السلام عليكم ورحمة الله
هذه مقالة كتبتها منذ سنوات أطرحها وسأعود لتعديلها لاحقا
في حوار خاص مع أحد أعضاء المجموعة ذكر فقه المقاصد في مواجهة حرفية النص
ومن عادتي عندما يرتكب الآخر خطأا فادحا من منظومة مختلفة وهي موضوع مستقل أن أتجنب التعليق على هذا الأمر وهذه العادة هي ما أحاول تجنبها في هذه المجموعة
لعل الإمام الشاطبي في الموافقات هو أشهر من تكلم عن مقاصد التشريع وتفصيلها ومنحها قدرا هائلا من الأهمية كمصدر تشريعي.. رغم أنه لم يتحدث عن إمكانية إلغائها لنص صريح ولكن باستطاعة البعض وعلى رأسهم عابد الجابري أن يقولوا إن روح الموافقات تكاد تنطق بهذا.. وهناك طبعا من يقول خلاف ذلك تماما.. وأستطيع القول إن الشاطبي كان ضبابيا في هذا الأمر
الفكرة العميقة هي ما يفهمه البعض حاليا من "فقه المقاصد" الذي لخصه هذا الشخص بتساؤله الذي يبدو استنكاريا:
خاصة وأن فقه المقاصد ...سينتهي لالغاء السنة والقرأن لانهما نزلا في الصحراء ...بما ان هذا الفقه لايعترف بخصوصية البيئة ...
وهذه الجملة تدل على تناقض هائل في الفهم.. فقه المقاصد كما يرى الجابري أن الشاطبي وابن رشد يطرحانه هو إعادة قراءة وبناء تفاصيل التشريع الإسلامي لتلائم بيئة معينة مختلفة عن بيئة الرسول "ص" ضمن منظور عام لمقاصد الشرع وغاياته الأساسية... ورغم أنه لا دليل على أن الشاطبي يرى هذا إلا أنه حتى هذه الرؤية شديدة التناقض مع طرح الأخ الكريم
هذه الرؤية ترى أن القرآن والسنة نسبيان وصراحتهما موجهة حصرا لما يلائم بيئة الرسول "ص" في شبه الجزيرة ذلك الزمن.. انطلاقا من حجة فلسفية هي شدة ارتباطهما بأحداث ووقائع محيط الرسالة... وأن العام المطلق هو روح وغاية النصوص التي اصطلح على تسميتها مقاصد التشريع
ولكن رؤية هذا الطرح خارج البرج العاجي شديد الفلسفية والتخصص للجابري ترى أن فقه المقاصد هو إعادة قراءة المفاهيم الدينية المتوارثة "وليس التشريع نفسه" في ضوء مفهوم ضبابي عن مقاصد التشريع وغالبا منفصل عن فهم نظري دقيق للتشريع الإسلامي أو فهم عملي متكامل لواقع الحياة وعناصرها والفارق بين الممكن والمثالي
ويتجلى هذا بوضوح في المثال مدار البحث الذي عبر عنه الأخ الكريم بقوله:
ماهو الفرق الذي يدفع فتاة لتبني اللفظ القرأني بحرفيته ...وتبني أخرى لمقاصده ؟؟هل هو الفطرة الاسلم في الاولى ...ام هو البيئة الافسد في الثانية ؟؟
والمقصود طبعا آيتي الحجاب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب59 {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31
فما يسمونه فقه المقاصد في قراءة هذه الآيات وأنها موجهة بهذه الصيغة لزمن النبي "ص" بينما مقصد التشريع هو إلغاء الفتنة والمطلوب هو ما لا يسبب فتنة بالنسبة لكل زمان ومكان والذي هو بالنسبة للبعض العورة الشديدة التغليظ فقط
نفس السياق يمكن أن يقال في فتوى القرضاوي الأخيرة بشأن تحليل منتج يحوي أقل من 5 بالألف كحول لأن هذا ينتج بشكل طبيعي في حالات التخمر البسيطة في بعض الأغذية ولا يسكر مهما كانت الكمية التي أخذها الإنسان
