الغَنَمةُ البيضاء
Familiens Hvide Får
للمؤلف الدنمركي: Sven Holm
ترجمها: سليم محمد غضبان عام 1996 و نُشِرت في الدانمارك.
إهداء المترجم
الهجرة هي الغربة و الحنين الى الوطن عند البعض. و هي كابوسٌ يقُضُّ مضاجع بعض المهاجرين. و هم الذين تناولهم هذه القصّة. أمّا بالنسبة للكثيرين من شبابنا الناشئة
فهي حُلُمُ المستقبل. إلى هؤلاء أهدي ترجمة هذه القصة علّهم يجدون فيها عبرةًً ما.
الغَنمةُ البيضاء
سكن الفلاّّحُ هيلمان كوفود في مزرعةٍ صغيرةٍ بجانبِ البحرِ، الى اليمين قليلاً من تلّ صخري. يقعُ التلُّ الصخريُ خارج قرية "سفاننيكي" في جزيرة بورنهولم. كان
هيلمان كوفود يملكُ نعجةً سوداء و كبشًا أسودَ. لقد كانَ فخوراً جدّاًً بهما. و حسبَ عِلمهِ فقد كانا الوحيدين الأسودينِ في كلِّ جزيرة بورنهولم ، و رُبما في كلِّ الدانمارك.
كانتا فروتاهما من السواد بحيث أن هيلمان كوفود، وبهدف الحفاظ عليهما، كان يدعهما يتمشيان وحيدان في الحظيرة المنحدرة بجانب البحر. و هدذا لم بكن باستطاعتهما
رُؤيةَ الأبقار أو الأحصنة، كما لم يستطيعا على الاطلاق رًؤية ذلك النوعَ من الأغنام ذا اللون الأبيض.
أخذت النعجة والكبش في الدوران في الحقل و المأمأة في كل مرة تلاقيا ببعضهما البعض. بهذه الطريقة ترسّخ لديهما طوال الوقت أنهما ليسا وحيدين.
في أحد الأيام طغت السعادة عليهما عند ملاقاة بعضهما البعض، و قفز الكبش على ظهر النعجة، فأرخت النعجة ركبتيها قليلاً للأسفل. لقد كان هو اليوم الذي حملت فيه
النعجة. لم يأخذ هيلمان كوفود كثيراً من الوقت ليعرف أن نعجته السوداء كانت حاملاً.
- أستطيع أن اعرف ذلك من صوتها عندما تُمأمأ و أنا فخورٌ جداً بذلك. قال الفلاّح.
كانت النعجة السوداءُ ستلد قبل عيد الفصح مباشرة. عندما يغطّي الثّلج الحقول و يتراكم فوق سطح مزرعة هيلمان كوفود، الواقعة الى اليمين قليلاً من التلّ الصخري ،
كما يغطي الثلج أيضاً سطح التلّ. المكان الوحيد الذي لا يُغطي بالثلج هو سطح البحر. يُصبح البحر قاتما ورُؤيته تجعل المرء كئيباً، و في كل مرة يلامس الثلجُ فيها سطح
البحر يختفي بسرعة و كأن البحر يأكله.
وقف الفلاّح هيلمان كوفود يرقب النعجة حين حانت ساعة الولادة. كان الكبشُ يقف هناك أيضاً، و لكنه حافظ على مكانه بجانب التلّ الصخري بحيث كان باستطاعته
الاختباء إذا أحسَّ برغبةٍ في ذلك.
الحملان الثلاثة الأولى تمت ولادتهم الواحد تلو الآخر. مأمأت النعجة و أغلقت عينيها، بينما كان هناك حملٌ صغيرٌجديدٌ أسود اللون، أخذ في الانتفاض على الثلج.
و كان واضحاً للمرء أنّ الحَمَلَ الرابع من الصعوبة بمكان ولادته. مأمأت النعجة و لم يحدث شيءٌ، هنا علا صوت النعجة و لكن دون نتيجة. أخيراً مأمأ الحمل مع
النعجة، و بعدها، و برغم مواصلة النعجة المأمأة، فلم يظهر حملٌ آخر.
