد تنطبق على القراءتين ... فعندما انفتحت الروح لم توجع دفء الحيطان ... وعندما فتحت الروح الابواب ايضا لم توجع دفء الحيطان .. .
صرتِ مشرعة
عندما قامت الروح بفتح الابواب انبثق شموخ شجري رائع ..صنوبرة لكثرة ما سقط عليها المطر طلعت بشوق تبوس يدي السماء... وكأن التدفق الذي اصدرته الروح التي انفتحت اصبحت تشبه صنوبرة تشق كل شيء بعد ان يغسلها المطر لتبوس يدي السماء.. هذه الصورة الرائعة تعبر عن ايمان عميق بالروح وهنا روح مقدسة لانها روح حية غير جامدة وقابلة للظهور والتفتح والاغتسال والاقتراب من السماء
صنوبرةً
لكثرة ما سقط عليها المطر
طلعت بشوق
تبوس يديْ السماء
هذه الصورة سبقت الصورة التي كان يجب ان تأتي قبلها
طلعت حاملة مع أغصان الرحيل
ترابا
يتم روحي
طلعت حاملة مع اغصان الرحيل ترابا ... والتراب الذي حملته الصنوبرة هو تراب ارضي لترفعة الى السماء التي ستبوس يديها بعد ان يغسلها المطر وهنا الشاعر اشار الى زاوية بعيدة الغور في روحه فالروح والجسد يتشابكان في نفس الشاعر والروح اليتيمة هي تلك الروح التي تحن الى حالتها الطبيعية لكنها لا تستطيع او انها ممنوعة من ذلك او (يتيمة) بلا ذلك التراب وحائرة ... جملة تمثل غربة عميقة في نفس الشاعر ( التراب والروح) الجسد والروح) وكثير من الاحالات التي لن نفصح عنها لكن الشاعر نفسه يعيها او تعيها نفسه رغما عنه
يا الواقفة على باب . .
النداء هنا لمجهولة لكنها (واقفة على باب) اي انها مغتربة حد الفصام فالابواب دائما تفصل داخلا عن خارج ... هي مفصل بين مدارين او بين كونين... الوقوف المؤنث على الباب هو وقوف مختلط على روح الشاعر ومثقل عليه... فالجسد الذي يحمل وجودين يؤمن بهما الشاعر دوما .. انفصل عن جزءه ليقف بجزء واحد على الباب
كأنها ( كأنني ) أية كلمة
ضاعت من كتابها
اقتراب حاد وحميم وشجي ما بين الشاعر وذاته (كانها كأنني) اتحاد ما بين الذات المؤنثة والمذكرة في نفس الشاعر لتقدم لنا مأساة (أية كلمة ضاعت من كتابها)
عندما تضيع الكلمة من (كتابها) اي من انتمائها الحقيقي وسياقها اي مدارها التي يشكل في السياق وجودها وحقيقتها وتميزها ...
.. . . . . . . . . .
ما أصابها ؟ قولي تساءل متعب من نفس اعياها هذا اللعب المقلوب وتلك الانفصالات الكثيرة التي لم تتوقف عند حدود الروح او الجسد .. المقدس او الزائف... الانثى او الذكر.. السماء أو التراب.... ولكنها جمعت كل هذا واخذته وصهرته وحاولت اخفاءه عن القارئ وحتى عن الكاتب نفسه
كيف بطوافك حولها صرتِ نبيّا
قد تكون الانثى هنا انثى منفصلة ولكنها متصلة بروح الشاعر ولن يدرك هذا الاتصال سوى الشاعر نفسه وانثاه المتصلة به ...التي تمثل جزءا منه لكنه جزء يستطيع ان يحاوره ويغضب منه ويسأله برجاء ... صرتِ نبيا... (صرت) للمؤنث .. و(نبيا) للمذكر...وهذا قد يستغربه الاخرون لكن الشاعر نفسه يدركه تماما
وصرتِ حضورا جنّ
حضور جن... اي حضور وهمي متخيل ... وحضورا غريبا يطلع في كل مكان وفي اي مكان لا المسافة تلغيه ولا البعد..حضور لا تشكل به المسافة حاجزا ولا البعد مانعا.. الجن الذي احضر ملك سبأ ... في لمحة عين... الجن الذي يلغي المسافات والازمنة
دخلتِ
الدخول غير النزول... والدخول يستدعي وجود ابواب.. والنزول يستدعي الانحدار نحو مكان ما والمكان الذي يشير له الشاعر مكان يعرفه لانه يوصله الى التوحد ... وليس الانفصال... توحد الانثى مع الذكر... المكان الذي يشكل بداية للكون وللرحم وللحياة
نزلتِ
ولمّا لمست بكفٍّ طيفيٍّ باب روحي
نسيَتْ جهاتها الأربع
ثمة جهة ادخرتها
عليكِ تحديدها
نقرأ من الاسفل ثانية ... ثمة جهة عليك تحديدها... جهة ادخرتها لك بعد ان نسيت الورح جهاتها الاربع... الكف الطيفي لمس باب الروح... هل تستطيع الانثى ان تلمس باب الروح ان لم تكن جزءا من الذات ؟؟؟ والجهات الاربع عندما تنسى ماذا يتبقى غير الصميم ؟؟؟ وهل تحديد صميم الروح صعب ؟؟؟ لماذا يقول الشاعر ان عليك تحديدها ؟؟ هل يتحدى او هو يأمل ويرجو أو هو يدرك تماما ان التحديد الذي يرجوه هو الدخول.. وليس التحديد الخارجي وانما الفعلي والعميق ...
