حوار مع الشاعر المبدع /فتحى عبد السميع
أمين عام مؤتمر أدباء مصر 2009
أجرى الحوار / محمود الأزهرى
مصر
------------------
فتحى عبد السميع شاعر موهوب صدر له عد من الدواوين الشعرية منها : الخيط فى يدى ، وخازنة الماء ، وتقطيبة المحارب ، وهو مثقف رصين ، وناقد جاد ، حصل على عدد من الجوائز الأدبية ، تولى مؤخرا الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر ، ويتمتع باسم أدبى واسع الصدى فى مصر والعالم العربى رغم إقامته الدائمة فى قنا كان لنا مع فتحى عبد السميع هذا الحوار :
1- الشاعر فتحى عبد السميع واحد من المرابطين فى أقاليمهم الذين لم يغادروها للعاصمة ما حصيلة هذا الرباط ؟ وهل تراودك الرغبة فى الرحيل للعاصمة ؟
ج 1 منذ عشرين عاما تراودني الرغبة في الرحيل إلي العاصمة
تراودني الرغبة في الإقامة في القاهرة فترة ، لا أحب العاصمة ، لا أطيق العيش فيها ، لكن العاصمة مهمة لأي مبدع ، لكنها ليست مهمة
حصيلة هذا الرباط كبيرة
هناك أسلوبان للتعامل مع الأمور ، هل استفاد المكان النائي من وجودي فيه ، أقول نعم ، هناك مئات من الأمسيات والندوات التي شاركت فيها بشكل إيجابي ، وأعتقد أنني لم أكف عن الحركة طوال أكثر من عقدين ، سواء من خلال مناقشة الأعمال الإبداعية المختلفة ، أو في القوافل الثقافية المختلفة سواء كانت تحت عباءة أندية الأدب أو الشباب والرياضة ، أو بشكل خاص ، أو من خلال الجماعات الأدبية المختلفة التي شاركت في تأسيسها ، أو وقفت بجانبها ، لقد عشت داعية للشعر والإبداع والثقافة بشكل عام ، أومن بان الشعر ضحية ، والمتلقي ضحية وأحاول أن أصنعه ، كنت اشرح مثلا قصائد لكبار الشعراء مثل عفيفي مطر وأدونيس وغيرهما في الإستاد الرياضي وفي أماكن كان من المستحيل أن تصلها تلك الأسماء أو التجارب ، وأستقبل الأصوات الجديدة وأحاول وضع أقدامها علي الطريق الحقيقي ، وهذا يتطلب مجهودا ، في ظل جهل غشوم بالشعر ودوره وأهميته ، ناهيك عن الأفكار الخاطئة والتافهة والبالية عنه ، لقد قمت بدور ثقافي ، في الوقت الذي كان يعكف الشعراء في العاصمة علي إبداعهم أو ترسيخ وجودهم في الحياة الثقافية الرسمية ، أو استعراض عضلاتهم في ندوات بائسة بلا جمهور ، لكن ماذا أضاف ذلك لي ؟ بالطبع هناك خسائر علي هذا المستوي لشخصي ، في ظل المركزية المتوحشة ، والمناخ الثقافي شديد السوء ، بمعني أنني لو عشت في القاهرة تلك الفترة ، وبذلت فيها نفس المجهود ، كانت صورتي سوف تختلف كثيرا جدا ، كنت علي الأقل سوف ألتقي بزملائي من الشعراء ، وهم يعرفوني ولا يسألون عن اسمي ، لم أكن لأحتاج لثماني سنوات من الانتظار حتى تصدر لي مجموعة شعرية لكنني سعيد بما فعلت ، بما حسبته واجبا وأديته .
هل تراودك الرغبة في الرحيل إلي القاهرة ؟
تراودني الرغبة في الإقامة فيها فترة ، أو فترات متقطعة ، القاهرة مدينة هائلة وثرية جدا ، وأحب التواصل معها ، لكنني لا أحب العيش فيها ، ولا أعتقد أن لي بها مصالح يجب أن أرعاها .
