أخذت أتابع المعركة الصامتة بين الشمس التي سلمت بالهزيمة وبين طلائع الظلام الواثقة من النصر، وداهمني السؤال المحير : لماذا ينتصر الظلام دائماً علي النور، تعتزل الناس وتختلي بأفكارك حتى في حفل عرس ؟ أخرجني صوت صديقي العاتب من تهويمى في سماء الأفكار، وكانت معه فتاة أجنبية حسناء جمالها دليل صارخ علي إبداع الخالق العظيم .. جاوب صديقي الدهشة التي أطلت من عيني : "كيت" صديقة العروس وهي أمريكية تدرس معها في الجامعة الأمريكية.. وقد وقع عليك الإختيار لترافقها أثناء الحفل لأنك تجيد الإنجليزية.. غمز بعينه وقال : ود كثيرون أن يحلوا محلك ولكن منعتهم النظرات الزاجرة لزوجاتهم.
تركنا صديقي العريس.. تعارفنا ومشينا في البستان المقام فيه حفل العرس.. أعلن كروان بصوته الشجي عن حلول الليل.. رددت معه " الملك لك لك يا صاحب الملك " استوضحت كيت معنى ما قلت.. أبدت دهشة يخالطها الشك في معرفتي بمنطق الطير .
سرت موجات الفرح وتغلغلت في البشر والأشياء، وبدت كل الموجودات ترقص علي إيقاع مرح نظرت في عيني "كيت" اللتين بلون ماء البحر حين يرحل بعيداً عن الشاطئ.. سحابات من الحزن تكدر صفاءهما دوت طلقات الرصاص في زخة من النيران استمرت لدقائق، فزعت " كيت " فزعاً لا يوصف.. بذلت جهداً كبيراً لإقناعها بأن طلقات الرصاص هذه لتحية العروسين ومجاملة أصحاب الفرح.. باختصار هي نيران ودية.
نيران ودية!! قالتها بتهكم مرير، وانحدرت دمعتان علي خديها الموردين.. بعد أن استردت هدوءها سألتني هل تعرف تعبير " نيران صديقة " ؟، ولما استشعرت عدم معرفتي بهذا التعبير مضت تحكي لي :
كنت متزوجة من ضابط شاب في الجيش الأمريكي.. كنا نعيش قصة حب تتجدد مع كل صباح، وفجأة اشتعلت نار حرب الخليج فسافر زوجي مع القوات التي ستحارب القوات العراقية التي احتلت الكويت وبعد بدء المعارك بأيام قليلة وصلتني برقية من الجيش تنعي زوجي وتعلمني أنه مات أثناء العمليات بنيران صديقة مسحت دموعها وواصلت : عرفت بعد ذلك أن زوجي قتل بطلقات أمريكية أطلقت من طائرة أمريكية بأيدي أمريكية تنهدت وقالت : وهذا يحدث في أي حرب ويسمونه .. " نيران صديقة "سكتت بعد أن أراحها البوح.
بقيت أنا صامتاً شارداً أحوم في عالم أخر.. هزتني برفق متسائلة هل أنا معها ؟ قلت بحزن بين في أنفاسي : أنا معك وأحس بما تشعرين به لأن لي أخاً مات في تلك الحرب اللعينة ولكن بنيران أخوية.. قالت بدهشة : نيران أخوية.. صمتت حين أدركت ما أعنى، وغاص كل منا في بحر أحزانه، ونحن نجلس في وسط الفرح.
" كتبت هذه القصة وقت حرب الخليج الأولي بهذا العنوان وقبل أن يصدر الأديب علاء الأسواني مجموعة قصصه التي جعل عنوانها نيران صديقة "
[/align]
تعليق