حوار مع الشاعر الناقد: الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن أحمد الفَيفي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد جابري
    أديب وكاتب
    • 30-10-2008
    • 1915

    حوار مع الشاعر الناقد: الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن أحمد الفَيفي

    حوار مع الشاعر الناقد:
    الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن أحمد الفَيفي


    1- التقليد الأدبي:

    س) تنبثق جهود نقادنا وأدبائنا من تقليد للغربيين في اجتهادهم ;رؤاهم، حتى أننا نلمس من لا يعتمد الاستشهاد بأحد الأدباء الغربيين كأنه ليس أديبا أو لم يذق طعم الأداب الراقي. فما رأيكم في هذا الصنف من المثقفين؟ ومتى تستحثنا دواعي الأصالة لنفكر وفق مقتضيات تعليمات شريعتنا؟

    ج1) تبدو ثقافة التقليد راسخة الجذور في الثقافة العربيّة منذ القِدَم، واستفحلت أكثر مذ أُقفل باب الاجتهاد الفقهيّ وغير الفقهيّ، أي منذ القرن الرابع الهجريّ تقريبًا؛ حيث أصبحت غاية النبوغ أن يقلّد التلميذ شيخه ويستنّ سننه، إلى درجة محاكاته في التأليف والأسلوب والسلوك. وهكذا توارثت الأجيال هذه الثقافة، تغرس عقليّتها في الطفل منذ نعومة أظفاره، فيشبّ وهو لا يرى طموحًا أعلى من أن يكون حافظًا، وأن يظهر نسخة طبق الأصل عن أبيه، أو عن شيخه، ملغيًا داخله أيّ نزوع إلى التفرّد أو الاستقلال؛ لأن الثقافة نفسها قد حرّمت التفرّد أو الاستقلال، وعدّته شذوذًا، وانحرافًا، وتردّيًا في مهاوي الضلال والنار. ولذلك كثيرًا ما تجد العربيّ متخاجِئًا عن كلّ جديد، يكاد لا يخرج عن نموذج شيخه- مَثَلِه الأعلى- إلى الواقع، ومنه واقعه الذاتيّ، إلاّ إلى الأحلام والأوهام والخيالات. متأرجحًا أبدًا بين نموذجين: نموذجٍ موروث، ونموجٍ موهوم. أمّا الفئة النقيضة من التقليديّين، فتذهب إلى نكران الماضي والانتماء إليه بكلّ ما في الانتماء من معنى. تفعل هذا في نوعٍ من الولاء للآخر والبراء من الذات. حتى لتبلغ ببعضهم حالُهُ تلك من الانبهار المَرَضي، المفضي إلى التبعيّة، إلى الشعور بالدونيّة إزاء الغرب، لا ثقافيًّا فحسب، بل عِرقيًّا أيضًا. وعليه، فإن الفوارق بين الشعب العربيّ والشعوب الغربيّة- بحسب ذلك العقل المعتوه حضاريًّا المهووس بكلّ غربيّ- فوارق جينيّة موروثة، لا بيئيّة مكتسبة! ومثل هذا كسابقه أعمى البصيرة والبصر، مكانه إحدى المصحّات النفسيّة الحضاريّة، لو وُجدتْ مثل تلك المصحّات. ولن تُشفى تلك العقليّة المقلِّدة حتى تعترف بمرضها أوّلاً، ثم تتخذ العقل نبراسًا فيما تقبل أو ترفض.


    2- أسلمة الأدب:

    س)تدعو رابطة الأدب الإسلامي إلى أسلمة الأدب، واعتماد فكر مميز عن الكتابة الجاهلية. ما رأيكم في توجهها؟

    ج2) أدبيّة الأدب كامنة في بنائه اللغوي والفنّي، لا في عقيدة صاحبه أو هويّته. ولو كان الحُكم على أدبيّة الأدب بالدِّين والأخلاق، لأسقطنا معظم التراث الأدبي والأدب المعاصر، فضلاً عن آداب الأمم الأخرى. لكن هناك هوسًا بأسلمة أشياء كثيرة اليوم، ومنها الأدب، وفق رؤى ضيّقة للإسلام نفسه، ومعايير من التصنيف ما أنزل الله بها من سلطان، ولا جاءت عن رسول الإسلام، ولا كانت في العصور الإسلاميّة الأولى. وهذا تيّار ظهر في سياق المحاكاة والتقليد كذلك، فما أن سمع بعض الناس عن (الأدب الشيوعي)، و(الالتزام الاشتراكي)، و(الالتزام الوجودي)، حتى تنادوا إلى ما أسموه بـ(الأدب الإسلامي). وكما ذكرتُ في مقام سابق فإن في مصطلح "الأدب الإسلامي" وأشباهه احتكارًا لصفة "إسلاميّ" لتيارٍ أو حزبٍ أو جماعةٍ أو جامعة. مع أن الإسلام جاء إلى الناس كافّة، والاتصاف به للمسلمين جميعًا، لا لفئةٍ أو تيّار أو توجّه. فإذن المصطلح من أساس وضعه مغالطةٌ كُبرى، تحاكي تسميات بعض التيارات الأدبيّة أو الإيديولوجيّة الغربيّة أو الشرقيّة، في غفلةٍ عن أن الإسلام ليس تيّارًا ولا إيديولوجيا حزبيّة، إضافة إلى أنه لا يحقّ اختطافُ دين أُمّة لإلصاق اسمه على بعضها دون بعض. ولذلك جاء هذا المصطلح بدعة، لا سابقة لها في التاريخ الإسلامي. وكان يمكن أن يُسمى هذا الاتجاه بـ"أدب الدعوة الإسلامية"، مثلاً، لكنه هوس التصنيف، الذي ينطوي على الاستئثار، ولا يبرأ من اتهام الآخرين. وهذا الحرص على التصنيف- بما يحمله من إقصائيّة- قد أوقع هذا التوجّه نفسه في مأزق التصنيف، لا مع المعاصر فحسب، ولكن مع التراث أيضًا؛ إذ هل نَعُدّ شاعرًا كالمتنبي إسلاميًّا، ناهيك عن أبي تمّام أو أبي نواس؟ بل هل سُمّي شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، (حسان بن ثابت)، شاعرًا إسلاميًّا، أو حتى شاعر الإسلام، فيما حُرم من ذلك اللقب شاعر كالحطيئة أو ابن مقبل أو النجاشي الحارثي؟ كلاّ، لم يحدث ذلك قط، بل كان الجميع يستظلّون بالإسلام ويتّصفون به، عقيدة وهويّة، بعيدًا عن الزجّ بلقبه في شؤون الأدب أو غير الأدب من نتاج الناس وشؤون الحياة. ومن هنا فإن (موجة التصنيفات والألقاب) الحديثة، التي انطلقتْ عن خلفيّات فِكريّة أو سياسيّة، والتي جاءت ردّة فعلٍ لبعض التصنيفات الأخرى غربيّة أو شرقيّة، لم تُفلح جميعها في أدبيّتها؛ لأنها في الأصل تصنيفاتٌ حركيّة انتهت بانتهاء تيّاراتها. وأكبر مثال على هذا ما سُمّي (الأدب الاشتراكي)، الذي وُلد ميتًا، ليندثر دوره باندثار إيديولوجيّته أو تلاشيها. وكذا الأمر في (الأدب الوجودي)، حتى لقد أدرك بعض منظّري هذا التيّار الأخير ضرورة الحريّة الفرديّة في الأدب، فأخذوا يتحدّثون عن أن خدمة الأدب لقضيّة ما يجب أن لا تكون إلزامًا بل التزامًا، نابعًا من الذات المبدعة، فكان (جان بول سارتر)- منظّر هذه المدرسة الوجوديّة الأوّل- لا يرى وجوب الالتزام على الشاعر، بل على الناثر، حسب كتابه "ما الأدب". وقد تجلّى لديه ذلك الالتزام النثري في مسرحيته "الشيطان والرحمن"، على سبيل المثال.