سنوات طويلة من العشق للشعر والكفاح مع القصيدة والثقافة الجادة حدثنا عن سنوات التكوين ؟ ورحلتك مع الشعر ؟
بدأت رحلتي مع الشعر في المرحلة الثانوية ، كتبت قصيدة وعرضتها علي مدرس اللغة العربية ، فقال ما أحبطني وجعلني اعتقد باني لست شاعرا ، انصرفت عن فكرة الكتابة ، وبعد خمس سنوات تقريبا ، كنت أتابع ثورة الحجارة علي التليفزيون ، ووجدتني أكتب قصة عن فرس ، عندما عرضتها بالصدفة علي الشاعر سيد عبد العاطي قال إنها قصيدة وليست قصة ، وكانت مفاجأة ، كلمني عن العروض وضرورة كتابة الشعر ، وكان كمن نزع سدادة عن فوهة بركان ، رحت أبحث عن المجموعات الشعرية ، أو أستعيرها منه و الشاعر عطية حسن وأنقلها بخط يدي ، ولم يكن في قنا منفذ واحد لبيع الكتب ، ولم تكن بها مكتبة عامة ، وبدأت رحلتي ولم يمض عام وكنت قد نشرت قصيدتي ( ليلي ومحاولات قيس جديد ) في إبداع عام 1988، ومن نسخ المجموعات الشعرية بدأت تكوين نفسي ثقافيا بقدر ما استطيع ، في فترة ركزت علي الفلسفة ، وفي أخري علي السير الشعبية ، وفي فترة ثالثة علي التاريخ ، وفي رابعة علي التصوف ، وهكذا وأعتقد حتي هذه اللحظة أنني في مرحلة التكوين ، وان شعور المبدع باكتمال تكوينه أول خطوة نحو خفوته
3- هل تحس بالظلم ؟
كل مبدع جيد يشعر بالظلم الآن ، لأن الإبداع نفسه مقهور ، والمناخ الثقافي سيئ ، ما يخفف عني شخصيا ، أنني لم أربط الشعر بأية مكاسب مادية أو إعلامية ، وما ألمسه من أن حياتي في ظل الانشغال بالإبداع صارت جميلة وثرية جدا ، وأنني أنمو يوميا بينما أقراني ممن ليست لهم صلة بالأدب توقفوا عن النمو و راحت الشيخوخة تدب في أجسادهم وأرواحهم
هل أنت راض عن منجزك حتى الآن ؟
لا أحد يرضي في الإبداع بشكل عام ، لكنني أشعر بعيدا عن ذلك أنني لم أنجز ما كنت خليقا بإنجازه ، وأن أمامي الكثير
ما هى حصيلة مشروعك الأدبى ؟
لدي ست مجموعات شعرية ، ومجموعة أخري من النصوص ، كما لدي عدة كتب تحت الطبع بعضها جاهز تماما مثل كتاب سينوغرافيا السرد ، ولدي مشروع نثري بعنوان إلي بيتي هو حصيلة اشتباكي مع بعض أماكن الجنوب خاصة ، ولدي كتاب عن الموالد وأعمال كثيرة نصف مكتملة ، بالإضافة لعدد كبير من الأبحاث التي شاركت بها في المؤتمرات .
لك نشاط بارز فى قنا فى مجالى الصحافة والنشر بداية من الإشراف على القسم الثقافي بأخبار قنا ومرورا بإصدار مجلة أفراس والمشاركة فى توضيب وتجهيز الكثير من كتب الأصدقاء حدثنا عن هذه التجربة ومدى تأثيرها عليكم شاعرا ؟ وأيضا مدى تأثيرها فى الواقع الثقافى ؟
كل تلك الأنشطة ربما تكون قد أخذت من وقتي الكثير بما أثر بالسلب علي كشاعر ، لكنني أعتقد أنني قمت بدوري كمثقف وداعية للشعر كما ذكرت ، وأظن أن ذلك لم يكن هباء منثورا ، غير أن أكثر ما كنت أعول عليه هو جماعة أفراس ، فقد كنت آمل أن تكون مشروعا حقيقيا لكنها فشلت مبكرا .
