اللبيبُ بالإشارة يفهمُ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    اللبيبُ بالإشارة يفهمُ

    عدتُ ذات يوم من العمل عند العصر كالعادة، سألتُ عن والدي ، فأخبروني أنه على السطح يقوم بترتيب الخردوات ، فغضبت غضبا شديدا؛ لإني لا أُريدهُ أن يقوم باي عمل فصحتُهُ لا تساعده ، رجل ناهز السبعين ويحمل على كاهله هموم آلاف السنين ، خبأ أحزانا ، وكتم هموما لعشرات السنين، فلما وجدتْ من صحته ضعفا بدأتْ تتنمردُ عليه، وتُظهرُ أمراضا مختلفة على جسده الواهن المسكين،لكنه يرفض الجلوس والاستراحة، فهو عنيد ككل المسنين
    إنطلقتُ إلى السطح كالسهم ، وطلبت منه أن يستريح، فوافق بامتعاض، واحتجّتْ أمي على عناده الغير معهود وعدم مراعاته لصحته، فقد ذهب إلى السوق وأحضر بعض الخضروات،
    فلم أدعْهُ حتى تأكدتُّ أنه جلس في الصالة يشاهد التلفاز

    جلستُ في البيت أفكر ؛ لِمَ يفعلُ والدي ذلك ؟ لماذا يصرُّ الختيارُ على العمل؟ هل يتصرفُ لإثبات الذات؟ هل ليساعدنا؟ لكن عنده من الشباب ما يكفي لخلع المبنى ونقله إلى مكان آخر، هل يشعر أنه لم يعد مفيدا؟
    صحيح أنني أجبرته على ترك العمل بسبب حالته الصحية التي تتدهور يوميا بتسارع غريب

    بدأت أُعيد تجميع الآلة الحاسبة، وكانت العائلة في الطابق الارضي -دون علمي -في حالة قصوى من الهلع والارتباك، اذ ساءت حالته الصحية، وأُعلن الاستنفار العام، فاحدهم احضر السيارة والباقون حملوه اليها ، منطلقين باقصى سرعة الى قسم الطواريء في المستشفى، ومن هناك الى قسم العناية المركزة، والاطباء حوله كلٌ يحاول من جهته بأقصى طاقته.
    رن جرسُ جوالي، أخي الثالث كان على الطرف الآخر ، حافظتُ على الآلة في يد والهاتف في الأُخرى أرد عليه : إنه يبكي، تكلم يا سامي ماذا أصابك؟

    ....
    توقفتُ عن الحركة تماما أنصت لما سيقول، وقد بدأ قلبي يخفق بقوة متسارعة

    اعتدنا في الأيام الأخيرة أخْذَه إلى الطبيب أو المشفى ، حتى إنني نظرت إلى وجهه قبل عدة أيام فكان كالكرة الملتهبة ، يكاد الدم ينفجر منه ، وعيناه حمرٌ لا يُرى سوادها، سألتُهُ: هل بك شيء يا أبي ؟ فأجاب نفيا فلم اقتنع وألبستُه رغما عنه وأخذتُه إلى المستوصف، فكانت المفاجاة! ضغطه تعدى المائتين وثمانين!!
    مستحيل ! غير ممكن ! لا يمكن لإنسان أن يعيش تحت هذا الضغط ! سمعته لكني لم أدر هل كان يحدثنا أم يحدث نفسه ذلك الطبيب! قلت في نفسي : أنت لا تعرفه أيها الطبيب ، فهو رجل عصامي، دفن كل الخيانات والآلام خمسين سنة، في أعماق تاريخه وأخرس قلبه عن البوح به، لكن كان لا بد لهذا الكتمان أن ينفجر يوما ما
    وما زلت أسألُ أخي، وأستفسرُ منه عن والدي وهو يُتأتيء ولا يتكلم .. وقد بدأت اعصابي بالتوتر
    هل كان أمرا عاديا كالذي نفعله كل يوم؟؛ ضغطا وسكريا، ثم بعض الحبوب، وعد الى منزلك،
    لكن كلمة واحدة من أخي لم أتوقعها كانت كفيلة بتثبيتي في مكاني وعقد لساني، لم أستطع التكلم بعدها لفترة ، تجمدت أطرافي عن الحركة فبقي الهاتف في يد و الحاسبة في اليد الاخرى، وكأني في حالة فراغ انعدام الجاذبية، تجمدتْ تقاسيم وجهي فعجزتُ عن التعبير، وتحجرتْ مآقي عيناي فبخلتْ بدمعة واحدة حتى

