الرصيف رقم 7

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العربي الثابت
    أديب وكاتب
    • 19-09-2009
    • 815

    الرصيف رقم 7

    فجأة انتبه إلى شروده على صوت الخالة:
    ماهذا الوجوم المسيطر عليك يا أحمد؟
    باغته السؤال ،تململ قليلا،التفت يبحث عن مخرج أي مخرج:
    - الحرارة لا تطاق هذه الأيام....
    - قالها وهو يقوم لغسل يديه لتناول وجبة العشاء،إنه هنا لا يحس بأي حرج،يتصرف كما يريد دونما أدنى إحساس بالحرج..
    - جالس إلى مائدة بسيطة رفقة خالته، لم يستسغ لقمة الطعام يدفعها بلسانه يمنة ثم يسرة فيحسها قطعة من خشب..لقمة ..لقمتان..يتوقف وبطريقة أقرب إلى الفظاظة يتنحى تماما عن المائدة..
    - ليس لي شهية ياخالة فقط أريد النوم....تصبحين على ألف خي..ر
    قال ذلك وهو يسير نحو الغرفة المجاورة ليخلد إلى شاشته الداخلية ،والتي كانت صاخبة بصور متداخلة ،ألقى بجسده المنهوك على السرير فداهمه حزن قاس لا يكاد يذكر أنه حزن في حياته بهذا القدر الرهيب.
    إنه لا يصدق أنه الآن فريسة سهله بين فكي ذئب جائع اسمه الحزن ،وهو الذي كان يتفنن دوما في انتشال نفسه من أحزانها ليحلق بها في آفاق رحبة وفسيحة ،هاهو الآن ...يستسلم ،
    ينسى وصية جده التي ظل يرددها :
    - الأحزان كاليهود يخافون ولا يستحيون ،فلا تستسلم لأحزانك يا ولدي مهما عظمت..
    - لكنه الآن منبطح تماما فلا منازلاته السابقة مع الحزن نفعته ولا وصية الجد التي فقدت بريقها، حركت فيه ساكنا ،منبطح تماما
    - حاول أن يجد لما هو عليه تفسيرا مقنعا لكنه عبثا حاول،
    - وتتوهج الصور في الذاكرة :
    هواء الصباح الربيعي الطري يملأ الكون بالنعومة والرقة،يتسرب عبر مسام الجلد ليستقر في العظم،والصحراءالشرقية اللعينة ممتدة إلى ما لا نهاية تظهر بلونها الرصاصي في ذلك الصباح ،كانت يدها لا تزال تنزلق بخدر لذيذ من جبينه حتى أولى شعيرات صدره،وكانت حركة أناملها فوق شفتيه تؤجج في أحشائه شبقا لا يتوقف ...
    ومن المقعد الأمامي للناقلة حتى المقاعد الخلفية،بدا الكل نائما ورؤوسهم تتمايل مع حركة الناقلة على الإسفلت الممتد في انبساط تام كما راحة اليد،ثم هاهي الشمس تبدو كقرص ذهبي يطل ليفضح متاهة الصحراء على امتدادها...سرت اليقظة في الكثير من المسافرين
    أسوار المدينة تلوح عن قرب ،وقد بدت المدينة الصغيرة كمقبرة مهجورة ،هنا اخترقه وميض خاطف آت من سنوات بعيدة وغمره حنين قاتل عبر مشوار الضياع والتيه وفي داخله ندت صرخة مكتومة بعيدة القرار: عالمك القديم قد مات وعليك أن تعود إلى رحم الزمن لتولد من جديد كما أنت الآن...
    على الرصيف في مقهى شعبي مقابل المحطة ،كانا جالسين القلب على القلب ،والعين في العين وبينهما دموع غير مرئية،كان يحدق في عينيها باحثا عن جواب لسؤال مشاغب :
    - متى تعودين؟؟؟
    إنه يعلم أنها لن تعود أبدا ولكنه يصر على أن يسكت الطفل المفجوع في داخله ولو بالكذب عليه،ويكرر السؤال....لم تجبه
    ولكن الجواب جاءه من مكان أخر،من مكبر الصوت:
    - نرجو من المسافرين في اتجاه مرسيليا أن يتوجهوا إلى الرصيف رقم 7
    سارا على الرصيف صامتين وحين همت بالركوب نظر في عينيها كان الدمع قد غشاهما.....
    عبر تموجات هذه الصور في خاطره باغته النوم،تاركا تلك الصور تتفاعل بصمت كما موجات بحر هاديء،اختطفت روحه داخل مدارات جنونها العذب واستسلم جسده النحيل لنوم مفروض...
    اذا كان العبور الزاميا ....
    فمن الاجمل ان تعبر باسما....
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    كان يدرى أنها اللحظات الأخيرة ، كان يدرى
    أن الحزن سلك بابه من قبل أن يودعها .. من
    قبل أن تقلع الطائرة .. ليكون الحزن شاملا ما قبل و ما بعد
    ربما كان أهون عليه أنه عرف أنها الأخيرة .. و لكن ما بالك
    بمن أخذ غيلة دون سابق انظار ؟!!
    يستوطن الحزن مدن بطلنا ، حد الأرق ، و التعب ، حمل ثقيل
    ثقل وحدته ، و حبه للبطلة المغادرة !!