نعرف فتحى عبد السميع شاعرا موهوبا ونعرفه ناقدا مجيدا يجيد الإمساك بمفاتيح النصوص ، هل يتعارض هذان المشروعان الشاعر والناقد ؟ وهل يطغى أحدهما على الآخر . وما رأيك فى الذائقة العربية وعدم قبولها لمن ينتج فنونا كثيرة ؟
ليس لي طموح نقدي ، ولا أحب أن أظهر بوصفي ناقدا ، وعلاقتي بالنقد تكمن فقط في استغلال خبرتي في تقديم بعض القراءات النقدية ، وقد اضطررت لذلك اضطرارا ، وقد بدأ الأمر عندما توفي صديقنا الشاعر سيد عبد العاطي دون أن يكتب عنه حرف واحد ،وكان هناك يأس من أن يلتفت ناقد لشاعر يقيم في الجنوب ، وكان علينا نحن الشعراء أن نتولي تلك المهمة في الندوات التي نعقدها لمناقشة الإصدارات ، وكل ما كتبته حتي الآن لا يرتبط بأدباء مشهورين ، وكلها أصوات أكاد أكون أنا أول من يكتب عنها ، وفي تقديري لا يتعارض الناقد مع الشاعر، ولا أعني هنا ذلك الناقد الأكاديمي الذي لا هم له سوي تلفيقالنصوص وحشرها في النظريات المستوردة بشكل لا روحفيه ، بل أعني الناقد المبدع الذي ينطلق من النصوص بوصفه متلقيا منفتحا ومتفتحا ، يعرف أن أية نظرية لا يمكن أن تحيط بالنص ، بل يعرف كيف يصغي ويستخدم أدواته لاكتشاف النصوص ، النقد في تقديري عمل إبداعي فكما يشتبك الشاعر مع العالم يشتبك الناقد مع النص ولا تناقض بين ممارسته وممارسة الكتابة ، أو أنواع مختلفة من الكتابة ، بل ويبدو هذا ضروريا لتوسيع المدارك واكتشاف الإمكانيات ، ووحدها ظروف الوقت هي التي تجعلني أحب الشعر أكثر وأخاف من أن يطغي النقد علي الشعر ، في ظل المساحة المحدودة التي يتكالب عليها عمل مرهق ، ومشاغل حياة ثقيلة ، وفي النهاية نحن لا نحترف الأدب ، ولا بد لنا من التركيز
كيف تم اختيارك أمينا عاما لمؤتمر أدباء مصر ؟
اختارني أعضاء أمانة المؤتمر بالإجماع تقريبا .
لماذا استقال بعض أعضاء الأمانة بعد فوزكم فى انتخاباتها ؟
لا علاقة لي بذلك فاستقالة محمد الحمامصي كانت اعتراضا علي كلام لمحمد أبو المجد ، واستقالة فؤاد حجازي كانت اعتراضا علي عدم إثبات مقترحاته بمحضر الجلسة ، واستقالة ناصر محسب كانت قبل اختياري أمينا ، وكل هذه المواقف لا علاقة لي بها .
لاحظنا أن الأمين العام للمؤتمر يعكس شخصيته على المؤتمر فلو كان الأمين العام روائيا فالمؤتمر ستغلب عليه فنون السرد والقص ولو كان شاعرا سيغلب الشعر هل هذا سيتكرر معك ؟
سوف يكون المؤتمر القادم عن الشعر ، لكن ذلك ليس له علاقة بملاحظتك ، كما أن المؤتمر ابتعد كثيرا عن الإبداع خلال الأعوام الماضية وتناول قضايا عامة ، وقد كانت هناك رؤية أعادت المؤتمر لقضايا السرد في العام الماضي وقضايا الشعر في هذا العام والأمانة بأكملها تبنت تلك الرؤية .
