قراءة في قصيدة نداء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد النوباني
    أديب وكاتب
    • 26-08-2008
    • 527

    قراءة في قصيدة نداء

    قراءة في قصيدة نداء


    للعالم الشعري عند أحمد النوباني طقوسا يمارسها خارج حدود المعهود في
    حياة البشر, إذ غالبا ما يتسع هذا العالم لأصداء وافدة من زمن الفطرة الأولى, فيعيدنا إلى لغتنا البكر بكل مقاييسها التي افتقدناها في هذا العصر. عالم يزخر بسحر لا يليق إلاّ بالأمنيات, ويوشح حيز الزمان والمكان بامتداد اللانهاية, فتتداخل رؤاه لتنقلنا عبر أجواء روحية خاصة لا تتأتى إلاّ لذي حس شعري عميق يتمتع بحاسة الكشف التي تميط حجبا قاتمة تظلل الذات وتخفي وهجها.

    نداء فسحة رحبة في هذا العالم الشعري المترامية أطرافه, زاوية تنبجس منها نفحات الروح العالقة بأوتار الحياة المتناغمة, خيط مشدود إلى الأفق ما فتئ يجدد ويؤصل الرغبة في السمو والارتقاء , إنها نداء الروح التواقة إلى الانعتاق من أسر الكآبة والوحدة والغربة....

    حائرة عيونها...
    ترياق يأتي عبر سؤال

    يبدأ النص الشعري بمسحة التساؤل والحيرة التي تعلو وجهها, فتشخص عيناها, وتنتظر أن يحاط هذا التساؤل الأبدي بهالة تخفف وطأته على النفس, فتأتي كلمة ترياق البلسم الشافي لتكشف عن تلك القوة الكامنة في الأعماق, هي ملاذ تفسر به حيرة التساؤل, ومشاعرسكينة تنتاب الروح وهي في قمة الدهشة , فتهدأ وتستكين عندما تفقد القدرة على كشف سر الذهول.

    تلتحف ظل الأشجار يخذلها الصمت

    هذا الاستسلام القهري يأتي عند الشاعر تصويرا مجسدا في ظل الأشجار عندما تتخذ منها دثارا, والظل يرمز هنا إلى الشحوب الذي يعكس تعب النفس ,والغموض الذي يكتنف هذه الروح الحائرة في تساؤلها, ولا يخفى علينا أن الطبيعة في عرف الشاعر ملاذ آمن ترنو إليه النفوس الهائمة...ويبدو أن الصمت الذي تتوق إليه في ساعات الوحشة لم يعد مجديا, وينقله الشاعر إلينا في صورة محسوسة عندما يجعل منه صمتا خاذلا.

    ضحكات نافذة قديمة
    دمعة دافئة
    تحرق سحرالوجنة
    تخرج من قوقعة التوحد
    تسابق لفح الريح البارد
    تبحث عنه

    تأتي الصور والمشاهد متلاحقة بدهشة , إذ تعيد تلك الأجواء الباهتة إلى الحياة ذكريات محفوظة في شريط الذكرى الغابرة , هي مساحات للفرح تتراءى ... وأحزان تمتد لترسم معالمها على الوجه, ولنقف عند الصورة التي أوردها الشاعرتحرق سحر الوجنة, تعكس هذه الصورة ملمحا جماليا يبرز في القدرة على تجسيد الألم الذي ينبع من استرجاع لحظات الفرح المسروقة من زمن مضى...فتتأهب لتتجاوز حدود الغربة والوحدة والوحشة التي تعيشها وتجدد عزمها في أنتبدأ مرحلة البحث عن الحب الضائع في غمرة الحياة, وفي عبارة تسابق لفح الريح البارد تصوير مجسد للهفة والحرقة التي تنتابها وهي تجدد العزم وتعيد زمن الفرح.