وبغض النظر عن أهلية القرضاوي لمثل هذه الفتوى والجهات التي قدمت له هذه المعلومات الطبية "الفائقة الدقة" فما هو المعيار الذي سيحدد هذه النسبة التي بدأت بخمسة بالألف.. نفس المنطق يمكن لذلك الشخص الذي التقيته البارحة في باص المزة يقول السلام عليكم ويحمل علانية صندوقا من 6 زجاجات بيرة... يمكنه أن يقول إن إي دمشقي يستنشق رغم أنفه ما يعادل نصف لتر من البيرة منخفضة الكحول يوميا على شكل ألدهيدات من عوادم السيارات هذا بالمتوسط ناهيك عن جنوبي دمشق الصناعي الذي يقذف كميات لا يستهان بها من الميتانول... لهذا في دمشق البيرة منخفضة الكحول لم تعد تؤثر بحكم الاعتياد
وفي نفس السياق قام بعض مفتي الأزهر "الشــــريــف" بتشريع أخذ الفائدة المضبوطة حكوميا لأنها تعوض معدل التضخم.. وليتهم وقفوا حيث وقف شبه العلماني مهاتير محمد في عزل ماليزيا عن التأثر بنظام العملة الربوي العالمي
هذا المفهوم لا معاير أو ضوابط له بالمطلق وأنا أدعي أنه محاولة تلفيقية التفافية لتبرير مسايرة الواقع وإضفاء صفة الدين عليها
وهي تذكرني بجاري الكندي الذي ترك أسرته وجاء ليموت في التل وهو يدافع عن أسلوب الحياة الكندي بأنه خلافا للنظرة الشائعة في الشرق فإن العلاقات الجنسية في الغرب حتى وإن كانت دون إعلان موثق لدى الحكومة للزواج إلا أنها ليست فوضى بل تتم بشكل علني ورعاية الأسرتين وغالبا تتطور إلى زواج ولكنه مؤجل التوثيق بسبب صغر الفتيان وخوفا من انهيار العلاقة... وهذه هي نظرة الإسلام لعقد الزواج الذي هو مدني وليس حكومي!!!
طبعا هذا لا يعني أنني أرفض فقه المقاصد ولكنني أفهمه كما فهمه الشافعي والغزالي والنووي والشوكاني ومعظم المسلمين من بعدهم كتوسيع وإطار عام للاجتهاد فيما لا نص صريح به ولا يمكن أبدا أن ينسخ أو يعدل مفهوما صريحا
ولكي لا أكون قاطعا تماما أقول حتى لو كان أوسع مما أظن والنصوص التي أراها قطعية الدلالة هي أقل قطعية مما أظن.. أقول دعنا نتفق على أن الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه مع اقتناعنا بوجود الخطأ ولكننا لن نغير شيئا إلا وفق ضوابط نتوافق عليها هي أهم غايات هذه المجموعة
هذا ما لدي إن أصبت فبتوفيق الله ومنته وإن أخطأت فبتقصير مني أسأل الله المغفرة والسداد
[line]-[/line]
جرى حوار على هامش المقال السابق مع البعض خصوصا بشأن ما يطرح حاليا من تعديلات مقترحة على قوانين الأحوال الشخصية سواءا في سورية أو مصر أو سواهما
وأنا لخصت موقفي في أنه بغض النظر عن الإشكالات القانونية الموجودة ((وهي حقيقية)) فإن المشكلة تكمن في أن هذه التعديلات جاءت من الخارج أولا ((لعل ميثاق حقوق الطفل أهمها)) وكذلك أن واقع مجتمعاتنا سيجعل هذا الإطار القانوني والحالة الإعلامية التي نعيشها بداية لانهيار وتفكيك الأسرة في أجزاء كبيرة من مجتمعاتنا الجاهلة والتقليدية وربما بعض المتعلمة