ما رأيك فى المجاملات التى تحدث أحيانا فى دعوة المشاركين فى المؤتمر العام ؟
كل مجاملة علي حساب العمل الجاد جريمة ، فهي تنال من روحه وتفقده شيئا من هيبته وإذا زادت تقتله
نعرف أنك لن تسمح بالمجاملات ما هى الآلية التى تحقق ذلك ؟
فيما هو في يدي لا مجاملة فيه علي الإطلاق ، وهذا معروف عني منذ سنوات ، وكذلك ليس لدي من أجامله ، هذا نشاط ثقافي سوف أقوم به وأنصرف ، لماذا لا أكون جادا واترك خلفي سمعة طيبة ؟
ما هي رؤيتك للمؤتمر القادم إذن ؟
في البداية أريده مؤتمرا ضد التهميش بشكل واضح ، لقد تعالت صرخات التهميش بشكل كبير ، شعراء العامية يقولون : إنهم مهمشون ، شعراء قصيدة النثر يقولون إنهم مهمشون ، الشعراء المقيمون خارج القاهرة يقولون : إنهم مهمشون ، جيل الثمانينات يقول : إنه مهمش ، الشعراء الذين ظهروا في العقد الأخير يقولون : إنهم مهمشون ، كل هذا الصراخ يدل علي أمراض في حياتنا الثقافية ، ورسالتنا الأولي ستكون موجهة لذلك ، لا تهميش لأحد ، وقد فكرنا في أن يكون المؤتمر عن شعر العامية أو قصيدة النثر مثلا لكننا آثرنا أن يجتمع الجميع ، وأن يكون الإبداع الجيد هو البطل الأساسي
ماذا عن الأسماء المكررة ؟
لن تكون هناك أسماء مكررة ، وللحق فقد بذلت أمانة المؤتمر جهدا كبيرا في ذلك خلال الفترة الأخيرة ، ويكفي أن اللائحة الجديدة تنص علي الحرص علي عدم تكرار الأسماء ، وسوف نلتزم إلي أقصي درجة بأن لا يكون الباحث أو الشخصية العامة قد شارك في آخر دورتين ، والأمر ينطبق علي ممثلي نوادي الأدب أيضا وكل هذا يقضي علي مسألة تكرار الأسماء ، وهذا يحسب للأمانة ، كما يحسب لها أيضا قرارها النزيه بعدم مشاركة عضو من أعضائها في كتابة الأبحاث ، وعدم اختياره للتكريم وغيرها من الأمور النزيهة والجميلة ، فأن تنظم شيئا دون أن تستفيد مبدأ رائع لو تم تعميمه في البلاد لرفعها
هل هناك أشياء جديدة في المؤتمر؟
نحاول طبعا أن نقدم جديدا ، وهذا العام سوف نحتفي بكتاب ثورة الشعر الحديث ونعيد طبعه ، وسوف يتكرر ذلك مع الكتب المهمة كل عام ،
وعلي مستوي التنظيم ؟
هناك أفكار كثيرة تتم دراستها ، ونفكر في تغيير نوعي ، فلماذا لا تدخل السينما في برنامج المؤتمر ، هناك أفلام تمتلئ بالشاعرية علي نحو لا نجده في دواوين ، وهناك أفلام موضوعها الشعر أو سيرة بعض الشعراء وهي ثرية ، كما نفكر أيضا في إنتاج فيلم تسجيلي عن المؤتمر ، ويبقي الأهم والبديهي في نفس الوقت ، وهو الجدية والدقة في التنظيم والتعامل مع كافة أمور المؤتمر بما يتناسب ومكانة أدباء مصر
محمود الأزهرى
مصر
أمين عام مؤتمر أدباء مصر 2009
أجرى الحوار / محمود الأزهرى
مصر

------------------
