نقض شبهة ضرب النساء في الإسلام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. رشيد كهوس
    أديب وكاتب
    • 09-09-2009
    • 376

    نقض شبهة ضرب النساء في الإسلام

    [align=justify]
    ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا سورة النساء: 34.
    أثيرت شبهات، وقيلت مفتريات حول قضية ضرب النساء في الإسلام، وطالب "دعاة التحرر" الجاهلون بأحكام الشريعة إلغاءه لأنه ينقص من كرامة المرأة ويجعلها خاضعة لسلطان الرجل وجبروته...!!!
    ونجيب هؤلاء فنقول: إن الإسلام لما أباح الضرب لم يقصد أن يضرب الرجل زوجته ضرب البعير، بل جعله ضربا غير مبرح، وقيل "بالمسواك"، وفضلا عن هذا فإن الضرب جعل الوسيلة الثالثة بعد فشل الوسائل الأخرى من موعظة وهجر في المضجع، وأفضل من هذا كله فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب أحدا من نسائه ولا نهرها، فهو إن كان مباحا بشروطه فتركه أفضل والصبر على أذى الزوجة فيه خير كثير، فإذا لم تنجح الموعظة والهجر في المضجع فقد طفح الكيل.
    وعلاوة على ذلك فإن الذي يضرب زوجته ضرب البعير يدل ذلك على نذالة صاحبه وأخلاقه السيئة وابتعاده عن جادة الصواب والطريق المستقيم، فهذا ليس من أخلاق الإسلام في شيء فلا يفعل هذا إلا شرار الخلق، قساة القلوب، الذين لا يرعون في الإنسانية إلا ولا ذمة. وشيء آخر يجب أن نوطئ به هذا المقالة هو أن الإسلام جعل الأصل في الأسرة أن تبنى على أسس متينة وركائز قوية، على المحبة والمودة والرحمة والتعاون... فأي سكينة ترجى ممن يضرب زوجته ضرب البهيمة... لاشك أن هذه الأسرة ستنهدم على أم رأسه.
    عن عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:pلا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم بجامعها في آخر يومهi([1]). والحديث واضح وضوح الشمس في عليائها.
    لكن أعداء الإسلام من بدعهم السيئة أنهم يلوون أعناق النصوص لتوافق أهواءهم وطموحاتهم الشخصية وأغراضهم الفاسدة، فهم دائما يحاولون إظهار الحق باطلا، والباطل حقا، والقويم معوجا، والمعوج قويما... ويتهمون الشريعة الإسلامية الغراء بأنها تنظر إلى المرأة نظرة دونية وانتقاص حيث أمرت بضربهن واستعبادهن...
    فالضرب – كما قلنا- ليس وحشية ولا انتقاصا من كرامة المرأة، بل وسيلة من وسائل التأديب بعد استعمال جميع الوسائل، والشريعة الغراء كما أباحته لم تتركه مطلقا بل قيدته بشروط وقيود، ولم تتركه للأهواء تتلاعب به كيف تشاء، بل جعلت تركه أفضل.
    ونقول لمن غابت عنه الحكمة الإلهية في الآية الكريمة: إن الله تبارك وتعالى لم يأمر بضرب النساء، ولكن أباحه، وفرق كبير – كما قلنا- بين الأمر والإباحة، لقد جعله الله مرحلة ثالثة بعد الوعظ والتذكير بشرع الله وبعد الهجر في الفراش، مما يؤكد لنا أن المرأة هنا تكون مصرة على فعل ما يكرهه زوجها وأن الموعظة معها لم تُجدِ، والهجر في الفراش لم ينفع وكل الوسائل لم تأت بنتيجة.
    والشرع هنا يشرط أن يكون الضرب غير مبرح، أي مجرد إيلام خفيف بعد أن فشلت كل الطرق في إصلاحها وردها إلى الصواب([2]).
    فبعد فشل جميع المراحل يكون التأديب بالضرب حينئذ خيرا من التأديب بالطلاق، لأن ضرر الضرب يقتصر أمره على المرأة، أما ضرر الطلاق فيتعداها إلى أولادها ومن يؤذيهم طلاقها من أهلها([3]).
    فالإسلام عالج نشوز الزوجة عبر مراحل حكيمة فابتدأ من مرحلة العقل وذلك بالموعظة الحسنة والتذكير بالله وما أعده للطائعات الصالحات، والترهيب بعقوبة العاصيات الخارجات عن طاعة الأزواج، ثم بعد فشل هذه المرحلة انتقل إلى مرحلة العاطفة وذلك بالهجر في الفراش وفي بيت النوم، وبعد فشل هذه المرحلة لم يبق إلا الضرب لكنه بشروط وقيود لعل الزوجة تستجيب وتتراجع عن نشوزها، فلعل ما لم يؤثر فيه العقل والعاطفة يؤثر فيه الضرب أي التخويف، فإن لم تنجح هذه المرحلة، بقيت مرحلة بعث الحكمين لمحاولة الإصلاح وإن عجزا عن الإصلاح لم يبق إلا الفراق.
    إذاً فما نص عليه القرآن من عقوبة الضرب فإنما نص عليه لعلاج النشوز الذي لا يستقيم بغيره وقيده المفسرون بشروط تمنع الإيذاء وتحصره في القدر الذي يستقيم عليه الجزاء.
    فغاية ما يفهم من ذكر الضرب بين العقوبات أن بعض النساء يتأدبن به ولا يتأدبن بغيره، وقد يعلم الكثيرون أن هؤلاء النساء لا يكرهنه ولا يسترذلنه، وليس من الضروري أن يكن من أولئك العصبيات المريضات اللائي يشتهين الضرب كما يشتهي بعض المرضى ألوان العذاب.
    إنما العقوبة التي آثرها النبي صلى الله عليه وسلم هي الهجر الطويل أو القصير، بعد العظة والعتاب الجميل.
    والهجر – ولاسيما في المضاجع- عقوبة نفسية بالغة وليست كما يسبق إلى بعضهم عقوبة حسية تؤلم المرأة لما يفوتها من سرور ومتعة فإن فوات السرور والمتعة أياما، لا يؤلم المرأة هذا الإيلام الذي يجعل الهجر في المضاجع من أصعب العقوبات دون الطلاق([4]).
    ومع ذلك فقد صح عن سيدنا رسول الله r أنه ما ضرب امرأة من نسائه قط. وليعلم الإنسان أن من لا ينفع فيه الوعيد والتهديد لا يردعه السوط، وربما كان اللطف أنجح من الضرب، فإن الضرب يزيد قلب المعرض إعراضا([5]).
    عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:pما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجلi([6]).
    لكن أعداء الإسلام انتهزوا فكرة تأديب النساء بالضرب أثناء نشوزهن ، فراحوا يؤولون ويتباكون يروجون لأكاذيبهم ويبثون سمومهم في المجتمع، لا لقسوة في التشريع ولكن لمرض في نفوسهم الخبيثة.