قصيدة شاهر الخضرة قصيدة ماكرة ومفعمة بالدلالات .. تبدو للوهلة الاولى صعبة القراءة لكن الصعوبة التي وجدتها هنا ليس في قراءتها ولكن في كتابتها ...هذه قصيدة لا يكتبها الا شاعر حقيقي خبر الكتابة وعرف لذتها وتدفقها وتمنعها وحالاتها الكثيرة واقترب من اللغة اقتراب العاشق الذي يعرف جسد معشوقه بكامل تفاصيله الروحية والمادية....
القصيدة التي تحمل اسم ( من الاسفل احاول القراءة) قصيدة تتحدى القارئ وتحاول ان تقربه من ذاتها...
بداية من العنوان الذي يتحدى المتلقي عبر كلمات مبطنة في غاية المكر (احاول) المحاولة تعني ان الطريق قابل للاخفاق.. ومحفوف بالصعوبات... (القراءة) ولم يذكر الشاعر الكتابة مثلا وذلك ان الكتابة اصبحت من الماضي فالقصيدة اصبحت جاهزة ومكتملة الولادة والمعالم... لكن ما تبقى هو القراءة اي المتلقي.. الذي تحداه وفي ذات الوقت اعطاه مفتاح في غاية الاهمية (من الاسفل) وهذه العبارة سوف نرصد صحتها في المقطع الاول من القصيدة الذي يحمل رقما سالبا (-1) اي قبل الصفر ....
الشاعر قصد ان يشرك القارئ في فعل الكتابة وكأنه بهذا يتحداه ويتمنى عليه ان يقرأه وربما ان يكتشف معاناته وما اقترفت روحه الشاعرة من اثم الكتابة الغامضة او على الاقل الكتابة المتمنعة ...
هل كان العنوان تحديا فقط ام دعوة للقارئ لاشتراك معه في معرفة ما كتبته روحه في لحظة حضور الوعي الشعري... ؟؟؟
لنقرأ .....
( -1 )
كان لها سقف لنبدأ في تلمس معالم القصيدة عبر مفرداتها التي دائما اعتمدها الشاعر كدوال على فضاءات فسيحة ..فالبداية استداع للزمان والمكان معا ...(كان) تدل على الماضي كزمان يبدأ من الشاعر وبمشينا الحذر في ارض القصيدة يجب ان لا ننسى استدعاء العنوان في كل حين ... لندرك ان الماضي هو اوفق الازمنة لقراءة من الاسفل ...
المكان (لها سقف) مما يستدعي التساؤل عن ماهية المكان الذي يتحدث عنه الشاعر .. لكنه اعطانا بعض الدلالات (لها) اي انه مكان ذا اسم مؤنث ... واهم ما فيه (سقف) وهنا لا بقصد الشاعر ان يضعنا امام لغز نسعى لحل معظلته ولكنه يحاول ان يستدعي كل ما من شأنه ان يساعد القارئ لمعرفة ما اوحت به الروح الكاتبة ليعيده للشاعر معرفة يستفيد منها لذاته...