فتحى عبد السميع شاعر موهوب صدر له عد من الدواوين الشعرية منها : الخيط فى يدى ، وخازنة الماء ، وتقطيبة المحارب ، وهو مثقف رصين ، وناقد جاد ، حصل على عدد من الجوائز الأدبية ، تولى مؤخرا الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر ، ويتمتع باسم أدبى واسع الصدى فى مصر والعالم العربى رغم إقامته الدائمة فى قنا كان لنا مع فتحى عبد السميع هذا الحوار :
1- الشاعر فتحى عبد السميع واحد من المرابطين فى أقاليمهم الذين لم يغادروها للعاصمة ما حصيلة هذا الرباط ؟ وهل تراودك الرغبة فى الرحيل للعاصمة ؟
ج 1 منذ عشرين عاما تراودني الرغبة في الرحيل إلي العاصمة
تراودني الرغبة في الإقامة في القاهرة فترة ، لا أحب العاصمة ، لا أطيق العيش فيها ، لكن العاصمة مهمة لأي مبدع ، لكنها ليست مهمة
حصيلة هذا الرباط كبيرة
هناك أسلوبان للتعامل مع الأمور ، هل استفاد المكان النائي من وجودي فيه ، أقول نعم ، هناك مئات من الأمسيات والندوات التي شاركت فيها بشكل إيجابي ، وأعتقد أنني لم أكف عن الحركة طوال أكثر من عقدين ، سواء من خلال مناقشة الأعمال الإبداعية المختلفة ، أو في القوافل الثقافية المختلفة سواء كانت تحت عباءة أندية الأدب أو الشباب والرياضة ، أو بشكل خاص ، أو من خلال الجماعات الأدبية المختلفة التي شاركت في تأسيسها ، أو وقفت بجانبها ، لقد عشت داعية للشعر والإبداع والثقافة بشكل عام ، أومن بان الشعر ضحية ، والمتلقي ضحية وأحاول أن أصنعه ، كنت اشرح مثلا قصائد لكبار الشعراء مثل عفيفي مطر وأدونيس وغيرهما في الإستاد الرياضي وفي أماكن كان من المستحيل أن تصلها تلك الأسماء أو التجارب ، وأستقبل الأصوات الجديدة وأحاول وضع أقدامها علي الطريق الحقيقي ، وهذا يتطلب مجهودا ، في ظل جهل غشوم بالشعر ودوره وأهميته ، ناهيك عن الأفكار الخاطئة والتافهة والبالية عنه ، لقد قمت بدور ثقافي ، في الوقت الذي كان يعكف الشعراء في العاصمة علي إبداعهم أو ترسيخ وجودهم في الحياة الثقافية الرسمية ، أو استعراض عضلاتهم في ندوات بائسة بلا جمهور ، لكن ماذا أضاف ذلك لي ؟ بالطبع هناك خسائر علي هذا المستوي لشخصي ، في ظل المركزية المتوحشة ، والمناخ الثقافي شديد السوء ، بمعني أنني لو عشت في القاهرة تلك الفترة ، وبذلت فيها نفس المجهود ، كانت صورتي سوف تختلف كثيرا جدا ، كنت علي الأقل سوف ألتقي بزملائي من الشعراء ، وهم يعرفوني ولا يسألون عن اسمي ، لم أكن لأحتاج لثماني سنوات من الانتظار حتى تصدر لي مجموعة شعرية لكنني سعيد بما فعلت ، بما حسبته واجبا وأديته .
هل تراودك الرغبة في الرحيل إلي القاهرة ؟
تراودني الرغبة في الإقامة فيها فترة ، أو فترات متقطعة ، القاهرة مدينة هائلة وثرية جدا ، وأحب التواصل معها ، لكنني لا أحب العيش فيها ، ولا أعتقد أن لي بها مصالح يجب أن أرعاها .