هكذا فرك الفلاّح هيلمان كوفود يديه بينما أخذ الكبش في نطح حبّات الثلج.
عندما هدأ الفلاّحُ و الكبش مرة ثانية، اكتشفا أنّ النعجة قد ولدت حَملهل الرابع. فقد كانت واقفةً على قوائمها تلحس الحَملَ. ولكنَّ الحمل كان غريباً جداً. بالتحديد لم يكن
أسودَ، كان لونه أبيض بالكامل.
- لماذا تلدين لنا فجأة حملاً أبيض؟ سأل هيلمان كوفود.
- إنه حملٌ جيدٌ ذو طبيعةٍ خاصّة. إني لم أسمع أبداً قبلاً عن أغنامٍ بيض. قالت النعجة لنفسها.
عضَّ الفلاّحُ على شفتيه و مشى داخلاً مزرعته آسفاً لكون أحد الأغنام وُلد أبيض كغيره من الأغنام العادية.
عائلته و صوب العالم الأبيض من حوله. ولأول وهلة اعتقد الحمل جازماً أنّ العالم الأبيض أيضاً كان من عائلته. و كان الحمل الأبيضُ قد وقف على قوائمه الأربع و نظر
صوب
- الأغلبية هي بيضاء مثلي. حدّث الحمل نفسه. إنهم أولئك فقط الذين يتراكضون حولي الذين لونهم أسود.
كان الحمل الأبيض يريد أن يبرهن على أنه أيضاً يستطيع الركض و اللعب. لذلك قفز نحو الحقل فوق حبات الثلج و بين إخوته الثلاثة السود. من أعلى كان يطيرعددٌ من
الطيور السود حوله يصخبون.
في المساء عندما حان وقت رضاعة الخراف من ضرع أُمهم، اكتشف الحمل الأبيضُ أن الحليب لونه أبيض أيضاً. سعدَ الحمل بذلك، و لكنه لم يتفوه بكلمة حتى لا
يتضايق اخوته عندما يتحققون أن الحليب ليس له نفس اللون الأسود الذي لهم.
بعد ذلك، هبط ظلام الليل و نامت الأغنام جميعها بجانب النعجة بينما نام الكبش بعيداً بعض الشيء.
أغلق الحمل الأبيض عينيه باطمئنان بينهم. و كان سعيدا لكون الظلام أسود حيث أنه اعتاد على رؤية هذا اللون عند النظر الى عائلته.
حيث أن الفلاّح هيلمان كوفود قد انزعج لكون أحد الحملان غنمةً بيضاء; و لأنه لم يستطع تحمُّل ذلكط، قام بدخول الحظيرة لكي ينقلها الى مكان آخر.
لم يكن الفلاّحُ محقّاً في ذلك. لأن الكبش الأسود كان فخوراً بالحمل الأبيض فهبط برأسه و نطح هيلمان كوفود في مؤخرته. لو لم يكن التلّ الصخري في مكانه هناك، لكان
الفلاح قد طار و سقط في البحر، و لكان البحر المظلم قد ابتلعه بالتأكيد. ولكنهالآن وجد نفسه في المقابل يغوص بيديه و رجليه في الثلج فوق التلّ الصخري.
أخذ هيلمان كوفود ينفض لثيابه، و نظر بغضبٍ بصوب الكبش. و لكنه توقف عن محاولاته لنقل الحمل الأبيض الى قطيع الأغنام البيض الذي كان يرعى في الجانب
الآخر من الغابة في الأعلى.
- دعينا نسمي حملنا الأبيض "ندف الثلج". قال الكبش للنعجة.
- أعتقد أنه الحمل الأجمل في كل جزيرة بورنهولم، و ربما في كل الدانمارك. أجابت النعجة.
- نعم، و إلاّ لِمَ أتى لونه أبيض؟ تساءل الكبش و أخذ ينفضُ فروته السوداء.
بعد عيد الفصح مباشرة أصبح الطقس أدفأ كثيراً. إختفى الثلج من الحظيرة و من على سقوف مزرعة هيلمان كوفود، الواقعة على اليمين قليلاً من التلّة الصخرية.