لها سقف
مغلقة أبوابها
وجدرانها
يبدأ الشاعر بتفصيل ما يراه بأمانة وكأنه يسعى جاهدا ان يأخذ بيد القارئ لمعرفة ما يريد وبذات الوقت يدرك تماما انه لا يريد الافصاح تماما عما يريد... هي تلك الروح التي يصفها الشاعر ب(بين بين) هي التردد ما بين نقيضين... هي الثنائية التي يدركها جيدا وسوف يقدمها لاحقا عبر التحدث عن (المؤنث والمذكر) وما له سقف وابوابه مغلقة وليس له (نوافذ) عبر انغلاق الجدران هو جوهر شيء او مكان او روح... هنا ندرك تماما خدعة الشاعر
فالوصف الذي قد يبدو بسيطا دائما ما ينزاح الى معنى اكثر غموضا وبعدا عما نكون ادركناه للتو...
لا منفذ لهواء ولا لشمس
قد نقول ان الهواء والشمس اوصاف عادية لسقف مغلقة ابوابه وجدرانه بلا نوافذ ولكن مهلا هل نثق بالشاعر بهذه السهولة ..؟؟ لا بالطبع فهاتين الكلمتين لا يزيدان الوضوح بل الغموض فالهواء والشمس يحملان دلالات عميقة ومتغيرة فالهواء هو الروح وهو الحرية وهو كثير من الاشياء .. والشمس كذلك ... فهل نركن لمكر الشاعر ؟؟؟ ام لمكر ما كتبته يداه ؟؟؟
تراها النساء سميكة . .
النساء تراها سميكة اي ان غير النساء يراها غير سميكة ... لماذا فصل الشاعر بين ما تراه النساء وما يراه غير النساء ؟؟؟ هل ترى النساء شيئا ويرى الرجال (وهذه كلمة لم يفصح عنها الشاعر) شيئا آخر ؟؟؟ اذا هي شيء غير مادي وإلا لاتحدت الرؤية وهنا ورغم تأكيدات الشاعر ان ما يفصح عنه شيئا فشيئا جمادا الا انه هنا يؤكد انه غير ذلك..ويعطيه دلالة تنسف كل ما سبق...
حجارة قلعة
حجارة رقيقة
البعض يراها منيعة كقلعة والبعض يراها غير ذلك وهذه يؤكد ان ما خلصنا اليه في المقطع السابق حقيقة وان ما يصفه الشاعر ليس شيئا ماديا جامدا فالشيء المنيع او الرقيق هو ذات واحدة ولكن تختلف باختلاف الناظر وليس اختلاف الوجود في ذاته...
رقة جفنيك
من يراها رقيقة يراها كرقة جفنيك...
كاف المخاطبة هنا ..كاف مخاتلة لا يجب ان نأمن جانبها ... او ان نثق بها... ولكن لنستمع اليها جيدا (رقة جفنيك) من يراها رقيقة يراها مثلما اراها انا ...فالشاعر يقرر ان هناك مخاطبة وهي رقيقة الجفنين وهذا لا يراه كل البشر وانما يراه غير النساء فقط لان النساء منذ البدء يرونها سميكة ...!!!!
يحومون حولها
طوافا
يعود الشاعر لاوصاف(ها) تلك التي لها سقف.... ليقول (يحومون) ولكن لماذا يحومون حولها ولا يطوفون ؟؟ لانها لا تصلح للطواف حولها
فالمرور من حولها اي التحويم ... لا يكون طوافا الا للمقدس اما هنا فالشاعر ينفي قدسيتها فينفي عنه الطواف رغم انه يقر ان ما يقومون به يشبه الطواف ..
وشبه الحوم بالطواف لانه لا يجده مقدسا...لكنه يشبه التقديس ولكنه تقديس كاذب لانه منفي في ذاته... فأن نقول جوعى عن الصائمين ينفي عنهم العبادة وكذلك ان نقوم حوما عن الطواف ينفي علي الفاعل جلال فعله وينفي عن المفعول به اي المحوم حوله قدسية وجوده.
لا أحد يمس الحجر
مس الحجر تبرك به وهنا لا تبرك بالحجر لانه في الاساس غير مقدس كما ورد في الجملة السابقة ولا نستطيع ان نقرأ هذه الجملة الا بمعرفة الجملة السابقة لها فلو سألنا لماذا لا احد يمسك الحجر ستكون الاجابة في ما سبق اي ان السؤال في الاسفل والاجابة في الاعلى قليلا (لان لا قداسة للحجر) وما يؤكد عدم القداسة الجملة التالية التي تقول (مجللة بلون..) وهذه الجملة توحي بأن هذه الهيبة مفتعلة وغير حقيقية ...