سنوات طويلة من العشق للشعر والكفاح مع القصيدة والثقافة الجادة حدثنا عن سنوات التكوين ؟ ورحلتك مع الشعر ؟
بدأت رحلتي مع الشعر في المرحلة الثانوية ، كتبت قصيدة وعرضتها علي مدرس اللغة العربية ، فقال ما أحبطني وجعلني اعتقد باني لست شاعرا ، انصرفت عن فكرة الكتابة ، وبعد خمس سنوات تقريبا ، كنت أتابع ثورة الحجارة علي التليفزيون ، ووجدتني أكتب قصة عن فرس ، عندما عرضتها بالصدفة علي الشاعر سيد عبد العاطي قال إنها قصيدة وليست قصة ، وكانت مفاجأة ، كلمني عن العروض وضرورة كتابة الشعر ، وكان كمن نزع سدادة عن فوهة بركان ، رحت أبحث عن المجموعات الشعرية ، أو أستعيرها منه و الشاعر عطية حسن وأنقلها بخط يدي ، ولم يكن في قنا منفذ واحد لبيع الكتب ، ولم تكن بها مكتبة عامة ، وبدأت رحلتي ولم يمض عام وكنت قد نشرت قصيدتي ( ليلي ومحاولات قيس جديد ) في إبداع عام 1988، ومن نسخ المجموعات الشعرية بدأت تكوين نفسي ثقافيا بقدر ما استطيع ، في فترة ركزت علي الفلسفة ، وفي أخري علي السير الشعبية ، وفي فترة ثالثة علي التاريخ ، وفي رابعة علي التصوف ، وهكذا وأعتقد حتي هذه اللحظة أنني في مرحلة التكوين ، وان شعور المبدع باكتمال تكوينه أول خطوة نحو خفوته
3- هل تحس بالظلم ؟
كل مبدع جيد يشعر بالظلم الآن ، لأن الإبداع نفسه مقهور ، والمناخ الثقافي سيئ ، ما يخفف عني شخصيا ، أنني لم أربط الشعر بأية مكاسب مادية أو إعلامية ، وما ألمسه من أن حياتي في ظل الانشغال بالإبداع صارت جميلة وثرية جدا ، وأنني أنمو يوميا بينما أقراني ممن ليست لهم صلة بالأدب توقفوا عن النمو و راحت الشيخوخة تدب في أجسادهم وأرواحهم
هل أنت راض عن منجزك حتى الآن ؟
لا أحد يرضي في الإبداع بشكل عام ، لكنني أشعر بعيدا عن ذلك أنني لم أنجز ما كنت خليقا بإنجازه ، وأن أمامي الكثير
ما هى حصيلة مشروعك الأدبى ؟
لدي ست مجموعات شعرية ، ومجموعة أخري من النصوص ، كما لدي عدة كتب تحت الطبع بعضها جاهز تماما مثل كتاب سينوغرافيا السرد ، ولدي مشروع نثري بعنوان إلي بيتي هو حصيلة اشتباكي مع بعض أماكن الجنوب خاصة ، ولدي كتاب عن الموالد وأعمال كثيرة نصف مكتملة ، بالإضافة لعدد كبير من الأبحاث التي شاركت بها في المؤتمرات .
لك نشاط بارز فى قنا فى مجالى الصحافة والنشر بداية من الإشراف على القسم الثقافي بأخبار قنا ومرورا بإصدار مجلة أفراس والمشاركة فى توضيب وتجهيز الكثير من كتب الأصدقاء حدثنا عن هذه التجربة ومدى تأثيرها عليكم شاعرا ؟ وأيضا مدى تأثيرها فى الواقع الثقافى ؟
كل تلك الأنشطة ربما تكون قد أخذت من وقتي الكثير بما أثر بالسلب علي كشاعر ، لكنني أعتقد أنني قمت بدوري كمثقف وداعية للشعر كما ذكرت ، وأظن أن ذلك لم يكن هباء منثورا ، غير أن أكثر ما كنت أعول عليه هو جماعة أفراس ، فقد كنت آمل أن تكون مشروعا حقيقيا لكنها فشلت مبكرا .