    كنت جميلا أخى الطيب
    أزاح الله أحزان بطلنا ، و أعاد لله السكينة و الفرح

    محبتى
    sigpic

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة العربي الثابت مشاهدة المشاركة
      فجأة انتبه إلى شروده على صوت الخالة:



      ماهذا الوجوم المسيطر عليك يا أحمد؟


      باغته السؤال ،تململ قليلا،التفت يبحث عن مخرج أي مخرج:


      - الحرارة لا تطاق هذه الأيام....


      - قالها وهو يقوم لغسل يديه لتناول وجبة العشاء،إنه هنا لا يحس بأي حرج،يتصرف كما يريد دونما أدنى إحساس بالحرج..


      - جالس إلى مائدة بسيطة رفقة خالته، لم يستسغ لقمة الطعام يدفعها بلسانه يمنة ثم يسرة فيحسها قطعة من خشب..لقمة ..لقمتان..يتوقف وبطريقة أقرب إلى الفظاظة يتنحى تماما عن المائدة..


      - ليس لي شهية ياخالة فقط أريد النوم....تصبحين على ألف خي..ر


      قال ذلك وهو يسير نحو الغرفة المجاورة ليخلد إلى شاشته الداخلية ،والتي كانت صاخبة بصور متداخلة ،ألقى بجسده المنهوك على السرير فداهمه حزن قاس لا يكاد يذكر أنه حزن في حياته بهذا القدر الرهيب.


      إنه لا يصدق أنه الآن فريسة سهله بين فكي ذئب جائع اسمه الحزن ،وهو الذي كان يتفنن دوما في انتشال نفسه من أحزانها ليحلق بها في آفاق رحبة وفسيحة ،هاهو الآن ...يستسلم ،


      ينسى وصية جده التي ظل يرددها :


      - الأحزان كاليهود يخافون ولا يستحيون ،فلا تستسلم لأحزانك يا ولدي مهما عظمت..


      - لكنه الآن منبطح تماما فلا منازلاته السابقة مع الحزن نفعته ولا وصية الجد التي فقدت بريقها، حركت فيه ساكنا ،منبطح تماما


      - حاول أن يجد لما هو عليه تفسيرا مقنعا لكنه عبثا حاول،


      - وتتوهج الصور في الذاكرة :


      هواء الصباح الربيعي الطري يملأ الكون بالنعومة والرقة،يتسرب عبر مسام الجلد ليستقر في العظم،والصحراءالشرقية اللعينة ممتدة إلى ما لا نهاية تظهر بلونها الرصاصي في ذلك الصباح ،كانت يدها لا تزال تنزلق بخدر لذيذ من جبينه حتى أولى شعيرات صدره،وكانت حركة أناملها فوق شفتيه تؤجج في أحشائه شبقا لا يتوقف ...


      ومن المقعد الأمامي للناقلة حتى المقاعد الخلفية،بدا الكل نائما ورؤوسهم تتمايل مع حركة الناقلة على الإسفلت الممتد في انبساط تام كما راحة اليد،ثم هاهي الشمس تبدو كقرص ذهبي يطل ليفضح متاهة الصحراء على امتدادها...سرت اليقظة في الكثير من المسافرين


      أسوار المدينة تلوح عن قرب ،وقد بدت المدينة الصغيرة كمقبرة مهجورة ،هنا اخترقه وميض خاطف آت من سنوات بعيدة وغمره حنين قاتل عبر مشوار الضياع والتيه وفي داخله ندت صرخة مكتومة بعيدة القرار: عالمك القديم قد مات وعليك أن تعود إلى رحم الزمن لتولد من جديد كما أنت الآن...


      على الرصيف في مقهى شعبي مقابل المحطة ،كانا جالسين القلب على القلب ،والعين في العين وبينهما دموع غير مرئية،كان يحدق في عينيها باحثا عن جواب لسؤال مشاغب :


      - متى تعودين؟؟؟


      إنه يعلم أنها لن تعود أبدا ولكنه يصر على أن يسكت الطفل المفجوع في داخله ولو بالكذب عليه،ويكرر السؤال....لم تجبه


      ولكن الجواب جاءه من مكان أخر،من مكبر الصوت:


      - نرجو من المسافرين في اتجاه مرسيليا أن يتوجهوا إلى الرصيف رقم 7


      سارا على الرصيف صامتين وحين همت بالركوب نظر في عينيها كان الدمع قد غشاهما.....