    هل سأفقد سندي؟ ذلك الشهم الذي قدَّمَ كلَّ ما يستطيعُ من أجْلي وإخواني، ذاك الذي مازال يجمعنا منذ كنا صغارا إلى يوم وفاته، بمناسبة وبغير مناسبة، ويبدأ بقص حكايات من تاريخه الطويل، كنت افكر بكل ذلك في ذهول عميق
    انتبهتْ زوجتي ، تقدمتْ بهدوء تام ، سحبت الهاتف من يدي وأخذتْ الحاسبة التي لم أجمعها بعد، أبعدتْ كل شيء من حولي، وسألتني ماذا حصل؟
    لم أُجبْ ، أحضرتْ كولونيا وشممتني فانتبهتُ ، وأعادتْ السؤال،
    والدي.. يرحمه الله..إنهرتُ وأجهشتُ بالبكاء
    نعم ، لقد مات
    كان متحدثا لبقا، مضحكا ، يجبر من يسمعه على التفكير ، وعندما كنا نطلب منه الشرح والتفسير كان يقول : اللبيب بالإشارة يفهم
    رحمك الله رحمة واسعة وجعل الجنة مثواك. آمين
    التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى الصالح; الساعة 28-12-2009, 03:07.
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]
  • نعيمة القضيوي الإدريسي
    أديب وكاتب
    • 04-02-2009
    • 1596

    #2
    سطور من سيرة حياة كاتب،تتكرر في كل الأسر،لكن السرد يحتاج منك شيئا فلت منك،ربما لأنك تكتب لسرد إنفعال داخلي
    رحم الله الوالد،واطال عمرك
    كل عام وانتم بخير
    تحياتي





    تعليق

    • مصطفى الصالح
      لمسة شفق
      • 08-12-2009
      • 6443

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة نعيمة القضيوي الإدريسي مشاهدة المشاركة
      سطور من سيرة حياة كاتب،تتكرر في كل الأسر،لكن السرد يحتاج منك شيئا فلت منك،ربما لأنك تكتب لسرد إنفعال داخلي
      رحم الله الوالد،واطال عمرك
      كل عام وانتم بخير
      تحياتي

      اشكرك اختي الفاضلة ع المرور والنصيحة

      حاولت التعديل قدر المستطاع

      وان شاء الله مقبول

      كل التحايا العطرة لروحك الطيبة
      [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

      ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
      لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

      رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

      حديث الشمس
      مصطفى الصالح[/align]

      تعليق

      • نجيةيوسف
        أديب وكاتب
        • 27-10-2008
        • 2682

        #4
        أستاذ مصطفى

        قصة تحمل قصص حياة ،

        هي إضاءة دافئة لعلاقة الابن بأبيه وحنان افتقدناه كثيرا في هذا الزمن الذي بخل علينا بروابط الود الأسري الجميل .

        تقبل تحياتي وصادق ودي

        النوار


        sigpic


        كلماتنا أرواحنا تهمي على السطر

        تعليق

        • مصطفى الصالح
          لمسة شفق
          • 08-12-2009
          • 6443

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة نجيةيوسف مشاهدة المشاركة
          أستاذ مصطفى

          قصة تحمل قصص حياة ،

          هي إضاءة دافئة لعلاقة الابن بأبيه وحنان افتقدناه كثيرا في هذا الزمن الذي بخل علينا بروابط الود الأسري الجميل .

          تقبل تحياتي وصادق ودي

          النوار
          الف شكر اختي الفاضلة نجية

          استمعت لنصيحتك فعدلت بعض الجمل والكلمات

          لكن لم اتمكن من حذف كل المشاعر

          شاكر مرورك الرقيق الدافيء

          ودمت بكل الخير والود
          [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

          ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
          لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

          رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

          حديث الشمس
          مصطفى الصالح[/align]

          تعليق

          • مصطفى أحمد أبو كشة
            أديب وكاتب
            • 12-02-2009
            • 996

            #6
            أستاذ / مصطفى الصالح " سميي "


            أتاني إتصال هاتفي مساء يوم الجمعة 14 رمضان 1430 هجرية
            4 أيلول 2009 ميلادية

            كان المتكلم أخي " الكبير" الذي لم أره يبكي طوال عمري الذي قضيته معه

            أخبرني بأن والدي قد فارق الحياة

            لا تدري مقدار الألم والحزن والحرقة .