    الشعر بين الخير والشر:

    3- س) يدعي بعض الأدباء بأن الشعر والخير لا يلتقيان، ويستدل آخرون بالقولة :" إن الدين بمعزل عن الشعر"، ما رأيكم في أهل هذا التوجه؟

    ج3) هذا ليس توجّهًا، بل مقولة قديمة (للأصمعي)، كما أوردها عنه (المرزباني)، في كتابه "الموشح"، حين قال: "طريق الشِّعر إذا أدخلته في باب الخير لان. ألا ترى شِعر حسّان بن ثابت كان عَلا في الجاهليّة والإسلام، فلمّا دخل شِعره في باب الخير- من مراثي النبي صلى الله عليه وسلّم، وحمزة، وجعفر، رضوان الله عليهما، وغيرهم- لان شِعرُه، وطريق الشِّعر هو طريق الفحول، مثل امرئ القيس، وزهير، والنابغة، من صفات الدِّيار، والرَّحْل، والهجاء، والمديح، والتشبيب بالنساء، وصفة الخمر، والخيل، والحروب، والافتخار؛ فإذا أدخلته في باب الخير لان." فقام الجدل قديمًا وحديثًا حول كلمة الأصمعي تلك، ودافع أصحاب الاتجاه المثاليّ الأخلاقيّ في الأدب ضدّها، ظنًّا أن مفهومها ينفي صلاح الأدب بصلاح الأخلاق. والحقّ أن الواقع يُثبت صدق منظور الأصمعي ذاك، شئنا أم أبينا. غير أن هذا يقتضي الإيضاح والتفسير: لِمَ يقوَى الأدب في الشرّ ويضعف في الخير؟ ألا تتأتّى قُوّة الأدب بالشرّ من كونه يستجيب لحاجات إنسانيّة ونوازع عالميّة، أو قل تستجيب له تلك الحاجات والنوازع، التي لا تخُصّ جنسًا ولا دِينًا ولا فئة؟ ومن هناك فإن شِعر الحرب، مثلاً، أو الجنس، يجد صداه لدى كل إنسان، لا لما فيه من إبداعٍ بالضرورة، بل لما يحمل من مضامين نفسيّة، تطهيرًا، أو إرواءً، قبولاً، أو رفضًا، استحسانًا، أو استقباحًا. إن نظرة الأصمعي للقضيّة نظرة واقعيّة صادقة. لا تدعو إلى الاحتفاء بالشرّ، كما يخُيّل إلى دعاة الأدب الأخلاقيّ، فيقفون موقفهم منها، بل تقرّر حقيقة إنسانيّة وواقعًا بشريًّا. وقد حلّلتُ تفاصيل ذلك وناقشت القضيّة المطروحة في السؤال في دراسة لي تحت عنوان "مسافة الشِّعريّة بين التيّار النفسيّ والتيّار الفكريّ". ولمّا فَطِنَ العرب والمسلمون إلى خصوصيّة الأدب تلك، قالوا بأنه: "يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره". كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قَبِلَ شِعرًا- (لا يقبله المتنطّعون اليوم)- في مسجده الشريف، شِعرًا يُستهلّ بالغزل الحِسِّي، متضمنًا وصف جسد المرأة، ولذة الخمر، ممّا لو قاله الشاعر في غير شِعرٍ لأقيم عليه الحدّ.. بل لقد أهدى الرسول كعب بن زهير بردته على قصيدته اللاميّة، ومن شاء فليراجع تلك القصيدة، ليعرف رحابة الموقف من الشِّعر في الإسلام. وليراجع شِعر حسّان بن ثابت أيضًا، أو النابغة الجعدي، أو غيرهما ممّن يُعَدُّون من صحابة رسول الله، وسيجد أنه شِعر في كثير منه غير ملتزم بمعايير رابطة الأدب الإسلاميّ، مثلاً! وكذا ظلّ نقادنا القدامى يردّدون: إن "الأدب بمعزلٍ عن الدِّين"، ومن هؤلاء (أبو الحسن الجرجاني)، الذي قال في كتابه المشهور "الوساطة بين المتنبي وخصومه": "لو كانت الدِّيانة عارًا على الشِّعر، وكان سوء الاعتقاد سببًا لتأخّر الشاعر، لوجب أن يُمحى اسمُ أبي نواس من الدواوين، ويحذف ذِكْرُه إذا عُدّت الطبقات، ولَكان أَولاهم بذلك أهل الجاهليّة، ومن تشهد الأُمّة عليه بالكفر، ولوجب أن يكون كعب بن زهير وابن الزِّبَعرى وأضرابُهما، ممّن تناول رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعاب من أصحابه، بُكْماً خرسًا، وبِكاء مفحمين؛ ولكنّ الأمرين متباينان، والدِّين بمعزلٍ عن الشِّعر."
    لكن ليس صحيحًا أن الشِّعر والخير لا يلتقيان بشكل مطلق، وإنما الإشكال يتمثّل أوّلاً في مفهومنا لطبيعة الشِّعر ومفهومنا للخير. فعلى حين تظلّ للأدب طبيعة ليست لغيره من النصوص، وللشِّعر ذلك الحقل الواسع من حريّة التعبير، فإن الشاعر البارع بإمكانه أن يجعل الخير ميدان تعبير، شريطة أن يوفِّق بين الجماليّة والمسؤوليّة، وأن يخاطب النفس والمخيّلة أوّلاً، لا العقل المجرّد والعقيدة.


