سيرة ذاتية (C.V.)
(1) باسم رجائي
"أنا (باسم رجائي)، اثنان وعشرون عاما،معافى نهائيا من الخدمة العسكرية لظروف عائلية، أعزب، أحمل مؤهل عالي في تخصصي الدقيق، ومع أني حديث التخرج وليست لي خبرات حقلية سابقة، إلا أني حاصل على شهادات تفوق في عدة دورات تدريبية في تنمية المهارات الإنسانية والعلاقات العامة والإدارة، أجيد عدة لغات قراءة وكتابة، كل هذا يؤهلني لأداء جيد في الوظيفة المعلن عنها من طرفكم، بياناتي كاملة وتفصيلية مدونة بسيرتي الذاتية التي بين أيديكم الآن."
هكذا انطلقت بثقة ذاتية كاملة وحماس مشع، مجاوبا السيد مدير تنمية الموارد البشرية في الشركة متعددة الجنسيات، والتي يُعد التوظف فيها حلم كل الخريجين في مجالنا، فيما كنت جالسا، مشدود الظهر، عن يمين مكتبه الفاخر، والذي رغما عن اتساعه لا يحمل فوق سطحه إلا لافتة نحاسية دقيقة الصنع مدون عليها بلغة انجليزية في سطرين ما ينبئ عن كينونة مضيفي
(Aziz Kadry / HR counselor).
كنت قد وصلت إلى مكتبه قبل موعدي بدقائق كافية لدخول الحمام..وقفت أمام المرآة..راجعت حسن هندامي.. أخضعت شعرة هائجة إلى صفها في رأسي.. دققت رابطة عنقي..رسمت على وجهي اشراقة..نصبت قامتي..وفي الموعد المحدد تماما كنت أقرع بابه..أصافحه برجولة وحسم..لتنطلق مقابلة تحديد مصيري..ومع أن كل التدريبات التي اجتزتها بامتياز تشدد على ضرورة التركيز مع المديرين في المقابلات الشخصية وعدم تشتيت الانتباه بأي من موجودات مكاتبهم، إلا أن روعة تنسيق الورود حول النافذة المفتوحة والمواجهة لمقعدي، قهر كل العلوم والمهارات والمحظورات وأجبرني على اقتناص لمحات منها فيما هو منشغل بأوراقي المستقرة بين يديه، ورحت أرتشف من جمالها لأحفر صورتها في ذاكرتي فقد تكون تلك المرة الوحيدة التي أعاينها،
"هل أعجبتك ورودي؟، لقد نسقتها بيديَّ هذا الصباح قبل مواعيد العمل"
فاجأني سؤاله وانتباهه لانصرافي عنه إليها..انتزعني من أفكاري..بسرعة حولت عينيَّ إليه..ثقبت عينيه بنظرات مفعمة بالأمل..بصوت قوي وحروف واضحة أجبته:
"سأبذل كل جهدي، ليكون مستقبلي وعملي معكم في مثل جمال وروعة تنسيق ورودك."
خرجت من مكتبه، فائزا بعقد الوظيفة، وبراتب يفوق ليس فقط توقعاتي، وإنما أيضا ما علمت أن الشركة تمنحه لعديمي الخبرة أمثالي، واضعا نصب عينيَّ جملته الأخيرة:
"سأمنحك وردة عمرك..اعتني بها."
"أنا (باسم رجائي)، اثنان وعشرون عاما،معافى نهائيا من الخدمة العسكرية لظروف عائلية، أعزب، أحمل مؤهل عالي في تخصصي الدقيق، ومع أني حديث التخرج وليست لي خبرات حقلية سابقة، إلا أني حاصل على شهادات تفوق في عدة دورات تدريبية في تنمية المهارات الإنسانية والعلاقات العامة والإدارة، أجيد عدة لغات قراءة وكتابة، كل هذا يؤهلني لأداء جيد في الوظيفة المعلن عنها من طرفكم، بياناتي كاملة وتفصيلية مدونة بسيرتي الذاتية التي بين أيديكم الآن."
هكذا انطلقت بثقة ذاتية كاملة وحماس مشع، مجاوبا السيد مدير تنمية الموارد البشرية في الشركة متعددة الجنسيات، والتي يُعد التوظف فيها حلم كل الخريجين في مجالنا، فيما كنت جالسا، مشدود الظهر، عن يمين مكتبه الفاخر، والذي رغما عن اتساعه لا يحمل فوق سطحه إلا لافتة نحاسية دقيقة الصنع مدون عليها بلغة انجليزية في سطرين ما ينبئ عن كينونة مضيفي
(Aziz Kadry / HR counselor).
