أين نحن.... من سيمفونية "المكاغاة"
وعلى الفيديو كليب!! وما يحويه من امور لا تمت للفن بصلة وقد كتب عن هذا الموضوع، هذا على الصعيد العام، اما على الصعيد المحلي فمجتمعنا في هذه الايام مزدحم (بالمطربين) وما ان تطأ قدماك على الارض حتى (تبق) لك (مطربا) اكثر مما تبق ساحة مثقفينا (بالشعراء) واكثر مما تبق الافلام المصرية (بالباش مهندس)!
خاصة اذا كانت هناك سهرة بمناسبة سعيدة اسعد الله اوقاتكم بكل خير، يندفع احد الحضور ممن يعتقد بأنه يملك موهبة الغناء معكرا الاجواء غير مستساغ محطما اللغة ومكسّرا للمعاني، وقد يغض المرء طرفه عن الكثير من الحالات حتى لا يزيد الاجواء تعكيرا على تعكير ولكن كما قيل "لقد بلغ السيل الزبى"، الامر الذي هو بمثابة جريمة بحق الحس المرهف، بحق الذوق السليم.... بحق الفن، اقول ذلك بعد ان اندلق على الغناء جمهرة من الجهلة والمراهقين الذين يجهلون فهم المقروء، وقد كنت شاهدا على بعض هذه الحالات الهزلية، اذكر منها ان احد الحضور سأل:
اين ذهب دقّيق العود؟ وعندما قلنا له ان هذا - عازف- على العود، قال اتركونا من فلسفتكم، وقد قَبِل (المطرب) بعد طول الالحاح وتعنج (اسم الله عليه) ان يقوم (بالغناء)، والحقيقة انه كان يملك صوتا قويا وقد صاح "الأوف" بشكل جيد، ولكنه عندما اخذ يقلد المطرب الكبير وديع الصافي في اغنيته "ع الله تعود"، صاح: ع الله تعود بهجتنا الف طل والف راح؟!!!! وبالرغم من عدم ايماننا بالغيبيات، اعتقد انه قد اصاب المطرب الكبير حالة من الحازوقة...آخ.
شخص آخر في مناسبة أخرى اخذ مكبر الصوت واعتلى المسرح بكل ثقة وصاح "دين من حلل الفرقة.... في احلى الاحباب؟!!!" فما هذا.... ان كل ما هو مطلوب هنا هو فهم المقروء ليس الا. ثم ان معنى "ولف" صديق ولو كانوا الفا لكانوا طلوا. فهل هذا ايضا بحاجة الى شرح؟ والغريب العجيب هو انه ما ان انهى (اداء الوصلة) حتى وصل اليه الكثيرون واخذوا يطرون عليه، هذا يقول له انك تملك صوتا رائعا، وآخر يقول له انك تملك اداء مميزا، ويضيف آخر... لو اشتركت في السوبر ستار الخ ... وهذا يشد على يده وذلك يقول "برافو"؟!!!
برافو على ماذا بربكم، فموهبة الغناء لا تتوقف عند الطاقة الصوتية، كما لا تكفي العرب الصوتية، وانما بحاجة الى عدة امور منها:
* إتقان اللغة
* كيفية إتقان اداء العرب الصوتية، او بمعنى آخر إتقان عملية الترعيد.... ترعيد الكلمة التي تأتي من خلال العرب الصوتية.
* إتقان عملية المزج، بين النغمات المختلفة ( واداء الجمل احيانا على اكثر من مقام)
* إتقان- عملية التوصيل- وهي ان يعيش المطرب الكلمات بكل زخمها ويصيغها او (يعجنها) اذا صح التعبير وفقا لمعانيها ليمنحه البعد الذي تستحقه والصورة الفنية، وهكذا ينقل المستمع الى رحلة روحانية تحلق به الى آفاق واسعة رائعة... وهذا لا يمكن ان يتم دون ترابط مباشر بين قلب المطرب ولسانه.
* ان يكون على مقدرة في صياغة الحرف الأخير في الكلمة بشكل جيد لكي ينساب مع الكلمة التي تليها بعذوبة.
