[frame="7 10"]
[frame="7 10"]
[align=justify]
قصة من قصص طاولات مقهى ليلي
[/frame][frame="7 10"]
[align=justify]
كان يحبها وتحبه.. جلسا يوما في أحد المقاهي الليلية على طاولة تحت أضواء خافتة رومانسية يتبدلان الهمسات، اللمسات... فقالت له:
[align=left]
[/align]
[/frame]
- لنستعد للزواج..
رد عليها:
- لم يان أن نتزوج..
أدارت عيناها كالمغشي عليه من الموت، ثم ألقت بيديها بشدة فوق الطاولة، ونظرت إليه مليا بآهات تكاد أن تمخر قلبه.. فحاول أن يراوغها:
- ما بك حبيبتي؟
- إني أفكر في الفراق!
- ولم هذا التفكير؟
صرخت في وجهه كما تصرخ اللبؤة في وجه الهزبر:
- أتحسبني دمية تتسلى بي؟
التفت إليهما كل الساهرين بنظرات شزر كأنهما عكرا صفو ماء عن الظمأى في يوم صائف؛ فمنهم من سبهما، ومنهم من سخر منهما.. أما هما فقد خرسا تماما ورأساهما متدلية، يسرقان النظر بأطراف العين.. ثم توجهت الأنظار نحو خطوات النادل الذي امتثل أمامهما بحياء يرجوهما أن يخفضا صوتهما.. ثم انصرف.. وتابعا حديثهما بهدوء:
- لا والله حبيبتي! إنك أم أعيني، أضعك فوق رأسي..
- لا يا سيدي إن أمك هي التي ولدتك، واتركني فوق الأرض حتى لا أسقط إلى الأسفل!..
- والله! ما يخيفني من الزواج إلا المستقبل!
- المستقبل! وأي مستقبل هذا!؟
- أتظنني عاقرا؟
- أم تخاف أن تسكن معنا أمي؟
- لا والله! لهذه ولا تلك! ولكن مستقبل أمك؟
- هل تتكهن أن أمي ستتسول يوما؟
- لا والله! إني أراك لا تفهمين قصدي!
- وما قصدك إذن؟
- أمك أصبحت مترهلة، تجاعيد وجهها مخيفة، صوتها بطيء الحركة..
- وما شأنك في هذا؟
- ألا تفهمين؟ ستصبحين أنت مثلها...
أغمي عليها، قام سكان المقهى! كل واحد يحمل في خبرته إسعافا أوليا، أحد الساهرين وضع على عنقها حلقة من المفاتيح، وبات ينتظر الفتح وهو لا يدري ماذا صنع! والثاني بدأ يرش الماء على وجهها كأنها زهرة ذابلة، وسهر أمامها ينتظرها أن تتفتح، والثالث أمسك بسبابة يدها اليمنى وبدأ يتمتم كأنه يقرأ طلاسم "شمهروش"، ثم ابتعد إلى زاوية المقهى وهو ينتظر معجزة تجعل منه بطل المقهى، وخلف أمامه نظرات ممزوجة بالسخرية والخوف تلتفت إليه في كل مرة.. وآخرون كانوا في اتصال دائم ومتكرر مع سيارة الإسعاف، يسبون.. يسخطون على الوضعية.. وهم يقلبون أكف أيديهم.. أما صاحب المقهى فقد اصفر وجهه كأنه في لحظات الاحتضار، محاولا مع حبيبها والحشد إخراجها من المقهى! إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل.. وفي كل مرة يضرب خديه بيديه كأن أحدا ما يصفعه وهو يولول قائلا: إنها ماتت، ماتت، نعم إنها ميتة وأنا قد ضاع رزق أبنائي.. غدا تغلق الحكومة هذه المقهى.. وأنتم أين ستذهبون؟...
كانت تساؤلات ثنائية تتخللها بين الفينة والأخرى تدخلات الفضوليين.. يئس الجميع، انقشع ضوء الصباح معلنا عن يوم جديد، دخل المقهى أحد الحمقى المتسكعين، اقتحم الحلقة، نظر إليها بقهقهة كأنها انبثقت من حنجرة قرد، ثم إلى الجوقة سائلا إياهم: ما بها؟ فضحك الجميع.. وقال أحدهم:"إن من شر البلية ما يضحك"؛ بدأت الوجوه تلتفت إلى بعضها البعض بابتسامات مصحوبة بسحر الأسى، وفجأة نطق الأحمق بموجة صوتية عالية ومخيفة، بلهجة عامية وهو يتقدم إليها: انهضي انهضي وإلا.. لم يرجع صدى صوته إلى الآذان حتى فتحت عينيها ببطء شديد ناظرة إلى صورة البوق الناطق، فقامت مهرولة واختفت وراء ظهر حبيبها.