نعرف فتحى عبد السميع شاعرا موهوبا ونعرفه ناقدا مجيدا يجيد الإمساك بمفاتيح النصوص ، هل يتعارض هذان المشروعان الشاعر والناقد ؟ وهل يطغى أحدهما على الآخر . وما رأيك فى الذائقة العربية وعدم قبولها لمن ينتج فنونا كثيرة ؟
ليس لي طموح نقدي ، ولا أحب أن أظهر بوصفي ناقدا ، وعلاقتي بالنقد تكمن فقط في استغلال خبرتي في تقديم بعض القراءات النقدية ، وقد اضطررت لذلك اضطرارا ، وقد بدأ الأمر عندما توفي صديقنا الشاعر سيد عبد العاطي دون أن يكتب عنه حرف واحد ،وكان هناك يأس من أن يلتفت ناقد لشاعر يقيم في الجنوب ، وكان علينا نحن الشعراء أن نتولي تلك المهمة في الندوات التي نعقدها لمناقشة الإصدارات ، وكل ما كتبته حتي الآن لا يرتبط بأدباء مشهورين ، وكلها أصوات أكاد أكون أنا أول من يكتب عنها ، وفي تقديري لا يتعارض الناقد مع الشاعر، ولا أعني هنا ذلك الناقد الأكاديمي الذي لا هم له سوي تلفيقالنصوص وحشرها في النظريات المستوردة بشكل لا روحفيه ، بل أعني الناقد المبدع الذي ينطلق من النصوص بوصفه متلقيا منفتحا ومتفتحا ، يعرف أن أية نظرية لا يمكن أن تحيط بالنص ، بل يعرف كيف يصغي ويستخدم أدواته لاكتشاف النصوص ، النقد في تقديري عمل إبداعي فكما يشتبك الشاعر مع العالم يشتبك الناقد مع النص ولا تناقض بين ممارسته وممارسة الكتابة ، أو أنواع مختلفة من الكتابة ، بل ويبدو هذا ضروريا لتوسيع المدارك واكتشاف الإمكانيات ، ووحدها ظروف الوقت هي التي تجعلني أحب الشعر أكثر وأخاف من أن يطغي النقد علي الشعر ، في ظل المساحة المحدودة التي يتكالب عليها عمل مرهق ، ومشاغل حياة ثقيلة ، وفي النهاية نحن لا نحترف الأدب ، ولا بد لنا من التركيز
كيف تم اختيارك أمينا عاما لمؤتمر أدباء مصر ؟
اختارني أعضاء أمانة المؤتمر بالإجماع تقريبا .
لماذا استقال بعض أعضاء الأمانة بعد فوزكم فى انتخاباتها ؟
لا علاقة لي بذلك فاستقالة محمد الحمامصي كانت اعتراضا علي كلام لمحمد أبو المجد ، واستقالة فؤاد حجازي كانت اعتراضا علي عدم إثبات مقترحاته بمحضر الجلسة ، واستقالة ناصر محسب كانت قبل اختياري أمينا ، وكل هذه المواقف لا علاقة لي بها .
لاحظنا أن الأمين العام للمؤتمر يعكس شخصيته على المؤتمر فلو كان الأمين العام روائيا فالمؤتمر ستغلب عليه فنون السرد والقص ولو كان شاعرا سيغلب الشعر هل هذا سيتكرر معك ؟
سوف يكون المؤتمر القادم عن الشعر ، لكن ذلك ليس له علاقة بملاحظتك ، كما أن المؤتمر ابتعد كثيرا عن الإبداع خلال الأعوام الماضية وتناول قضايا عامة ، وقد كانت هناك رؤية أعادت المؤتمر لقضايا السرد في العام الماضي وقضايا الشعر في هذا العام والأمانة بأكملها تبنت تلك الرؤية .