إختفى الثلج أيضاً عن التلّة الصخرية و زعقت الطيورُ، و دار الكبشُ أربع مرات حول نفسه احتفالاً بقدوم الرّبيع.
الوحيدُ الذي لم يكن سعيداً هو الحمل الأبيضُ "ندف الثلج". لم يشعر بنفسه وحيداً على الاطلاق مثلما يشعر الآن. فجأة، رأى أن فروته ناصعة البياض أكثر من اللزوم.
نعم، كان الوحيدَ في العالم كله ذا اللون الناصع البياض مّما يؤذي العينين عندما ينظر المرء اليهما.
داخل الحظيرةِ تراكض الأب الأسود ل "ندف الثلج" مع إخوته الثلاثة. و داخل الاسطبل رقدت أُمه السوداء و نامت.
تحقّقَ "ندف الثلج" فجأةً أنه يعشق كل ما كان أسود، كُلاً من البحرِ و الظلامِ و الطيور السود، بالرغم من انَّ الطيور معتادةٌ على الزعيق بشكلٍ يدعو للانزعاج كلما
هبّت الريحُ على الأشجار. كان "ندف الثلج" يشعُرُ بنفسه أبيضَ تماماً قبل الحادثة.
أخذ يفكر ماذا عليه أن يعمل بتلك الكتل الصوفية البيضاء التي تغطي جسمه بالكامل. فجأة، خطرت له فكرةٌ خاطفة:
إنه يريد أن يقوم بنفسه بتغيير لونه ليصبح أسود مثل عائلته.
بينما أخذ الظلامُ في الهبوط، انطلق " ندف الثلج" خارج الحظيرة، حيث كان الآخرون قد نبشوا الأرض بأقدامهم. هناك، رمى بنفسه متمرّغاً في الوحلِ، و لطّخ نفسه
تماماً فوق ظهره و بطنه.عندما وقف بعد ذلك أمام عائلته داخل الأسطبل، اعتقدوا أن حملاً جديداً قادمٌ عليهم داخل حظيرتهم.
- ما هذا الحمل الفاحم السواد؟ تساءلت النعجة.
- ما هذا الحمل العادي تماماً؟ تساءل الكبشُ.
- أين أخانا "ندف الثلج"؟ تساءل إخوته.
- إنني أقف ههنا، لقد أصبحتُ فقط أسود مثلكم تماماً.
في البداية، لم يتفوّه أحدٌ من عائلة "ندف الثلج" بكلمة.
هكذا جرت النعجةُ الأُم نحو "ندف الثلج" و بدأت في لحس رقبته. فجأة، ظهرت بُقعة بيضاء للعيان في وسط ذلك السواد.
- إنه بالتأكيد "ندف الثلج". قال الكبشُ و هزَّ قرنيه.
- عليه أن يغتسل. نحن نريد أخانا الأبيض مرّة ثانية. صرخ إخوته الثلاثة.
و هكذا أخذ الاخوةُ الثلاثةُ السودُ في مطاردة "ندف الثلج" الى الأسفل نزولاً باتجاه البحر، داروا حول التلّ الصخري حتى وصلوا المياه الحالكة.
و لكن بقي " ندف الثلج" واقفاً على حافة المياه. وقف مرتجفاً و لم يجرؤ على القفز في الماء، خوفاً من أن يأكله البحرُ مثلما كان يأكل ندف الثلج المتساقط عندما كان
صغيراً وقت عيد الفصح.
- إقفز! صرخ إخوته الثلاثة و دفعوه، فقفز في البحر.و عاد أبيض ثانية.
في نفس الوقت، سمعوا الفلاح هيلمان كوفود. كان قد وقف فوق التل الصخري و شاهد ما كان يحدث. و عندما قفز "ندف الثلج" غاطساً برأسه في البحر، قفز هيلمان
كوفود بسرعة وراءه مُنقذاً الحمل نحو اليابسة ثانية.
وقف الحملان الثلاثة السود و بحلقوا في منظر الفلاّح و هو آتيٌ حاملاً "ندف الثلج"، الذي أصبح الآن أبيض تماماً مرةً أُخرى. و هذه المرة، لم يكن للكبش رغبةٌ في نطح
هيلمان كوفود في الخلف.