    [color="red"]قصيدة النثر:[/color]

    4-س)تثير ما تسمى " قصيدة النثر" كثيرا من ردود الأفعال، والناس فيها يختصمون بين رافض ومؤيد؟ ما قولك؟

    ج4) قصيدة النثر فيها ما يمكن أن يُعدّ نتاجًا خِصبًا وجميلاً، غير أن الخصومة حولها تتمثل موضوعيًّا- أو هكذا ينبغي- في أمرين رئيسين: المصطلح، ودعاوى الجدّة (أو بالأحرى أنها تجديدٌ في جنس الشِّعر). ولقد ناقشت هذا في دراسات مختلفة، منها كتابي "حداثة النَّصّّ الشّعريّ في المملكة العربيّة السعوديّة (قراءة نقديّة في تحوّلات المشهد الإبداعيّ)"، 2005. وأضيف هنا: إن شِعر التفعيلة- قبل قصيدة النثر- جاء تغييرًا جذريًّا في الذوق العربيّ، وفي الشخصيّة الشِّعريّة العربيّة، التي ترى الوزن ركنًا ركينًا في البناء الشِّعريّ. جاء ذلك التغيير كي تتماثل الشخصيّة الشعريّة العربيّة- وإن قَسْرًا- مع الشخصيّة الشِّعريّة الغربيّة. تلك الشخصيّة الأخيرة التي نجد ملامحها منذ القِدَم، ومن ثمّ فليس ما سمي (الشِّعر الحُرّ) تحوّلاً حديثًا أو تطوّرًا في السياق الغربيّ، بل هو مكوّن قديم، أراد بعض شداة القصيدة العربيّة في القرن العشرين أن يتجرّعه العرب وهم لا يكادون يسيغونه. وشيئًا فشيئًا انزلقت التبعيّة التقليديّة لكل وارد من هناك إلى التنصّل من الإيقاع برمّته، بترك التفعيلة إلى ما يسمّى قصيدة النثر. وتلك الشخصيّة الشِّعريّة الغربيّة- التي نجد ملامحها منذ القِدَم- يُلمِح إليها، مثلاً، أرسطو، حسبما يشير إلى ذلك صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (696- 764هـ= 1296- 1363م)، في كتابه "الغيث المسجم في شرح لاميّة العجم"، حيث يقول: "قال أرسطو- خطيب اليونان وشاعرهم- وليس الشِّعر عندهم ما يكون ذا وزن وقافية، ولا ذاك رُكن فيه، بل الرُّكن في ذلك إيراد المقدّمات المخيّلة فحسب، فإن كانت المقدّمة التي ترد في القياس الشِّعري مخيّلة فقط، تمحّض القياس شِعْرِيًّا، وإن انضمَّ إلى المقدّمة قول إقناعيّ، تركّبت المقدّمة من معنيَين: شعريّ وإقناعيّ... ولليونان عَروضٌ لبحور الشعر والتفاعيل عندهم تُسمّى الأيدي والأرجل." ومحدّد الجنس الشِّعري وفق هذا المنظور هو التخييل فقط، بقطع النظر عن الموسيقى الشِّعرية، وما كذلك هو الجنس الشِّعري وفق المزاج العربيّ منذ عرف العربُ الشِّعر، وإلاّ فإن كثيرًا من النثر العربي منذ العصر الجاهلي يُعدّ شِعرًا بحسب التوصيف السابق، ومنه سجع الكُهّان؛ لأن مقدّماته مخيّلة، بل فوق ذلك هو لا يخلو من التنغيم والإيقاع؛ كما أن نصوصًا إسلاميّة كالمواقف والمخاطبات لدى النِّفري- على سبيل المثال- محض شِعر إذن، وهو ما لم يزعمه النِّفري نفسه! بيد أن هناك من يزعمه اليوم، ويصرّ على فرضه، بل يصفه تطوّرًا جديدًا للشِّعر العربي، وربما قال: إنه يَجُبُّ ما قبله من شِعر! مع أنه موجود في تراث النثر العربي منذ القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، وقبل ذلك، كما أشرنا!
    والخلاصة: أن للشِّعر العربي هويّةً تختلف عن هويّة الشِّعر الغربيّ، اختُطفتْ وغُرّبتْ عن منابتها. وعليه، فإن من يريد فرض قصيدة النثر، بوصفها شِعرًا، إنما يقتبس فهمًا غربيًّا لماهيّة الشِّعر، غريبًا عن الفهم العربيّ لماهيّة الشِّعر. وتلك الماهيّة الشِّعريّة المقتبسة مستوعَبةٌ سلفًا في (النثر الفنّي العربي) منذ القِدَم، لكنها لا تكفي- بحسب الذوق العربيّ والتجربة العربيّة- لتكوين نصّ يندرج فيما يَعُدُّه العربُ من الجنس الشعريّ. ومَثَل أولئك كمن يريد أن يُرغم العربيّ على تصديق أن بغلاً هو حصانٌ عربيّ أصيل، لا لشيء إلاّ لأن فيه بعض الشَّبَه بالخيل.. أو أن نبتة لبلابٍ متسلّقة هي نخلةٌ من أرض هَجَر أو العراق! وعندئذٍ ستكون بضاعة أولئك أسوأ في العيون العربيّة ممّن قيل فيه: إنه كجالب التمر إلى هَجَر؛ لأن جلوبة جالب قصيدة النثر مردودةٌ جملةً، لا لعدم جودتها؛ بل لأنها مختلفة نوعيًّا.


    ا
    لشاعر الناقد:
    الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن أحمد الفَيفي
    (رئيس لجنة الشؤون الثقافيّة والإعلامية في مجلس الشورى السعودي- الأستاذ في جامعة الملك سعود بالرياض)
    الأربعاء 13 محرّم 1431هـ= 30 ديسمبر 2009م
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 30-12-2009, 19:32.
    http://www.mhammed-jabri.net/
  • محمد فهمي يوسف
    مستشار أدبي
    • 27-08-2008
    • 8100

    #2
    الأخ الفاضل الأستاذ محمد جابري
    أشكركم لهذا الحوار الثنائي القيم
    مع الأستاذ الدكتور الفيفي .
    ==
    واسمح لي أن أوجز ردوده على أسئلتكم بشيء من السهولة والإيضاح:

    السؤال الأول :
    ماالرأي في ربط نقدنا العربي لمقتضيات شريعتنا الإسلامية بدلا من تقليد النقد الغربي ؟

    أجاب الدكتور الفيفي كما فهمت باختصار:
    _ ثقافة التقليد راسخة الجذور في الثقافة العربيّة منذ القِدَم، ملغيًة داخله أيّ نزوع إلى التفرّد أو الاستقلال؛
    أمّا الفئة النقيضة من التقليديّين، فتذهب إلى نكران الماضي والانتماء إليه بكلّ ما في الانتماء من معنى.وكلاهما أعمى البصيرة والبصر وعلينا أن نتخذ العقل نبراسًا فيما تقبل أو ترفض.

