بسم الله الرحمن الرحيم

رواية توفيق الحكيم يوميات نائب في الأرياف تندرج
تحت مايعرف " بالرواية الواقعية النقدية " وهى من أكثر الأنواع
خبرة ودراية وذكاء لحركة المجتمع المتفاعلة وذلك نجدها أكثر
صعوبة في تفاعلها مع الواقع الإجتماعي ..
ورواية " يوميات نائب في الأرياف " ترفض واقع الحياة
الإجتماعية والسياسية في مصر في ذلك الوقت ,,، وقد أكد
فيها توفيق الحكيم على الجوانب السلبية في المجتمع القروي ،
وقد كان نائبا معايشا فعليا لهذا المجتمع لمدة طويلة فكانت
روايته تمثل بحثا أنثربولوجيا متطورا والذي يتعايش فيه
الباحث مدة كافية مع واقع الحياة الفعلية المراد دراسته ..
فدار بعين فاحصة راصدة باحثة عن أصل البلاء الذي لحق بالمجتمع بدءاً من الفقر الذي يُلجىء فلاحا لسرقة
" كوز ذرة " حتى تزوير الإنتخابات لإنجاح مرشح
الحكومة ، وهذه كانت قضية مصر في هذه الفترة ،
واستطاع توفيق الحكيم أن يبرز قضية المجتمع المصري
من خلال قضية قتل " قمر الدولة " ثم " زوجته " وأخيرا
قتل " ريم " والقتل هنا قضية رمزية ليس الهدف منها
التحقيق في هذه القضايا ولكن قتل مجتمع بأكمله على يد أقلية
ذات مصالح خاصة .
أي أنها قضية شعب تعرض لأقسى ما تتعرض له الشعوب
النامية من إحتلال وتخلف داخلي ساعد على إستمرار
تشابك المصالح الإستعمارية المشتركة ..
ونظرا لقربه من هذا الواقع وهنا أعني توفيق الحكيم
فقد إستطاع بوعي نقد أسلوب الهيئة الإجتماعية
في المجتمع المصري في زمن ماقبل الثورة ..
فالفساد شمل جميع المجالات ، شمل " حلاق الصحة "
الذي يحصل على تصريح الدفن من طبيب الصحة دون
معاينة المتوفي نظير خمسة قروش ..
و " مأمور المركز " الذي يسعى وراء ولائم " العمدة "
في مناسبات الجرائم وهو أيضا من يفتح السجون ليملأها
وقت اللزوم بمن يريد ..، وعندما يتم التفتيش الدوري
للسجون يعمل على تسريب المساجين إلى مكان ما لحين
الإنتهاء من التفتيش ..
ومن هنا يتضح مدى الفساد الذي لم يخل منه قطاع من
قطاعات المجتمع ..، كالمركز والمحكمة والنيابة ومكتب
الصحة وناديالمركز والإنتخابات وفي الأشخاص مثل :
الحلاق ومفتش الصحة والمأمور والعمدة والأعيان.. الخ
ولنذهب للمحكمة وهذا الحوار بين القاضي وفلاح وهنا يفجر
توفيق الحكيم قضية الفقر التي جعلت فلاحا يسرق كوز ذرة
وهى قضية تدني المستوى المعيشي لغالبية سكان الريف ..
مما دعى الفلاح أن يقر أن سبب السرقة هو الجوع ،
في حين وجدت المحكمة في هذا الرد الجانب القانوني
الذي يعنيها وهو الإعتراف بالسرقة ، أما الجانب
الإنساني فلايدخل ضمن إختصاصها ,,،
فيسأل القاضي السارق :
ـ لماذا لاتشتغل يارجل ؟؟!
وهو يعلم أنه لاعمل دائم لمثل هؤلاء ..
فيعاجله بسؤال آخر
قائلا : تدفع كفالة ..؟ فيرد الفلاح " كنت أكلت بيها " ..
وهو لايجد شرا في الحبس فيقول : وماله الحبس ..
الحبس حلو ، أقله نلقى فيه لقمة مضمونة ..
وعلى الجانب الآخر من الرواية نجد المأمور
يقول للعمدة:
اسمع ياعمدة ، البك الوكيل لايحب الخرفان ولا الديوك
على الصبح ، ولكن لا بأس من كم زغلولة مدفونة في
القرص والقراقيش إياها والفطير والمشلتت وعليهم كم
كتكوت محمرواللبن الرايب وكم بيضة مقلية في القشدة ..
وإياك تعمل حاجة زيادة ياعمدة ، البيه الوكيل
أكلته ضعيفة هههه .
ولا شك أن توفيق الحكيم أجاد رسم التناقص الحاد
بين طبقات المجتمع في تلك الفترة ، والمعاناة التي تقع
على عاتق غالبية الشعب والتي أدت لمحاكمة فلاح بائس
بتهمة سرقة كوز ذرة لسد جوعه ، في حين تنعم قلة بكل
خيرات المجتمع ..
فالقضية كما قلنا ليست قضية أفراد ولكن قضية مصر ،
وخاصة كل من عمل بالسلطة أدى إلى تفشي هذا الظلم
والقهر ..
وخلاصة القول لقد عكست رواية ..
" يوميات نائب في الأرياف"
مفاسد البناء الإجتماعي خاصة في المجتمع الريفي المصري ـ الممثل لشعب مصر آنذاك ـ من خلال نظرة واقعية نقدية
لكافة أبعاد البناء الإجتماعي ..
/
/
/
ماجي
تعليق