      عبر تموجات هذه الصور في خاطره باغته النوم،تاركا تلك الصور تتفاعل بصمت كما موجات بحر هاديء،اختطفت روحه داخل مدارات جنونها العذب واستسلم جسده النحيل لنوم مفروض...



      صراخ حزن مكتوم في عيني عاشق رأى النهاية
      نص جميل رقراق بنبض حب حزين
      دام حبرك مضيئا استاذ العربي الثابت
      تحيتي و مودتي
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • العربي الثابت
        أديب وكاتب
        • 19-09-2009
        • 815

        #4
        أستاذي القدير المتألق ربيع عقب الباب
        مرورك هنا سيدي كان بالفعل ومضة انشراح في سماء كئيبة،
        الحزن سيدي هو منتوجنا الرئيسي،حتى غدت أوطاننا مزارع لحزن صامت مثبط للعزائم،
        فهل قدرنا اجترار هذا الحزن ذو العلامة المسجلة عالميا نجتره حتى النهايات،نزرعه في حقولنا ونحصده ونستبقي بقاياه للأجيال القادمة...
        لك كل الشكر على مرورك الكريم هنا...
        ودوما اتطلع إلى انتقاداتك وتوجيهاتك...
        لك السمو والتألق وتقبل سيدي فآئق الود والصفاء.....
        العربي الثابت
        اذا كان العبور الزاميا ....
        فمن الاجمل ان تعبر باسما....

        تعليق

        • العربي الثابت
          أديب وكاتب
          • 19-09-2009
          • 815

          #5
          صراخ حزن مكتوم في عيني عاشق رأى النهاية
          نص جميل رقراق بنبض حب حزين
          دام حبرك مضيئا استاذ العربي الثابت
          تحيتي و مودتي



          الأستاذة القديرة مها....
          أسعدني حضورك هنا،
          أجل هو الحزن المكتوم مرة أخرى...يطفو على سطح الحكاية لإنه يستوطن الأعماق...
          تقبلي تقديري ومودتي...
          ودمت متألقة...
          العربي الثابت
          اذا كان العبور الزاميا ....
          فمن الاجمل ان تعبر باسما....

          تعليق

          • دريسي مولاي عبد الرحمان
            أديب وكاتب
            • 23-08-2008
            • 1049

            #6
            ومضات الذاكرة ينسجها السارد بلغة الحزن المسيجة للجسد والروح...ورحلة لا تعرف مدى محدد الوجهة...هو الحب عندما تغتاله الأمكنة وتجعل الداخل المحموم يطفو على سطح الفراغ...
            حميمية العائلة تحضر بثقلها رفقة الخالة والجدة لتحرك في كل واحد منا شعورا باحساس الاخرين بنا...
            هو نوم مفروض في شكله مرفوض في ماهيته...لأنه السبيل الوحيد لمعانقة بعض من الطمأنينة...
            الأستاذ القدير العربي الثابت...ما زال أزيز الناقلة يهدر في ثنايا الذاكرة بتوهج وامض.
            دمت مع توكيدات تقديري.

            تعليق

            • العربي الثابت
              أديب وكاتب
              • 19-09-2009
              • 815

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة دريسي مولاي عبد الرحمان مشاهدة المشاركة
              ومضات الذاكرة ينسجها السارد بلغة الحزن المسيجة للجسد والروح...ورحلة لا تعرف مدى محدد الوجهة...هو الحب عندما تغتاله الأمكنة وتجعل الداخل المحموم يطفو على سطح الفراغ...
              حميمية العائلة تحضر بثقلها رفقة الخالة والجدة لتحرك في كل واحد منا شعورا باحساس الاخرين بنا...
              هو نوم مفروض في شكله مرفوض في ماهيته...لأنه السبيل الوحيد لمعانقة بعض من الطمأنينة...
              الأستاذ القدير العربي الثابت...ما زال أزيز الناقلة يهدر في ثنايا الذاكرة بتوهج وامض.
              دمت مع توكيدات تقديري.
              الغالي والعزيزمولاي عبد الرحمان ،
              مروركم سيدي أسعدني كثيرا ،وعلمني أن الإبداع بكل صنوفه سر الله في خلقه،يؤتيه من يشاء من عباده.
              دمت سيدي متوهج الحرف متألقا دوما .
              تقبل صادق محبتي وعاطر تحاياي ....
              أخوك العربي الثابت
              المغرب
              اذا كان العبور الزاميا ....
              فمن الاجمل ان تعبر باسما....

              تعليق

              يعمل...
              X