    تعرف أنّ لعينيه سكينة
    بل بسمة
    ساخرة ممّا يدور حوله
    ليس غريبا
    من يتعثر بالخطى
    في أرض هلامية

    رحلة البحث هي رحلة كشفية أيضا , فهي تستقرئ ملامحه البعيدة وتكشف عن سر تواجده الذي لا يعدو أن يكون مظهر اللاستقرار والسكينة التي لا تعكس حقيقة جوهر النفس, كما أنّها لا تنقاد خلف حياة لا تفي بمتطلبات الروح الإنسانية, و قد عبر الشاعر عن ذلك في قوله ساخرة مما يدورحوله, فالسخرية من الحياة هي المواقف التي تتربص بنا مع وعينا الكامل بعدم جدوى أن تكون . هي الزيف الذي يكتنف واقع الناس ولا يمت بصلة إلى جوهر الحياة السليمة...لذلك لا يعد غريبا من منظور الشاعر من يتعسر عليه التأقلم مع واقع يرفضه, فالأرض الهلامية واقع يحفل بمظاهر الحياة الزائفة البعيدة عن منطق القيم التي تطمح إليها النفس .

    تعرف أن الأرض
    صلبة هناك
    صخر يتراكم
    كالصدق
    منه العيون تختبئ

    الواقع الذي تأمل أن يكون واقع لا تتعثر فيه الخطى , واقع يتماشى مع طموحاتنا في الحياة , لأنه يبتعد عن كلما يدنس التواجد الإنساني و يسيء إليه . كما تتجلى لنا معالم صورة جديدة في هذاالصدد صخر يتراكم كالصدق ...للشاعر قدرة فنية هائلة على إيجاد علاقة تشابه بين شيئين لا يخطر تشابههما على بال الصخر والصدق...هي صورة تشي بعمق الإحساس الصادق الذي تشكل بفعل الزمن ليغدو قويا ومتماسكا, نحاول أن نتجاهله في حين يجتاح مشاعرنا ويتملكها.

    حين تغيب الشمس
    الضوءالمصطنع وهم
    إدمان لا أكثر

    مشهد المغيب يخلق العتمة, هي ظلمة الأعماق تستجدي ضياء خارج حدود الذات غالبا ما يكون عاجزا عن الإشراق داخلها, لأنه لا يقدر على إنارة الدروب المؤدية إلى عمق الروح , فالنور كامن فيها...وكل محاولة للبحث عنه خارج النفس تعود لا أكثر على مسايرة الحياة وإن لم نحقق ما نصبو إليه.

    تجلس وناصية المنحدر
    عمر الورود
    الزمن
    رحيق لا ينتهي
    حقيقة أبدية
    انتعاش نظرة الحياة

    فعل الجلوس هدأة تستعيد زمنا جميلا وأملا آخر, يتجدد كتجدد مظاهر الطبيعة, لأنها شغف بالحياة لا يضمحل, فتعكس الورود والرحيق هذا التعلق بالبقاء, عندها تبتهج , وترتسم مسحة التفاؤل كما ترتسم البسمة على وجه الطبيعة في أوج عنفوانها. انتعاش نظرة الحياة صورة تلقي بظلالها على النفس متعة التواجد الحياتي.

    تلتحف الظل
    يناديها
    يصرخ
    يضحك
    يهمس عشقا

    يبدو أن الشحوب مازال يلقي بظلاله على تلك النفس المتوهجة شوقا إلى الحياة, هو أشبه بأمنية تعيش على وهج الذكرى ...تسمع نداء الأعماق ...صراخا...ضحكا...همسا...هو نداء الحياة بكل حزنها وفرحها وسكونها وسموها الذي لا يخبو. ليبدأ حديث الروح عندما تلتقي صنوها.