المجللة بلون هيبة سمائية
طافت بها سبعا
من هي التي طافت ... وكأنها تريد بركة اصلا قرر الشاعر انها غير موجودة الحقيقة لا يعنينا كثيرا ان نعرف من هي فالشاعر يعرف تماما ويخفي معرفته ببراعة شديدة ولكنه يفصح لاحقا
يدُها دون أن تحمل أمرا
اليد ما يدل على الارادة والفعل ... اليد تحركت على غير هدى (دون ان تحمل امرا) وهذه دلالة في حد ذاتها على تمرد الاشياء مثلما تمردت هذ القصيدة على المألوف ...
تركت جسدها . .
لم يقل ابتعدت عن جسدها ولكن تركت جسدها وهذا يدل ان اليد تريد ان تبحث عن شيء بغير هدى والانفصال يحير الشاعر ولكنه لا يثير استغرابه فهو يستوعبه منذ البدء
لمست الحجر
لمس الحجر الذي حمل بركة كاذبة جعله يلين...بنفسه وليس بافقه اي ان يتحرك بنفسه هو لا بقدرته وقداسته
لانَ . .
انصهر نسغاً الحجر هنا تخلى عن قناعه ولبس حالة حقيقية وجميلة حالة طبيعية تستجيب للاخر وتنسجم معه بل تتوحد به وتشترك معه عبر التحول الى نسغ ... اي اندماج ذاتين في ذات واحدة
رشحت عيناه هل هو تعاطف الحجر او امنيته لو كان مقدسا لتحظى اليد الباحثة عن البركة بما تريد من جراء لمسه والطواف حوله ...؟
أنَّتا أنّة ليلٍ . .
هاتين العينين للحجر انتا انة ليل... اي انهما تعاطفتا حتى اقصى الحدود ولكن لماذا ليل ... تجيب الكلمة التي بعدها (الليل شهوة)
الليل شهوة
شهوة ولكن لماذا ؟؟؟ لو عدنا لبداية القراءة لوجدنا الاجابة لكن لن نفعل الان على الاقل فالشهوة المذكورة هنا ككل ما في هذه القصيدة من كلمات تشبه الرمال المتحركة التي لا تركن لجدار يقينا التداعي ..
من يصغى لصداها تحت عينيه ؟ صدى الشهوة يبرر كل ما قيل قبلها .. هنا يجب ان نتوقف لنعيد القراءة من الاسفل كما اراد الشاعر لنكتشف معاناته التي يريد البوح بها ولكن ليس بسهولة ويسر
. . . . . . . .
بعد غربة ألف عام تذكَّرت
روحي . .
هنا يعود الشاعر الى الوراء بخط رجعي... تذكرت روحه ما حدث من (الذات الانثى) والطواف والحجر والليل والشهوة والامنيات المأمولة
أجساد مدى (جسدي مدى.... اجساد مدى ) وصف للاجساد الكثيرة التي بدأت تتشكل
وعت نفسها المدى حين يعي نفسه يكون تقلص واصبح اصغر اي تقلص المدى الى جسد ارضي
تيقنتْ أنها أحد بدأت تتشكل وهنا ايضا عودة للوراء لان البداية ستكون في الجملة التالية
صارت تمسّد بطنها وكأن النطفة هنا تشكلت .. ولو قرأنا من الاسفل لوجدنا النص واضح تماما (مسدت البطن / تيقنت انها احد / وعت نفسها / تشكلت )
وتقول يا حيطان : (نعود الى الجدران في البداية ... (الحيطان التي كتب عنها الشاعر سابقا) لكنا هنا سنقراها بمعزل عما كتب سابقا ...
ليني ( وكأن الحجر اصبح رحم يجب ان يلين ... وكأن النداء يرصد حياة من لاشيء او من جماد ...
افتحي شبّاكا من . . ( الجدران التي كانت بسقف وبلا ابواب تحاول ان تتخلص من حالة الجماد التي كانت عليها ومن حالة الانغلاق لتكون شيئا لينا وطيعا ...
