مقاومة الاحتلال بين العنف والعنف المفرط !!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بهائي راغب شراب
    أديب وكاتب
    • 19-10-2008
    • 1368

    مقاومة الاحتلال بين العنف والعنف المفرط !!

    مقاومة الاحتلال بين العنف والعنف المفرط 

    لعله من نافلة القول أننا قد سلمنا تماماً لوصف ما يجري فوق أرضنا الفلسطينية بأنه استعمال مفرط للعنف من قبل الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين ، ولعل ما يغيظ هو كيفية هذا التسليم والأخذ به من قبل البعض من المسئولين الفلسطينيين أنفسهم ومن قبل قادة وزعماء الدول العربية ومن قبل مؤسسات حقوق الإنسان مما أعطى انطباعاً عاماً بأن القضية الأساسية هنا فقط تتمثل بالاستخدام المفرط لقوة السلاح من قبل الكيان الصهيوني ناسين أو متناسين ان ما يجري ليس أبدا استخداماً مفرطاً للعنف من قبلها ، وانما هو يشن حرباً دموية سجال ضد الفلسطينيين العزل الأبرياء لتحقيق أهداف إحتلالية بحتة وخالصة في توجهها لتثبيت الاحتلال الصهيوني لأرضنا .

    على مدى ثلاث سنوات كاملة وأنا أقوم بالتدريب لفئات مختلفة من الجمهور الفلسطيني يشمل الصغار والكبار ، المتعلمين وغير المتعلمين حول حقوق الطفل حتى صار وكأنه عملي الوحيد ، ولقد كان موضوع حماية الطفل من الاستغلال ومن التعرض للعنف واحداً من أهم الحقوق الذي جرى تداولها والتعامل معها وحوله دارت جلسات الحوار الطويلة ، وذلك من خلال التصور إن من أهم مفرزات انتفاضة شعبنا الأولى كان خلق جيل من الشباب والأطفال العنيفين أو الذين تعرضوا للعنف والقسوة وامتد ذلك لدراسة الوضع الراهن الذي يعيشه الطفل الفلسطيني وصولا إلى أفضل السبل لإخراجه من دوامة العنف ومن دائرة التأثر بنتائجه المتراكمة في باطنه نتيجة خبراته خلال الانتفاضة الأولى .

    وفي الحقيقة كان هناك دائماً جهداً يبذل بقوة وبعنف لإلغاء أو نفي ذكريات ونتائج الانتفاضة الأم وما تعرض له شعبنا بمختلف فئاته من آلام وعذابات فاقت التصور من قبل قوات الاحتلال الصهيوني ، وذلك تحقيقاً لمحاولة دمج أطفالنا ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي مثلهم كمثل الأطفال الطبيعيين في أي دولة أخرى في العالم وإدخالهم إلى خانة البناء النفسي المستقر وإلى خانة الإبداع الفكري والعقلي والعمل المتحرر المنتج .

    ولقد وجدنا أن العنف الذي يعانيه أطفالنا حتى الآن يتدرج في أنواعه ومستوياته حسب الإيذاء الناتج عنه الذي يصيب الأطفال المعرضين للعنف فهناك العنف النفسي والعنف الجسدي والعنف الروحي والعنف الاجتماعي والعنف السياسي ، ويمكن ضرب بعض الأمثلة على هذه الصور فقد اعتبرنا ضرب إحدى المعلمات لطفلة أمام طفلة أخرى تأثرت بما يجري أمامها حيث بالت على نفسها وهى موقنة أنها لن تتعرض لما تعرضت له زميلتها ، أن هذا عنفاً شديداً تعرضت له الطفلة ، واعتبرنا قيام الكبار كمعلمين أو آباء بسب الأطفال عنفاً لأنه يحبطهم ويهين كرامتهم ، واعتبرنا قيام الكبار باستبعاد الصغار والتقليل من شأنهم عنفاً ، وتجويع الأطفال وضربهم برقة أو بقسوة عنفاً ، وتخاصم الأطفال فيما بينهم عنفاً ، وتخاصمهم مع الكبار عنفاً أيضاً ، والحبس وتقييد حرية التنقل والخروج عنفاً والتمييز بسبب الجنس عنفاً ظاهراً . جميع هذه الأشكال نسميها عنفاً فهل يمكن وضعها في نفس خانة القتل والتشبيح والتشويه والكسر والتعذيب والحبس المنعزل والجماعي الممارس من قبل القوات الاحتلالية الصهيونية ضدنا .

    هذه واحدة ، .. أما النقطة الثانية التي تغيظ حقاً ان يوصف ما يقوم به الكيان الصهيوني ويرتكبه من مجازر وقتل واغتيال مستخدما أبشع الأساليب وأشد الذخائر فتكاً وبعضها مصنوع من اليورانيوم المنضب كما أثبتته العديد من التقارير مؤخراً أن يوصف هذا كله بأنه استخدام مفرط للعنف ضد أناس أبرياء مسالمين ناسين أو متناسين أن الكيان نفسه ما هو إلا قوة احتلال غاصب تقوم أهدافها وتتحقق من خلال ممارساتها العدوانية العنصرية والعرقية ضد شعب آمن ، واحتلال وطنه وأرضه وطرده بعيداً عنه لتخلوا لهم الأرض يمرحون بها ويفعلون ما يريدون من أفعال تستهدف الاستفراد بالأرض وبكل مقوماتها الفوقية والتحتية مع استبعاد البشر من أصحابها الحقيقيين والشرعيين .

