ذكرى موشومة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العربي الثابت
    أديب وكاتب
    • 19-09-2009
    • 815

    ذكرى موشومة

    وضع الأوراق والملفات جانبا،التفت صوب الواجهة الزجاجية لمكتبه الأنيق، لحظة تذمرأملاها الجو السائد في الخارج،عاصفة رعدية تهب على المدينة،دقائق قليلة تحولت فيها الأزقة المتفرعة إلى جداول مائية تصب في
    الشارع الرئيسي ،الذي أصبح نهرا كبيرا اختلطت فيه السيارات والمارة ...هاهو يتملى منظر المارة وهم يهرولون بلا مطريات، لأن السيل جاء مباغتا، ظل يتأمل من على مقعده الوثير،تفاصيل اللوحة،وحيدا كان في مكتبه ،ارتشف قهوته بتلذذ،في داخله أومضت ذكرى بعيدة،وبدا خائفا متوجسا دون أن يدرك لذلك سببا،أطبق جفنيه وتوهجت الصورة في داخله،ثم انغمس كليا في بريق الصورة الأتية من زمن طفولته الأرعن، رأى وجه أمه بتقاسيمه الرقيقة التي لا تفارقه لحظة.
    يتذكر الآن تلك الليلة التي تأبى النسيان،حين كان يومها طفلا يافعا يعيش في قرية معزولة على سفح جبل منسي،وحيدا مع أمه كان، يسكنان بيتا من تراب وحجر،مكون من طابقين ،الطابق الأرضي للحمارومخزن للتبن والحطب بينما يشغل هو وأمه الطابق العلوي المكون من غرفتين...
    عاد قدور مساء ذلك اليوم من المدرسة ،متأبطا محفظته المرقعة،وذهنه شارد في تفاصيل ما جرى بينه وبين الأستاذ .
    سأل الأستاذ تلاميذه تعريفا للوطن،لم يتردد قدور في رفع أصبعه ليجيب:
    - الوطن ياأستاذ زهرة أقحوان وعش طائر وغيمة ممطرة،
    بغضب رد الأستاذ:
    - لا...الوطن نشيد وعساكر وحدود.
    قدما قدور الحافتين كانتا تحسان البرد وهو يختار مواقعها على تلك الصخور التي ينحدر منها إلى المدرسة كل صباح، نبؤة أمطار تزفها غيوم داكنة تعبر على مهل سماء القرية.
    يتذكر الآن تماما كيف كان يلتصق بأمه وهدير الرعد يهز القرية،ربما أنه يسمع صوت الرعد لأول مرة..أمه تدنيه منها تربت على كتفه:
    -أنت رجل ،والرجال لا يخافون..
    مضت الأم تملأ قلبه بما استطاعت من شجاعة وطمأنينة، حكت له قصة العفريت الذي شق السماء بسيفه...فاستسلم لدغدغة أحلام أخذته في نوم عميق...
    حين فتح عينيه في صباح اليوم الموالي،وجد نفسه في بيت الجيران،لقد انهار مسكنهم ونفق الحمار تحت الأنقاض،مما أضاف له ألما إضافيا وتعرضت أمه لكسر في رجلها لم تتعاف منه إلى حين وفاتها بعد ذلك بسنوات..
    تذكر ذلك ومضى يطرد عنه ملامح الليلة بدوائر من دخان سيجاره الطويل...وعاد إلى ملفات القضايا والمرافعات...

    العربي الثابت
    المغرب
    اذا كان العبور الزاميا ....
    فمن الاجمل ان تعبر باسما....
  • مها راجح
    حرف عميق من فم الصمت
    • 22-10-2008
    • 10970