    وأحببت أن أذكر في هذا المقام – ولكل مقام مقال- ما تعانيه المرأة الغربية "المتحررة" من الويلات والانتهاكات التي تلهب ظهرها بالصبح والغلس حتى نرد كيد الأعداء في نحورهم ونبين لهم أن المتحررة حقا هي المرأة المسلمة التي وضعها الإسلام في مقام كريم ورفع عنها الظلم والحيف والتهور...
    كما نبين لهم الحضيض الذي انحدرت إليه المرأة الغربية، والحقيقة الماثلة للعيان التي تفضح واقعها.
    "دراسة أمريكية جرت في عام 1407 (1987م)، أشارت إلى أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء، بخاصة إذا كانوا متزوجين منهن، وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه. د. جون بيرير الأستاذ المساعد لمادة علم النفس في جامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبة الجامعة.
    وقد أشارت الدراسة إلى أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عال جدا. فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة... فلاشك في أنه أعلى نسبة بين من هم دونهم تعليما"([7]).
    أصبحت المرأة الغربية متعة وسلعة يتلاعب بها ويستهزأ بها، " قالت جانيس مور، وهي منسقة في منظمة "الائتلاف الوطني ضد العنف الدولي" ومقرها واشنطن، إن هذه المأساة المرعبة وصلت إلى حد هائل، فالأزواج يضربون نساءهم في سائر أنحاء الولايات المتحدة . مما يؤدي إلى دخول عشرات الآلاف منهن إلى المستشفيات للعلاج.
    وأضافت أن نوعية الإصابات تتراوح بين كدمات سوداء حول العينين، وكسور في العظام، وحروق وجروح وطعن بالسكين وجروح الطلقات النارية، وبين ضربات أخرى بالكراسي والسكاكين والقضبان المحماة.
    وقالت: نقدر بأن عدد النساء اللواتي يضربن في بيوتهن كل عام، يصل إلى ستة ملايين امرأة. وقد جمعنا معلومات من ملفات مكتب التحقيقات الفدرالي، ومن مئات الملاجيء التي توفر المأوى للنساء الهاربات من عنف وضرب أزواجهن.
    وذكرت دراسة ألمانية أن ما لا يقل عن مائة ألف امرأة تتعرض سنويا لأعمال العنف الجسدي أو النفساني التي يمارسها الأزواج، أو الرجال الذين يعاشروهن، مع احتمال أن يكون الرقم الحقيقي يزيد على المليون"([8]).
    هذا ما أرادته الحضارة الغربية من المرأة، نضيف إلى ذلك ما قالته أمينة سر الدولة لحقوق المرأة –في فرنسا- ميشال أندريه: حتى الحيوانات تعامل أحيانا أحسن منهن –من النساء- فلو أن رجلا ضرب كلبا في الشارع فسيتقدم شخص ما بشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان. ولكن إذا ضر رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد.
    ونقلت صحيفة "فرانس سوار" عن الشرطة في تحقيق نشرته حول الموضوع: أن 92.7% من عمليات الضرب التي تتم بين الأزواج تقع في المدن. وأن 60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل. هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.
    وذكرت أمانة سر الدولة لحقوق المرأة أن هنالك أنواعا من العنف الذي يمارس على النساء، منها معنوي (تهديدات وإهانات) ومنها جسدي (ضرب)([9]).
    بل هناك من يضرب زوجته حتى تخرج روحها، وبعضهم يحرقها بالسجائر ويكبلها بالسلاسل وهلم جرا من الخروقات والانتهاكات النازلة على ظهر المرأة الغربية، "ففي فرنسا تتعرض حوالي مليون امرأة للضرب، وأمام هذه الظاهرة، التي تقول الشرطة إنها تشمل حوالي عشرة في المائة من العائلات الفرنسية، أعلنت الحكومة أنها ستبدأ توعية لمنع أن تبدو أعمال العنف هذه كأنها ظاهرة طبيعية"([10]) أضف إلى ذلك " حسب تقرير للوكالة الأمريكية للفحص والتحقيق F.P.T فإن هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا وكتبت جريدة Poychology today أن امرأة من كل عشر نسوة يضربها زوجها: فعقبت عليها جريدة أخرى هي Family relation بقولها: لا، بل واحدة من كل امرأتين تتعرض للظلم والعدوان من قبل زوجها!
    ويفيد تقرير بريطاني أن الزوج يضرب زوجته دون أن يكون هناك سبب يبرر الضرب، ويشكل هذا نسبة 77% من عمليات الضرب.
    ولا يبالي الزوج إذا وقعت لكماته أو ركلاته في أعضاء من الجسد ذات حساسية زائدة. وربما تكون المرأة حاملا وهو لا يكترث لذلك، فيركل برجله في بطنها فيسقط حملها.
    وقد وقعت عدة أحداث بالفعل من هذا النوع، كما انكسرت أضلاع عدد من النساء نتيجة الضرب. وقد يبلغ الأمر ببعض الرجال إلى حد يمسكون فيه بأعناقهن ثم يضيقون عليهن الخناق. ويجن بعضهم فيحرقها بالسجائر، أو يكبلها بالسلاسل والأغلال ثم يغلق عليها الباب"([11]).
    أضف إلى ذلك ما تعانيه المرأة في المجتمعات الصينية والكندية من التعذيب بأبشع الوسائل والطرق قد يؤدي بهن إلى الموت أو يضمهن إلى لائحة المعاقين.
    هكذا يضربون أزواجهم دون سبب أو قيد بل لأتفه الأسباب فأين هم من عدالة الإسلام ومن شرعه حيث جعل الضرب غير مبرح وبعد فشل جميع المراحل، فأين هم من معاملة الإسلام وأخلاقه، لأنه لم يجعل الضرب انتقاما للنفس وإطفاء لنار الغضب، بل جعله وسيلة لعل الزوجة تستجيب وترجع عن عصيانها، والضرب بالسواك لا يكسر عظاما ولا يجرح جسدا، ولا يشل عضوا. مع بيان أن الصبر على سوء أخلاقهن وما يصدر عنهن أفضل.
    فهل يعتبر "دعاة التغريب" بهذه الحقائق ويدركون حقيقة الإسلام وأحكامه، أم أنهم يستمرون في جعل أيديهم في آذانهم والاستكبار عن سماع كلمة الحق؟!
    مع أن الحقائق السابقة فضحت كل من يولي وجهه شطر الغرب الصليبي الحاقد، وفضحت وحشية الغرب الذي يتهم ديننا بالعنف والطيش والتعسف... وتؤكد السعادة العظمى التي ينعم بها نساء الإسلام في ظل أخلاق القرآن وتوجيهات النبوة.
    [/align]


