الروائى الأمريكى جون شتايبنك
ولد جون شتاينبيك في ساليناس ، كاليفورنيا عام 1902 . وتقع بعض أفضل المشاهد من قصصه في تلك المنطقة
كتب عشرات الروايات و أيضًا مذكرات، و من أشهر أعماله:
- كوب من ذهب : روايته الأولى، صدرت عام 1929. تكلمت القصة عن الأوقات السعيدة والحزينة في حياة العائلات الفقيرة في الجزء الغربي من أمريكا.
- شقة تورتيلا : نشرت في 1935 ، و كانت أول نجاحاته وهي عبارة عن كتاب حول مغامرات البايسانوس
- معركة سجال 1936 تتحدث عن قصص حياة رجال شباب في أوقات عصيبة.
- عناقيد الغضب.
- عن فئران و ورجال. 1937 تتحدث أيضاً عن قصص حياة رجال شباب في أوقات عصيبة.
- شرقي عدن : رواية صدرت في 1952 ، وهي قصة طويلة تنتهي في زمن الحرب العالمية الأولى.
- أفول القمر: وتتحدث عن سيظرة الألمان على قرية نرويجية صغيرة خلال الحرب العالمية الثانية.
- شتاء السخط:تتحدث عن سقوط الأنتهازية في شخص وصولي.
- شارع السردين المعلب.
- فاز بجائزة بولتيزر في 1940 عن رواية عناقيد الغضب .
- في 1962 فاز بجائزة نوبل للآداب عن رواياته وأعماله العديدة.
- حولت كروم الغضب إلى فلم شعبي في 1941
- حول كتاب شرقي عدن إلى فيلم في 1955من بطولة الممثل جايمس دين .
- أصبح كتاب المهر الأحمر أيضاَ فيلمًا هوليووديًا في 1949 ومرة أخرى عام 1973 من بطولة هنري فوندا
الفئران و الرجال
http://www.4shared.com/file/20986370/6ccce843/___online.html
مراعى الفردوس
http://www.4shared.com/file/21246383/7b1db340/___online.html
شطحات ثعبانية
"الثعبان"
للقاص الآمريكي جون شتاينك
من المجموعة القصصية " الوادي الطويل"
ترجمة سرحان الغول
قصة معقدة غير ممتعة ، ، رمادية ، تنقض مخالب رمزيتها باعثة من قبور الذاكرة براكين نعتقد أن لا حول لها ولا قوة وخامدة , إلاّ أنّها تضعنا بمواجهة تآكلات الذوات التي بعد ما زال مسلسل خراباتها مستمرا على امتداد أزمنة خريطتنا الإنسانية..!
قبل الثعبان والرمز ، ورغم اعجابي ببعض نتاجات الكاتب الأمريكي جون شتاينبك ، كعناقيد الغضب ، اللؤلؤة ، ثم غاب القمر وغيرها .. لكنني غير قادرة على فهم أو تبرير تنكره لمواقفه الإنسانية والأخلاقية وقضايا الحرية والعدل الاجتماعي التي دافع عنها في رواياته ، حينما ذهب إلي فيتنام وحث الجنود الأمريكيين على قتل الفيتناميين ، موقفه هذا كمثقف ومبدع ملتبس وغامض حتى الآن ، على الأقل بالنسبة لي رغم كل قيل في تبرير ذلك . لربما يقول قائل أن حالة الانتقال من موقف فكري وسياسي إلى آخر حالة مفهومة نسبيا ، حيث تمر عبر عملية تحول طويلة وممتدة يتم فيها مراجعة أسس وركائز الموقف السابق على ضوء تأمل الواقع والوقائع ، والتهيؤ لتبني موقف فكري آخر جديد ، ولكن ذلك مثير للجدل والالتباس ، فكيف يمكن فهم إدانات كاتب مبدع كشتاينبك لمجتمعه الامريكي السياسي والمدني ، كالتي تلمستها هنا في هذه القصة القصيرة ، وفي نفس الوقت يذهب ليتخندق مع الظلم والاحتلال والقتلة ..!!
