تطوير المعاجم العربية
محمد منصور آل فاضل
ارتبطت المعاجم اللغوية العربية بالموروثات القديمة والتاريخ البعيد والمجلدات العتيقة. ويبدو أن مفاتيح أقفال تلك المعاجم بقيت مع الخليل بن أحمد ورفقائه. العرب لا يرجعون إلى تلك المعاجم إلا ما ندر، وهذا ما لا يحدث مع المعاجم أو القواميس في اللغات الأخرى. المادة اللغوية للمعاجم جمعت في فترات محددة ثم توقفت حركة الجمع واقتصرت كل الجهود بعد ذلك على تبويب المواد اللغوية وعرضها بطرق مختلفة. في العصر الحديث زادت حركة الطباعة والتصنيف ولكن بدون أي إضافة تذكر أو تطوير حقيقي للمحتوى. على أرض الواقع وجدنا كلمات عربية من أصول أجنبية وأخرى أجنبية من أصول عربية. اللغة العربية (المستخدمة يوميًا) أخذت بعض المفردات من الإنجليزية والتركية والفارسية، وكذلك فإن اللغة الإنجليزية تأثرت كثيرًا باللاتينية. الحضارات تتفاعل فيما بينها، واللغة من أهم أدوات الحضارة. ليس هناك مؤامرة على لغة معينة. نظرية التآمر على اللغات أصبحت مستبعدة في عصر الانفتاح المعرفي وانشغال العالم بالتنافس والركض في ميادين الحضارة المختلفة. هناك فجوة كبيرة بين ما يتكلمه الناس في الوطن العربي وبين ما يجدونه في المعاجم اللغوية العربية. هنا يكمن الخطر على اللغة العربية إن كان هنالك خطر. الخطر لا يأتي من المصطلحات الحديثة التي جادت بها الثورات العلمية والتكنولوجية الحديثة. تلك المصطلحات أصبحت واقعًا مقبولاً في جميع لغات العالم بدون أن تضعفها أو تلغيها. إن بعد تلك المعاجم عن الواقع اللغوي اليومي واحد من أهم أسباب انتشار اللهجات الفرعية العامية وعدم اتفاق الناس على مورد لغوي موحد ينهل منه القاصي والداني. ونتيجة لفقدان القاعدة المشتركة تعددت اللهجات واللكنات عبر الأقطار وداخل القطر العربي الواحد، وأصبح تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها من أصعب المهام وأكثرها تعقيدًا لأسباب عديدة أبرزها أن لغة القواميس العربية ليست هي الدارجة بين العرب. كلمة “رهيب” -على سبيل المثال- ليست هي ذاتها التي كانت تستخدم قبل مائة عام، بل أصبحت تحمل معاني غريبة، ولكن لا ينبغي أن نفصل اللغة عن التغيرات التي تطرأ على المجتمعات والتباين الظاهر في ثقافات واهتمامات الأجيال المتعاقبة. هكذا هي اللغة دائمًا متغيرة ومتجددة على مر الأزمان. لعلنا نلاحظ أن الألفاظ التي يستخدمها كبار السن تختلف عن ألفاظ وكلمات الشباب حتى أن الأجداد يستغربون وينتقدون الكثير من مفردات الأحفاد. إن من يتصفح “المعجم الوسيط” أو “لسان العرب” ثم يقارن أحدهما بمعجم حديث للغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية سوف يلاحظ الفوارق الكبيرة في مستوى الطباعة وحداثة الإعداد وحضور اللون والصورة، ناهيك عن اجتماع المفردة الحديثة المشهورة مع القديمة المهجورة. نريد للقاموس العربي أن يكون عصريًا بمعنى الكلمة، أو على الأقل استحداث قواميس عربية مساندة تواكب العصر. يقول عميد الأدب العربي الراحل طه حسين: (لغتنا العربية يسر لا عسر، ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن مستعملة في العصر القديم ).