- الآن سأنقلُ "ندف الثلج" الى أغنامي البيض الأُخرى في الأعلى حتى ترتاحوا أيها السود. قال الفلاّحُ.
و هكذ اختفى الفلاّح مع "ندف الثلج" الذي كان مبتلاًّ، أبيض، و قوائمه ترتجف.
في الحقل خلف الغابة، كانت ترعى النعاج البيض ال66 و الأكباش الصغار البيض ال 22. أخذوا في المأمأة أخذوا في المأمأة جميعاً عندما أقبل "ندف الثلج"، و
لكنهم اعتادوا بسرعة عليه لأنه كان أبيض مثلهم تماماً.
و لكن "ندف الثلج" لم يستطع أبداً التعود على النعاج ال 66 و الأكباش ال 22 و الذين كانوا يشبهونه.
في كل ليلة، كان عليه أن يعُدَّ أغناماً سوداً حتى يستطيع النوم. و كان يحلمُ بطيور سوداء. و بين فترةٍ و أُخرى، و زيادة على ذلك، كان يحلُم بالبحر الأسود. و الشيءُ
الوحيدُ الذي كان قادراً على اسعاد "ندف الثلج" كان الظلامُ الأسودُ،، لأنّ ذلك يدعه يشعرُ بنفسه قريباً من عائلته القديمة.
ٌ عندما أصبحَ "ندف الثلج" كبيراً بشكلٍ كافٍ ليُدعى كبشاً قرَّرَ أنه يوماً ما سوف تدخل حياته نعجةٌ سوداء. "ندف الثلج" كان بالأحرى الكبشَ الوحيدَ في حقل هيلمان
كوفود الذي عرف أنه يعيشُ هناك أيضاً نعاجٌ سودٌ في هذا العالم. و أنّهنَّ لم يكنَّ أبداً يقطنَّ بعيداً جداً. و بالتحديد، فهنَّ يقطنَّ الى اليمين قليلاً من التلّ الصخري بجانب
البحر على طرف قرية سفانكي.
Familiens Hvide Får
للمؤلف الدنمركي: Sven Holm
ترجمها: سليم محمد غضبان عام 1996 و نُشِرت في الدانمارك.
إهداء المترجم
الهجرة هي الغربة و الحنين الى الوطن عند البعض. و هي كابوسٌ يقُضُّ مضاجع بعض المهاجرين. و هم الذين تناولهم هذه القصّة. أمّا بالنسبة للكثيرين من شبابنا الناشئة
فهي حُلُمُ المستقبل. إلى هؤلاء أهدي ترجمة هذه القصة علّهم يجدون فيها عبرةًً ما.
الغَنمةُ البيضاء
سكن الفلاّّحُ هيلمان كوفود في مزرعةٍ صغيرةٍ بجانبِ البحرِ، الى اليمين قليلاً من تلّ صخري. يقعُ التلُّ الصخريُ خارج قرية "سفاننيكي" في جزيرة بورنهولم. كان
هيلمان كوفود يملكُ نعجةً سوداء و كبشًا أسودَ. لقد كانَ فخوراً جدّاًً بهما. و حسبَ عِلمهِ فقد كانا الوحيدين الأسودينِ في كلِّ جزيرة بورنهولم ، و رُبما في كلِّ الدانمارك.
كانتا فروتاهما من السواد بحيث أن هيلمان كوفود، وبهدف الحفاظ عليهما، كان يدعهما يتمشيان وحيدان في الحظيرة المنحدرة بجانب البحر. و هدذا لم بكن باستطاعتهما
رُؤيةَ الأبقار أو الأحصنة، كما لم يستطيعا على الاطلاق رًؤية ذلك النوعَ من الأغنام ذا اللون الأبيض.
أخذت النعجة والكبش في الدوران في الحقل و المأمأة في كل مرة تلاقيا ببعضهما البعض. بهذه الطريقة ترسّخ لديهما طوال الوقت أنهما ليسا وحيدين.