قبل ولوج دهاليز القصة والرمز، لابدّ من الاشارة للترجمة المتقنة والدقيقة..خاصة أن السردية في هذه القصة تختلف عن القصص الأخرى في نفس مجموعة الوادي الطويل ، القائمة بشكل أساسي على الوصفية في أجواء معقدة بتوتر عال ، مليئة بالرموز النفسية مما يُصَعِّبُ دور المترجم ، في الإبقاء على أجواءها من خلال التعبير اللغوي الآخر ، اضافة الى دقة اختيار الكلمات التي يبدو بعضها فجا في بعض الأحيان " تلمست ذلك في قصة ازهار الاقحوان " في نفس المجموعة ، ولا أدري ان كان ذلك بهدفية الإمساك بدقة المعنى انما هذا الذي بدا فجّا كان وفقا في خلق ذات الاجواء في القصة الاصل ..
في الوادي الطويل ص 48 ثمة مكان .. حيز محدد لا لبس فيه ، معمل للتجارب ظاهريا ، باطنيا دولة التكنوقراط بكل أهدافها العقلانية المعلنة ، تناقض أفعالها ومأساة نتائجها ، وفي كل الأحوال ثمة قتل مبرر وآخر غير مبرر ، قوى شريرة تعتقد أو تتظاهر بطيبتها ..
الكثير من المعاني التي ربما كان بعضها ثانوياً وبعضها الآخر جوهريا وذلك بحسب زوايا الرؤية لها ينطلق منها الحديث عن ثعبان القصة ، حيث يحاول ادانتها شتاينبك بعبارة ترد في السياق السردي على لسان بطلها الدكتور فلبس ص 53 : شابت لهجته رنة لاذعة . فهو يكره الناس الذين يحولون العمليات الطبيعية الى رياضة . ولم يكن رياضيا ، بل عالم احياء . يمكنه ان يقتل الف حيوان لاجل المعرفة ، لكنه لا يستطيع ان يقتل حشرة لاجل المتعة . لقد فكر في هذا الامر من قبل . رغم هذا التبرير العقلاني للدفاع عن قيمة العلم البحثي التجريبي الحداثي إلاّ انه ومن البعد القيميّ الأخلاقي الإنساني غير مبرر ابدا للحياد المعرفي ، لذا ..!! فقد تحول المكان برمته أداة أفعى خفية لم تظهر في السرد ولكن أنفاسها موجودة داخل الصفحات ، مستمدة طاقة قواها التدميرية من كل ما يدور في ذلك المكان ..
الأجواء النفسية.. نمسك اولى خيوطها ببداية السردية بعبارة : بدأ الظلام يخيم .... و ينتهي السرد : لكنه لم يرها ثانية – ابدا . العتمة النفسية منذ البداية ولغاية النهاية ، وفيما بينهما كمٌ من الأجواء المشحونة بالتوتر والقلق والترقب . هذه القصة تختلف عن بقية القصص في نفس الكتاب من حيث الوصف التفصيلى الدقيق للأبعاد النفسية التي تتمازج فيها فسيولوجيا الجسد بكل تفاعلاتها الكيميائية والبيولوجية ، مؤثرة على الأعماق السيكولوجية الإنسانية والحيوانية المعقدة في تشابه وتماهي عجيب ، تتضح نصاً وتظهر بوضوح في التجريب المعملي على الحيوانات الذي هو بالمحصلة على الانسان ، متزامنا لعملية الالتهام أي ذروة الحدث بطريقة مكثفة ودقيقة للغاية دراميا ..
الزمان محدد أيضا ، وإن كانت الفقرة الأخيرة تروح لأسابيع مفتوحة ، أي المستقبل القلق الغامض ، بينما أحداث القصة تدور بتكثيف شديد في زمن مدته أقل من ساعة ، إلاّ أنّ تكثيف ذروة الحدث الرهيب والصراع نشهده خلال أقل من دقيقة ويأتي مجسدا عبرالفعل الثعباني كرمز للخلق والبناء و الدمار بطريقة مذهلة ومخيفة ، والانسان "برمز الثعبان " خُلِقَ تركيبا من قوتين متضادتين ، فيروح السم الى القلب ليكون الصراع ، اتحاد، والاتحاد قوة ، ولكن أي قوة ؟؟؟ ..
