ليس غير جزورينه عجفاء
قبل أن يأوي إلى فراشه هذه الليلة ، وارب شيش البلكون كالعادة ، التزق به متلصصا بحذر على الحجرة المقابلة ؛ حيث الشباك على مصراعيه ، والضوء قوى إلى الحد الذي يرى معه بدقة كل ما تقع عليه عيناه.
كانت أرملة إسماعيل ( أبو شملة ) الذي عرف في الحي بأبي مدفع ، أنثى لا تعترف بالوقت ، مكتنزة الصدر قوية كثور ؛ برغم التجاعيد البادية على وجهها . كان لها وجه مستدير بارز العظام ، وعينا أنثى تتجشآن رغبة .. هاهي أمامه ، في مواجهته تماما، ترفع عن جسدها قميصها الوردي بتؤدة ، فتنفرط كتلتا الثدي بقسوة ، تحت ضغط ( الاستك )العنيف ، ثم تستقران ، وشعرها ينحدر منسدلا .. حاضنا الرقبة في تماوج ورشاقة ، و لم يكن الشباك المقابل ليسمح بأكثر من هذا . تقافز بغيظ محاولا الوصول إلى نقطة أعمق ، تململ ، احتم كيانه ، أحس بجيش من النمل يفرى جسده . أغلقت الشباك . ارتمى على سريره باكيا .. رافعا بنطال بيجامته الذي أنزله أثناء التصاقه بالنافذة . تمنى لو يضمها . تدخل في لحمه ، يغور فى لحمها المترهل ، ولو لليلة واحدة ليطفىء هذا الوهج ، يبددها من ذاكرته التي تعلقت بها كدودة علق .
كان قد حزم أمره على ما ظل يراوده ليالي طوال ككابوس ، فكثيرا ما كانت تأتيه بغلالة شفافة ، ولم تكن وحدها ، بل تأخذ بين أحضانها ( أبو شملة ) ، وتصر على أن تريه مواهب زوجها _ هذه المتصابية العجوز _ وكم كان هذا مؤلما. ارتدى بنطاله وقميصه ، التقط بقدميه حذاءه _ الذي لف القطر كله فما وجد غير نسخة وحيدة منه _ تقدم على أطراف أصابعه كلص ، محاذرا ألا يحدث صوتا ، انفلت من الباب ، أصم أذنيه عن النداءات المتكررة ، التي راحت تثنيه عن عزمه ، لا يصدق نفسه . إنه أخيرا ينهى هذا الألم .
هاجمته صورة زوجه التي تركت له كل شيء ، وخلفته غير آسفة ، إلا على سنة عاشتها بنارها على محرقة. أوقفته أمام الباب ، بسخرية تلوت أمامه ، نادت عليه :" لا تفعل .. أنا هنا .. لا.. ". داعب شعر رأسه الخفيف .. هرش بقوة ، نحاها جانبا . كان نداؤها الساحق يتمدد أمامه .. مفسحا الطريق ، ويداها الخشنتان تجرانه بلا رحمة . غزا الدار ، صعد برشاقة قط على درجها المتآكل ، أصبح أمام حجرة ( أبو شملة ) ثنى عوده المديد ، قبل أن يبص سمع دغدغة الماء على جسدها .. ووهوهة تصدر من كتلة اللحم ، تسرى في حلقه المختلج ؛ فتتفتح زهرة القط ، من موتها انتصبت !!
كانت في طشت الحموم ، تليف جسدها الممتلىء. يالرب السموات والأراضين .تتملى مداعبة جسدها الفريد ، وحيدة هي ، زفت بناتها واحدة بعد الأخرى إلى بيوت عدلهن . خمش الباب بأظافره ، رفع يده. سكنت الدندنة .خمش ثانية . بصوتها الأبح همست :" بس .. باقول لك .. بس ".