    السؤال الثاني :
    ما الرأي في مطالبة فريق بأسلمة الأدب ؟!

    وجواب سيادته باختصار :

    أدبيّة الأدب كامنة في بنائه اللغوي والفنّي، لا في عقيدة صاحبه أو هويّته. ولو كان الحُكم على أدبيّة الأدب بالدِّين والأخلاق، لأسقطنا معظم التراث الأدبي والأدب المعاصر، فضلاً عن آداب الأمم الأخرى. لكن هناك هوسًا بأسلمة أشياء كثيرة اليوم، ومنها الأدب، وفق رؤى ضيّقة للإسلام نفسه،
    والمعنى رفض الإدعاء بضرورة أسلمة الأدب العربي ونظريات النقد.

    السؤال الثالث :
    هل ينبغي فصل الدين عن الشعر ؟ وهل الشعر والخير لايلتقيان ؟

    والجواب في رأي الدكتور الفيفي :


    _ مقولة قديمة للأصمعي ...قام الجدل قديمًا وحديثًا حول كلمة الأصمعي تلك،
    والحقّ أن الواقع يُثبت صدق منظور الأصمعي ذاك، شئنا أم أبينا.وهي نظرة واقعيّة صادقة. لا تدعو إلى الاحتفاء بالشرّ، كما يخُيّل إلى دعاة الأدب الأخلاقيّ، فيقفون موقفهم منها،.... ولمّا فَطِنَ العرب والمسلمون إلى خصوصيّة الأدب تلك، قالوا بأنه: "يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره".ونظرة عزل الأدب عن الدين هي وجهة النقاد القدامى أمثال الجرجاني وغيره...........وليس صحيحًا أن الشِّعر والخير لا يلتقيان بشكل مطلق، وإنما الإشكال يتمثّل أوّلاً في مفهومنا لطبيعة الشِّعر ومفهومنا للخير.
    وأراه رأيا معتدلا في الإجابة عن السؤال , فلا الأدب بمعزل عن الدين وليس كل الأدب يزكي أمورا تتعارض مع الخير كالغزل والحرب والخمر وغير ذلك من معاني الشر .

    والسؤال الرابع :
    ما الرأي في قصيدة النثر ؟

    والجواب :
    أن الدكتور الفيفي لا يرفض قصيدة النثر كلية والخصومة تتمثل في أمرين رئيسين: المصطلح، ودعاوى الجدّة (أو بالأحرى أنها تجديدٌ في جنس الشِّعر).ومن ثمّ فليس ما سمي (الشِّعر الحُرّ) تحوّلاً حديثًا أو تطوّرًا في السياق الغربيّ، بل هو مكوّن قديم، أراد بعض شداة القصيدة العربيّة في القرن العشرين أن يتجرّعه العرب وهم لا يكادون يسيغونه...

    وتلك الماهيّة الشِّعريّة المقتبسة مستوعَبةٌ سلفًا في (النثر الفنّي العربي) منذ القِدَم، لكنها لا تكفي- بحسب الذوق العربيّ والتجربة العربيّة .
    لأنهم يرغبون في تقليد القصيدة الغربية ( لتكوين نصّ يندرج فيما يَعُدُّه العربُ من الجنس الشعريّ.)
    وتعليقي على أجابته عن السؤال الأخير :
    أن الدكتور الفيفي يخلط بين ما يطلق عليه الشعر الحر , والقصيدة النثرية
    فالأول قد أثبت تواجده بغزارة انتاج أنصاره وتأصيل قواعد مدرستهم الشعرية بصرف النظر عن استلهامهم للفكرة من الأدب الغربي أو من النثر الأدبي العربي القديم . ورغم المعارضة الشديدة التي واجهتها بدايتهم على يد الدكتور طه حسين وغيره من زعماء النقد الحديث .
    أما ما يطلق عليه اليوم ( القصيدة النثرية ) والتي تتحرر من بعض قيود الوزن والقافية بل قد لاتعتمد التفعيلة أساسا لبناء السطر الشعري فيها فهي تختلف عن ( قصيدة الشعر الحر) باعتبارها أقرب إلى مفهوم النثر الأدبي القديم وحاولت أن تدخل مفاهيم الشعر في الخواطر الشعورية لدى الأدباء المحدثين .

    ==========
    أعود لأشكر لكم أستاذ جابري حواركم مع الدكتور الفيفي
    وحبذا لو تكرم سيادته كما طرح الدكتور وسام البكري في مقهى الصالون
    أن يتفضل بالتواصل المباشر في النقاش الحواري مع الأعضاء باقتطاع جزء من وقته الثمين مشكورا للمزيد من الفائدة للجميع , وكلنا لديه نفس المشاغل الحياتية .
    ========
    وعبارته :

    كثيرًا ما تجد العربيّ متخاجِئًا عن كلّ جديد،

    فهمت اللفظة : خُجَأَةٌ:مُتَشَهِّيَةٌ
    والخُجَأَة الأَحمق، وهو أَيضاً الـمُضْطَرِبُ.
    فياترى ماذا يعني باستخدام تلك اللفظة التي أراها قديمة متقعرة مع أصالة صحتها , لكن ليس كل الألفاظ ينبغي استخدامها في التطور الحديث للغة .
    هل يعني بالعبارة :مشتهيا للجديد متناكحا معه .؟!!
    أم يعني : أحمق عن كل جديد ؟
    أم يعني : مضطربا في استخدام كل جديد ؟
    أم يعني كل هذه المعاني ؟!!!

    تعليق

    • محمد جابري
      أديب وكاتب
      • 30-10-2008
      • 1915

      #3
      الأستاذ الكريم محمد فهمي يوسف؛

      شكر الله لك هذا التلخيص المبين، وكنت أتمنى لو دخلت في مناقشة هذه الآراء، فرغم غوصه العميق في شتى مجالات الأدب، فقد تفوته أشياء، والكمال لله سبحانه وتعالى، وقد علمتنا التجربة بأنه يوجد في النهر ما لا يوجد في البر والبحر.