* ان يحسن القفلة- قفلة الكلمة الأخيرة في الجملة.
* ان يدرك مدى مساحة صوته ويتصرف بطبقاته الصوتية بحكمة، وفقا لما تسمح له مساحة التصرف هذه، وهذا يعني مثلا ان لا يرتفع بصوته الى طبقات عالية، بحيث يكون قد استنفد طاقته الصوتية، وعند النزول الى طبقات ادنى لمواصلة الانسياب يهبط بشكل غير موفق.... تماما كالارنب، يصعد بسرعة، وعند النزول تخونه قواه (ويتدربك).
وهناك امور أخرى لا يعرفها المستمع العادي، وهي بحاجة الى شرح مستفيض على يد مختص.
اجمالا نقول ان هناك مطربين يملكون صوتا قويا ولكنهم لا يجيدون مهمة الغناء بسبب ثقوب كبيرة في حسهم وثقافتهم الفنية، وهناك مطربون اقل منهم طاقة صوتية ولكنهم يملكون الحس والثقافة الفنية الضرورية ويتصرفون ضمن التقنيات المطلوبة فيلامسون شغاف قلوب المستمعين ويخترقونها. وأخيرا نقول ان التكسير في استعمال التقنيات يخدش احساس المتلقي ويؤلمه، في حين ان معرفة القوانين الاساسية من شأنها ان نطور الحس الفني لدى المستمع وبالتالي تزيد من سعادته.







ه
ألغناء هو جزء من الابداع الالهي في الانسان، كما هو ايضا غريزة انسانية تبدأ معه منذ الولادة، ففي الشهر الاول لقدومه تكون سيمفونيته الاولى "المكاغاة" وكما قال أرسطو:" إن اصدق مصدر للفن هو الطبيعة التي تحياها والتي من المفروض ان نتذوق جمالها ونستمد منها سعادتنا". وبما ان الغناء غريزة موجودة لدى الانسان، كان لا بد ان نعمل على تطوير هذه الغريزة وصقلها في قوالب فنية راقية، وقد طورت الامة العربية (كسائر الامم) فن الغناء وانشأت عمالقة على مدار التاريخ. ولكننا اليوم نشهد مستويات متدنية، وبدلا من الاعتماد على من سلفوا ليكونوا الركيزة للانطلاق والسمو الى اعلى، نجد ان (الفنانين) من جيلنا الحالي يتجنبون هذا الصرح ويستلون طريقهم جانبا خوفا من المقارنة مع من سبقوهم من المبدعين، ويعتمدون على جمال (المغنية) مثلا والتي يصبح شكلها سيد الموقف!!!!!وعلى الفيديو كليب!! وما يحويه من امور لا تمت للفن بصلة وقد كتب عن هذا الموضوع، هذا على الصعيد العام، اما على الصعيد المحلي فمجتمعنا في هذه الايام مزدحم (بالمطربين) وما ان تطأ قدماك على الارض حتى (تبق) لك (مطربا) اكثر مما تبق ساحة مثقفينا (بالشعراء) واكثر مما تبق الافلام المصرية (بالباش مهندس)!
خاصة اذا كانت هناك سهرة بمناسبة سعيدة اسعد الله اوقاتكم بكل خير، يندفع احد الحضور ممن يعتقد بأنه يملك موهبة الغناء معكرا الاجواء غير مستساغ محطما اللغة ومكسّرا للمعاني، وقد يغض المرء طرفه عن الكثير من الحالات حتى لا يزيد الاجواء تعكيرا على تعكير ولكن كما قيل "لقد بلغ السيل الزبى"، الامر الذي هو بمثابة جريمة بحق الحس المرهف، بحق الذوق السليم.... بحق الفن، اقول ذلك بعد ان اندلق على الغناء جمهرة من الجهلة والمراهقين الذين يجهلون فهم المقروء، وقد كنت شاهدا على بعض هذه الحالات الهزلية، اذكر منها ان احد الحضور سأل:
اين ذهب دقّيق العود؟ وعندما قلنا له ان هذا - عازف- على العود، قال اتركونا من فلسفتكم، وقد قَبِل (المطرب) بعد طول الالحاح وتعنج (اسم الله عليه) ان يقوم (بالغناء)، والحقيقة انه كان يملك صوتا قويا وقد صاح "الأوف" بشكل جيد، ولكنه عندما اخذ يقلد المطرب الكبير وديع الصافي في اغنيته "ع الله تعود"، صاح: ع الله تعود بهجتنا الف طل والف راح؟!!!! وبالرغم من عدم ايماننا بالغيبيات، اعتقد انه قد اصاب المطرب الكبير حالة من الحازوقة...آخ.