لكن أكثر ما هزني من الأعماق في هذه الحوارات هو تساؤل أحدهم: حامد الذي يؤمن بالحاجة الماسة لفرز المجتمع وسقوط كل ما هو قابل للسقوط من مجتمعاتنا تمهيدا لإعادة بناء شاملة.. لماذا يسعى لكبح التقدم نحو مزيد من الفتنة
في الحقيقة هذا صحيح أنا في داخلي أتمنى أن تعصف الفتنة بالمجتمع بحيث تصنفه طبقيا على أساس ديني وينهار التقليد تماما حتى لو كان هذا يعني كفر الغالبية... ولكن هناك فارق كبير جدا بين أتمنى وأريد
الرسول محمد "ص" دعا قومه ثلاث وعشرين سنة ورفص دعوة لإعلان إرادته بتدمير قريش... ولكن في لحظة معينة عندما قتل القراء السبعين في خيانة عنيفة قنت شهرا يدعو ((اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله...)) إلى أن نزل قوله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }آل عمران128
نفس الأمر مع نوح "ص" كم من الزمن مضى قبل أن يحول تمنيه بأن يسحق الله الكافرين جميعا وتحويله لهذا التمني إلى إرادة {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }نوح26 أعتقد إنه زمن معتبر من دعوته التي استمرت 950 عاما
نفس الأمر هنا أنا أتمنى وأتوقع أن تهلك الديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان ((الدين الجديد)) جزءا كبيرا من أمتي.. ولكن هذا لا يعني أبدا ألا أؤدي واجبي بمنع أي خطوة نحو مزيد من الفتنة رغم أن تعارض المصلحة واضح فأنا أسعى لما أتمنى خلافه ولا يمكن لسعيي أن يكون مخلصا تماما
{وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأعراف164
كما أفكر كثيرا أنه إذا لم يجرب هؤلاء هذا الدين الجديد فهل سينهار وينتهي؟
لو لم تجرب الأمة إخضاع العقيدة والغيبيات للمفاهيم الفلسفية على يد المعتزلة وترى النتائج.. ما كان لهذه الفكرة أن تندثر وستبقى متربصة إلى أن تحين ساعتها ولا أحد باستطاعته أن يتكهن بشكل المولود
هذا ما لدي إن أصبت فبتوفيق الله ومنته وإن أخطأت فبتقصير مني أسأل الله المغفرة والسداد
هذه مقالة كتبتها منذ سنوات أطرحها وسأعود لتعديلها لاحقا
في حوار خاص مع أحد أعضاء المجموعة ذكر فقه المقاصد في مواجهة حرفية النص
ومن عادتي عندما يرتكب الآخر خطأا فادحا من منظومة مختلفة وهي موضوع مستقل أن أتجنب التعليق على هذا الأمر وهذه العادة هي ما أحاول تجنبها في هذه المجموعة
لعل الإمام الشاطبي في الموافقات هو أشهر من تكلم عن مقاصد التشريع وتفصيلها ومنحها قدرا هائلا من الأهمية كمصدر تشريعي.. رغم أنه لم يتحدث عن إمكانية إلغائها لنص صريح ولكن باستطاعة البعض وعلى رأسهم عابد الجابري أن يقولوا إن روح الموافقات تكاد تنطق بهذا.. وهناك طبعا من يقول خلاف ذلك تماما.. وأستطيع القول إن الشاطبي كان ضبابيا في هذا الأمر
الفكرة العميقة هي ما يفهمه البعض حاليا من "فقه المقاصد" الذي لخصه هذا الشخص بتساؤله الذي يبدو استنكاريا:
خاصة وأن فقه المقاصد ...سينتهي لالغاء السنة والقرأن لانهما نزلا في الصحراء ...بما ان هذا الفقه لايعترف بخصوصية البيئة ...