      فآراؤه بعيدة الأغوار، غائصة الأقدم، فهو محقق ومدقق ومقارن في شتى مجالات الأدب. ومن هنا كان لآرائه طابعها العلمي وتخصصها العميق، وذوقهاالفني.

      وتبقى ملاحظات فلو تيسر له قراءة كتاب الأستاذ الأمراني " سمياء الأدب الإسلامي " لتراجع عن كثير من آرائه حول الأدب الإسلامي، وشخصيا كتبت منتقدا رابطة الأدب الإسلامي في تعريفاتها له؛ لكن لما فاض فيض الأستاذ الأمراني انتقلت لتبني الفكرة ورأيت ذلك هو الصواب.

      فكيف نرتضي الثقافات الأخر تتناول الكلام عن الفن الإسلامي وكيف" كان مخالفا للفن الإغريقي، والروماني...
      وهكذا جرى الحديث عن الفن الإسلامي، وعن الزخرفة الإسلامية، وعن الفلسفة الإسلاميبة، وعن العمران الإسلامي، حتى إذا تعلق الأمر بالأدب الإسلامي استنكروا علينا ذلك؟ ..." ( سيمياء الأدب الإسلامي).

      والمصطلح قديم باستعماله في االقرون الأولى حيث كانوا يفرقون بين هذا إسلامي وذاك جاهلي، فكيف يقبل هناك ويرفض هنا؟.

      أضف إلى ما سبق: وكتب أخونا د. أحمد أنيس الحسون، مقالا في تاريخ الجمال، انتهيت منه بتعريف للجمال على الشاكلة التالية:

      " الجمال : رؤية تملأ العين، أو إحساس يدغدغ الشعور وتبتهج لها النفس، ويستقر عندها العقل، ويطمئن له الفؤاد، ويستكين االمرء في حالة خشوع لجلال جمال الجميل سبحانه".

      وسبق لي أن كتبت موضوعا عن " شمس الجمال لا تشرق على درب الشيطان"، وبناء على هذا التعريف وبيان هذا المقال فكيف نقبل بقولة الأصمعي : " الشعر نكد؛ بابه الشر فإذا دخل عليه الخير لان وضعف"، ونرتضيها قولة ندرأ بها الأدب الإسلامي، ولا نقبل من الأصمعي مصطلح الأدب الإسلامي؟ قال الأصمعي عن شيخه أبي عمرو بن العلاء وهو من علماء القرن الثاني جلست إليه عشر حجج؛ فما سمعته يحتج ببيت إسلامي" (العمدة 197/1) ولك آنئيذ أن تنظر لكلمة الإسلامي على أنها صفة أو اسم، فكل صفة اسم ولا عكس.

      هذا على سبيل المثال فهل نوافقه في كل ما ذهب إليه؟ فإن رفض علينا المصطلح بدعوى الحداثة استخرجنا له أصالته. وإن تأبى علينا المضمون غصنا معه في قعر بحر الجمال، لكونه خصوصية إسلامية، بشمولية تعربفها.


      [align=left]-يتبع-[/align]
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 31-01-2010, 08:57.
      http://www.mhammed-jabri.net/

      تعليق

      • محمد جابري
        أديب وكاتب
        • 30-10-2008
        • 1915

        #4
        الأستاذ: محمد فهمي يوسف؛

        عن قولك :
        السؤال الأول :
        ماالرأي في ربط نقدنا العربي لمقتضيات شريعتنا الإسلامية بدلا من تقليد النقد الغربي ؟

        أجاب الدكتور الفيفي كما فهمت باختصار:
        _ ثقافة التقليد راسخة الجذور في الثقافة العربيّة منذ القِدَم، ملغيًة داخله أيّ نزوع إلى التفرّد أو الاستقلال؛
        أمّا الفئة النقيضة من التقليديّين، فتذهب إلى نكران الماضي والانتماء إليه بكلّ ما في الانتماء من معنى.وكلاهما أعمى البصيرة والبصر وعلينا أن نتخذ العقل نبراسًا فيما تقبل أو ترفض.

        الصراحة التي لا ينبغي نكرانها، هو تأثير النقد الغربي على النقد العربي، رغم ما كان معروفا من مدارس للنقد عند العرب،
        نعم تلاقح الأفكار وتطعيمها، وتطويرها، به تستمر اللغة حية، ومنافسة، وما أدينه شخصيا هي التبعية العمياء، وعلى سبيل المثال موضوع سأنشره قريبا جدا تحت عنوان جحر الضب.
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد جابري; الساعة 04-02-2010, 20:43.
        http://www.mhammed-jabri.net/

        تعليق

        • محمد جابري
          أديب وكاتب
          • 30-10-2008
          • 1915

          #5
          الستاذ محمد فهمي يوسف
          ردا على قولك:
          والسؤال الرابع :
          ما الرأي في قصيدة النثر ؟

          والجواب :
          أن الدكتور الفيفي لا يرفض قصيدة النثر كلية والخصومة تتمثل في أمرين رئيسين: المصطلح، ودعاوى الجدّة (أو بالأحرى أنها تجديدٌ في جنس الشِّعر).ومن ثمّ فليس ما سمي (الشِّعر الحُرّ) تحوّلاً حديثًا أو تطوّرًا في السياق الغربيّ، بل هو مكوّن قديم، أراد بعض شداة القصيدة العربيّة في القرن العشرين أن يتجرّعه العرب وهم لا يكادون يسيغونه...

          وتلك الماهيّة الشِّعريّة المقتبسة مستوعَبةٌ سلفًا في (النثر الفنّي العربي) منذ القِدَم، لكنها لا تكفي- بحسب الذوق العربيّ والتجربة العربيّة .
          لأنهم يرغبون في تقليد القصيدة الغربية ( لتكوين نصّ يندرج فيما يَعُدُّه العربُ من الجنس الشعريّ.)
          وتعليقي على أجابته عن السؤال الأخير :
          أن الدكتور الفيفي يخلط بين ما يطلق عليه الشعر الحر , والقصيدة النثرية
          فالأول قد أثبت تواجده بغزارة انتاج أنصاره وتأصيل قواعد مدرستهم الشعرية بصرف النظر عن استلهامهم للفكرة من الأدب الغربي أو من النثر الأدبي العربي القديم . ورغم المعارضة الشديدة التي واجهتها بدايتهم على يد الدكتور طه حسين وغيره من زعماء النقد الحديث .
          أما ما يطلق عليه اليوم ( القصيدة النثرية ) والتي تتحرر من بعض قيود الوزن والقافية بل قد لاتعتمد التفعيلة أساسا لبناء السطر الشعري فيها فهي تختلف عن ( قصيدة الشعر الحر) باعتبارها أقرب إلى مفهوم النثر الأدبي القديم وحاولت أن تدخل مفاهيم الشعر في الخواطر الشعورية لدى الأدباء المحدثين .

