(( الشاعر والجارية السوداء )) عبد الرشيد حاجب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الرشيد حاجب
    أديب وكاتب
    • 20-06-2009
    • 803

    (( الشاعر والجارية السوداء )) عبد الرشيد حاجب

    .

    الشاعر والجارية السوداء

    عبد الرشيد حاجب



    ظل شاعر المقاومة المفوه ، وصاحب القاموس الناري ، بلا جدال ..إلى أن كان ذلك اليوم .
    دخلت القرية حيزبون غنية تجر وراءها خدما وحشما لا تخطئ العين جارية سوداء متفحمة من بينهم.
    وبدأت القرية تعرف بعض الألوان الجديدة بتحرك هؤلاء الخدم في طرقاتها ، وابتسامات الجارية السوداء اللامعة التي تثير دهشة الكبار ، وخوف الصغار !
    كانت القرية متعودة أن تقيم أمسية شعرية ، في إحدى القاعات ، كل شهر .
    اجتمع الناس في القاعة تسبقهم آذانهم الموسيقية ، وعشقهم لقاموس شاعرهم .
    كان حين يتلو شعره ، تهب الرياح تنفض الغبار العالق بنفوس أهل القرية ، وتجدد نشاطهم ، وتبعث فيهم الأمل ، وتبشرهم بالغد الجميل .
    كانت القرية كلها تصمت مصغية في خشوع ..حتى أشجارها ..مئذنتها الوحيدة ..والنجوم في ليلها تبدو خاشعة .
    إنه الشعر .
    لكن هذه الليلة لم تكن كسائر الليالي .
    كان أهل القرية الطيبون قد لاحظوا بعض الوجوم والتوهان على شاعرهم ، كما لاحظوا أنه يكثر التجول حول قصر الحيزبون ، لكنهم برروا ذلك برغبته في الإستشراف ، ورؤية ما لا يستطيعون رؤيته ، فهو لم يخف عنهم أبدا ما يراه .كان عينهم الثالثة التي يرون بها أنفسهم وما حولهم .وكانت ألفاظه الاصبع السادسة في يدهم التي يفقؤون بها عين الروتين والنكد .
    وبدأت الأمسية .
    بدأت حين امتلأت القاعة عن آخرها ، فقد كان الجو في الخارج باردا ، وسعد الناس بهذا الدفء الذي ولده اجتماعهم واحتكاكهم .
    وقف الشاعر أمام المكرفون القديم ، فوقف شعر رؤوس أهل القرية ، وتطاولت أعناقهم وآذانهم .
    يا الله ! كم كانوا يعشقون هذه اللحظات وهم يستعدون لهذا التعميد في نهم الشعر ، وهذا الوضوء الأكبر في ينبوع الطهر والنقاء !
    كان الاستماع لإنشاده حياتهم الأخرى ، وكأنهم يبعثون من جديد.
    لكن صوت الشاعر ، هذه الليلة كان خافتا ، هامسا ، موشوشا لا يكاد يسمع .
    لم تكن ألفاظه مما تعودوا ، ولا حركاته مما ألفوا ..ومع ذلك ظلوا يصغون إليه ما بين الترقب والدهشة .
    لم يسجل اليوم أنه عربي .. ولا قال سقطت بجانبك فاحملني .
    ولم يقل لأي منهم اليوم : إنك اليوم حر !
    كان هو نفسه يبدو كسجين مصفد في الأغلال ، مقهورا ، متعبا ، كأنه يحمل فوق ظهره صليبا من نار !
    سمعوا وصفا لحور عينيها ..تذكروا الشاعر الأعمى يتشمم روائح بنات الحي العربي وينشد :
    " إن العيون التي بطرفها حور ..."
    تذكروا واضطربوا ، بدأ التوهان والتعب يتسرب إليهم بدورهم .
    كان صوته يتحشرج كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يتغنى بعاج أسنانها .. والبرق الذي لمع في ليله .
    وفجأة قفزوا من مقاعدهم وهم يسمعون تصفيقا حارا في آخر القاعة ، فلم يكن من عادتهم أن يصفقوا في قريتهم ، بل كانوا يسبحون ، ويكبرون ،ويهللون حين يغمرهم الطرب.
    التفتوا كلهم في وقت واحد . رأوا الجارية السوداء كالليل في أخر القاعة ، تصفق ، وتبتسم بكل عاجها وبروقها ، وبجانبها الحيزبون تبتسم ابتسامة ساخرة غامضة .
    الجزائر يوم 17 نوفمبر 2009
    "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    #2
    أخي و أستاذي العزيز // عبد الرشيد حاجب

    هل هو جنون الشعر أم جنون الحب الذي أولده !!