الشخصيات الرئيسية ( أي ما بين أهل الإنس والحيوان ) الظاهرة في النص : أربعة ، يرافقهم كومة من الكومبارس الحيوانات الأخرى في المعمل ، لتأكيد فعل وتحول طاقة القوة بطريقة غير مباشرة . يتم تقديم وصف ( لمحركيّ الحدث الرئيسيين ) يبدو أنه مباشر ولكنه رمزي بالدرجة الأولى فالمرأة شخصية زلالية متناقضة رغم برود انفعالها الخارجي ولكن ثمة اشتعال داخلي أقرب الى شخوص "كولن ويلسون" التي لا تنتمي الى وجود حقيقي انما مشبعة بكل ما هو متناقض في الواقع . ويبدو أنّ ذاكرتها تمتلىء بالأموات الساخطين على الأحياء ، لذلك خاضت استعادة الحدث و لم تعاود زيارة ثعبانها ، لربما تعاوده الزيارة لمّا تحتاج طاقة جديدة رغم أنّ العبارة الأخيرة في النص قاطعة : ولم تعد ابدا ..!! إلاّ أن التحولات في الطاقة ليست قطعية ، فلا بدّ من اعادة بناءها ودمارها وهكذا دواليك ..
الدكتور الباحث فلبس يؤدي عمله بشكل محترف ، لكنه متردد قلق مهزوز . فحيادية المعرفة التي يعلن عنها في وعيه ليست على درجة كافية لمنحه عمق وثقة الاقتناع الساكنة في دهاليز أعماقه ، ربما مرد ذلك عدم الاقتناع الداخلي بالتبريرات والذرائع للنتائج التي يقوم بها وهو المتقوقع في معمله منعزلا عن التحولات الإنسانية في الخارج ..!! ينسحب ذلك على العلماء بتحولهم الى لاعبين متحكمين أساسيين في مصائر البشر منذ العصر الصناعي فاقدين حيادية المعرفة بعيدين عن مشكلات الناس الحقيقية بل هم وراء تعقيداتها ، لذلك لم ولن يحكموا العالم فقواهم حبيسة الجدران ، حيث تتحول مفاتيح سلطة المعرفة الى ثعبان خارج المكان نتلمس أنفاسه بين دفتي الكتاب..
الغريب في القصة أن سرير الباحث العالم الدكتور عبارة عن سرير عسكري ص 9 ، والذي يشي بالزواج الكاثوليكي بين السلطة السياسية المتعكسرة وسلطة العلم منذ العصر الصناعي والى العصر المعلوماتي..!!
البطل الرئيسي في القصة ثعبان مسجون فينا جميعا منذ الأزل ، فاعل ومفعول به ، ظاهر في القصة وثمة آخر مخفي خلف السطور ، أما الجرذ فهو الدور المساند والمهم للغاية ، الكومبارس الذي يمنح الثعبان بطولته ، لكنهما متماهيان في الشخصيتين المحوريتين المرأة والرجل ، فحينا يكون الرجل ثعبانا أو يصير جرذا ، وكذلك المرأة تتداخل في الرمزين .. ويبقى الثعبان برمزه الأساسي بيولوجيا ، وسيكولوجيا بطاقة فيزيائية دمار البناء ، وبناء الدمار .. صراع يتجسد في ثعبان أنثى بداخل ذكر ، وثعبان ذكر بداخل أنثى فهي الحياة ..
يتضح رمز الثعبان في مشهد صعب ، معقد ، شديد التناقض ، حيث اللاشعور غير الطبيعي يتبدى في فعل المراقبة لدى كل الأطراف المُشَارِكة هنا في هذا المشهد تحديدا مرافقا لعمليات تفاعل بيولوجية تُجرى على الكومبارس لها دلالتها وتأثيرها على الحالة النفسية لهؤلاء المراقبين الأساسيين ، وبوصفية دقيقة للحظات الإلتهام ، أو بتعبير رمزي أيضا الاغتصاب ، صور ترقب سريعة قلقة لدى الدكتور المنفذ الرئيسي للحدث لربما يتناقض ذاك الاحساس المكثّف لدى المرأة التي ترقب حدثا صنعته بقرارها .