          أطلعك علما على أن الشاعر المتمكن والأديب الأريب والناقد الغواص الأستاذ عبد الله الفيفي كتب في كل مجالات وأجناس الأدب، وطبعا لا يكتب المرء في مجال حتى يكون إما مبتدئا وإما متمكنا وإما غواص في قعر بحر الفن.

          لذا أقول ليتك استفسرت، فالاستفسار لا يساوي الاتهام الذي جاء في قولك: " أن الدكتور الفيفي يخلط بين ما يطلق عليه الشعر الحر , والقصيدة النثرية
          فالأول قد أثبت تواجده بغزارة انتاج أنصاره وتأصيل قواعد مدرستهم الشعرية بصرف النظر عن استلهامهم للفكرة من الأدب الغربي أو من النثر الأدبي العربي القديم . ورغم المعارضة الشديدة التي واجهتها بدايتهم على يد الدكتور طه حسين وغيره من زعماء النقد الحديث ."؟

          فالاستفسار طلب بيان، ليتأكد المرء من حجية ما أشكل عليه، وهو وسيلة الأديب لبلوغ هدفه إرخاء للعنان للمخالف ليبين تناسق بين وجهة نظره،
          فهاك قصيدة نثر له لتعلم بأنه ما كان لناقد أن يسلك دربا لا يفقهه:

          شعر الفصحى: إلى شعراء ''البيتزا هوت''!