[/align]رد عليها:
- لم يان أن نتزوج..
أدارت عيناها كالمغشي عليه من الموت، ثم ألقت بيديها بشدة فوق الطاولة، ونظرت إليه مليا بآهات تكاد أن تمخر قلبه.. فحاول أن يراوغها:
- ما بك حبيبتي؟
- إني أفكر في الفراق!
- ولم هذا التفكير؟
صرخت في وجهه كما تصرخ اللبؤة في وجه الهزبر:
- أتحسبني دمية تتسلى بي؟
التفت إليهما كل الساهرين بنظرات شزر كأنهما عكرا صفو ماء عن الظمأى في يوم صائف؛ فمنهم من سبهما، ومنهم من سخر منهما.. أما هما فقد خرسا تماما ورأساهما متدلية، يسرقان النظر بأطراف العين.. ثم توجهت الأنظار نحو خطوات النادل الذي امتثل أمامهما بحياء يرجوهما أن يخفضا صوتهما.. ثم انصرف.. وتابعا حديثهما بهدوء:
- لا والله حبيبتي! إنك أم أعيني، أضعك فوق رأسي..
- لا يا سيدي إن أمك هي التي ولدتك، واتركني فوق الأرض حتى لا أسقط إلى الأسفل!..
- والله! ما يخيفني من الزواج إلا المستقبل!
- المستقبل! وأي مستقبل هذا!؟
- أتظنني عاقرا؟
- أم تخاف أن تسكن معنا أمي؟
- لا والله! لهذه ولا تلك! ولكن مستقبل أمك؟
- هل تتكهن أن أمي ستتسول يوما؟
- لا والله! إني أراك لا تفهمين قصدي!
- وما قصدك إذن؟
- أمك أصبحت مترهلة، تجاعيد وجهها مخيفة، صوتها بطيء الحركة..
- وما شأنك في هذا؟
- ألا تفهمين؟ ستصبحين أنت مثلها...
أغمي عليها، قام سكان المقهى! كل واحد يحمل في خبرته إسعافا أوليا، أحد الساهرين وضع على عنقها حلقة من المفاتيح، وبات ينتظر الفتح وهو لا يدري ماذا صنع! والثاني بدأ يرش الماء على وجهها كأنها زهرة ذابلة، وسهر أمامها ينتظرها أن تتفتح، والثالث أمسك بسبابة يدها اليمنى وبدأ يتمتم كأنه يقرأ طلاسم "شمهروش"، ثم ابتعد إلى زاوية المقهى وهو ينتظر معجزة تجعل منه بطل المقهى، وخلف أمامه نظرات ممزوجة بالسخرية والخوف تلتفت إليه في كل مرة.. وآخرون كانوا في اتصال دائم ومتكرر مع سيارة الإسعاف، يسبون.. يسخطون على الوضعية.. وهم يقلبون أكف أيديهم.. أما صاحب المقهى فقد اصفر وجهه كأنه في لحظات الاحتضار، محاولا مع حبيبها والحشد إخراجها من المقهى! إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل.. وفي كل مرة يضرب خديه بيديه كأن أحدا ما يصفعه وهو يولول قائلا: إنها ماتت، ماتت، نعم إنها ميتة وأنا قد ضاع رزق أبنائي.. غدا تغلق الحكومة هذه المقهى.. وأنتم أين ستذهبون؟...
كانت تساؤلات ثنائية تتخللها بين الفينة والأخرى تدخلات الفضوليين.. يئس الجميع، انقشع ضوء الصباح معلنا عن يوم جديد، دخل المقهى أحد الحمقى المتسكعين، اقتحم الحلقة، نظر إليها بقهقهة كأنها انبثقت من حنجرة قرد، ثم إلى الجوقة سائلا إياهم: ما بها؟ فضحك الجميع.. وقال أحدهم:"إن من شر البلية ما يضحك"؛ بدأت الوجوه تلتفت إلى بعضها البعض بابتسامات مصحوبة بسحر الأسى، وفجأة نطق الأحمق بموجة صوتية عالية ومخيفة، بلهجة عامية وهو يتقدم إليها: انهضي انهضي وإلا.. لم يرجع صدى صوته إلى الآذان حتى فتحت عينيها ببطء شديد ناظرة إلى صورة البوق الناطق، فقامت مهرولة واختفت وراء ظهر حبيبها.
[align=left]
بقلم: محمد معمري
[/align]
[/frame]
تعليق