    كيف من شاعر لا جدال عليه و لا اختلاف عن تعميد شعره الذي خطف أرواحهم و ملكاتهم في لحظة أن يتحول إلى ذلك الرجل المبل بأصفاد شئ غريب لم يدركه الآخرون و كان من المنتظرمنه أشياء أخرى تعةدوا عليها .. و هو عينهم الثالثة و آذانهم التي يسمعون بها .. فهو الوجه الآخر و الصحيح المنعكس من مرآة المجتمع , حتى و إن كانت قرية بمئذنة يتيمة .. و في مساءٍ قارسٍ لا يضخ فيهم سوى الإنتظار لأنا عربي أو تحريرهم لإعادة النشاط الروحي و جلاء الأنفس !! ...
    و إن كان بيد الشاعر أن يغير مسار الحضارات فهذا لن يكون إلا بتواجد امرأة .. حتى و إن كانت حيزبون في نهاية الصف ..
    مرحباً بك استاذ عبد الرشيد بحجم هذا العمل الذي وجدتك فيه مختلفاً عن ذي قبل ..
    و تحياتي
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

    تعليق

    • مجدي السماك
      أديب وقاص
      • 23-10-2007
      • 600

      #3
      تحياتي

      الرائع عبد الرشيد حاجب..تحياتي
      يبدو لي انها حالة انهيار ثقافي..عند الناس والمثقف..ربما هي كذلك. لفت انتباهي وصفك للناس: وقف شعر رءوسهم..وهو وصف" مجاز" يستخدم للتدليل على شدة الخوف والرعب..ولا يوجد في اجواء القصة حالة من هذا النوع.
      استمتعت هنا بقصة جميلة..فيها عمق كبير.ولغة جميلة.
      خالص احترامي
      عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

      تعليق

      • عبد الرشيد حاجب
        أديب وكاتب
        • 20-06-2009
        • 803

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة محمد ابراهيم سلطان مشاهدة المشاركة
        أخي و أستاذي العزيز // عبد الرشيد حاجب

        هل هو جنون الشعر أم جنون الحب الذي أولده !!

        كيف من شاعر لا جدال عليه و لا اختلاف عن تعميد شعره الذي خطف أرواحهم و ملكاتهم في لحظة أن يتحول إلى ذلك الرجل المبل بأصفاد شئ غريب لم يدركه الآخرون و كان من المنتظرمنه أشياء أخرى تعةدوا عليها .. و هو عينهم الثالثة و آذانهم التي يسمعون بها .. فهو الوجه الآخر و الصحيح المنعكس من مرآة المجتمع , حتى و إن كانت قرية بمئذنة يتيمة .. و في مساءٍ قارسٍ لا يضخ فيهم سوى الإنتظار لأنا عربي أو تحريرهم لإعادة النشاط الروحي و جلاء الأنفس !! ...
        و إن كان بيد الشاعر أن يغير مسار الحضارات فهذا لن يكون إلا بتواجد امرأة .. حتى و إن كانت حيزبون في نهاية الصف ..
        مرحباً بك استاذ عبد الرشيد بحجم هذا العمل الذي وجدتك فيه مختلفاً عن ذي قبل ..
        و تحياتي
        أخي المبدع العزيز محمد سلطان

        أشكرك جزيلا على حضورك الرائع ، وقد لفت انتباهي ما لونته من الإقتباس بالأحمر ، وأحسبه يحتاج لنقاش ، منفرد من جهة ، ومتصل بالسياق الرمزي للنص من جهة ثانيا .
        وأعتذر أني لا أملك الآن وقتا كافيا ، لذلك أعدك بعودة قوية في أقرب وقت .
        محبتي وتقديري.
        "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​

