أخي/ ربيع
من المهم في البداية أن نقول :
مثلما حدث مع الشعر بداية القرن الماضي
حينما هجم الشعراء من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة-الشعر الحر-قصيدة النثر
حدث ذات الأمر مع القصة فانتقل القصاص وكتاب النثر إلى القصة القصيرة جدا ( ق.ق.ج)
في تنقل طبيعي لاكتشاف المجهول أو للتعرف على الجديد
مع يقينهم أن هناك جذورا قديمة لهذا الفن الأدبي ومع يقينهم كذلك بأن الأدب اللاتيني
له تأثيره على ميلاد هذا البرعم.
ومهما يكن فالبرعم وجد معارضيه مثلما وجد معارضين لقصيدة النثر ولكل ماهو جديد في إطار المحافظة على القديم والخوف من الجديد إلا أنه وجد كذلك الكثير من الكتاب الذين أبدعوا أيما إبداع مشرقا ومغربا, إلا أنه بقي يتحرك ما بين النثر الخالص والشعر والشاعرية بقي يتعثر أمام الهواة وأمام المتمكنين, وكل واحد منهم يود فرض رؤيته الخاصة على هذا الفن من منطلقات عدة, ليزداد الوضع أكثر حينما ينفتح على الصور الفلسفية المختزلة والتقطيرات المؤثرة بالحكمة كالشذرات.
لكن رغم ذلك تبقى محددات لا يمكن الإستغناء عنها نستطيع لتفريق بينها وبين كل من:
القصة القصيرة جدا
الفكرة القصيرة جدا
الخاطرة القصية جدا
القصيدة النثرية القصيرة جدا
لتبقى النقاط الأهم هي التي تحضى بالإهتمام وتبقى النقاط المهمة إما أنها من المتعارف عليه أو أنها تكون حسب النص أو حسب رؤى الكاتب وأسلوبيته الخاصة, والسؤال هنا ما الأهم في الق.ق.ج ؟
- حينما نأسل هذا السؤال فهناك إجابة ضمنية داخله بأن كل العناصر السردية و التجريبية تدخل ضمن عناصر الق.ق.ج أما "الأهم" هنا فهي لتحديد العناصر الأكثر ضرورية والتي بها نميز الق.ق.ج عن غيرها.
- دعونا نفرق في البداية بين ثلاث أنواع من الق.ق.ج.
01- الق.ق.ج.
02- الومضة.
03- الشذرة.
- ففي النوع الأول: نجد قصة قصيرة متكاملة من حدث وزمن وشخصيات... ولا يغيب فيها الجانب الحكائي لكنها تكون شديدة التكثيف بحيث لا يتجوز النص نصف صفحة على أكثر تقدير.
- أما النوع الثاني: وهو الومضة فيغيب من عناصر القص عنصر " الحدث " وتأتي بشكل فلاشي وامض وكأنه مشهد من لحظة واحدة, كما أنها تأتي بتكثيف أكبر من سابقتها.
- النوع الثالث : وهو الشذرة وهو نوع من الحكمة المبطنة بسرد قصصي يكاد يتفجر, والغاية منها ليس إعطاء حكمة أو وضع المتلقى أمام حدث أو تجربة أو تصور بل هو شذرة ملتقطة تفجر الأسئلة أو تقتل ثوابت ذهنية أو إجتماعية لإعادة التفكير والتأمل فيها.
- الق.ق.ج إذا لم تخرج عن المتعارف عليه من الفنون السردية ولم تخرج عن التجارب التي عرفتها الفنون السردية خاصة في تلاقحها مع الفنون الجميلة لكنها في ذات الوقت تبحث عن إستقلاليتها وتبحث كذلك عن عوالمها الخاصة متمردة عن كل المتعرف عليه للبحث عن مساحات وزوايا جديدة أرحب وأوسع...
- الق.ق.ج عندي شخصيا تشبه الفتاة التي يعشقها الجميع لكنها لا تمنح نفسها لأي أحد, يغريها حتى " الشيوخ - النقاد " لكنها تتملص كحورية البحر, هي بالإختصار سمكة لزجة كلما أيقنا أننا أمسكنها بها انزلقت بين الأيدي والأذهان تاركة المتلقي في حيرة ولكن في دهشة ومتعة لتفتح دلالاتها .
- الق.ق.ج سندويش سريع مختلف الأذواق, في أمكنة لا نعرفها نلتهمها متمتعين لكننا لا نعرف ما الذي أكلناه.
- الق.ق.ج عندي تلك التي تبقى في الذهن مفهومة كانت أو صعبة ومن هنا أتسائل مع الجميع ما النص الذي بقي في ذهنك أو ما النص الذي كلما شاهدت فلما أو مسرحية أو قرأت رواية تذكرته.
- في الملتقى يبقى نص متعلق بذاكرتي لكنني لا أتذكر كاتبه " حشا مسدسه بالورد ولما ضغط عليه مات " ربما النص ليس بهذا المتن بالضبط ولكنه بقي هكذا ويغريني بقراءته بيني وبيني كلما رايت الورد أو شاهدت فيلما به مسدسات وبنادق وكلما سمعت عن موت أحدهم. وهناك نصوص أخرى في غير الملتقى...
- الق.ق.ج في حالة من التقدم نظرا للإهتمام البالغ بها من قبل الكتاب والنقد فهناك الكثير من المجموعات الورقية التي ظهرت خلال العشريتين السابقتين وهناك الكثير من القراءات النقدية ضمن مجموعات نقدية كما أن هناك عدد ولو أنه قليل حاليا من الدراسات والمحاولات التنظيرية لهذا الفن الأدبي المستحدث.