عتم ٍ ( كلمة عتمِ ) التي نزلت الى السطر التالي لتقول انها سقطت او نزلت معلقة تحيلنا الى (الليل شهوة) لنقرأها بدلالات اكبر من كونها كلمة تدل على الستر ولكن تدل على الخفاء بالمطلق
أو من خريف الخريف تعيدنا الى (العراء) فالخريف يسقط اوراقه ويعيري ذاته... الشجرة العارية لا تظهر لنا ملامحها ابدا وكأنها تتخفى ... او تنكر ذاتها او لا تريد الافصاح
أو من شمس تشبهه الشمس ذات الاضاءة الباهرة تشبهه وهذا التشبيه ماكر لانه يأتي بمقابل الكثير من الخفاء والليل والعتم والخريف ... (لا ننسى ان الهاء التي تعود على ذات (مذكرة) تأتي لتقابل الهاء التي حضرت في البداية لتدل على ذات مؤنثة
ولو من وهم ٍ ( بالتاكيد لا يقصد الشاعر الوهم بمعنى الخيال المحظ ولكن يريد ان يكون باهتا كأنه غير حقيقي وهذا تخفي اخر يريد ان يطمس به القصيدة
هل كان الصبح أطرش ؟ لانستطيع قراءة هذه القصيدة الا من الاسفل كما صرح الكاتب في البداية فالنقرأ ) الزمن لم يبدأ ... انما اشتهى ان ينام في العراء.... ربما ليس اصم ولا اعمى ولكن .. هل كان الصبح اطرش .. ؟؟؟ الزمن هو الصبح ... الذي لم يبدأ ... وهو اشتهى ان ينام في عماء اي دون ان يكون مفضوحا او جليا... الطرش هو الصمم.... فلماذا تساءل الشاعر عن الصبح هل كان اطرش ؟؟ ثم عاد ليكون ليس اصم ولا اعمى ؟؟؟
الطرش تحيل على الحوار المتبادل... لكن الصمم عاهة قد لا تستدعي وجود صوت الاخر.. والعمى ليس به ... الصبح بالتأكيد ليس اصم اي انه لا يسمع وليس اعمى ولكنه .. من الممكن ان يكون اطرش اي انه لا يسمع الاخر... ويشتاق ان ينام في العماء.. .
ربما ليس أصم
ولا أعمى
إنما اشتهى أن ينام في عماء
والزمن لم يبدأ . .
يا رحما ينتظر وقتا
النداء هنا للرحم والرحم ورد سابقا في (صارت تمسد بطنها) ونعود هنا للاعلى لنقرأ من جديد ... تلك التي بلا سقف مغلقة ابوابها وجدرانها...
فتحت أبوابك . . روحي . . دون أن أوجع دفأ الحيطان
جميل ان تفتح الابواب الروح..التبادل هنا والتداخل بين (الهاء) المذكرة والمؤنثة وبين المكان والذي قد يعبر عن الروح ذاتها ...تلك الروح غير المقدسة التي تخفي ما بها ... لنقرأ ثانية (فتحت ابوابك ..روحي) من الفاعل الروح ام الابواب ؟؟ قد تكون جملة (دون ان اوجع دفأ الحيطان) قد اكدت القراءة الثانية اي ان الفاعل هي الروح .. ولكن قد تنطبق على القراءتين ... فعندما انفتحت الروح لم توجع دفء الحيطان ... وعندما فتحت الروح الابواب ايضا لم توجع دفء الحيطان .. .
صرتِ مشرعة
عندما قامت الروح بفتح الابواب انبثق شموخ شجري رائع ..صنوبرة لكثرة ما سقط عليها المطر طلعت بشوق تبوس يدي السماء... وكأن التدفق الذي اصدرته الروح التي انفتحت اصبحت تشبه صنوبرة تشق كل شيء بعد ان يغسلها المطر لتبوس يدي السماء.. هذه الصورة الرائعة تعبر عن ايمان عميق بالروح وهنا روح مقدسة لانها روح حية غير جامدة وقابلة للظهور والتفتح والاغتسال والاقتراب من السماء
صنوبرةً
لكثرة ما سقط عليها المطر
طلعت بشوق
تبوس يديْ السماء
هذه الصورة سبقت الصورة التي كان يجب ان تأتي قبلها
طلعت حاملة مع أغصان الرحيل
ترابا
يتم روحي
طلعت حاملة مع اغصان الرحيل ترابا ... والتراب الذي حملته الصنوبرة هو تراب ارضي لترفعة الى السماء التي ستبوس يديها بعد ان يغسلها المطر وهنا الشاعر اشار الى زاوية بعيدة الغور في روحه فالروح والجسد يتشابكان في نفس الشاعر والروح اليتيمة هي تلك الروح التي تحن الى حالتها الطبيعية لكنها لا تستطيع او انها ممنوعة من ذلك او (يتيمة) بلا ذلك التراب وحائرة ... جملة تمثل غربة عميقة في نفس الشاعر ( التراب والروح) الجسد والروح) وكثير من الاحالات التي لن نفصح عنها لكن الشاعر نفسه يعيها او تعيها نفسه رغما عنه
يا الواقفة على باب . .