فعل المراقبة فعلا مدهش حتى بين الثعبان والجرذ ، فالضحية ترقب قاتلها والقاتل يرقب الضحية بوصفية دقيقة مرعبة وخاصة للانقضاض ، و بتتداخل متفاعل مع العنصرين الأساسيين حيث الدكتورالباحث الحائر ، والمرأة التي تعاني من أعراض التعبير عن الكرب المبرِّح بتفاعلات جارية في اللاشعور اي انها إعادة تفعيل لقدرتها المدمرة ، لذلك أعتقد انها لم تعد كما وعدت للمعمل رغم شرائها الثعبان ، فقد راحت للمكان الأوسع بطاقة رمزية للتدمير أو البناء ، الحياة أم الموت ، إلاّ انها ستعود حتما حالما تفقد طاقتها أو ستتجه الى مكان بديل سيمنحها قوة وطاقة ثعبانية ..!!!
أتوقف مليا أمام تساؤلات بريئة وضعتني القصة بمواجهتها :
لماذا الباحث العالم الرمز للحقيقة ، في هذا الجو الكئيب ؟؟
لماذا لم تحاول الضحية الدفاع عن نفسها ؟؟
ترى ماذا لو أطلقت صرخاتها وزعيقها أكان ثمة بصيص أمل للإفلات من حصارالدمار المتربص بها ؟ أم لن يعدو الأمر قرقعة وطحنا في الهواء كما هو واقعنا الحالى من المحيط الى الخليج ..؟
كان للضحية فرصة الانقضاض و محاولة المقاومة ولكنها لم تفعل ذلك بل استسلمت بالمطلق ، أهي متعة الألم أم ألم المتعة في تناقض حاد بين الطبيعي وغير الطبيعي ، ومراقبتنا لذواتنا تُُغْتَصَب أرضا ، ذاكرة ، مستقبلا ، وإنسانية ؟؟
هل كان لأي محاولة دفاعية أو هجومية من قبل الضحية أي تأثير على تغيير موزاين القوى داخل القفص وخارجه أي على المراقبيْن الآخريْن "الدكتور والمرأة "في إيقاف قرار هذا الحمام العاطفي او الدمار ؟
وما مدى استمتاعنا نحن بدور الضحايا أو مراقبة الضحايا .. ؟؟
وبالمقابل ألا يشبع الدمارالبشري القائم على بناء وهدم ذاته ..؟؟ أوليست الزلازل تتوقف بعد انتهاء سلسلة زلازلها الثانوية ، والعواصف تهدأ بعد حين ؟؟ لما للانسان كل هذا الجبروت والتعطش للدمار بذريعة البناء.. لما للنهم الثعباني كل هذا الأفق الممتد الى مالا نهاية ؟؟
لربما القصة تذهب ببعضنا الى التفسير الجنسي البحت وخاصة أمام الوصف الدقيق لالتهام الأفعى الجرذ ، بهذا الرصد الدقيق المكثف لردود فعل الشخصيتين للمشهد ، إلاّ أن عبارة الدكتور فلبس التي تبدو وكأنها في هذا الاتجاه تأخذنا الى منحى آخر أكثر تعقيدا وتشابكا والتباسا : ادار دكتور فلبس كرسيا ، وجلس مواجها قفص الثعبان . حاول ترتيب افكاره وهو ينظر الى الثعبان المتبلد . فكر : "قرات الكثير جدا عن رموز الجنس النفسية . ولا تبدو انها تفسر هذا . ربما ظللت وحيدا مدة طويلة جدا . لعلي يجب ان اقتل الثعبان . لو اعرف .. لا لا استطيع ان اصل الى اي شيء ..