          د.عبد الله أحمدالفَيفي - الرياض

          aalfaify@hotmail.com

          في جينين الثَّكْلَى،‏ في بَعْقُوْبَةْ،‏

          حَطَبُ الحاخامِ الأكبرِ والأصغرْ‏

          وفطيرُ الربِّ يهوذا مخضَلٌّ بِنَدِيٍّ من دمنا الأحمرْ‏

          "... هلالويا"..‏ "اللهُ أكْبَرْ"!‏


          ( في طقس عبورنا الأخير)‏

          مازالتْ‏

          ثَمَّةَ أنثى واقفةٌ،‏

          في ردهاتِ الرُّوْحِ القُصْوَى،‏

          كخفايا عِقْدِ الكاذِ الأولى،‏

          تسقينا من عينيها،‏

          نبتاعُ قصائدَها بقصائدِنا،‏

          كي يشربَ نادينا‏

          كأسَ الراحِ المكسورةَ داخلَنا،‏

          إذْ نَرْبِتُ حُمْلانَ الأفكارِ،‏

          روابضَ بينَ حواجِبِنا!‏

          ها إنّا كلَّ مساءٍ‏

          نحتلبُ الكلماتِ‏

          كمَعْزٍ من يدِها‏





          مُلِئَتْ يدُنا‏

          لَبَناً،‏

          خمراً،‏

          فلنُحْيِيْ طقسَ مواسمنا البحريةِ،‏

          هذا موسمُنا‏

          ولتصعدْ حورياتُ البحرِ‏

          تصيد ملامحَها بملامحِنا!‏

          آهٍ ما أبهجَ موسمَ هذا الطِّفْلِ‏

          القابعِ في أُمِّهْ!‏

          آهٍ ما أبهجَ موسمَهُ المائيَّ،‏

          ويا خسرانَ مواسمِنا!‏

          جناتُ الخُلْدِ لهُ أبداً!‏

          وجحيمُ الشِّعْرِ تَعيثُ بساعتِنا!‏

          لِوَمِيْضِ لياليهنَّ الحُمْرِ،‏

          كخُضْر ترائبهِ بترائبنا،‏

          ها هُنَّ أولئكَ حسناواتُ الموتِ‏

          يقطّعْنَ الأيْدِي‏

          يَصْطَدْنَ براءةَ يوسُفِنا‏

          بشباكِ خطيئتهِ الأولى وشباكِ خطيئتنا!‏

          كحماماتٍ،‏

          هاهُنَّ أولاءِ مَعاً‏

          يسقينَ طفولةَ غفوتهِ الجَذْلَى‏

          عُشْبَ الوَجْد الدّافي‏

          ومورّدةُ الحَلْماتِ‏

          تُجاذبُ جذوتهنَّ بجذوةِ نشوتِنا‏

          لكنْ،‏

          دِرْكيتو لم يعجبْها شكلُ حَمَامَتِها،‏

          ننياسُ يُنَفِّرُ كلَّ حَمَامِ القَصْرِ ببابلنا!‏

          وتواريخُ الآشوريينَ تَدُوْرُ تَدُوْرُ،‏

          كفَلْكَةِ مِغْزَلْ‏

          آشورُ:‏

          ـ "سُرَّ من لا رأى!" ـ‏

          تاريخُ حصانٍ أَعْوَرْ‏

          ريشُ جناحيهِ يشتعلانِ بزيتِ مشيمتِنا!‏

          آهٍ ما أبهجَ موسمَ هذا الطِّفْلِ‏

          القابعِ في أُمِّهْ!‏

          آهٍ ما أبهجَ موسمَهُ المائيَّ،‏

          ويا خسرانَ مواسِمنا!‏

          جناتُ الخُلْدِ لهُ أبداً!‏

          وجحيمُ الشِّعْرِ تَعيثُ بساعتِنا!‏

          بمحارةِ يعقوبَ "المتشائلِ" فينا‏

          نحنُ الـ قدّمناهُ ضحيَّتَنا‏

          و"ذهبنا نستبقُ"!‏

          كي يأكلَهُ الذئبُ،‏

          أو يأكلَهُ الجُبُّ،‏

          أو يأكلَهُ الحُبُّ الفيّاضُ،‏

          تكوثَرَ من "أبناءِ اللهِ أحبّتهِ"،‏

          واجْتَبَّ بأمِّ الأرضِ جميعَ أحبَّتِنا!‏

          وبأيدينا نحنُ،‏

          لا أيدي الذئبِ،‏

          ولا أيدي العِبْرانيينَ،‏

          قتلناهُ!‏

          لتُغَنِّ أجيالُ الشُّعراءِ الشَّعْبِيِّيْنَ‏

          بطَقْسِ ذبائِحنا،‏

          نحنُ الشهداء بشِعْرِ الطّقْسِ،‏

          كقافيةِ الطَّبْلِ البَلَدِيِّ بحارتِنا!‏

          وبأيدينا؛‏



          فضمائرُنا‏

          طَهَّرْنا منها كُلَّ خلايانا،‏

          عَقَّمْنا الأيديْ منْ مِكْرُوبِ سُلالِتنا‏

          حاصَرْنا كُلَّ جُيوبِ النَّخْوةِ في دمِنا،‏

          وكَتَبْنا كُلَّ حروفِ الكِذْبَةِ في فَمِنا،‏

          وحَمَلْنا اللاشيءَ العَبَثِيَّ على يَدِنا،‏

          وعلى الأخرى أرْسَلْنا الأشواقَ الوَرْدِيَّةَ،‏

          تُوقِدُنا‏

          فيدانِ:‏

          يَدٌ نامتْ،‏

          ويَدٌ سرَقَتْ يَدَنا،‏

          .. وتَطَوَّحَتَا بنقائضِنا!‏

          وبأيدينا؛‏




          منذُ:‏

          غَشِيَتْ قَيْساً لَيْلَى..‏

          لتَمُدَّ له نَعْنَاعَ يَديْها،‏

          حُلُماً،‏

          يَفْنَى قَيْسٌ،‏

          ويدا لَيْلَى ليستْ تَفْنَى!‏

          فغَدَا، ولهاً، كحصانٍ أدهمَ، يعدو في غَدِنا!‏

          وزعمْنا أنّ الجنةَ مَوْعِدُهُ،‏

          وحلفْنا أنّ الجنةَ مَوْعِدُنا!‏

          وبأيدينا؛‏



          منذُ:‏

          خانتْ لغةٌ حُبْلَى..‏

          كُنَّا خُنَّا‏

          فجعلناها "سِرْكاً" أعْمَى،‏

          يتأرجحُ في حَبْلَيْ مَعْنَى:‏

          من "روما العصرِ"، إلى "نحنُ كُنَّا"؛‏

          مَشْطُوْرِي القامةِ،‏

          "نمشي"،‏

          مَكْسُوْرِي المبنى!‏

          فبأيةِ ما نَحْوٍ عربيٍّ نُعْرِبُنا،‏

          وبأيِّ عروضٍ شعريٍّ نبني الوَزْنا؟!‏

          شعراءَ الزَّفَّةِ،‏

          عَفْواً،‏

          هل كان (الدُّرَّةْ)،‏

          في نهر الفردوسِ الأعلى،‏

          محتاجاً فَحْلاً مَخْصِيًّا‏

          يُلْقِي فينا "دُرَّةُ"؟!‏

          هل كان أبوهُ،‏

          بدائرةِ الموتِ الكُبْرى،‏

          يحتاجُ لشاهد قبرٍ شِعْريٍّ‏

          يمليْ دمُهُ سَطْرَهْ؟!‏

          ولَكَمْ دُرَرٌ سَقَطَتْ،‏

          من قَبْلُ،‏

          وكَمْ تَسْقُطْ؟!‏

          في أيدينا،‏

          من أيدينا،‏

          وبأيدينا!‏

          شعراءَ الزَّفَّةِ،‏

          مَهْلاً،‏

          هل كانتْ بغدادُ بحاجةِ فحْلٍ مَخْصيٍّ‏

          يُحْيِيْ في المربدِ شِعْرَهْ؟!‏

          فَلكَمْ بغدادُ هنا سَقَطَتْ،‏

          من قَبْلُ،‏

          وكَمْ تَسْقُطْ؟!‏

          في أيدينا،‏

          من أيدينا،‏

          وبأيدينا!‏

          شعراءَ الزَّفَّةِ،‏

          لُطْفاً لا أمْراً،‏

          أفتوني في أمري:‏

          هل كانتْ جُمْجُمَةُ الشيخِ المشلولِ،‏

          الطاعنِ في كُرسي‏

          سَيُرَوِّيْها "كلاشينكوفُ" الكلماتِ،‏

          عصائبَ كالطيرِ‏

          حامتْ فوقَ الفرعِ..‏

          دونَ الرأسِ‏

          بمدجَّجةٍ من آلاتِ الشّعرِ‏

          كي تُرعدَ..‏

          تُمطرَ..‏

          من سُحُبٍ حَرَقَتْنا مثلَ "دخونٍ" هنديٍّ،‏

          لتلقّنَ ـ صاحتْ بي ـ‏

          فجرَ العنقاءِ بالرسِّ:‏

          أن الغَدَّارَ لهُ يومٌ..‏

          وسيَذْرِفُ من دمِهِ غَدْرَهْ؟!‏