استمر في خمش الباب . أصاب المرأة رعب قاتل . قطط الليل لا تزجر. انكمشت ، أرهفت السمع ، لملمت جسدها ، حين همت بسحب قميصها ؛ لتحكم إغلاق الباب ، طرح ضلفة الباب ، فانداح دون مقاومة تذكر. كان أمامها بعينين زائغتين ، ووجه مصفى ، وأنفاس لاهثة . دفع قبضة يده فى حنكها ، ألقى بجسده عليها. تهالكت دون مقاومة . وهو راسخ كجبل ، لم يرفع القبضة عن الفم ، حتى تراخى جسدها تماما ، وتفجرت نشوتها ، رفعت غطاءها الليالي القاحلة ، وانكشف فيها السهد والحرمان والوجد .تحولت إلى كائن وحشي، وتجلى شوق السنين في وهج الشفق الغارب . بحثت عن الفارس المقتحم ، ما وجدت غير جثة هامدة ضاوية .. غارقة في بحر عرقها ، تخور وتلهث !!
من يوم رحيل أبى العيال ما دبت في هذا المكان قدم ، اللهم إلا أزواج بناتها الثلاث ، وبعد أن نسيت طعم المؤانسة يجيء هذا الكائن الرخو هكذا _ دون كلمة _ يقلب الدنيا على رأسها :" سوف يذهب ، يراه أهل الحارة فيفتكون بي _ أنا العجوز _ لن أستطيع في هذه السن ، نعم سوف أكون مطمعا لكل دود الأرض في الحارة . لن أتركه ، أربيه أولا ، ثم أقتله ، وألقى به في الخلاء .. نعم ، إنه لا يستحق إلا ذلك الموت ، أعبئه في جوال ، وألقى به لكلاب السكك ".
تكومت حائرة ، حانت منها التفاتة إلى جلد بطنها المترهل.. ثدييها المتفجرين بقوى وثنية ؛ منذ كانت طفلة في العاشرة لم تذق طعما لطفولتها ؛ فبمجرد اهتزازهما ، حرمت من اللعب في الحارة ، لكنها كانت دائما تتسلل ، وكان ينتظرها هناك على جانب التل .
عندما طلبها أحد الجيران الفتيان للزواج رفضت ، كان جزاؤها الكي بالنار . انسحبت تلبس ثيابها. كانت قد رفعت عنه ثيابه ، و ألقت بها بعيدا . تعلقت بالدولاب ، سحبت حبال الغسيل الملونة ، قيدته ، دحرجته تحت سريرها . وهو منهك مذهول . وضعت على فمه عصابة .
نامت غير هانئة ، ترهف سمعها لبكائه .. تقلبه في قيوده ، أكثر من مرة منعت نفسها من إطلاقه ، نعم أذاب كيانها حنانا وشفقة ، لكنها كانت تتذكر لحظة اقتحامه عليها عالمها ، غاشما يبدد صفاء شيخوختها.
في الصباح جرجرته ، حبتان من التوت الطري عيناه ، رفعت عنها ملابسها دون اهتمام ، كشفت له كل شيء دون كلمة ، ثم بكرسي أعادته إلى مكانه .
في الظهر فعلت نفس الشيء ، وقد بدت هالات سوداء تظهر حول عينيه ، بنفس الكرسي أعادته إلى مكانه .
فى المساء أيضا قدمت نفس الوجبة ، أمسى وجهه أكثر امتقاعا ، بذلٍّ أشار إلى الماء ، قدمته له ، طلب أكلا ، لبت دون أن تفوه بكلمة ، أراد يسألها عن هذا المنطق العجيب ، لكنه جبن ، تذكر كل النساء اللاتى غزا خدورهن ، كثيرا مابهرن بحنانه وأبوته الفياضة ، هدهدته لأطفالهن كان لها رائحة لزوجة الطعم الملقى للأسماك ، أما أسلوبه الذي لا يحيد عنه ، ولم يكن يستخدمه إلا المدحورون من المحبين ، مفتاح ذهبي يفتح سراديب ، لم تكن لتفتح إلا به ، وبه وحده ، تختفي الأبواب المغلقة ، وتتراجع كل الحوائل ، حتى الخفي منها ، لم يكن غير الوعد بالزواج ، يغزو خدورهن بفروسية لا يصدقها هو نفسه ، تتحول كما هي الآن ، إلى فثاء لبمجرد خمش قط بباب المكان !!