    نبأ عرافة ثكلى
    تعالي نعس اليأس
    يناديها
    لا أدري
    هل صعب أن نخرج من ظل؟

    وجود العرافة في هذا الموقف الشعري بداية لمشهد درامي , هي ترمز لتلك الأحاسيس المتباينة التي تطفو على السطح عند اللقاء, هي الشك الذي يتربص بالنفس ويأسرها باحتمالات قادمة...فتتوانى عن المسير, ولنقف عند جملة تعالي نعس اليأس هي صورة مفعمة بالخيال إذ تجسد اليأس المعنوي في صورة مادية تؤثر في نفس المتلقي فيخيل إليه أنه أمام حالة بالغة التعقيد سوداوية ضبابية تتوقف عندها الحياة .
    تعود الأصداء من جديد مبهمة لا تحمل تفسيرا ...لتنتهي القصيدة بتساؤل يشبه حيرة السؤال الذي بدأت به القصيدة, ليضعنا الشاعرأمام احتمالات وتصورات عدة هي النهاية المفتوحة التي تترك الملتقي يستشف الموقف دون تدخل الشاعر.

    وفي هذا المقطع بالذات يعمد الشاعر إلى الا نزياح التركيبي, إذ يتحول بنا من الإ نشاء إلى الخبر, ثم يعود إلى الإ نشاء في آخر النص, فيحدث بذلك تأثيرا فنيا في ذهن المتلقي بعد انغماسه في النص.

    قد أكون اقتربت أو ابتعدت عن الدلالات التي يحملها النص لا أدري..فالنص الشعري عند الشاعر أحمد النوباني إشعاع لا يمكن الإمساك به بسهولة.

    شهرزاد بو بشير
    الجزائر
    [flash=http://marinamool.com/pic/up/27272685020100501.swf]WIDTH=270 HEIGHT=270[/flash]
  • خلود الجبلي
    أديب وكاتب
    • 12-05-2008
    • 3830

    #2
    [mark=#33ffff]
    سيدي الفاصل
    قرأءة موضوعية لأشعاع حرفك سيدي

    فأنت تتميز بحرف يلملم القارئ ويجبره بالبقاء بين نبضك
    تقبل وجودي هنا
    [/mark]
    لا إله الا الله
    محمد رسول الله

    تعليق

    • أحمد النوباني
      أديب وكاتب
      • 26-08-2008
      • 527

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة خلود الجبلي مشاهدة المشاركة
      [mark=#33ffff]
      سيدي الفاصل
      قرأءة موضوعية لأشعاع حرفك سيدي

      فأنت تتميز بحرف يلملم القارئ ويجبره بالبقاء بين نبضك
      تقبل وجودي هنا
      [/mark]

      أخت خلود .... صباح الخير

      سيدتي ... شكراً على مرورك الراقي ...
      عندما يأتي الحديث من مبدعة .... يكون كالأمنية

      نقلت القراءات الى الملتقى ... تماماً كنسخ الردود الى المدونة
      أحاول أن أبقي على ما أحتفظ به في أعماقي من شكر وعرفان
      للجهود القيمة التي قام بها الأصدقاء ...


      تحيتي... وتقديري
      [flash=http://marinamool.com/pic/up/27272685020100501.swf]WIDTH=270 HEIGHT=270[/flash]

      تعليق

      • خلود الجبلي
        أديب وكاتب
        • 12-05-2008
        • 3830

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة أحمد النوباني مشاهدة المشاركة
        أخت خلود .... صباح الخير

        سيدتي ... شكراً على مرورك الراقي ...
        عندما يأتي الحديث من مبدعة .... يكون كالأمنية

        تحيتي... وتقديري
        الفاضل احمد
        الأبداع هنا ونحن في سدرة حرفك وشعرك
        نتوسد الحروف في مملكتك

        تقبل مروري
        لا إله الا الله
        محمد رسول الله

        تعليق

        • أحمد النوباني
          أديب وكاتب
          • 26-08-2008
          • 527

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة خلود الجبلي مشاهدة المشاركة
          الفاضل احمد
          الأبداع هنا ونحن في سدرة حرفك وشعرك
          نتوسد الحروف في مملكتك

          تقبل مروري


          منتهى الذوق سيدتي ...المبدعة
          [flash=http://marinamool.com/pic/up/27272685020100501.swf]WIDTH=270 HEIGHT=270[/flash]

          تعليق

          يعمل...
          X