        تعليق

        • قاسم عزيز
          عضو الملتقى
          • 15-11-2009
          • 37

          #5
          المبدع الألق / عبدالرشيد حاجب
          مشكلتى معك فى هذا العمل أننى اعرف خلفياته وما يرمى إليه , وربما أعرف القرية وأفرادها بالإسم , ولكن . . هو نص أدبى وموضع للتلقى . .
          شاعر مقاوم, انقلب حاله فراح يتغزل فى حور العيون , وهو فى راى مبدعنا : " .... * قتلننا ثم لم يحيين قتلانا " .
          والنص تحذير شديد اللهجة من تورط الشاعر المقاوم فى كمين تنصبه له الحيزبون بطعم الجارية عاجية السن براقة العينين , لإثنائه عن قضيته الكبرى , ربما وقوع الشاعر فى الحب ليس الجريمة ؛ لكنها كانت إهماله القضية التى رفعت شأنه فى أعين أهل قريته , وعلى طريقة " إن عشقت إعشق قمر " ينوه الكاتب الى انها جارية وسوداء وإن تعددت الوان زركشاتها ولا يصف منها إلا عينيها واسنانها العاجية مما يعطى انطباعا بانها لا تظهر ايضا سوى فى سواد الليل ولم يفته أن ينوه بهذا أيضا .
          ولتوضيح مدى الجرم الذى يرتكبه الشاعر نجد أهل قريته وكأن على رؤسهم الطير من غرابة ما يسمعون , إلى أن انتهى أفاقوا على تصفيق حاد لشاعرهم بينما اعتادوا هم على التكبير والتهليل والتسبيح , ثم ابتسامة بطعم السخرية من الحيزبون وجاريتها , فقد نجحت خطتها ,والمبلغة هنا واضحة المعالم فى المقابلة بين التصفيق الحاد " وهى عادة الغرب غير المسلم " فى عرف السلفيين من امتنا وهم كثر , وبين التسبيح والتهليل والتكبير ,أما أهل قريته فهم لهذا مصدومون تملأ حلوقهم المرارة وخيبة الامل .
          بقى ان أشير إلى بعض الكلمات التى افلتت إلى النص ؛ مثل " متعودة " و " فوقف شعر رؤوس أهل القرية" .
          . . ولانى لم اعتد على تدخل الراوى المسهب كثيرا فى كتابات / المبدع عبدالرشيد حاجب , فاننى اتغاضى هنا عن هذه الخصلة التى أعلن انها لم تفته , ولكنه تسرع بعرض مولوده الجديد على أحبته بينما كان وليده فى حاجة إلى بعض الدفء فى أحضانه ومن ثم يخرج مكتملا معافى وفى أفضل صور الإبداع , تماما كما اعتدنا ذلك منه .
          الحبيب عبدالرشيد . . يا اخى اخبرتك . . يعنى لازم تغلبونا . .ههههه
          لو لم يشغلك " الماتش " لشغلتك الجارية والشاعر .
          محبتى لك وتقديرى لحرفك السامق وبديهتك القانصة .
          و تحياتى .
          التعديل الأخير تم بواسطة قاسم عزيز; الساعة 20-11-2009, 22:18.
          [FONT="Tahoma"][SIZE="5"][COLOR="Lime"][CENTER][B] فى المسافة بين التردد والإقدام , يذهب كثير مما نستحق لغيرنا .][/B][/CENTER][/COLOR][/SIZE][/FONT]

          تعليق

          • هزار طباخ
            أديب وكاتب
            • 08-09-2009
            • 192

            #6
            أخي العزيز عبد الرشيد حاجب تحيتي
            حين ينطفئ حامل قضية ما في جوقة التصفيق الحاد
            تائهاً عن بلاغة التسبيح والتهليل
            يسقط رمزه في متاهات الغياب
            نصّك أخي عبد الرشيد جعلني أمشي على أطراف أصابع دهشتي
            مسوّرة بشظايا أجهدها قدّاس حروف عاصفة
            فشكراً لك كلما جعلتنا أغريتنا بالمشي على حافة هاوية ما
            تحيتي وتقديري

            تعليق

            • عبد الرشيد حاجب
              أديب وكاتب
              • 20-06-2009
              • 803

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة مجدي السماك مشاهدة المشاركة
              الرائع عبد الرشيد حاجب..تحياتي
              يبدو لي انها حالة انهيار ثقافي..عند الناس والمثقف..ربما هي كذلك. لفت انتباهي وصفك للناس: وقف شعر رءوسهم..وهو وصف" مجاز" يستخدم للتدليل على شدة الخوف والرعب..ولا يوجد في اجواء القصة حالة من هذا النوع.
              استمتعت هنا بقصة جميلة..فيها عمق كبير.ولغة جميلة.
              خالص احترامي
              أخي المبدع مجدي

              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

              صدقني أني أفتخر دائما بمرورك ، أما مسألة وقوف شعر الرأس فأسبابها متعددة وإن كنا نحن في العربية خاصة تعودنا بربطها بمظاهر الخوف أو الرعب .. وعلى العموم إن كانت الغالبية تراها كما رأيتها أنت فمن الأفضل تغييرها خاصة وأن النص كتب ونشر ارتجالا بعلم صديقي اللعزيز قاسم عزيز الذي كان معي يومها.

              محبتي.
              "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"​

              تعليق

              يعمل...
              X