أربعة أيام متواصلة ، ومع كل وجبة تعرض له نفس الطبق الفريد ، إحساس مدمر ينحت عقله ووجدانه، وقع بين براثن مجنونة ، لا يمكن أن تكون هذه التصرفات لعاقل ، مهما كان ، وهل كان تصرفك لعاقل ؟ لو كانت تريد قتلى لفعلت ، إنها تقتلني بالفعل ، إني أموت ، لو أستطيع لصرخت ، لكن ما الذي سوف تقوله للخلق ؟ هل أجبرتك ؟ جرجرتك ؟ لن يصدقك أحد ، أنت كذاب خطير ، لكن كذبك هذه المرة لن يخترق قشر السمك ، رغم كهولتها إلا أن لها جسدا طريا ، آه.. آه .. يالى من أحمق ، سوف أموت في هذا الجحر كمدا كما تبيد الديدان و العناكب و البرص ، ماكان يجب أن ..... ما كان .......!
غاب في نوم عميق ، التقطت صوت أنفاسه الواهنة ، شلها الخوف ، وعلى الفور كان زوجها واقفا وسط الحجرة ، استهزأ بها ، غمغم :" تلعبين يا أم البنات .. هذا طفلك .. أعجبك يا بنت الرفضى ؟".
اختفى ، هرعت خلفه ، أرادت أن تصحح له ، قهقهاته سدت أمامها المنافذ ، تراجعت :" أنت محق يا ( أبو شملة ) ... نعم إنني لا أكبره كثيرا ، وهو البادىء ، ماكنت أريد شيئا من أي رجل ، لكنه أزهر وردى الذابل، فانفرجت أكمام زهرتي ؛ لتحتضن نداه ! ".
كانت حركتها اليوم غير عادية ، قبل الفجر بقليل حطت أمام السرير ، جرجرته . كان محض كائن .ضمر جسمه ، وغارت عيناه بشكل مرعب ، وبالكاد كان يفتحهما .
فكت قيوده بحنان ، برزت عظام جسده وقفصه الصدري ، وضعته في طشت الحموم ، ليفته جيدا بخليط من العنبر وجوز الطيب و المسك ، براحة خشنة جففته ، أحضرت مرهما ، تدلك جسده . غير قادر حتى على مجرد الهمس ، وضعت البشكير على كتفيه ، هام مع ما تركه على باب هذه الحجرة ، محيرا كان أمره حتى مع أقرب المخلوقات إليه ، زوجته ؛ رغم ما يقال عن حبه العارم لها ، وشغفه بها ،للحد الذى جعله يزعق كعجل في الليالي المسهدة بحثا عن أنثاه !!
فرحة كانت تستقبله .. مشرقة الوجه ، أثيلة الوجد . جهزت الوعاء ، والماء الدافىء ، وجوز الطيب والعنبر ثم حطت أمامه مباشرة ، آخذة الوعاء بين ساقيها ، تبعد عن قدميه الجورب بحنان أمومى ، تغسل سعيدة ، تطيب له قدميه ، تجففهما بجدائل شعرها الممتد إلى الأرض ، وترفع القدمين على المتكأ ، من بعد تخلصه من جاكتته ، رابطة العنق ، القميص ، الفانلة .. إلى أن يصير عاريا ، فتطلق تعاويذها الراجفة ، وتصعد إليه متخففة ، وهو متهتك يخور مداعبا ، ثم يتفكك ، يرتمي لاهثا ، بينما هي تتأرجح ، وتخمش فيه بوحشية مبكية، لكن هيهات ... سنة ماابتل منها غير شعر العانة .. أنت عنين .. عنين !