ثمة ما يقلق الكاتب من مجتمعه ومحيطه وهو العارف ببواطنه وما يخفيه كالتي تخرج من المراكز البحثية المعملية والتجارب العلمية التي تقدم أشكالا من الموت والقوى التدميرية لمن يدفع لها أو يسير شؤونها ، ومن ثم ينفلت الأمر من بين يديها بتكتم شديد وتحت سمعهم تئن البشرية ، فمثلا عانت وما زالت الغابات الاستوائية في امريكا اللاتينية من النحل القاتل الخارج من المعامل البحثية الامريكية كنتيجة لتزاوج نوعين من النحل مما ادى الى نوع جديد لسعته قاتلة ، وايضا فيروس ايبولا الذي راح تجريبه على فقراء افريقيا ، والشكوك تحوم حول الايدز على انه صناعة علماء الولايات المتحدة تماما كالشكوك حول فيروس سارس لضرب الاقتصاد الصيني لتمنعه عن الانخراط ببعض دهاليز اتفاقية الجات ، عدم السماح بإيجاد حل نهائي لمرض السرطان بسبب سلطة ومصالح مافيا شركات الأدوية العابرة للقارات .. تدمير البيئة والطبيعة ، افتعال الحروب لتجريب أحدث ما توصلت معاملهم من عتاد وسلاح ، التهام الارض والسماء ، الكبرياء والملامح والأنفاس باسم حقوق الانسان ، وغيرها الكثير البعيد عن نظرية المؤامرة انما المتكيء على تحليل طبيعة ادارة المراكز البحثية العلمية والفكرية في الولايات المتحدة وطرق تمويلها ، فليس الحياد المعرفي هدف مموليها بل شراهة امتلاك سلطة المعرفة للتحكم بالقوة الأحادية المطلقة في كل الاتجاهات، فثمة افعى خارج النص ..
جون شتاينبك الذي يُعدّ من الكتاب الامريكيين البارزين والحائز على جائز نوبل عارف بخبايا مجتمعه وطريقة ادارة السلطة فيها ، فهي ليست من اعلى الهرم السياسي بل من حيث سلطة العلم بكل تفرعاتها المانحة القوة للمنفذين ، وعندما نعرف تنقله مهنيا وعلميا وخبراته الواسعة في شتى حقول المعرفة كعلوم الاحياء والزراعة وطبوغرافية الأرض والتجارة وتأرجحه على حبال السياسة نتيقن أن ثعبانه يتعدى قصة قصيرة بمدلول نفسي حسي ..
ولكن ، لماذا لجأ الكاتب للإيحاء الجنسي في قصة كل أحداثها تدور في مختبر علمي تجريبي على الحيوانات .!! أهي عزلة عالم .! اعتقد ان ذلك مرده تأثر الكاتب بنظريات فرويد النفسية التي كانت في زمنه الأكثر توهجا بين الأوساط الثقافية ، تلك النظريات التي كانت تردّ كل الدوافع السلوكية الى العقد الجنسية الطفلية اي الطبيعة هنا في المعمل ، اضافة لتأثر تشاينبك بميثلوجيا الهنود الحمر في نظرتهم الميتافيزيقية لقوى الثعبان التي أجاد فعلا جون تشاينبك توظيفها الى أبعد حدود ، مما أدى بالقصة عدم البقاء رهينة زمن كتابتها وما حملته آنذاك من قلق مرحلة الحداثة بل حملت رموز الأزل الى آلام ومخاوف وتشظي وهواجس مرحلتنا اي المابعديات من جبروت وسلطة قوى تدميرية قائمة على فعل الالتهام والاغتصاب ..
لتشاينبك مقولة شهيرة : إننا( ويقصد بلده ) حصيلة هذا التآكل الذي يضرب العالم....! وبالمقابل الباحث الدكتور فلبس يقول في السردية هنا وقد خرجت القوى التدميرية من معمله أي من سلطة العلماء : لا ، لا استطيع ان اصل الى شيء .
يتفنن تشاينبك في إبراز المعنى من الحالة الجسدية الى المعنوية من سيكولوجية الفرد لتمس كم الخبرات المجتمعية بتوظيف رائع للثعبان محولا قصته لرمز أبعد واشمل بادانة مجتمعه المتنامي القائم على أساس مفهوم الالتهام ، لم يتنبأ تماما لكنه منحنا مفاتيح ذلك قبل عقود من الزمن ، وقبل رؤية نظامه بمؤسساته التى تغولت واشتد أوار جوعها لمزيد من الالتهام الذي يأخذ أشكاله المتعددة ، وها هي تلتهم العالم من منطلق مفهوم الجوع والتعطش للقوة وليس الإثارة ، تماما كثعبان تشاينبك في الوادي الطويل ..