          ولَكَمْ رأسٌ سَقَطَتْ،‏

          ولكَمْ تَسْقُطْ؟!‏

          في أيدينا،‏

          من أيدينا،‏

          وبأيدينا!‏

          شَهِدَتْ "كمِرا" أو لمْ تشْهَدْ‏

          هاهمْ أطفالُ الأرضِ المُحْتَلَّةْ‏

          من رامَ اللهِ إلى البصرةْ،‏

          في الفلّوجةْ،‏

          في جينين الثَّكْلَى،‏ في بَعْقُوْبَةْ،‏

          حَطَبُ الحاخامِ الأكبرِ والأصغرْ‏

          وفطيرُ الربِّ يهوذا مخضَلٌّ بِنَدِيٍّ من دمنا الأحمرْ‏

          "... هلالويا"..‏

          "اللهُ أكْبَرْ"!‏



          وحناجرُنا فغرتْ بغُبَارِ قصائدِنا!‏

          تعبتْ أرقامُ "البُرْصَةِ" من دمِنا‏

          وتعبْنا نحنُ نَعُدّ القَتْلَى في عُرْسِ العَمْ سامْ!‏

          فلتُعْطُوا الشِّعْرَ وهذا العَدّادَ الأفْعَى‏

          ربًّا للشِّعْرِ سواكمْ،‏ أو ربًّا للعَدْ‏

          لنموتَ،‏

          نموتَ هنا بسَلامْ!‏

          ها نحنُ أولاءِ على إيقاعِ الدُّرِّ،‏

          تَسَاقَطُ من دمِنا،‏

          من عِقْدٍ كان فريداً‏

          كالشَّرَفِ العَرَبِيِّ،‏

          تناثرَ بينَ قبائلِ هذي الأرضِ،‏

          سنحتفلُ،‏

          لنُغَنّي مَوَّالاً آخَرْ،‏

          ونُعَنّي أجيالاً أُخْرى:‏

          "يا ليلَ [العُرْبِ] متى غَدُهُ‏

          أقيامُ السَّاعةِ مَوْعِدُهُ"؟!...‏

          لو بعضَ حَياءٍ،‏

          يا شُعراءَ الزَّفَّةِّ!‏

          بعضَ حياءْ!‏



          لو بعضَ حَياءٍ،‏

          يا "فرقةْ حَسَبَ اللهْ"،‏

          من شُعَراءِ المَشْرقِ للمَغْربْ!‏

          شعراءَ الشِّعْرِ "البيتزا هُتْ"‏

          و"المكدونالدزْ"،‏

          كمْ منْ "عَوْلَمَةٍ" للرِّقِّ‏

          وتبديلٍ للأسماءْ؟!‏

          بعضَ مذاقٍ للكلماتِ،‏

          وبعضَ رُوَاءْ!‏

          لقصيدةُ صَمْتٍ واحدةٍ‏

          أشهَى من هذا "الشِّعْرِ ـ بَغَاءْ"!‏

          لقصيدةُ صَمْتٍ واحدةٍ‏

          أشْجَى من هذا العِيِّ البَيِّنِ يَفْضَحُنا!‏

          ويُعَرِّي في الآتي‏

          بكتاب التاريخِ الأَبَدِيّ نموذجَنا!‏

          لقصيدة صَمْتٍ‏

          أشرفُ من أبياتِ "الفَرْقَعَةِ"‏

          المزدانةِ...،‏

          تسعَى في هذي الملهاةِ صباحَ مساءْ!‏

          هل شَالَ لواءَ الشِّعْرَ هنا‏

          أحدٌ لم يَدْخُلْ طَقْسَ جنائزِنا،‏

          في بِشْتٍ "سوبرمانيٍّ" أو ربطةِ عنْقٍ حمراءْ؟‏

          ليُقَدِّمَ مُحْرَقَةً أخرى،‏

          قرناءَ ككبشِ بني عَبْسٍ..‏

          ويَسُحَّ قصائدَهُ الخَنْسَاءْ؟‏

          يَتَأَبّطُ رائعةً عَصْمَاءَ،‏

          بِكارتها جدبٌ،‏

          وكهولتُها صحراءْ!‏

          رَشَقَتْ دمَهُ بعصارةٍ لوزِ الفتنةِ في عيني حَوّاءْ!‏

          لتُراودَ عِفَّتَهُ،‏

          فتراودَ عفتَنا لغة بيضاءْ!‏

          وكسكّينٍ‏

          أَلِفَتْ يدُها يدَنا،‏

          ذَبَحَتْ جيلاً سَلَفُوا مِنّا،‏

          وسَتَذَبَحُنا..‏

          شِعْراً:‏

          وجميعاً نحنُ هنا شُعَراءْ..‏

          نَثْراً...‏

          نَحْراً:‏

          وجميعاً نحنُ هنا "نُحَرَاءْ"!‏

          وجميعاً نحنُ نُغَنِّي، عَنْ غَدِنا:‏

          "يا طَقْسَ عُبُوْرٍ،‏

          قلْ لي شيئاً،‏

          ما عادتْ لغةُ التَّرْحالِ تُعَزِّيني!‏

          أغَداً شَمْسٌ أُخْرَى؟‏

          أمْ شَمْسُ الأَمْسِ‏

          سَتَكْسِرُها أُمّي‏

          كي تَسْقِيْني؟!"‏

          يا تجّارَ الكلماتِ،‏

          حياءً!‏

          نرجوكمْ.. لو بعضَ حياءْ!‏

          ما قال الشِّعْرَ هنا‏

          أحدٌ أبداً‏

          شَفَتَاهُ تحترمانِ الشِّعْرَ،‏

          وهذا المَشْهَدَ،‏

          أو نَفْسَهْ!‏


          http://www.mhammed-jabri.net/

          تعليق

          • محمد فهمي يوسف
            مستشار أدبي
            • 27-08-2008
            • 8100

            #6
            اقتباس:
            (فهاك قصيدة نثر له لتعلم بأنه ما كان لناقد أن يسلك دربا لا يفقهه

            أخي الأستاذ جابري
            هذا قولك أنت (أعلاه)
            ولا أظن أن يكون قول الدكتور الفيفي .
            لذا استسمحك ألا يكون هناك واسطة بيننا , وكما قال الدكتور وسام
            حبذا لو تحاور معنا هنا بنفسه .
            ومن أجل ذلك توقفت بعد ردي الأول الذي قلت في آخره :

            ==========
            أعود لأشكر لكم أستاذ جابري حواركم مع الدكتور الفيفي
            وحبذا لو تكرم سيادته كما طرح الدكتور وسام البكري في مقهى الصالون
            أن يتفضل بالتواصل المباشر في النقاش الحواري مع الأعضاء باقتطاع جزء من وقته الثمين مشكورا للمزيد من الفائدة للجميع , وكلنا لديه نفس المشاغل الحياتية .
            ========
            وعبارته :

            كثيرًا ما تجد العربيّ متخاجِئًا عن كلّ جديد،

            فهمت اللفظة : خُجَأَةٌ:مُتَشَهِّيَةٌ
            والخُجَأَة الأَحمق، وهو أَيضاً الـمُضْطَرِبُ.
            فياترى ماذا يعني باستخدام تلك اللفظة التي أراها قديمة متقعرة مع أصالة صحتها , لكن ليس كل الألفاظ ينبغي استخدامها في التطور الحديث للغة .
            هل يعني بالعبارة :مشتهيا للجديد متناكحا معه .؟!!
            أم يعني : أحمق عن كل جديد ؟
            أم يعني : مضطربا في استخدام كل جديد ؟
            أم يعني كل هذه المعاني ؟!!!

            فشكرا لك لأنني لاأفقه مثلك في النقد , ولا في المجاملة .
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد فهمي يوسف; الساعة 06-02-2010, 11:08.

            تعليق

            • محمد جابري
              أديب وكاتب
              • 30-10-2008
              • 1915

              #7
              الأستاذمحمد فهمي يوسف؛

              غضضت الطرف عن سؤالك الأخير أول مرة، ظنا مني بأنك ستستقي الجواب من حيث أخذت السؤال، وها أنت تكرره ثانية وأقول لقد كتب الأستاذ د. عبد الله الفيفي رسالة اعتذار عن متابعة الردود عن حواره، فهلا قرأتها بتمعن.

              وما ينبغي لنا هو مناقشة مضمون وفحوى حواره، فهي آراء جميلة وليست لأي كان، وإنماينبغي الغوص في أرجائها لاستخراج القيمة المضافة لها.
              http://www.mhammed-jabri.net/

              تعليق

              يعمل...
              X