وهذه الجملة تدل على تناقض هائل في الفهم.. فقه المقاصد كما يرى الجابري أن الشاطبي وابن رشد يطرحانه هو إعادة قراءة وبناء تفاصيل التشريع الإسلامي لتلائم بيئة معينة مختلفة عن بيئة الرسول "ص" ضمن منظور عام لمقاصد الشرع وغاياته الأساسية... ورغم أنه لا دليل على أن الشاطبي يرى هذا إلا أنه حتى هذه الرؤية شديدة التناقض مع طرح الأخ الكريم
هذه الرؤية ترى أن القرآن والسنة نسبيان وصراحتهما موجهة حصرا لما يلائم بيئة الرسول "ص" في شبه الجزيرة ذلك الزمن.. انطلاقا من حجة فلسفية هي شدة ارتباطهما بأحداث ووقائع محيط الرسالة... وأن العام المطلق هو روح وغاية النصوص التي اصطلح على تسميتها مقاصد التشريع
ولكن رؤية هذا الطرح خارج البرج العاجي شديد الفلسفية والتخصص للجابري ترى أن فقه المقاصد هو إعادة قراءة المفاهيم الدينية المتوارثة "وليس التشريع نفسه" في ضوء مفهوم ضبابي عن مقاصد التشريع وغالبا منفصل عن فهم نظري دقيق للتشريع الإسلامي أو فهم عملي متكامل لواقع الحياة وعناصرها والفارق بين الممكن والمثالي
ويتجلى هذا بوضوح في المثال مدار البحث الذي عبر عنه الأخ الكريم بقوله:
ماهو الفرق الذي يدفع فتاة لتبني اللفظ القرأني بحرفيته ...وتبني أخرى لمقاصده ؟؟هل هو الفطرة الاسلم في الاولى ...ام هو البيئة الافسد في الثانية ؟؟
والمقصود طبعا آيتي الحجاب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الأحزاب59 {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31
فما يسمونه فقه المقاصد في قراءة هذه الآيات وأنها موجهة بهذه الصيغة لزمن النبي "ص" بينما مقصد التشريع هو إلغاء الفتنة والمطلوب هو ما لا يسبب فتنة بالنسبة لكل زمان ومكان والذي هو بالنسبة للبعض العورة الشديدة التغليظ فقط
نفس السياق يمكن أن يقال في فتوى القرضاوي الأخيرة بشأن تحليل منتج يحوي أقل من 5 بالألف كحول لأن هذا ينتج بشكل طبيعي في حالات التخمر البسيطة في بعض الأغذية ولا يسكر مهما كانت الكمية التي أخذها الإنسان
وبغض النظر عن أهلية القرضاوي لمثل هذه الفتوى والجهات التي قدمت له هذه المعلومات الطبية "الفائقة الدقة" فما هو المعيار الذي سيحدد هذه النسبة التي بدأت بخمسة بالألف.. نفس المنطق يمكن لذلك الشخص الذي التقيته البارحة في باص المزة يقول السلام عليكم ويحمل علانية صندوقا من 6 زجاجات بيرة... يمكنه أن يقول إن إي دمشقي يستنشق رغم أنفه ما يعادل نصف لتر من البيرة منخفضة الكحول يوميا على شكل ألدهيدات من عوادم السيارات هذا بالمتوسط ناهيك عن جنوبي دمشق الصناعي الذي يقذف كميات لا يستهان بها من الميتانول... لهذا في دمشق البيرة منخفضة الكحول لم تعد تؤثر بحكم الاعتياد
وفي نفس السياق قام بعض مفتي الأزهر "الشــــريــف" بتشريع أخذ الفائدة المضبوطة حكوميا لأنها تعوض معدل التضخم.. وليتهم وقفوا حيث وقف شبه العلماني مهاتير محمد في عزل ماليزيا عن التأثر بنظام العملة الربوي العالمي
هذا المفهوم لا معاير أو ضوابط له بالمطلق وأنا أدعي أنه محاولة تلفيقية التفافية لتبرير مسايرة الواقع وإضفاء صفة الدين عليها
وهي تذكرني بجاري الكندي الذي ترك أسرته وجاء ليموت في التل وهو يدافع عن أسلوب الحياة الكندي بأنه خلافا للنظرة الشائعة في الشرق فإن العلاقات الجنسية في الغرب حتى وإن كانت دون إعلان موثق لدى الحكومة للزواج إلا أنها ليست فوضى بل تتم بشكل علني ورعاية الأسرتين وغالبا تتطور إلى زواج ولكنه مؤجل التوثيق بسبب صغر الفتيان وخوفا من انهيار العلاقة... وهذه هي نظرة الإسلام لعقد الزواج الذي هو مدني وليس حكومي!!!