براحتها استردته من عالمه . تزاحمت الأصناف على الطبلية ، ذكر بط تفوح منه رائحة الدسم ، زجاجات البيرة ، الشوربة ، الثريد ، المشهيات . بيدها تمزق وتسلخ ، وتدفع في فمه ، لم تتركه حتى أنهى ما حفلت به مائدته . تجشأ . اندفع الدم متفجرا في وجهه الغائر ، برخاوة حاول مخاطبتها ، لم يقدر ، ولم تكن مستعدة لسماع شيء ، كانت تنتظر شيئا آخر غير الكلام ، بينما كانت عيناه تحاصران ملابسه التي غسلتها ، وكوتها ، ووضعتها قريبا منه . أدارت ظهرها له . الرغبة تطحن جسدها :" الآن سوف يعانقني ، يجتث روحا من صيرورة القبر إلى نعيم الحياة ، الآن يحط بهيكله القوى المارد ، يبعد عنى هذه الأوراق الضامرة ، أتنفس عرقه ، رائحته الشابة .. حياتي ملك له من الآن ، سوف أعوضه عن الشباب المولى بلغة أعوده عليها ، الآن يا زهرتي المتوهجة .. يكون الحبيب فرع الدم الموصول ، يمدك بماء روحك و ...............
لكن الآن هذه طالت .. طالت بشكل مرير . استدارت لم تجد أحدا !
كان في هذه اللحظة يتخطى عتبة بيته ، بنفس الخطوات المذهولة .. نفس الهيكل المشدود كشجرة جزورينه عجفاء .. ليس غير جزورينه عجفاء !
وقبل أن يأوي إلى فراشه .. وارب شيش البلكون كالعادة ، التزق به متلصصا بحذر على الحجرة المقابلة ؛ حيث الشباك على مصراعيه ، والضوء قوى إلى الحد الذي يرى معه بدقة كل ما تقع عليه عيناه .. وكانت أرملة إسماعيل ( أبو شملة ) .........
الجزورينة : نوع من أنواع الشجر الذى لا يثمر ، قليل الظل ، يغرس على الطريق ، وفى الصحراء كمصدات للرياح العاصفة
قبل أن يأوي إلى فراشه هذه الليلة ، وارب شيش البلكون كالعادة ، التزق به متلصصا بحذر على الحجرة المقابلة ؛ حيث الشباك على مصراعيه ، والضوء قوى إلى الحد الذي يرى معه بدقة كل ما تقع عليه عيناه.
كانت أرملة إسماعيل ( أبو شملة ) الذي عرف في الحي بأبي مدفع ، أنثى لا تعترف بالوقت ، مكتنزة الصدر قوية كثور ؛ برغم التجاعيد البادية على وجهها . كان لها وجه مستدير بارز العظام ، وعينا أنثى تتجشآن رغبة .. هاهي أمامه ، في مواجهته تماما، ترفع عن جسدها قميصها الوردي بتؤدة ، فتنفرط كتلتا الثدي بقسوة ، تحت ضغط ( الاستك )العنيف ، ثم تستقران ، وشعرها ينحدر منسدلا .. حاضنا الرقبة في تماوج ورشاقة ، و لم يكن الشباك المقابل ليسمح بأكثر من هذا . تقافز بغيظ محاولا الوصول إلى نقطة أعمق ، تململ ، احتم كيانه ، أحس بجيش من النمل يفرى جسده . أغلقت الشباك . ارتمى على سريره باكيا .. رافعا بنطال بيجامته الذي أنزله أثناء التصاقه بالنافذة . تمنى لو يضمها . تدخل في لحمه ، يغور فى لحمها المترهل ، ولو لليلة واحدة ليطفىء هذا الوهج ، يبددها من ذاكرته التي تعلقت بها كدودة علق .