ما رأيك فى المجاملات التى تحدث أحيانا فى دعوة المشاركين فى المؤتمر العام ؟
كل مجاملة علي حساب العمل الجاد جريمة ، فهي تنال من روحه وتفقده شيئا من هيبته وإذا زادت تقتله
نعرف أنك لن تسمح بالمجاملات ما هى الآلية التى تحقق ذلك ؟
فيما هو في يدي لا مجاملة فيه علي الإطلاق ، وهذا معروف عني منذ سنوات ، وكذلك ليس لدي من أجامله ، هذا نشاط ثقافي سوف أقوم به وأنصرف ، لماذا لا أكون جادا واترك خلفي سمعة طيبة ؟
ما هي رؤيتك للمؤتمر القادم إذن ؟
في البداية أريده مؤتمرا ضد التهميش بشكل واضح ، لقد تعالت صرخات التهميش بشكل كبير ، شعراء العامية يقولون : إنهم مهمشون ، شعراء قصيدة النثر يقولون إنهم مهمشون ، الشعراء المقيمون خارج القاهرة يقولون : إنهم مهمشون ، جيل الثمانينات يقول : إنه مهمش ، الشعراء الذين ظهروا في العقد الأخير يقولون : إنهم مهمشون ، كل هذا الصراخ يدل علي أمراض في حياتنا الثقافية ، ورسالتنا الأولي ستكون موجهة لذلك ، لا تهميش لأحد ، وقد فكرنا في أن يكون المؤتمر عن شعر العامية أو قصيدة النثر مثلا لكننا آثرنا أن يجتمع الجميع ، وأن يكون الإبداع الجيد هو البطل الأساسي
ماذا عن الأسماء المكررة ؟
لن تكون هناك أسماء مكررة ، وللحق فقد بذلت أمانة المؤتمر جهدا كبيرا في ذلك خلال الفترة الأخيرة ، ويكفي أن اللائحة الجديدة تنص علي الحرص علي عدم تكرار الأسماء ، وسوف نلتزم إلي أقصي درجة بأن لا يكون الباحث أو الشخصية العامة قد شارك في آخر دورتين ، والأمر ينطبق علي ممثلي نوادي الأدب أيضا وكل هذا يقضي علي مسألة تكرار الأسماء ، وهذا يحسب للأمانة ، كما يحسب لها أيضا قرارها النزيه بعدم مشاركة عضو من أعضائها في كتابة الأبحاث ، وعدم اختياره للتكريم وغيرها من الأمور النزيهة والجميلة ، فأن تنظم شيئا دون أن تستفيد مبدأ رائع لو تم تعميمه في البلاد لرفعها
هل هناك أشياء جديدة في المؤتمر؟
نحاول طبعا أن نقدم جديدا ، وهذا العام سوف نحتفي بكتاب ثورة الشعر الحديث ونعيد طبعه ، وسوف يتكرر ذلك مع الكتب المهمة كل عام ،
وعلي مستوي التنظيم ؟
هناك أفكار كثيرة تتم دراستها ، ونفكر في تغيير نوعي ، فلماذا لا تدخل السينما في برنامج المؤتمر ، هناك أفلام تمتلئ بالشاعرية علي نحو لا نجده في دواوين ، وهناك أفلام موضوعها الشعر أو سيرة بعض الشعراء وهي ثرية ، كما نفكر أيضا في إنتاج فيلم تسجيلي عن المؤتمر ، ويبقي الأهم والبديهي في نفس الوقت ، وهو الجدية والدقة في التنظيم والتعامل مع كافة أمور المؤتمر بما يتناسب ومكانة أدباء مصر
محمود الأزهرى
مصر