طبعا هذا لا يعني أنني أرفض فقه المقاصد ولكنني أفهمه كما فهمه الشافعي والغزالي والنووي والشوكاني ومعظم المسلمين من بعدهم كتوسيع وإطار عام للاجتهاد فيما لا نص صريح به ولا يمكن أبدا أن ينسخ أو يعدل مفهوما صريحا
ولكي لا أكون قاطعا تماما أقول حتى لو كان أوسع مما أظن والنصوص التي أراها قطعية الدلالة هي أقل قطعية مما أظن.. أقول دعنا نتفق على أن الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه مع اقتناعنا بوجود الخطأ ولكننا لن نغير شيئا إلا وفق ضوابط نتوافق عليها هي أهم غايات هذه المجموعة
هذا ما لدي إن أصبت فبتوفيق الله ومنته وإن أخطأت فبتقصير مني أسأل الله المغفرة والسداد
[line]-[/line]
جرى حوار على هامش المقال السابق مع البعض خصوصا بشأن ما يطرح حاليا من تعديلات مقترحة على قوانين الأحوال الشخصية سواءا في سورية أو مصر أو سواهما
وأنا لخصت موقفي في أنه بغض النظر عن الإشكالات القانونية الموجودة ((وهي حقيقية)) فإن المشكلة تكمن في أن هذه التعديلات جاءت من الخارج أولا ((لعل ميثاق حقوق الطفل أهمها)) وكذلك أن واقع مجتمعاتنا سيجعل هذا الإطار القانوني والحالة الإعلامية التي نعيشها بداية لانهيار وتفكيك الأسرة في أجزاء كبيرة من مجتمعاتنا الجاهلة والتقليدية وربما بعض المتعلمة
لكن أكثر ما هزني من الأعماق في هذه الحوارات هو تساؤل أحدهم: حامد الذي يؤمن بالحاجة الماسة لفرز المجتمع وسقوط كل ما هو قابل للسقوط من مجتمعاتنا تمهيدا لإعادة بناء شاملة.. لماذا يسعى لكبح التقدم نحو مزيد من الفتنة
في الحقيقة هذا صحيح أنا في داخلي أتمنى أن تعصف الفتنة بالمجتمع بحيث تصنفه طبقيا على أساس ديني وينهار التقليد تماما حتى لو كان هذا يعني كفر الغالبية... ولكن هناك فارق كبير جدا بين أتمنى وأريد
الرسول محمد "ص" دعا قومه ثلاث وعشرين سنة ورفص دعوة لإعلان إرادته بتدمير قريش... ولكن في لحظة معينة عندما قتل القراء السبعين في خيانة عنيفة قنت شهرا يدعو ((اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله...)) إلى أن نزل قوله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }آل عمران128
نفس الأمر مع نوح "ص" كم من الزمن مضى قبل أن يحول تمنيه بأن يسحق الله الكافرين جميعا وتحويله لهذا التمني إلى إرادة {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }نوح26 أعتقد إنه زمن معتبر من دعوته التي استمرت 950 عاما
نفس الأمر هنا أنا أتمنى وأتوقع أن تهلك الديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان ((الدين الجديد)) جزءا كبيرا من أمتي.. ولكن هذا لا يعني أبدا ألا أؤدي واجبي بمنع أي خطوة نحو مزيد من الفتنة رغم أن تعارض المصلحة واضح فأنا أسعى لما أتمنى خلافه ولا يمكن لسعيي أن يكون مخلصا تماما
{وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأعراف164
كما أفكر كثيرا أنه إذا لم يجرب هؤلاء هذا الدين الجديد فهل سينهار وينتهي؟
لو لم تجرب الأمة إخضاع العقيدة والغيبيات للمفاهيم الفلسفية على يد المعتزلة وترى النتائج.. ما كان لهذه الفكرة أن تندثر وستبقى متربصة إلى أن تحين ساعتها ولا أحد باستطاعته أن يتكهن بشكل المولود
هذا ما لدي إن أصبت فبتوفيق الله ومنته وإن أخطأت فبتقصير مني أسأل الله المغفرة والسداد
تعليق