كنت قد وصلت إلى مكتبه قبل موعدي بدقائق كافية لدخول الحمام..وقفت أمام المرآة..راجعت حسن هندامي.. أخضعت شعرة هائجة إلى صفها في رأسي.. دققت رابطة عنقي..رسمت على وجهي اشراقة..نصبت قامتي..وفي الموعد المحدد تماما كنت أقرع بابه..أصافحه برجولة وحسم..لتنطلق مقابلة تحديد مصيري..ومع أن كل التدريبات التي اجتزتها بامتياز تشدد على ضرورة التركيز مع المديرين في المقابلات الشخصية وعدم تشتيت الانتباه بأي من موجودات مكاتبهم، إلا أن روعة تنسيق الورود حول النافذة المفتوحة والمواجهة لمقعدي، قهر كل العلوم والمهارات والمحظورات وأجبرني على اقتناص لمحات منها فيما هو منشغل بأوراقي المستقرة بين يديه، ورحت أرتشف من جمالها لأحفر صورتها في ذاكرتي فقد تكون تلك المرة الوحيدة التي أعاينها،
"هل أعجبتك ورودي؟، لقد نسقتها بيديَّ هذا الصباح قبل مواعيد العمل"
فاجأني سؤاله وانتباهه لانصرافي عنه إليها..انتزعني من أفكاري..بسرعة حولت عينيَّ إليه..ثقبت عينيه بنظرات مفعمة بالأمل..بصوت قوي وحروف واضحة أجبته:
"سأبذل كل جهدي، ليكون مستقبلي وعملي معكم في مثل جمال وروعة تنسيق ورودك."
خرجت من مكتبه، فائزا بعقد الوظيفة، وبراتب يفوق ليس فقط توقعاتي، وإنما أيضا ما علمت أن الشركة تمنحه لعديمي الخبرة أمثالي، واضعا نصب عينيَّ جملته الأخيرة:
"سأمنحك وردة عمرك..اعتني بها."
(2) عزيز قدري (Aziz Kadry)
(عزيز قدري) هو اسمي الذي أصبح يهاب منصبه كل أفراد الشركة، وقد صار اسم على مسمى، منذ اليوم سيتودد لي أصغر عامل مثله مثل ساكني أوسع الغرف، فقلمي يسكب على الأوراق مصير كل منهم، هذا يستحق علاوة، وذاك خصم وثالث يمنح (استمارة 6)*.
(عزيز قدري) عقله يحوي ميزان حساس يقيم، ليس فقط أداء كل منهم، بل أيضا سلوكه مع الزملاء..روحه المعنوية..ابتسامته..نظراته..جلوسه..وقفته، طريقة ملبسه..حرصه على الأناقة..متابعته لأحدث خطوط موضة الزى الرسمي..تصفيف شعره..لأمنحهم نقاط تتحول لأرقام في كشف المرتبات بالسلب أو الإيجاب.
(عزيز قدري) هو اسمي الذي حفرته بخيوط دقيقة من الفضة الخالصة على لوحة من النحاس النقي بحروف فنية أتقنت رسمها كهواية منذ صغري، وعبر رحلة عملي الطويلة كنت أغير السطر الساكن تحت اسمي ليعبر عن منصبي، إلى أن سهرت ليلة الأمس لأضيف لقبي الجديد
(HR Counselor) أي مستشار تنمية الموارد البشرية.
ورغما عن طول السهر إلا أني حضرت مبكرا في يومي الأول هذا لأعيد تنسيق مكتبي الجديد، كما يروق لي، قبل ممارسة مهام الجليلة..لأضفي عليه لمسة من شخصيتي..اشتريت عددا من أصص الورد، فأنا أعشقه، نسقته حول النافذة..فتحتها للهواء النقي، فأجهزة التكييف تخنقني..أحضرت معي لوحة من فنوني المشغولة بالنحاس..ثبتها في مواجهة مكتبي..ومضى يومي في مسيرته.
أعلمت سكرتيرتي باستعدادي للمهمة التالية (مقابلة جمال ماضي ) بعدما كنت للتو قد أنهيت أول المهام المحددة في جدول عمل اليوم (مقابلة طالب وظيفة).