في أحد الأيام طغت السعادة عليهما عند ملاقاة بعضهما البعض، و قفز الكبش على ظهر النعجة، فأرخت النعجة ركبتيها قليلاً للأسفل. لقد كان هو اليوم الذي حملت فيه
النعجة. لم يأخذ هيلمان كوفود كثيراً من الوقت ليعرف أن نعجته السوداء كانت حاملاً.
- أستطيع أن اعرف ذلك من صوتها عندما تُمأمأ و أنا فخورٌ جداً بذلك. قال الفلاّح.
كانت النعجة السوداءُ ستلد قبل عيد الفصح مباشرة. عندما يغطّي الثّلج الحقول و يتراكم فوق سطح مزرعة هيلمان كوفود، الواقعة الى اليمين قليلاً من التلّ الصخري ،
كما يغطي الثلج أيضاً سطح التلّ. المكان الوحيد الذي لا يُغطي بالثلج هو سطح البحر. يُصبح البحر قاتما ورُؤيته تجعل المرء كئيباً، و في كل مرة يلامس الثلجُ فيها سطح
البحر يختفي بسرعة و كأن البحر يأكله.
وقف الفلاّح هيلمان كوفود يرقب النعجة حين حانت ساعة الولادة. كان الكبشُ يقف هناك أيضاً، و لكنه حافظ على مكانه بجانب التلّ الصخري بحيث كان باستطاعته
الاختباء إذا أحسَّ برغبةٍ في ذلك.
الحملان الثلاثة الأولى تمت ولادتهم الواحد تلو الآخر. مأمأت النعجة و أغلقت عينيها، بينما كان هناك حملٌ صغيرٌجديدٌ أسود اللون، أخذ في الانتفاض على الثلج.
و كان واضحاً للمرء أنّ الحَمَلَ الرابع من الصعوبة بمكان ولادته. مأمأت النعجة و لم يحدث شيءٌ، هنا علا صوت النعجة و لكن دون نتيجة. أخيراً مأمأ الحمل مع
النعجة، و بعدها، و برغم مواصلة النعجة المأمأة، فلم يظهر حملٌ آخر.
هكذا فرك الفلاّح هيلمان كوفود يديه بينما أخذ الكبش في نطح حبّات الثلج.
عندما هدأ الفلاّحُ و الكبش مرة ثانية، اكتشفا أنّ النعجة قد ولدت حَملهل الرابع. فقد كانت واقفةً على قوائمها تلحس الحَملَ. ولكنَّ الحمل كان غريباً جداً. بالتحديد لم يكن
أسودَ، كان لونه أبيض بالكامل.
- لماذا تلدين لنا فجأة حملاً أبيض؟ سأل هيلمان كوفود.
- إنه حملٌ جيدٌ ذو طبيعةٍ خاصّة. إني لم أسمع أبداً قبلاً عن أغنامٍ بيض. قالت النعجة لنفسها.
عضَّ الفلاّحُ على شفتيه و مشى داخلاً مزرعته آسفاً لكون أحد الأغنام وُلد أبيض كغيره من الأغنام العادية.
عائلته و صوب العالم الأبيض من حوله. ولأول وهلة اعتقد الحمل جازماً أنّ العالم الأبيض أيضاً كان من عائلته. و كان الحمل الأبيضُ قد وقف على قوائمه الأربع و نظر
صوب
- الأغلبية هي بيضاء مثلي. حدّث الحمل نفسه. إنهم أولئك فقط الذين يتراكضون حولي الذين لونهم أسود.
كان الحمل الأبيض يريد أن يبرهن على أنه أيضاً يستطيع الركض و اللعب. لذلك قفز نحو الحقل فوق حبات الثلج و بين إخوته الثلاثة السود. من أعلى كان يطيرعددٌ من
الطيور السود حوله يصخبون.
في المساء عندما حان وقت رضاعة الخراف من ضرع أُمهم، اكتشف الحمل الأبيضُ أن الحليب لونه أبيض أيضاً. سعدَ الحمل بذلك، و لكنه لم يتفوه بكلمة حتى لا
يتضايق اخوته عندما يتحققون أن الحليب ليس له نفس اللون الأسود الذي لهم.
