من أرشيف مقالاتي
بعد أن أنهى الخطيب خطبة الجمعة .. جاءه من يهمس فى أذنيه بكلمات عرفنا بعدها أنها أوامر من وزير الأوقاف بإقامة صلاة الغائب على شهداء شرم الشيخ .. والحقيقة أنني شعرت بشىء فى صدري وعدم ارتياح نفسي من تلك الصلاة .. وبالفعل قررت عدم الصلاة على ضحايا أحداث شرم الشيخ .. والأسباب التى دعتني إلى عدم الصلاة لاعلاقة لها على الإطلاق بموقفي من قضايا الإرهاب والعنف والتي أرفضها كما ذكرت سابقا لأسباب موضوعية لخصتها فى أمرين اثنين الأول أنها لن تحسم قضية ولن تغير نظاما .. والثاني أنها قد تؤدي إلى قتل الأبرياء وتشويه صورة الإسلام دون أدنى عائد يذكر .. وقد تأتي فى الغالب بمن هم اكثر شرا وظلما .
لكنني رفضت الصلاة على ضحايا شرم الشيخ .. لأنني أعتقد يقينا أن مدينة شرم الشيخ تحولت منذ الإحتلال الصهيوني لها وحتى بعد التحرير العسكري لها إلى مدينة تمارس فيها كل أنواع وألوان الفواحش والمنكرات ماظهر منها وما بطن .. مما يندى له جبين الشرف والعفة والطهارة تلك الأمور التي صارت فى عرف النخب العلمانية من مظاهر التخلف والرجعية .. ولا أظن أنني بحاجة إلى التذكير بمظاهر تلك الفواحش والمنكرات التى تستباح وتستحل فيها حرمات الله بما يمثل هزيمة أخلاقية وعقدية حقيقة للإسلام أما م جحافل الغزو العلماني والإباحي .. ويكفي هنا فى هذا السياق أن اذكر خبرا ورد فى صحيفة الأهرام القاهرية المحترمة مفاده أن القدر أنقذ مئات السياح من الموت والقتل وقلل عدد الضحايا إلى حد كبير .. جميل جدا ولكن كيف أنقذ القدر هذا العدد من السياح .. يقول الخبر أنهم ذهبوا لإقامة حفلات الديسكو فى صحراء شرم الشيخ حتى ساعات الصباح الباكر .. هكذا يكتب الخبر دون كلمة انكار واحدة من صاحب الخبر ولا من الصحيفة المحترمة التى نشرته .. قد يقال إن الوقت لم يكن مناسبا لإستهجان الخبر .. ولكن الحقيقة أن مثل هذه المنكرات والفواحش اصبحت من الأمور العادية بل أصبحت من مقومات السياحة كما هو الحال فى كل دول الدنيا .. بل واكتسبت شرعية مجتمعية وعرفية لدرجة أن مشايخنا وكتابنا الإسلاميين أصبحوا يستحون من استنكار مثل تلك الفواحش .
صورة أخرى نشرتها إحدى الصحف لسائحة ترتدي شورتا لايعلوه إلا حمالة صدر .. ويكتب تحت الصورة هكذا يريدون اغتيال الحياة .. وطبعا أنا أعرف أن الفساد فى شرم الشيخ وغيرها من المدن الساحلية ضارب فى الأعماق ... بل إن هذه المدينة لاتقوم إلا على الفساد ولاتقوم إلا على العري الذى يصل إلى العري الكامل فى بعض الأحيان ولاتقوم السياحة فيه إلآ على الخلاعة والزنا وشرب الخمر .. وحتى الأنشطة التي يديرها المصريون هناك تدار لخدمة الشيطان وجنوده .
وليست هذه وبكل تأكيد وقطع دعوة لممارسة الإرهاب والعنف .. فتغيير مثل هذه المنكرات الشائعة لايصلح معه التغيير باليد أبدا .. ولو كان التغيير باليد هو العلاج لكنت اول المنادين بذلك .. ففرق بين منكر يرتكب على نطاق فردي محدود .. وفي ظل رفض واضح من المجتمع .. وفرق بين منكر شائع اكتسب مع الوقت شرعية عرفية وقانونية تتبناه الحكومات ذاتها .. مثل هذه المنكرات الشائعة يجب التصدي لها بالدعوة و باللسان وبالكلمة والأهم من ذلك يجب التصدي لها بأسلمة النخب الحاكمة .
أعرف أن الأمر صعب للغآية .. ولكن الذى حز فى نفسي حقيقة أن يتحدث المتحدثون من أصحاب العمائم والكتاب الإٍسلاميين مستنكرين أعمال الإرهاب والعنف دون أن يشير احدهم ولو بكلمة واحدة إلى أن ذلك من غضب الله علينا.. و يطالب من ثم وبكل قوة إلى تطهير تلك الأماكن من الموبقات والفواحش والعري وكل ألوان الشذوذ الجنسي والأخلاقي .. واحلال مفهوم جديد للسياحة يقوم على الشرف والأخلاق .. الكل استحى أو آثر السلامة أو استسلم للأمر الواقع .. والمصيبة أن مثل هذه المدن والقرى السياحية أصبحت هى الواجهة الحضارية التى تتفتح عين السائح عليها .. ليتعرف من خلالها على قيمنا وأخلاقنا وديننا .
كما أنني اعرف جيدا أن الذين قاموا بمثل هذه الأعمال الإجرامية لم يقوموا بها من أجل تغيير المنكرات والفواحش التى تمتلىء بها شواطىء وصحراء شرم الشيخ وإنما لأسباب كثيرة لم يناط عنها اللثام حتى وقتنا هذا .. ولكن الله يسلط الظالمين على الظالمين .
لذلك لم أستطع أن اصلي مع المصلين لأن صور تلك المنكرات كانت ماثلة أمامي .. كما أنني أرفض أن أصلي بأوامر من الحكومة .
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القولُ فدمّرناها تدميراً. وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً) (الإسراء: 16-17).
تعليق