ذلك الشاب الصغير الذي لم يرقى لمستوى الكمال الذي أنتوى أن أنشده في موظفي الشركة، وأتشدد في ذلك، فرابطة عنقه تميل قليلا نحو اليمين..وحُلته مضى على موديلها عام..وأهمل في التدقيق في حلاقة ذقنه، حقا يبدو حليقا ناعما إلا أنه نسى نزع بضعة شعرات عند التقاء الذقن بالرقبة..ومع أنه اهتم بورودي أكثر من لوحتي..ولم يلتفت لتوقيعي الذي يمنحها البهاء..إلا انه برع في تبرير تشاغله عني..وحالفه الحظ لأني وددت أن تكون بداية عملي بحدث يبعث روحا متفائلة في الشركة..
كان بكري هو (باسم رجائي) لعله يكون مثل اسمه.
(عزيز قدري) عقله يحوي ميزان حساس يقيم، ليس فقط أداء كل منهم، بل أيضا سلوكه مع الزملاء..روحه المعنوية..ابتسامته..نظراته..جلوسه..وقفته، طريقة ملبسه..حرصه على الأناقة..متابعته لأحدث خطوط موضة الزى الرسمي..تصفيف شعره..لأمنحهم نقاط تتحول لأرقام في كشف المرتبات بالسلب أو الإيجاب.
(عزيز قدري) هو اسمي الذي حفرته بخيوط دقيقة من الفضة الخالصة على لوحة من النحاس النقي بحروف فنية أتقنت رسمها كهواية منذ صغري، وعبر رحلة عملي الطويلة كنت أغير السطر الساكن تحت اسمي ليعبر عن منصبي، إلى أن سهرت ليلة الأمس لأضيف لقبي الجديد
(HR Counselor) أي مستشار تنمية الموارد البشرية.
ورغما عن طول السهر إلا أني حضرت مبكرا في يومي الأول هذا لأعيد تنسيق مكتبي الجديد، كما يروق لي، قبل ممارسة مهام الجليلة..لأضفي عليه لمسة من شخصيتي..اشتريت عددا من أصص الورد، فأنا أعشقه، نسقته حول النافذة..فتحتها للهواء النقي، فأجهزة التكييف تخنقني..أحضرت معي لوحة من فنوني المشغولة بالنحاس..ثبتها في مواجهة مكتبي..ومضى يومي في مسيرته.
أعلمت سكرتيرتي باستعدادي للمهمة التالية (مقابلة جمال ماضي ) بعدما كنت للتو قد أنهيت أول المهام المحددة في جدول عمل اليوم (مقابلة طالب وظيفة).
ذلك الشاب الصغير الذي لم يرقى لمستوى الكمال الذي أنتوى أن أنشده في موظفي الشركة، وأتشدد في ذلك، فرابطة عنقه تميل قليلا نحو اليمين..وحُلته مضى على موديلها عام..وأهمل في التدقيق في حلاقة ذقنه، حقا يبدو حليقا ناعما إلا أنه نسى نزع بضعة شعرات عند التقاء الذقن بالرقبة..ومع أنه اهتم بورودي أكثر من لوحتي..ولم يلتفت لتوقيعي الذي يمنحها البهاء..إلا انه برع في تبرير تشاغله عني..وحالفه الحظ لأني وددت أن تكون بداية عملي بحدث يبعث روحا متفائلة في الشركة..
كان بكري هو (باسم رجائي) لعله يكون مثل اسمه.
(3) جمال ماضي
(جمال ماضي) هو الاسم الذي حملته طيلة سنوات عمري الثلاثون، (ماضي) هو الاسم الذي حمله أبي فلحظة مولده كانت هي ذاتها التي فقد فيها جدي كل عزه، وظلل يردد جمل من نوعية ( كله راح)، (كله ماضي) ويكررها ولما سألوه عن الاسم الذي يختاره لوليده كان الدور على كلمة (ماضي)، منحها لأبي اسما ومضى هو لبارئه.
(جمال) اسم منحه لي أبي لعله يكون نوعا من الفأل الحسن، ليُغَير به وبي مسيرة الحظ في حياته، ولم يكن يدري أني سأحمل في حياتي معنى اسمي مركبا.
أنا جالس الآن في غرفة السيد مدير تنمية الموارد البشرية الجديد (عزيز قدري) القابع متجهما عن يميني خلف مكتبه، مدققا في ملف متخم بين يديه، والذي استدعاني لسبب أتحرق شوقا لأعلمه، محاولا طمأنة قلبي المتوجس خيفة.