النداء هنا لمجهولة لكنها (واقفة على باب) اي انها مغتربة حد الفصام فالابواب دائما تفصل داخلا عن خارج ... هي مفصل بين مدارين او بين كونين... الوقوف المؤنث على الباب هو وقوف مختلط على روح الشاعر ومثقل عليه... فالجسد الذي يحمل وجودين يؤمن بهما الشاعر دوما .. انفصل عن جزءه ليقف بجزء واحد على الباب
كأنها ( كأنني ) أية كلمة
ضاعت من كتابها
اقتراب حاد وحميم وشجي ما بين الشاعر وذاته (كانها كأنني) اتحاد ما بين الذات المؤنثة والمذكرة في نفس الشاعر لتقدم لنا مأساة (أية كلمة ضاعت من كتابها)
عندما تضيع الكلمة من (كتابها) اي من انتمائها الحقيقي وسياقها اي مدارها التي يشكل في السياق وجودها وحقيقتها وتميزها ...
.. . . . . . . . . .
ما أصابها ؟ قولي تساءل متعب من نفس اعياها هذا اللعب المقلوب وتلك الانفصالات الكثيرة التي لم تتوقف عند حدود الروح او الجسد .. المقدس او الزائف... الانثى او الذكر.. السماء أو التراب.... ولكنها جمعت كل هذا واخذته وصهرته وحاولت اخفاءه عن القارئ وحتى عن الكاتب نفسه
كيف بطوافك حولها صرتِ نبيّا
قد تكون الانثى هنا انثى منفصلة ولكنها متصلة بروح الشاعر ولن يدرك هذا الاتصال سوى الشاعر نفسه وانثاه المتصلة به ...التي تمثل جزءا منه لكنه جزء يستطيع ان يحاوره ويغضب منه ويسأله برجاء ... صرتِ نبيا... (صرت) للمؤنث .. و(نبيا) للمذكر...وهذا قد يستغربه الاخرون لكن الشاعر نفسه يدركه تماما
وصرتِ حضورا جنّ
حضور جن... اي حضور وهمي متخيل ... وحضورا غريبا يطلع في كل مكان وفي اي مكان لا المسافة تلغيه ولا البعد..حضور لا تشكل به المسافة حاجزا ولا البعد مانعا.. الجن الذي احضر ملك سبأ ... في لمحة عين... الجن الذي يلغي المسافات والازمنة
دخلتِ
الدخول غير النزول... والدخول يستدعي وجود ابواب.. والنزول يستدعي الانحدار نحو مكان ما والمكان الذي يشير له الشاعر مكان يعرفه لانه يوصله الى التوحد ... وليس الانفصال... توحد الانثى مع الذكر... المكان الذي يشكل بداية للكون وللرحم وللحياة
نزلتِ
ولمّا لمست بكفٍّ طيفيٍّ باب روحي
نسيَتْ جهاتها الأربع
ثمة جهة ادخرتها
عليكِ تحديدها
نقرأ من الاسفل ثانية ... ثمة جهة عليك تحديدها... جهة ادخرتها لك بعد ان نسيت الورح جهاتها الاربع... الكف الطيفي لمس باب الروح... هل تستطيع الانثى ان تلمس باب الروح ان لم تكن جزءا من الذات ؟؟؟ والجهات الاربع عندما تنسى ماذا يتبقى غير الصميم ؟؟؟ وهل تحديد صميم الروح صعب ؟؟؟ لماذا يقول الشاعر ان عليك تحديدها ؟؟ هل يتحدى او هو يأمل ويرجو أو هو يدرك تماما ان التحديد الذي يرجوه هو الدخول.. وليس التحديد الخارجي وانما الفعلي والعميق ...
تعليق