كان قد حزم أمره على ما ظل يراوده ليالي طوال ككابوس ، فكثيرا ما كانت تأتيه بغلالة شفافة ، ولم تكن وحدها ، بل تأخذ بين أحضانها ( أبو شملة ) ، وتصر على أن تريه مواهب زوجها _ هذه المتصابية العجوز _ وكم كان هذا مؤلما. ارتدى بنطاله وقميصه ، التقط بقدميه حذاءه _ الذي لف القطر كله فما وجد غير نسخة وحيدة منه _ تقدم على أطراف أصابعه كلص ، محاذرا ألا يحدث صوتا ، انفلت من الباب ، أصم أذنيه عن النداءات المتكررة ، التي راحت تثنيه عن عزمه ، لا يصدق نفسه . إنه أخيرا ينهى هذا الألم .
هاجمته صورة زوجه التي تركت له كل شيء ، وخلفته غير آسفة ، إلا على سنة عاشتها بنارها على محرقة. أوقفته أمام الباب ، بسخرية تلوت أمامه ، نادت عليه :" لا تفعل .. أنا هنا .. لا.. ". داعب شعر رأسه الخفيف .. هرش بقوة ، نحاها جانبا . كان نداؤها الساحق يتمدد أمامه .. مفسحا الطريق ، ويداها الخشنتان تجرانه بلا رحمة . غزا الدار ، صعد برشاقة قط على درجها المتآكل ، أصبح أمام حجرة ( أبو شملة ) ثنى عوده المديد ، قبل أن يبص سمع دغدغة الماء على جسدها .. ووهوهة تصدر من كتلة اللحم ، تسرى في حلقه المختلج ؛ فتتفتح زهرة القط ، من موتها انتصبت !!
كانت في طشت الحموم ، تليف جسدها الممتلىء. يالرب السموات والأراضين .تتملى مداعبة جسدها الفريد ، وحيدة هي ، زفت بناتها واحدة بعد الأخرى إلى بيوت عدلهن . خمش الباب بأظافره ، رفع يده. سكنت الدندنة .خمش ثانية . بصوتها الأبح همست :" بس .. باقول لك .. بس ".
استمر في خمش الباب . أصاب المرأة رعب قاتل . قطط الليل لا تزجر. انكمشت ، أرهفت السمع ، لملمت جسدها ، حين همت بسحب قميصها ؛ لتحكم إغلاق الباب ، طرح ضلفة الباب ، فانداح دون مقاومة تذكر. كان أمامها بعينين زائغتين ، ووجه مصفى ، وأنفاس لاهثة . دفع قبضة يده فى حنكها ، ألقى بجسده عليها. تهالكت دون مقاومة . وهو راسخ كجبل ، لم يرفع القبضة عن الفم ، حتى تراخى جسدها تماما ، وتفجرت نشوتها ، رفعت غطاءها الليالي القاحلة ، وانكشف فيها السهد والحرمان والوجد .تحولت إلى كائن وحشي، وتجلى شوق السنين في وهج الشفق الغارب . بحثت عن الفارس المقتحم ، ما وجدت غير جثة هامدة ضاوية .. غارقة في بحر عرقها ، تخور وتلهث !!
من يوم رحيل أبى العيال ما دبت في هذا المكان قدم ، اللهم إلا أزواج بناتها الثلاث ، وبعد أن نسيت طعم المؤانسة يجيء هذا الكائن الرخو هكذا _ دون كلمة _ يقلب الدنيا على رأسها :" سوف يذهب ، يراه أهل الحارة فيفتكون بي _ أنا العجوز _ لن أستطيع في هذه السن ، نعم سوف أكون مطمعا لكل دود الأرض في الحارة . لن أتركه ، أربيه أولا ، ثم أقتله ، وألقى به في الخلاء .. نعم ، إنه لا يستحق إلا ذلك الموت ، أعبئه في جوال ، وألقى به لكلاب السكك ".