أتذكر تواجدي الأول في هذه الغرفة منذ ثمان سنوات كطالب وظيفة جديد، يومها كنت أجلس في المقعد المقابل لي الآن، كانت أمامي نافذة مفتوحة وعن يميني على الحائط لوحة زيتية لحصان أسود جامح، ممهورة بتوقيع (أبو العز عبد الجبار)، ساكن المكتب السابق والذي وقف مهنئا لي لاجتيازي اختباراته العسيرة بتفوق، متوقعا لي مستقبلا باهرا في الشركة، متمنيا لي دوام التفوق.
بعد صمت طويل تكلم الجالس خلف المكتب بحروف مقتضبة ليواجهني بخطأ جسيم ارتكبته منذ أيام يتمثل في حضوري لمقر الشركة اليوم بدون رابطة عنق وعبثا حاولت إفهامه أنني غادرت منزلي مرتديا إياها إلا أنها اتسخت لما ملت بجسدي داخل غرفة محرك السيارة لإصلاح عطب طارئ أصابها في الطريق، ولهذا أثرت خلعها عن ارتدائها متسخة، ولما علم مني بعدم استعدادي بواحدة بديلة في السيارة، اتهمني بالإهمال وعدم اتخاذ كافة الإستعدادت للطوارئ ما دفعني لمهاجمة رابطة العنق، وعدم ارتباطها بجودة الأداء، واتهامها بإعاقة القدرة على الإبداع. قبل أن أستكمل دفوعي وإثباتاتي كان قد وقَّع ورقة بيده..أشار بيمناه ناحية الباب المواجه لمقعدي..أخرج آخر حروف كنت أتوقع سماعها:
"تفضل، علاقتك بالشركة انتهت لمحاولة التمرد على النظام."
كم كنت أتمنى أن أجلس في مواجهة النافذة المفتوحة بدلا من باب الخروج.
ــــــــــــــــ
*(استمارة 6) هي مستند انتهاء التأمينات الاجتماعية ومنحها للموظف هو رمز دارج بين موظفي الشركات عن الرفت.
8-11-2009
(جمال) اسم منحه لي أبي لعله يكون نوعا من الفأل الحسن، ليُغَير به وبي مسيرة الحظ في حياته، ولم يكن يدري أني سأحمل في حياتي معنى اسمي مركبا.
أنا جالس الآن في غرفة السيد مدير تنمية الموارد البشرية الجديد (عزيز قدري) القابع متجهما عن يميني خلف مكتبه، مدققا في ملف متخم بين يديه، والذي استدعاني لسبب أتحرق شوقا لأعلمه، محاولا طمأنة قلبي المتوجس خيفة.
أتذكر تواجدي الأول في هذه الغرفة منذ ثمان سنوات كطالب وظيفة جديد، يومها كنت أجلس في المقعد المقابل لي الآن، كانت أمامي نافذة مفتوحة وعن يميني على الحائط لوحة زيتية لحصان أسود جامح، ممهورة بتوقيع (أبو العز عبد الجبار)، ساكن المكتب السابق والذي وقف مهنئا لي لاجتيازي اختباراته العسيرة بتفوق، متوقعا لي مستقبلا باهرا في الشركة، متمنيا لي دوام التفوق.
بعد صمت طويل تكلم الجالس خلف المكتب بحروف مقتضبة ليواجهني بخطأ جسيم ارتكبته منذ أيام يتمثل في حضوري لمقر الشركة اليوم بدون رابطة عنق وعبثا حاولت إفهامه أنني غادرت منزلي مرتديا إياها إلا أنها اتسخت لما ملت بجسدي داخل غرفة محرك السيارة لإصلاح عطب طارئ أصابها في الطريق، ولهذا أثرت خلعها عن ارتدائها متسخة، ولما علم مني بعدم استعدادي بواحدة بديلة في السيارة، اتهمني بالإهمال وعدم اتخاذ كافة الإستعدادت للطوارئ ما دفعني لمهاجمة رابطة العنق، وعدم ارتباطها بجودة الأداء، واتهامها بإعاقة القدرة على الإبداع. قبل أن أستكمل دفوعي وإثباتاتي كان قد وقَّع ورقة بيده..أشار بيمناه ناحية الباب المواجه لمقعدي..أخرج آخر حروف كنت أتوقع سماعها:
"تفضل، علاقتك بالشركة انتهت لمحاولة التمرد على النظام."
كم كنت أتمنى أن أجلس في مواجهة النافذة المفتوحة بدلا من باب الخروج.
ــــــــــــــــ
*(استمارة 6) هي مستند انتهاء التأمينات الاجتماعية ومنحها للموظف هو رمز دارج بين موظفي الشركات عن الرفت.
8-11-2009
تعليق