بعد ذلك، هبط ظلام الليل و نامت الأغنام جميعها بجانب النعجة بينما نام الكبش بعيداً بعض الشيء.
أغلق الحمل الأبيض عينيه باطمئنان بينهم. و كان سعيدا لكون الظلام أسود حيث أنه اعتاد على رؤية هذا اللون عند النظر الى عائلته.
حيث أن الفلاّح هيلمان كوفود قد انزعج لكون أحد الحملان غنمةً بيضاء; و لأنه لم يستطع تحمُّل ذلكط، قام بدخول الحظيرة لكي ينقلها الى مكان آخر.
لم يكن الفلاّحُ محقّاً في ذلك. لأن الكبش الأسود كان فخوراً بالحمل الأبيض فهبط برأسه و نطح هيلمان كوفود في مؤخرته. لو لم يكن التلّ الصخري في مكانه هناك، لكان
الفلاح قد طار و سقط في البحر، و لكان البحر المظلم قد ابتلعه بالتأكيد. ولكنهالآن وجد نفسه في المقابل يغوص بيديه و رجليه في الثلج فوق التلّ الصخري.
أخذ هيلمان كوفود ينفض لثيابه، و نظر بغضبٍ بصوب الكبش. و لكنه توقف عن محاولاته لنقل الحمل الأبيض الى قطيع الأغنام البيض الذي كان يرعى في الجانب
الآخر من الغابة في الأعلى.
- دعينا نسمي حملنا الأبيض "ندف الثلج". قال الكبش للنعجة.
- أعتقد أنه الحمل الأجمل في كل جزيرة بورنهولم، و ربما في كل الدانمارك. أجابت النعجة.
- نعم، و إلاّ لِمَ أتى لونه أبيض؟ تساءل الكبش و أخذ ينفضُ فروته السوداء.
بعد عيد الفصح مباشرة أصبح الطقس أدفأ كثيراً. إختفى الثلج من الحظيرة و من على سقوف مزرعة هيلمان كوفود، الواقعة على اليمين قليلاً من التلّة الصخرية.
إختفى الثلج أيضاً عن التلّة الصخرية و زعقت الطيورُ، و دار الكبشُ أربع مرات حول نفسه احتفالاً بقدوم الرّبيع.
الوحيدُ الذي لم يكن سعيداً هو الحمل الأبيضُ "ندف الثلج". لم يشعر بنفسه وحيداً على الاطلاق مثلما يشعر الآن. فجأة، رأى أن فروته ناصعة البياض أكثر من اللزوم.
نعم، كان الوحيدَ في العالم كله ذا اللون الناصع البياض مّما يؤذي العينين عندما ينظر المرء اليهما.
داخل الحظيرةِ تراكض الأب الأسود ل "ندف الثلج" مع إخوته الثلاثة. و داخل الاسطبل رقدت أُمه السوداء و نامت.
تحقّقَ "ندف الثلج" فجأةً أنه يعشق كل ما كان أسود، كُلاً من البحرِ و الظلامِ و الطيور السود، بالرغم من انَّ الطيور معتادةٌ على الزعيق بشكلٍ يدعو للانزعاج كلما
هبّت الريحُ على الأشجار. كان "ندف الثلج" يشعُرُ بنفسه أبيضَ تماماً قبل الحادثة.
أخذ يفكر ماذا عليه أن يعمل بتلك الكتل الصوفية البيضاء التي تغطي جسمه بالكامل. فجأة، خطرت له فكرةٌ خاطفة:
إنه يريد أن يقوم بنفسه بتغيير لونه ليصبح أسود مثل عائلته.
بينما أخذ الظلامُ في الهبوط، انطلق " ندف الثلج" خارج الحظيرة، حيث كان الآخرون قد نبشوا الأرض بأقدامهم. هناك، رمى بنفسه متمرّغاً في الوحلِ، و لطّخ نفسه
تماماً فوق ظهره و بطنه.عندما وقف بعد ذلك أمام عائلته داخل الأسطبل، اعتقدوا أن حملاً جديداً قادمٌ عليهم داخل حظيرتهم.
- ما هذا الحمل الفاحم السواد؟ تساءلت النعجة.