ثمة مصطلح اقتصادي له علاقة بما أحاول الوصول اليه في الإمساك برمز الثعبان هنا في ثنايا السرد ، ففي اوروبا حاولوا إيقاف تراقص وتذبذب العملات الأوروبية بمواجهة الدولار وذلك من خلال نظام أطلقوا عليه تسمية : نظام الثعبان داخل النفق . إلاّ أن الثعبان الاوروبي ضاع في النفق أو في الحقيقة التهمه الثعبان الامريكي بسم خفي وصل القلب مباشرة ، فراحت اوروبا الى نظام ماسترخت عبر لعبة السلالم والمراحل فخرجت باليورو والاتحاد الاوروبي المطنطن ، ورغم ذلك ما زالت غير قادرة على مواجهة دولار الثعبان الامريكي .. ذاك حال الحليف فما حالنا نحن ؟؟
أهو الترقب المرتبك بنشوة بليدة ترمق ثعبانا يلتهم جرذا صامت ، أم نحن الخَرَسَ الذي سكن أفواه الجراذين عبر حمامات دمٍ عاطفية ؟؟
وعودة للقصة وللدكتور فلبس الذي هو ليس سوى صورة نمطية لهوس العلماء الباحثين عن المعرفة والحقيقة المجردة بحياد بليد ممتلكين سلطة تروح قوة للثعبان ، يراقبون حيارى ، فما يحدث الآن في العالم بالتأكيد غير إنساني أبدا ، فقد بدأ الطوفان واستيقظ الثعبان تدريجيا ليدمر الكون ، وخرجت سيدة من معمل الدكتور بطاقة تدميرية اسمها : الأمركة ولها الف وجه وتسمية وقناع ..
نعم السم يروح للقلب فورا ، لكن الكتابة في نهاية الأمر ترويض للثعبان ، ذاك الذي يتأمل بكسل طويل نداءات الجوع ، لكنه مؤكد يتعذب مرتين في كل وجبة ، مرة حين تدور الفريسة وتتقلب داخل الأمعاء وهي نهباً للألم والفزع من الموت ، والمرة الثانية عندما تسكن وتبدأ التقلصات العنيفة التي يتطلبها الهضم، ويصير الرمز هدم بلا بناء ، ثعبان وكتابات نسكنها بقلق ووجع الأسئلة ..
نسي كازانتزاكيس اليوناني حبه الأول بكتابة روايته الجميلة الثعبان والزنبقة ، ترى ماذا أراد أن ينسى تشاينبك من كتابته هذه القصة .!! نعم القصة غير ممتعة ومعقدة ، انما تأخذنا للتأمل العميق في رماد حياتنا ، وما شطحاتي الثعبانية ليست إلاّ زاوية رؤيتي للقصة لربما هناك زوايا رؤيوية اخرى تثري الموضوع ..
جون شتاينبك ومنطق بيلون
أحمد الخميسي - مصر
في عقلي ممر مفتوح بين عالمي الأدب والسياسة، وكثيرا ما أجدني وأنا مغيب في قراءة إحدى الروايات أعبر إلي دنيا الحروب والصراع، أو بالعكس تقودني أخبار أزمة سياسية إلى استعادة عمل أدبي.
مرات عدة يثب إلى ذاكرتي معنى من رواية جون كوتزي "في انتظار البرابرة" كلما تدهور وضع فلسطين، حيث يقول الروائي إن الطريق الوحيد لكي يستعيد الغزاة إنسانيتهم هي أن يرحلوا عن الوطن الذي احتلوه، والسبب في أنني أقطع ذلك الممر ذهابا وإيابا، أن الأدب الحقيقي يعكس عبر الشخصيات والأحداث قوانين عامة أبعد من النص الأدبي، قوانين صالحة لنرى على ضوئها حقائق أخرى اجتماعية وسياسية، هكذا قد يكشف لنا بناء إحدى الشخصيات الأدبية القانون الذي تتقنع به المصالح والحروب.