تكومت حائرة ، حانت منها التفاتة إلى جلد بطنها المترهل.. ثدييها المتفجرين بقوى وثنية ؛ منذ كانت طفلة في العاشرة لم تذق طعما لطفولتها ؛ فبمجرد اهتزازهما ، حرمت من اللعب في الحارة ، لكنها كانت دائما تتسلل ، وكان ينتظرها هناك على جانب التل .
عندما طلبها أحد الجيران الفتيان للزواج رفضت ، كان جزاؤها الكي بالنار . انسحبت تلبس ثيابها. كانت قد رفعت عنه ثيابه ، و ألقت بها بعيدا . تعلقت بالدولاب ، سحبت حبال الغسيل الملونة ، قيدته ، دحرجته تحت سريرها . وهو منهك مذهول . وضعت على فمه عصابة .
نامت غير هانئة ، ترهف سمعها لبكائه .. تقلبه في قيوده ، أكثر من مرة منعت نفسها من إطلاقه ، نعم أذاب كيانها حنانا وشفقة ، لكنها كانت تتذكر لحظة اقتحامه عليها عالمها ، غاشما يبدد صفاء شيخوختها.
في الصباح جرجرته ، حبتان من التوت الطري عيناه ، رفعت عنها ملابسها دون اهتمام ، كشفت له كل شيء دون كلمة ، ثم بكرسي أعادته إلى مكانه .
في الظهر فعلت نفس الشيء ، وقد بدت هالات سوداء تظهر حول عينيه ، بنفس الكرسي أعادته إلى مكانه .
فى المساء أيضا قدمت نفس الوجبة ، أمسى وجهه أكثر امتقاعا ، بذلٍّ أشار إلى الماء ، قدمته له ، طلب أكلا ، لبت دون أن تفوه بكلمة ، أراد يسألها عن هذا المنطق العجيب ، لكنه جبن ، تذكر كل النساء اللاتى غزا خدورهن ، كثيرا مابهرن بحنانه وأبوته الفياضة ، هدهدته لأطفالهن كان لها رائحة لزوجة الطعم الملقى للأسماك ، أما أسلوبه الذي لا يحيد عنه ، ولم يكن يستخدمه إلا المدحورون من المحبين ، مفتاح ذهبي يفتح سراديب ، لم تكن لتفتح إلا به ، وبه وحده ، تختفي الأبواب المغلقة ، وتتراجع كل الحوائل ، حتى الخفي منها ، لم يكن غير الوعد بالزواج ، يغزو خدورهن بفروسية لا يصدقها هو نفسه ، تتحول كما هي الآن ، إلى فثاء لبمجرد خمش قط بباب المكان !!
أربعة أيام متواصلة ، ومع كل وجبة تعرض له نفس الطبق الفريد ، إحساس مدمر ينحت عقله ووجدانه، وقع بين براثن مجنونة ، لا يمكن أن تكون هذه التصرفات لعاقل ، مهما كان ، وهل كان تصرفك لعاقل ؟ لو كانت تريد قتلى لفعلت ، إنها تقتلني بالفعل ، إني أموت ، لو أستطيع لصرخت ، لكن ما الذي سوف تقوله للخلق ؟ هل أجبرتك ؟ جرجرتك ؟ لن يصدقك أحد ، أنت كذاب خطير ، لكن كذبك هذه المرة لن يخترق قشر السمك ، رغم كهولتها إلا أن لها جسدا طريا ، آه.. آه .. يالى من أحمق ، سوف أموت في هذا الجحر كمدا كما تبيد الديدان و العناكب و البرص ، ماكان يجب أن ..... ما كان .......!
غاب في نوم عميق ، التقطت صوت أنفاسه الواهنة ، شلها الخوف ، وعلى الفور كان زوجها واقفا وسط الحجرة ، استهزأ بها ، غمغم :" تلعبين يا أم البنات .. هذا طفلك .. أعجبك يا بنت الرفضى ؟".