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة العربي الثابت مشاهدة المشاركة
    وضع الأوراق والملفات جانبا،التفت صوب الواجهة الزجاجية لمكتبه الأنيق، لحظة تذمرأملاها الجو السائد في الخارج،عاصفة رعدية تهب على المدينة،دقائق قليلة تحولت فيها الأزقة المتفرعة إلى جداول مائية تصب في
    الشارع الرئيسي ،الذي أصبح نهرا كبيرا اختلطت فيه السيارات والمارة ...هاهو يتملى منظر المارة وهم يهرولون بلا مطريات، لأن السيل جاء مباغتا، ظل يتأمل من على مقعده الوثير،تفاصيل اللوحة،وحيدا كان في مكتبه ،ارتشف قهوته بتلذذ،في داخله أومضت ذكرى بعيدة،وبدا خائفا متوجسا دون أن يدرك لذلك سببا،أطبق جفنيه وتوهجت الصورة في داخله،ثم انغمس كليا في بريق الصورة الأتية من زمن طفولته الأرعن، رأى وجه أمه بتقاسيمه الرقيقة التي لا تفارقه لحظة.
    يتذكر الآن تلك الليلة التي تأبى النسيان،حين كان يومها طفلا يافعا يعيش في قرية معزولة على سفح جبل منسي،وحيدا مع أمه كان، يسكنان بيتا من تراب وحجر،مكون من طابقين ،الطابق الأرضي للحمارومخزن للتبن والحطب بينما يشغل هو وأمه الطابق العلوي المكون من غرفتين...
    عاد قدور مساء ذلك اليوم من المدرسة ،متأبطا محفظته المرقعة،وذهنه شارد في تفاصيل ما جرى بينه وبين الأستاذ .
    سأل الأستاذ تلاميذه تعريفا للوطن،لم يتردد قدور في رفع أصبعه ليجيب:
    - الوطن ياأستاذ زهرة أقحوان وعش طائر وغيمة ممطرة،
    بغضب رد الأستاذ:
    - لا...الوطن نشيد وعساكر وحدود.
    قدما قدور الحافتين كانتا تحسان البرد وهو يختار مواقعها على تلك الصخور التي ينحدر منها إلى المدرسة كل صباح، نبؤة أمطار تزفها غيوم داكنة تعبر على مهل سماء القرية.
    يتذكر الآن تماما كيف كان يلتصق بأمه وهدير الرعد يهز القرية،ربما أنه يسمع صوت الرعد لأول مرة..أمه تدنيه منها تربت على كتفه:
    -أنت رجل ،والرجال لا يخافون..
    مضت الأم تملأ قلبه بما استطاعت من شجاعة وطمأنينة، حكت له قصة العفريت الذي شق السماء بسيفه...فاستسلم لدغدغة أحلام أخذته في نوم عميق...
    حين فتح عينيه في صباح اليوم الموالي،وجد نفسه في بيت الجيران،لقد انهار مسكنهم ونفق الحمار تحت الأنقاض،مما أضاف له ألما إضافيا وتعرضت أمه لكسر في رجلها لم تتعاف منه إلى حين وفاتها بعد ذلك بسنوات..
    تذكر ذلك ومضى يطرد عنه ملامح الليلة بدوائر من دخان سيجاره الطويل...وعاد إلى ملفات القضايا والمرافعات...

    العربي الثابت
    المغرب

    نص يفيض منه شجن الذكريات الجميلة والحزينة في آن واحد
    تحية ألق استاذ العربي
    رحمك الله يا أمي الغالية

    تعليق

    • العربي الثابت
      أديب وكاتب
      • 19-09-2009
      • 815

      #3
      الأستاذةالمقتدرة مها
      تحية ابداعيةعميقة،
      مرورك هنا يعني لي الشيء الكثير.
      لك صادق المحبة،كوني بخير
      اذا كان العبور الزاميا ....
      فمن الاجمل ان تعبر باسما....

      تعليق

      • سمية الألفي
        كتابة لا تُعيدني للحياة
        • 29-10-2009
        • 1948

        #4
        الفاضل الكريم / العربي ثابت

        تلك النافذة والمكتب الأنيق والشارع الرئيسي والرعد وهطول المطر

        طريق العودة للذكريات المضنية والليالي القاسية

        بكوابيس الطفولة القحلة وعيش الصخر والرعد

        ذكريات وآلام ورؤية للماضي تذهب أدراجها كما الدخان

        بوركت سيدي


        دمت ألق

        باقات جوري لروحك


        احترامي

        تعليق

        • العربي الثابت
          أديب وكاتب
          • 19-09-2009
          • 815

          #5
          الأستاذةالقديرة سمية
          سعيد أن أجدك هنا،
          قرأت مداخلتك بفرح طفولي عارم،وأعجبت بكلماتك الرقيقة التي حركت شيئا من جنون الكتابة في داخلي...
          لك كل الشكر والمحبة،
          توكيدات احترامي وتقديري
          العربي - المغرب
          التعديل الأخير تم بواسطة العربي الثابت; الساعة 11-12-2009, 21:24.
          اذا كان العبور الزاميا ....
          فمن الاجمل ان تعبر باسما....