ومؤخرا صدرت عن "أخبار اليوم" سلسلة "شرق وغرب" رواية جون شتاينبك الشهيرة "تورتيلا فلات" ترجمة سيد جاد، وهي أولى أعمال شتاينبك التي اجتذبت الأنظار إليه بقوة عام 1935، وأعلنت عن بزوغ كاتب عظيم في سماء الأدب الأمريكي، وأعقبتها روايات "رجال وفئران" 1937، ثم رائعته "عناقيد الغضب" في 1939، و"شارع السردين المعلب"، و"اللؤلؤة"، و"شرق عدن" و"مراعي الفردوس" وغيرها مما كتبه الروائي في كوخ منعزل بكاليفورنيا، وصور فيها جانبا من حياته الشاقة وحياة شرائح المعدمين، و"تورتيلا فلات" واحدة من عيون الأدب العالمي المشبعة بنظرة ساخرة رقيقة وتهكم متعاطف مع المهمشين.
في الرواية استوقفتني شخصية بيلون المحتال، حين علم بالمصادفة أن أحد المساكين يخفي كنزا في الغابة، وأراد بيلون أن يضع يديه على الكنز، ويقدم لنا شتايبنك منطق بيلون الذي يبرر به لنفسه الاستيلاء على ثروة الآخرين كالتالي: "قبل أن يتناول بيلون الموضوع راح يعد في ذهنه ترتيبات طويلة مدهشة، شعر بالحزن الشديد من أجل ذلك المسكين، وقال لنفسه: هذا المسكين الناقص النمو، إن الله لم يمنحه كل العقل الذي ينبغي أن يكون له، ليس في مقدور هذا المسكين أن يعتني بأمر نفسه، لأنه كما هو واضح يعيش في عشة دجاج قديمة قذرة، ويتغذى بفتات الطعام الذي لا يصلح إلا للكلاب، ويرتدي ملابس مهترئة، ولأن عقله غير ناضج فإنه يقوم بإخفاء نقوده، والآن بعد أن وضع بيلون للموضوع أساسا من الشفقة، أخذ يمضي نحو الحل.
فكر، أليس من المحمود أن يؤدي المرء لهذا المسكين الأمور التي لا يستطيع هو أن يؤديها لنفسه؟ مثل شراء ملابس ثقيلة له، وتغذيته بطعام يليق بالإنسان؟
ثم قال لنفسه وقد تذكر: ولكن ليس معي نقود لأفعل هذه الأمور؟ ترى كيف يمكن إنجاز هذه الأعمال الخيرة؟، وصاح عقل بيلون: وجدتها.. لدى هذا المسكين نقود، ولكنه لا يملك العقل الذي يجعله يستفيد بها، وأنا لدي مثل هذا العقل، إذن سأقدم له عقلي حتى يستفيد بنقوده، سأقدم عقلي طوعا بلا مقابل، سيكون هذا عملي الخير نحو هذا الرجل الصغير المسكين الناقص النضج".
هكذا وضع بيلون الأساس النظري لنهب الآخر: إنه يقدم عقله للآخرين ليرشدهم إلى طريق الحياة الأفضل! وذلك يسلتزم الاستيلاء على ثرواتهم! هكذا أصبح النهب رسالة إنسانية! وقد ذكرني منطق بيلون بكل الأكاذيب الأمريكية التي تدعي أن لأمريكا رسالة إنسانية، وأنها بغزوها للعراق أرادت "تحريره" وتقديم "عقلها الحضاري" للمساكين هناك لتدلهم على أفضل الطرق لإدارة أوطانهم بنهب ثروات تلك الأوطان!
في العام الماضي، وقف تيم راين أصغر أعضاء الكونجرس الأمريكي سنا في تاريخ أمريكا وخاطب الكونجرس بقوله: "ليست هناك كلمة واحدة صحيحة قيلت لنا عن الحرب في العراق، لقد كذبوا علينا حين قالوا لنا إننا محررون ولسنا غزاة".
يمكن لبيلون، أو للرئيس جورج بوش، أن يتقنع بالأكاذيب من أجل النهب والسرقة، ولكن الحقيقة سرعان ما تتقدم وتتضح في السياسة والأدب، وفي ذلك الممر الذي تقفز فيه الصور الأدبية من عالم جون شتاينبك إلى الحرب الأمريكية على العراق.
الموضوع فى حاجة إلى إضافاتكم
و رؤيتكم
تعليق