- ما هذا الحمل العادي تماماً؟ تساءل الكبشُ.
- أين أخانا "ندف الثلج"؟ تساءل إخوته.
- إنني أقف ههنا، لقد أصبحتُ فقط أسود مثلكم تماماً.
في البداية، لم يتفوّه أحدٌ من عائلة "ندف الثلج" بكلمة.
هكذا جرت النعجةُ الأُم نحو "ندف الثلج" و بدأت في لحس رقبته. فجأة، ظهرت بُقعة بيضاء للعيان في وسط ذلك السواد.
- إنه بالتأكيد "ندف الثلج". قال الكبشُ و هزَّ قرنيه.
- عليه أن يغتسل. نحن نريد أخانا الأبيض مرّة ثانية. صرخ إخوته الثلاثة.
و هكذا أخذ الاخوةُ الثلاثةُ السودُ في مطاردة "ندف الثلج" الى الأسفل نزولاً باتجاه البحر، داروا حول التلّ الصخري حتى وصلوا المياه الحالكة.
و لكن بقي " ندف الثلج" واقفاً على حافة المياه. وقف مرتجفاً و لم يجرؤ على القفز في الماء، خوفاً من أن يأكله البحرُ مثلما كان يأكل ندف الثلج المتساقط عندما كان
صغيراً وقت عيد الفصح.
- إقفز! صرخ إخوته الثلاثة و دفعوه، فقفز في البحر.و عاد أبيض ثانية.
في نفس الوقت، سمعوا الفلاح هيلمان كوفود. كان قد وقف فوق التل الصخري و شاهد ما كان يحدث. و عندما قفز "ندف الثلج" غاطساً برأسه في البحر، قفز هيلمان
كوفود بسرعة وراءه مُنقذاً الحمل نحو اليابسة ثانية.
وقف الحملان الثلاثة السود و بحلقوا في منظر الفلاّح و هو آتيٌ حاملاً "ندف الثلج"، الذي أصبح الآن أبيض تماماً مرةً أُخرى. و هذه المرة، لم يكن للكبش رغبةٌ في نطح
هيلمان كوفود في الخلف.
- الآن سأنقلُ "ندف الثلج" الى أغنامي البيض الأُخرى في الأعلى حتى ترتاحوا أيها السود. قال الفلاّحُ.
و هكذ اختفى الفلاّح مع "ندف الثلج" الذي كان مبتلاًّ، أبيض، و قوائمه ترتجف.
في الحقل خلف الغابة، كانت ترعى النعاج البيض ال66 و الأكباش الصغار البيض ال 22. أخذوا في المأمأة أخذوا في المأمأة جميعاً عندما أقبل "ندف الثلج"، و
لكنهم اعتادوا بسرعة عليه لأنه كان أبيض مثلهم تماماً.
و لكن "ندف الثلج" لم يستطع أبداً التعود على النعاج ال 66 و الأكباش ال 22 و الذين كانوا يشبهونه.
في كل ليلة، كان عليه أن يعُدَّ أغناماً سوداً حتى يستطيع النوم. و كان يحلمُ بطيور سوداء. و بين فترةٍ و أُخرى، و زيادة على ذلك، كان يحلُم بالبحر الأسود. و الشيءُ
الوحيدُ الذي كان قادراً على اسعاد "ندف الثلج" كان الظلامُ الأسودُ،، لأنّ ذلك يدعه يشعرُ بنفسه قريباً من عائلته القديمة.
ٌ عندما أصبحَ "ندف الثلج" كبيراً بشكلٍ كافٍ ليُدعى كبشاً قرَّرَ أنه يوماً ما سوف تدخل حياته نعجةٌ سوداء. "ندف الثلج" كان بالأحرى الكبشَ الوحيدَ في حقل هيلمان
كوفود الذي عرف أنه يعيشُ هناك أيضاً نعاجٌ سودٌ في هذا العالم. و أنّهنَّ لم يكنَّ أبداً يقطنَّ بعيداً جداً. و بالتحديد، فهنَّ يقطنَّ الى اليمين قليلاً من التلّ الصخري بجانب
البحر على طرف قرية سفانكي.
تعليق