محمد منصور آل فاضل
ارتبطت المعاجم اللغوية العربية بالموروثات القديمة والتاريخ البعيد والمجلدات العتيقة. ويبدو أن مفاتيح أقفال تلك المعاجم بقيت مع الخليل بن أحمد ورفقائه. العرب لا يرجعون إلى تلك المعاجم إلا ما ندر، وهذا ما لا يحدث مع المعاجم أو القواميس في اللغات الأخرى. المادة اللغوية للمعاجم جمعت في فترات محددة ثم توقفت حركة الجمع واقتصرت كل الجهود بعد ذلك على تبويب المواد اللغوية وعرضها بطرق مختلفة. في العصر الحديث زادت حركة الطباعة والتصنيف ولكن بدون أي إضافة تذكر أو تطوير حقيقي للمحتوى. على أرض الواقع وجدنا كلمات عربية من أصول أجنبية وأخرى أجنبية من أصول عربية. اللغة العربية (المستخدمة يوميًا) أخذت بعض المفردات من الإنجليزية والتركية والفارسية، وكذلك فإن اللغة الإنجليزية تأثرت كثيرًا باللاتينية. الحضارات تتفاعل فيما بينها، واللغة من أهم أدوات الحضارة. ليس هناك مؤامرة على لغة معينة. نظرية التآمر على اللغات أصبحت مستبعدة في عصر الانفتاح المعرفي وانشغال العالم بالتنافس والركض في ميادين الحضارة المختلفة. هناك فجوة كبيرة بين ما يتكلمه الناس في الوطن العربي وبين ما يجدونه في المعاجم اللغوية العربية. هنا يكمن الخطر على اللغة العربية إن كان هنالك خطر. الخطر لا يأتي من المصطلحات الحديثة التي جادت بها الثورات العلمية والتكنولوجية الحديثة. تلك المصطلحات أصبحت واقعًا مقبولاً في جميع لغات العالم بدون أن تضعفها أو تلغيها. إن بعد تلك المعاجم عن الواقع اللغوي اليومي واحد من أهم أسباب انتشار اللهجات الفرعية العامية وعدم اتفاق الناس على مورد لغوي موحد ينهل منه القاصي والداني. ونتيجة لفقدان القاعدة المشتركة تعددت اللهجات واللكنات عبر الأقطار وداخل القطر العربي الواحد، وأصبح تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها من أصعب المهام وأكثرها تعقيدًا لأسباب عديدة أبرزها أن لغة القواميس العربية ليست هي الدارجة بين العرب. كلمة “رهيب” -على سبيل المثال- ليست هي ذاتها التي كانت تستخدم قبل مائة عام، بل أصبحت تحمل معاني غريبة، ولكن لا ينبغي أن نفصل اللغة عن التغيرات التي تطرأ على المجتمعات والتباين الظاهر في ثقافات واهتمامات الأجيال المتعاقبة. هكذا هي اللغة دائمًا متغيرة ومتجددة على مر الأزمان. لعلنا نلاحظ أن الألفاظ التي يستخدمها كبار السن تختلف عن ألفاظ وكلمات الشباب حتى أن الأجداد يستغربون وينتقدون الكثير من مفردات الأحفاد. إن من يتصفح “المعجم الوسيط” أو “لسان العرب” ثم يقارن أحدهما بمعجم حديث للغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية سوف يلاحظ الفوارق الكبيرة في مستوى الطباعة وحداثة الإعداد وحضور اللون والصورة، ناهيك عن اجتماع المفردة الحديثة المشهورة مع القديمة المهجورة. نريد للقاموس العربي أن يكون عصريًا بمعنى الكلمة، أو على الأقل استحداث قواميس عربية مساندة تواكب العصر. يقول عميد الأدب العربي الراحل طه حسين: (لغتنا العربية يسر لا عسر، ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن مستعملة في العصر القديم ).
تعليق