وضع الأوراق والملفات جانبا،التفت صوب الواجهة الزجاجية لمكتبه الأنيق، لحظة تذمرأملاها الجو السائد في الخارج،عاصفة رعدية تهب على المدينة،دقائق قليلة تحولت فيها الأزقة المتفرعة إلى جداول مائية تصب في
الشارع الرئيسي ،الذي أصبح نهرا كبيرا اختلطت فيه السيارات والمارة ...هاهو يتملى منظر المارة وهم يهرولون بلا مطريات، لأن السيل جاء مباغتا، ظل يتأمل من على مقعده الوثير،تفاصيل اللوحة،وحيدا كان في مكتبه ،ارتشف قهوته بتلذذ،في داخله أومضت ذكرى بعيدة،وبدا خائفا متوجسا دون أن يدرك لذلك سببا،أطبق جفنيه وتوهجت الصورة في داخله،ثم انغمس كليا في بريق الصورة الأتية من زمن طفولته الأرعن، رأى وجه أمه بتقاسيمه الرقيقة التي لا تفارقه لحظة.
يتذكر الآن تلك الليلة التي تأبى النسيان،حين كان يومها طفلا يافعا يعيش في قرية معزولة على سفح جبل منسي،وحيدا مع أمه كان، يسكنان بيتا من تراب وحجر،مكون من طابقين ،الطابق الأرضي للحمارومخزن للتبن والحطب بينما يشغل هو وأمه الطابق العلوي المكون من غرفتين...
عاد قدور مساء ذلك اليوم من المدرسة ،متأبطا محفظته المرقعة،وذهنه شارد في تفاصيل ما جرى بينه وبين الأستاذ .
سأل الأستاذ تلاميذه تعريفا للوطن،لم يتردد قدور في رفع أصبعه ليجيب:
- الوطن ياأستاذ زهرة أقحوان وعش طائر وغيمة ممطرة،
بغضب رد الأستاذ:
- لا...الوطن نشيد وعساكر وحدود.
قدما قدور الحافتين كانتا تحسان البرد وهو يختار مواقعها على تلك الصخور التي ينحدر منها إلى المدرسة كل صباح، نبؤة أمطار تزفها غيوم داكنة تعبر على مهل سماء القرية.
يتذكر الآن تماما كيف كان يلتصق بأمه وهدير الرعد يهز القرية،ربما أنه يسمع صوت الرعد لأول مرة..أمه تدنيه منها تربت على كتفه:
-أنت رجل ،والرجال لا يخافون..
مضت الأم تملأ قلبه بما استطاعت من شجاعة وطمأنينة، حكت له قصة العفريت الذي شق السماء بسيفه...فاستسلم لدغدغة أحلام أخذته في نوم عميق...
حين فتح عينيه في صباح اليوم الموالي،وجد نفسه في بيت الجيران،لقد انهار مسكنهم ونفق الحمار تحت الأنقاض،مما أضاف له ألما إضافيا وتعرضت أمه لكسر في رجلها لم تتعاف منه إلى حين وفاتها بعد ذلك بسنوات..
تذكر ذلك ومضى يطرد عنه ملامح الليلة بدوائر من دخان سيجاره الطويل...وعاد إلى ملفات القضايا والمرافعات...
العربي الثابت
المغرب
الشارع الرئيسي ،الذي أصبح نهرا كبيرا اختلطت فيه السيارات والمارة ...هاهو يتملى منظر المارة وهم يهرولون بلا مطريات، لأن السيل جاء مباغتا، ظل يتأمل من على مقعده الوثير،تفاصيل اللوحة،وحيدا كان في مكتبه ،ارتشف قهوته بتلذذ،في داخله أومضت ذكرى بعيدة،وبدا خائفا متوجسا دون أن يدرك لذلك سببا،أطبق جفنيه وتوهجت الصورة في داخله،ثم انغمس كليا في بريق الصورة الأتية من زمن طفولته الأرعن، رأى وجه أمه بتقاسيمه الرقيقة التي لا تفارقه لحظة.
يتذكر الآن تلك الليلة التي تأبى النسيان،حين كان يومها طفلا يافعا يعيش في قرية معزولة على سفح جبل منسي،وحيدا مع أمه كان، يسكنان بيتا من تراب وحجر،مكون من طابقين ،الطابق الأرضي للحمارومخزن للتبن والحطب بينما يشغل هو وأمه الطابق العلوي المكون من غرفتين...
عاد قدور مساء ذلك اليوم من المدرسة ،متأبطا محفظته المرقعة،وذهنه شارد في تفاصيل ما جرى بينه وبين الأستاذ .
سأل الأستاذ تلاميذه تعريفا للوطن،لم يتردد قدور في رفع أصبعه ليجيب:
- الوطن ياأستاذ زهرة أقحوان وعش طائر وغيمة ممطرة،
بغضب رد الأستاذ:
- لا...الوطن نشيد وعساكر وحدود.
قدما قدور الحافتين كانتا تحسان البرد وهو يختار مواقعها على تلك الصخور التي ينحدر منها إلى المدرسة كل صباح، نبؤة أمطار تزفها غيوم داكنة تعبر على مهل سماء القرية.
يتذكر الآن تماما كيف كان يلتصق بأمه وهدير الرعد يهز القرية،ربما أنه يسمع صوت الرعد لأول مرة..أمه تدنيه منها تربت على كتفه:
-أنت رجل ،والرجال لا يخافون..
مضت الأم تملأ قلبه بما استطاعت من شجاعة وطمأنينة، حكت له قصة العفريت الذي شق السماء بسيفه...فاستسلم لدغدغة أحلام أخذته في نوم عميق...
حين فتح عينيه في صباح اليوم الموالي،وجد نفسه في بيت الجيران،لقد انهار مسكنهم ونفق الحمار تحت الأنقاض،مما أضاف له ألما إضافيا وتعرضت أمه لكسر في رجلها لم تتعاف منه إلى حين وفاتها بعد ذلك بسنوات..
تذكر ذلك ومضى يطرد عنه ملامح الليلة بدوائر من دخان سيجاره الطويل...وعاد إلى ملفات القضايا والمرافعات...
العربي الثابت
المغرب
تعليق