    ([1]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: كتاب النكاح باب ما يكره من ضرب النساء، ح5204.

    ([2])فتاوى النساء، متولي الشعراوي، ص :101.

    ([3])روح الدين الإسلامي، عفيف عبد الفتاح طباره، ص: 369.
    "الأسرة المسلمة بين النصوص والواقع"، سعاد صالح، مؤتمر الأسرة الأول "الأسرة العربية في وجه التحديات والمتغيرات المعاصرة"، بيروت 2002م، قصر الأونيسكو، بيروت 5/6 أيار 2002م، ط1 دار ابن حزم، بيروت1423هـ/2003م، ص: 86.

    ([4])عبقرية محمد[قلت:صلى الله عليه وسلم]، للأستاذ الأديب عباس محمود العقاد، ص: 116.

    ([5])أحكام النساء، للإمام ابن الجوزي، ص: 80.

    ([6])أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، ح 6050.

    ([7])من أجل تحرير حقيقي للمرأة (العويد)، ص: 97. نقلا عن جريدة القبس 15/02/1988.

    ([8])من أجل تحرير حقيقي للمرأة (العويد)، ص: 17.

    ([9])من أجل تحرير حقيقي للمرأة (العويد)، ص: 18-19.

    ([10])من أجل تحرير حقيقي للمرأة (العويد)، ص: 18.

    ([11])نقلا عن مجلة الرائد الهندية، 29 صفر 1410هـ.
    sigpic
يعمل...
X