][/طوحت بها بعيدا ومضيت،خطواتي كانت قلقة،وفكري ينوء بأورام وجع مزمن،بجرأة فعلت،حتى أشلاء الذكريات التي تناثرت حينها في الفضاء،لم أكلف نفسي عناء لملمتهاتركتها هناك لكواسر الزمن....ومضيت في صحراء حياتي الخالية،عاريا من هويتي القديمة،في صمت تعانق فيه خفقان قلب متعب وصوت ارتطام قدماي الحافيتين على الرمال الحارقة.... طوحت بها بعيدا و كانت سيدة زماني، فعلت ولم أبال بعواصف اللوعة على فراقها،وكانت شمسا تشرق كل يوم في حلكة حياتي، وطويت المسافات قويا كما بدأت،لم أعد أسمع صراخها الشجي والبعد يطويها،وبدا أن هذه الصحراء التي أعبرها لا حد لها،التفت ورائي لأتأكد من أنني ابتعدت ،فامتدت الصحراء إلى حيث لا تحدها سماء،درت إلى كل جهاتي ووجدتها تتشابه انبساط غامض ورمال متحركة،تيقنت أنني الآن محاصر وسط الصحراء.... شعلة التحدي في داخلي تخبو وبدا لي أن مخزوني من القوة قد أوشك على النفاذ،أيّ مسار أسلكه للخروج من هذا التيه ؟ شبحا صرت أمشي وسط الحريق، دماغي يغلي تحت وهج الشمس الحارقة ،وقدماي تشتعلان على رمال ملتهبة،وأنا ألهث عطشا...وبطني تقرقر جوعا،أي مصيرأرعن هذا الذي اخترت؟ وسقطت منهارا على الرمال،نال مني التعب،فقدت القدرة على التواصل مع أطرافي الأربعة لا أكاد أحس وجودها ولا في أي زاوية هي،منشورا ككتاب تعبث الريح بصفحاته كنت،وحين كان خدر النوم ثقيلا على عيناي غفوت... في منامي كانت العصافير تشدو بين أشجار بساتين عربد فيها الربيع كما شاء ومضى ينثر بهي ألوانه على ضفافها،كانت ترانيم الغدران تعلو بألحانها الأزلية ،من زرقة السماء حط على كتفي طائر صغير نقر بلطف على شعيرات عنقي فانتشيت نظرت إليه فازداد مني دنوا وحين حدقت في عينيه لمحت دمعة تلمع في مآقيه كانت أكبر من عينه،ربتت على جناحا ته،فدنا مني أكثر ،سألته هل ما يظهر في عينيه دموعا؟وهل الطيور تبكي كما يبكي البشر ؟ همس في أذني شدوا: --تبكي الطيور حين تفقد أوطانها....فبكى دمعتين وطار بعيدا. واستفقت من غفوتي مذعورا فوقع الجواب كان صاعقا ،تحسست أطرافي ،حركتها فأطاعت وحين فتحت عيناي كان نصف قرص الشمس قد اختفى خلف الصحاري البعيدة ،والنصف الأخر يتلألأ ذهبا على رمال ذات سراب خادع،لا شيء هنا أحسه غير الخواء الرهيب الذي سيجني ،تبين لي أن تلك الجرأة على هجرها كانت خادعة كهذا السراب ،وكانت بداية هذا التيه الذي لا ينتهي... سحرني ذهب الأصيل،نسيت حالي،تأملت ماتبقى من قرص الشمس والصحراء تبتلعه على مهل،لم تصدني أشعته المتوهجة،وفي عمق اللوحة لاحظت حركة مريبة بين السماء والأرض،حدقت جيدا : طيور كبيرة تطير نحو الفضاء الشاسع وأخرى صغيرة تحط أسرابا أسرابا،أصابني فزع ارتجّ له كياني، شيء ما تحرك في داخلي على عجل... استجمعت ما لي من قوة ومضيت... أخذت أصوات الليل تهاجمني، نعيق غربان في الفضاء، عواء ذئاب بعيدة ، إحساس قاتل بالوحشة والخوف يعربد بمهجتي ...أي كائن أنا في هذه الفلاة؟ وإلى أين أسير؟ عدت لأفكر في الطيور التي تحط وتطير، ودون أن أرغب في ذلك وجدت نفسي سائرا نحوها،لازالت حركتها على نفس الإيقاع ،وبعضها لا يكاد يرتفع في الفضاء حتى يحط...أمر ما يجمع هذه الطيور هنا،وحين اقتربت منها طارت جمعها فكسر حفيف أجنحتها سكونا كاد أن يسود... وحين دنوت أكثر لطمت رائحة دم طري أنفي فذعرت،وشقت صدري صرخة اهتزت لها رمال الصحراء: - هي ذي حبيبتي ياعالم ، مزقتها الكواسر وطارت بأشلائها في الفضاء ، وارتميت على بقايا جسدها ، وأنا أبكي بجنون مسحت وجهي بدمائها ،ألصقت رأسي ببقايا الصدر ملاذي من لسعات الشقاء الذي كان يسكنني...بكيت وبكيت فجرت جداول دمع ودم غسلت بقايا رفاتها على الرمال،وفاحت رائحتهما في فضاء الصحراء القاتم ، فلعل الكواسر تعود لتلتهمني مرتين... التصقت بها وعانقت بقاياها بصمت. العربي الثابت المغرب[/font
][/color
][/color
تعليق