    ما يجري لا يمكن أن يوصف بأنه استخدام مفرط للعنف بل هو عدوان احتلالي غاشم من قبل قوة خارجية استعمارية طاغية ظالمة لقهر شعب آمن في وطنه وطرده وتعذيبه وتشريده وتجريده من مقومات العيش بشكل طبيعي كأي إنسان حي في أي مكان آمن آخر .

    ما يجري هو عدوان من قبل قوة غاشمة محتلة مسلحة ، مجردة من القيم والأخلاق ومن أحاسيس البشر الإنسانية ، وبذا فان لفظ العنف لا يجوز أبداً إطلاقه كوصف للأعمال الحربية بين الدول المتحاربة ، وينطبق ذلك بالضرورة على حالتنا في فلسطين حيث تتعرض وشعبها لعدوان على شكل أعمال حربية من قبل قوة خارجية لدولة أخرى معتدية بهدف اغتصاب الحقوق الشرعية والقانونية والدينية في دولة أخرى .

    ومن هنا تلوح لنا النقطة الثالثة إن أعمال العنف عندما تندلع فإنما تندلع في داخل الدولة الواحدة بين قوى داخلية متعارضة ، كأن يثور الناس على النظام الحاكم ، أو أن تقوم الدولة بفرض إجراءات عسكرية مشددة على الناس تقيد حرياتهم في التفاعل مع مصالحهم الخاصة والوطنية المختلفة ، وأيضا كأن يقوم العمال أو أي فئة مهنية أخرى بالإضراب مطالبة لتحقيق بعض المطالب المشروعة لها مما يخلق صداماً داخل المجتمع يتخذ شكلاً عنيفاً وربما يصل إلى حدوث اشتباكات مسلحة وإلى اعتقالات وحالات فرض منع التجوال على الناس وغير ذلك الكثير من الأمثلة يمكن إيرادها ….

    ويظل السؤال الشرعي .. هل يجوز أن نسلم بوصفهم لما يجري ضدنا بأنه مجرد استخدام مفرط للعنف وكأننا مجرد مقاطعة أو محافظة داخلية ضمن حدود دولة واحدة ، وبالتالي نكون قد أعطيناهم شرعية الفعل العدواني والدموي الذي يمارسونه ضدنا ، علماً أن الكيان الصهيوني يصف انتفاضة شعبنا بأعمال شغب ، والعالم يصفه بأعمال عنف ويصفون الرد العسكري الالصهيوني على الانتفاضة بأنه استخدام مفرط للعنف ، وواضح أن جميع هذه الأوصاف غير واقعية ولا تصف الوقائع بإنصاف وعدل .

    ولعل الدليل على صدق ما أقوله هو نوع المطالبات التي ندعى لها من قبل العديد من الدول لإيقاف دورة العنف دون مطالبة الكيان الصهيوني بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وهو الطلب الوحيد الذي يجب رفعه والتنادي به أمام جميع المحافل العربية والإقليمية والدولية ، يطالبوننا بالهدوء ووقف العنف وكأننا بدأناه ونحن أصحاب اليد الطولى في حدوثه مع كون هذا حق أصيل لشعبنا واختيار أساسي لمواجهة العدوان الهمجي الصهيوني علينا ، نعم يطالبوننا بوقف العنف وكأننا طرفاً في ممارسته وليس ضحية له ، وكأننا أخيرا مواطنين مشاغبين علينا الركون إلى الهدوء وتداول أمورنا من خلال المفاوضات العقيمة ، وكأننا أخيراً لا يحق لنا مقاومة الاحتلال وملاحقته وإقلاقه وعدم تمكينه من الاستقرار فوق أرضنا وصولا إلى طرده نهائياً من بلادنا ضماناً لقيام دولتنا الفلسطينية المستقرة الحرة المتمتعة بالسيادة الكاملة على جميع مقوماتها من أرض وشعب وقرارات وموارد وحدود واقتصاد و غير ذلك

    نعم يجب الحرص والفحص الكامل لكل كلمة أو مصطلح نستخدمه في معاملاتنا اليومية ، وفي هذا المجال فقد أعجبني كثيرا استخدام فضائية الشارقة لمصطلح المغتصبة والمغتصبين بديلاً عن مصطلح المستعمرة ( من الإعمار) وإشارة للمستوطنين الصهاينة ..


    6/12/2000
    أطمع يارب أن يشملني رضاك فألقاك شهيدا ألتحف الدماء

    لن أغيرنفسي لأكون غيري ، سأظل نفسي أنا أنا

    تويتـــــــر : https://twitter.com/halmosacat
يعمل...
X