          تعليق

          • مصطفى الصالح
            لمسة شفق
            • 08-12-2009
            • 6443

            #6
            تأرجح بين الماضي والحاضر

            عناصر مرتبطة ببعضها دون مشاكل
            سرد شيق متوازن

            يعطيكم العافية

            تحياتي
            [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

            ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
            لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

            رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

            حديث الشمس
            مصطفى الصالح[/align]

            تعليق

            • العربي الثابت
              أديب وكاتب
              • 19-09-2009
              • 815

              #7
              [quote=مصطفى الصالح;364021]تأرجح بين الماضي والحاضر

              عناصر مرتبطة ببعضها دون مشاكل
              سرد شيق متوازن

              يعطيكم العافية

              تحياتي

              [الأستاذ العزيز مصطفىالصالح
              مروركم هنا سيدي أعتز به لأنه يعني الشيء الكثيربالنسبة لي
              وإذ أشد على يدكم بحرارة ،أرجو أن أراكم هنا دوما منتقدين وموجهين إذ أنه لا يمكن طهي نص أدبي جيد إلا على أثافي تلات:
              كاتب جيد ، قارئ جيد وناقد جيد
              كن بخير سيدي مصطفى
              العربي الثابت
              - المغرب -]
              اذا كان العبور الزاميا ....
              فمن الاجمل ان تعبر باسما....

              تعليق

              • مجدي السماك
                أديب وقاص
                • 23-10-2007
                • 600

                #8
                تحياتي

                اخي العربي الثابت..تحياتي
                قرأتها من قبل..لم استطع التعليق في حينه. قصة جميلة..بما فيها من بعد وطني تربوي. جميل قلمك اخي العربي الثابت..ودوما الى الامام.
                مودتي
                عرفت شيئا وغابت عنك اشياء

                تعليق

                • العربي الثابت
                  أديب وكاتب
                  • 19-09-2009
                  • 815

                  #9
                  أخي الغالي مجدي
                  انتشيت بمرورك الكريم هنا، كلمتك القصيرة تعني لـــي أشياء كبيرة...
                  دمت يا غالي ودام حبرك دفاقا يروي حكاية وجعنا المشترك..
                  العربي الثابت
                  ــ المـــــــغرب ــ
                  اذا كان العبور الزاميا ....
                  فمن الاجمل ان تعبر باسما....

                  تعليق

                  • عائده محمد نادر
                    عضو الملتقى
                    • 18-10-2008
                    • 12843

                    #10
                    الزميل القدير
                    العربي الثابت
                    المطر يحث الذاكرة دوما
                    أحب المطر كثيرا
                    أحسه يغسل أوجاعي ويعيدني إلى ذكريات أحبها وربما حتى التي أوجعتني!
                    حنين كبير يشدني مع كل حكاية تنغمس حروفها مطرا
                    وهنا أنت أمطرتنا بأشجان الذكريات
                    رائعة زميلي وشجية
                    تحياتي ومودتي لك
                    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                    تعليق

                    • العربي الثابت
                      أديب وكاتب
                      • 19-09-2009
                      • 815

                      #11
                      الزميلة الرائعة عائدة
                      تحية ابداع وصفاء
                      كلماتك سيدتي على متصفحي التقطتها بفرح طفولي عارم...
                      المطر أغنية الحياة الدائمة،فينا ظمأ حارق لمطرغزير يروي شقاق الروح ،
                      ويعيد ترتيب المشهد من جديد...
                      تفضلي زميلتي الرائعة بقبول صادق محبتي وتقديري...

                      الثابت العربي
                      المغرب
                      اذا كان العبور الزاميا ....
                      فمن الاجمل ان تعبر باسما....

                      تعليق

                      يعمل...
                      X