            هرت الدموع " أجل بكوت " لا بل .. لم أذرف بحياتي دموعاً كالتي ذرفتها على والدي

            و أنا أبحث عن تذكرة الطائرة " عن طريق الإنترنت" أغرقت لوحة المفاتيح بالدموع
            أزاحتني زوجتي عن الجهاز لتساهم بإغراق لوحة مفاتيحه أيضاً

            أخيراً وجدت طائرةً توصلني إلى "استنبول " ومن ثم سأستقل أخرى و أخرى

            غادرت مطار "هيثرو " الساعة 6 صباحاً متوجهاً "لإستنبول " وقد أضعت صلاة الفجر
            ولم أذق لقمة واحدة "بل شربت الماء " ونويت الصيام
            وصلت لتركيا
            ذهبت للوضوء فلاحظت بأن إحدى " فردتا جواربي " باللون الفضي والأخرى بالأسود

            ما هذا ..........

            لم أكن أعي بأن فترة إنتظار" في المطار " 12 ساعة طويلة هكذا

            لا أدري هل هي صحوة إيمانية أتتني "قبل أن أغادر " حينما طلبت منهم ( أن إكرام الميت دفنه ... فلا تنتظروني )

            وصلت إلى حلب صباح الأحد " ولم أكن قد ذقت النوم طوال 48 ساعة

            ولم أكحل عيناي برؤية والدي "للمرة الأخيرة قبل مواراته الثرى "
            فأيضاً هجرني النوم






            كم هو صعبٌ أن يفقد أحدنا سبب وجوده في هذه الحياة ....



            أستاذ مصطفى

            قتلتني
            التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى أحمد أبو كشة; الساعة 28-12-2009, 02:45.


            دمعةٌ سقطت

            ودمعةٌ أخرى

            وتتلوها الدموع


            حجرُ قد وقع

            وتلاه حجر

            وبيتنا مصدوع


            القدس أولاً

            وبعدها بغداد

            وتلحق من تأبى الخضوع


            ((مصطفى أحمد أبو كشة))

            تعليق

            • مصطفى الصالح
              لمسة شفق
              • 08-12-2009
              • 6443

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى أحمد أبو كشة مشاهدة المشاركة
              أستاذ / مصطفى الصالح " سميي "


              أتاني إتصال هاتفي مساء يوم الجمعة 14 رمضان 1430 هجرية
              4 أيلول 2009 ميلادية

              كان المتكلم أخي " الكبير" الذي لم أره يبكي طوال عمري الذي قضيته معه

              أخبرني بأن والدي قد فارق الحياة

              رحمه الله رحمة واسعة وجعل الجنة مثواه

              لا تدري مقدار الألم والحزن والحرقة .

              هرت الدموع " أجل بكوت " لا بل .. لم أذرف بحياتي دموعاً كالتي ذرفتها على والدي

              و أنا أبحث عن تذكرة الطائرة " عن طريق الإنترنت" أغرقت لوحة المفاتيح بالدموع
              أزاحتني زوجتي عن الجهاز لتساهم بإغراق لوحة مفاتيحه أيضاً

              أخيراً وجدت طائرةً توصلني إلى "استنبول " ومن ثم سأستقل أخرى و أخرى

              غادرت مطار "هيثرو " الساعة 6 صباحاً متوجهاً "لإستنبول " وقد أضعت صلاة الفجر
              ولم أذق لقمة واحدة "بل شربت الماء " ونويت الصيام
              وصلت لتركيا
              ذهبت للوضوء فلاحظت بأن إحدى " فردتا جواربي " باللون الفضي والأخرى بالأسود

              ما هذا ..........

              لم أكن أعي بأن فترة إنتظار" في المطار " 12 ساعة طويلة هكذا

              لا أدري هل هي صحوة إيمانية أتتني "قبل أن أغادر " حينما طلبت منهم ( أن إكرام الميت دفنه ... فلا تنتظروني )

              وصلت إلى حلب صباح الأحد " ولم أكن قد ذقت النوم طوال 48 ساعة

              ولم أكحل عيناي برؤية والدي "للمرة الأخيرة قبل مواراته الثرى "
              فأيضاً هجرني النوم






              كم هو صعبٌ أن يفقد أحدنا سبب وجوده في هذه الحياة ....

              نعم يا اخي ادري
              وهذه اول مرة ابوح بها


              أستاذ مصطفى

              قتلتني

              استغفر الله
              وانا اسف ان فتحت جروحك
              لكن لكل جرحة
              ومثل هذه الجروح لا تندمل الا بالتنفيس والا لما استطعنا العيش


              شرفني مرورك

              كل التحية والتقدير
              [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

              ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
              لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

              رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

              حديث الشمس
              مصطفى الصالح[/align]

              تعليق

              • مصطفى الصالح
                لمسة شفق
                • 08-12-2009
                • 6443

                #8
                اشكر كل من مر وترك اثرا طيبا

                واعتذر ممن لم استطع الرد عليه

                تحياتي
                [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

                ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
                لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

                رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

                حديث الشمس
                مصطفى الصالح[/align]

                تعليق

                يعمل...
                X