شخص آخر في مناسبة أخرى اخذ مكبر الصوت واعتلى المسرح بكل ثقة وصاح "دين من حلل الفرقة.... في احلى الاحباب؟!!!" فما هذا.... ان كل ما هو مطلوب هنا هو فهم المقروء ليس الا. ثم ان معنى "ولف" صديق ولو كانوا الفا لكانوا طلوا. فهل هذا ايضا بحاجة الى شرح؟ والغريب العجيب هو انه ما ان انهى (اداء الوصلة) حتى وصل اليه الكثيرون واخذوا يطرون عليه، هذا يقول له انك تملك صوتا رائعا، وآخر يقول له انك تملك اداء مميزا، ويضيف آخر... لو اشتركت في السوبر ستار الخ ... وهذا يشد على يده وذلك يقول "برافو"؟!!!
برافو على ماذا بربكم، فموهبة الغناء لا تتوقف عند الطاقة الصوتية، كما لا تكفي العرب الصوتية، وانما بحاجة الى عدة امور منها:
* إتقان اللغة
* كيفية إتقان اداء العرب الصوتية، او بمعنى آخر إتقان عملية الترعيد.... ترعيد الكلمة التي تأتي من خلال العرب الصوتية.
* إتقان عملية المزج، بين النغمات المختلفة ( واداء الجمل احيانا على اكثر من مقام)
* إتقان- عملية التوصيل- وهي ان يعيش المطرب الكلمات بكل زخمها ويصيغها او (يعجنها) اذا صح التعبير وفقا لمعانيها ليمنحه البعد الذي تستحقه والصورة الفنية، وهكذا ينقل المستمع الى رحلة روحانية تحلق به الى آفاق واسعة رائعة... وهذا لا يمكن ان يتم دون ترابط مباشر بين قلب المطرب ولسانه.
* ان يكون على مقدرة في صياغة الحرف الأخير في الكلمة بشكل جيد لكي ينساب مع الكلمة التي تليها بعذوبة.
* ان يحسن القفلة- قفلة الكلمة الأخيرة في الجملة.
* ان يدرك مدى مساحة صوته ويتصرف بطبقاته الصوتية بحكمة، وفقا لما تسمح له مساحة التصرف هذه، وهذا يعني مثلا ان لا يرتفع بصوته الى طبقات عالية، بحيث يكون قد استنفد طاقته الصوتية، وعند النزول الى طبقات ادنى لمواصلة الانسياب يهبط بشكل غير موفق.... تماما كالارنب، يصعد بسرعة، وعند النزول تخونه قواه (ويتدربك).
وهناك امور أخرى لا يعرفها المستمع العادي، وهي بحاجة الى شرح مستفيض على يد مختص.
اجمالا نقول ان هناك مطربين يملكون صوتا قويا ولكنهم لا يجيدون مهمة الغناء بسبب ثقوب كبيرة في حسهم وثقافتهم الفنية، وهناك مطربون اقل منهم طاقة صوتية ولكنهم يملكون الحس والثقافة الفنية الضرورية ويتصرفون ضمن التقنيات المطلوبة فيلامسون شغاف قلوب المستمعين ويخترقونها. وأخيرا نقول ان التكسير في استعمال التقنيات يخدش احساس المتلقي ويؤلمه، في حين ان معرفة القوانين الاساسية من شأنها ان نطور الحس الفني لدى المستمع وبالتالي تزيد من سعادته.








تعليق