اختفى ، هرعت خلفه ، أرادت أن تصحح له ، قهقهاته سدت أمامها المنافذ ، تراجعت :" أنت محق يا ( أبو شملة ) ... نعم إنني لا أكبره كثيرا ، وهو البادىء ، ماكنت أريد شيئا من أي رجل ، لكنه أزهر وردى الذابل، فانفرجت أكمام زهرتي ؛ لتحتضن نداه ! ".
كانت حركتها اليوم غير عادية ، قبل الفجر بقليل حطت أمام السرير ، جرجرته . كان محض كائن .ضمر جسمه ، وغارت عيناه بشكل مرعب ، وبالكاد كان يفتحهما .
فكت قيوده بحنان ، برزت عظام جسده وقفصه الصدري ، وضعته في طشت الحموم ، ليفته جيدا بخليط من العنبر وجوز الطيب و المسك ، براحة خشنة جففته ، أحضرت مرهما ، تدلك جسده . غير قادر حتى على مجرد الهمس ، وضعت البشكير على كتفيه ، هام مع ما تركه على باب هذه الحجرة ، محيرا كان أمره حتى مع أقرب المخلوقات إليه ، زوجته ؛ رغم ما يقال عن حبه العارم لها ، وشغفه بها ،للحد الذى جعله يزعق كعجل في الليالي المسهدة بحثا عن أنثاه !!
فرحة كانت تستقبله .. مشرقة الوجه ، أثيلة الوجد . جهزت الوعاء ، والماء الدافىء ، وجوز الطيب والعنبر ثم حطت أمامه مباشرة ، آخذة الوعاء بين ساقيها ، تبعد عن قدميه الجورب بحنان أمومى ، تغسل سعيدة ، تطيب له قدميه ، تجففهما بجدائل شعرها الممتد إلى الأرض ، وترفع القدمين على المتكأ ، من بعد تخلصه من جاكتته ، رابطة العنق ، القميص ، الفانلة .. إلى أن يصير عاريا ، فتطلق تعاويذها الراجفة ، وتصعد إليه متخففة ، وهو متهتك يخور مداعبا ، ثم يتفكك ، يرتمي لاهثا ، بينما هي تتأرجح ، وتخمش فيه بوحشية مبكية، لكن هيهات ... سنة ماابتل منها غير شعر العانة .. أنت عنين .. عنين !
براحتها استردته من عالمه . تزاحمت الأصناف على الطبلية ، ذكر بط تفوح منه رائحة الدسم ، زجاجات البيرة ، الشوربة ، الثريد ، المشهيات . بيدها تمزق وتسلخ ، وتدفع في فمه ، لم تتركه حتى أنهى ما حفلت به مائدته . تجشأ . اندفع الدم متفجرا في وجهه الغائر ، برخاوة حاول مخاطبتها ، لم يقدر ، ولم تكن مستعدة لسماع شيء ، كانت تنتظر شيئا آخر غير الكلام ، بينما كانت عيناه تحاصران ملابسه التي غسلتها ، وكوتها ، ووضعتها قريبا منه . أدارت ظهرها له . الرغبة تطحن جسدها :" الآن سوف يعانقني ، يجتث روحا من صيرورة القبر إلى نعيم الحياة ، الآن يحط بهيكله القوى المارد ، يبعد عنى هذه الأوراق الضامرة ، أتنفس عرقه ، رائحته الشابة .. حياتي ملك له من الآن ، سوف أعوضه عن الشباب المولى بلغة أعوده عليها ، الآن يا زهرتي المتوهجة .. يكون الحبيب فرع الدم الموصول ، يمدك بماء روحك و ...............
لكن الآن هذه طالت .. طالت بشكل مرير . استدارت لم تجد أحدا !
كان في هذه اللحظة يتخطى عتبة بيته ، بنفس الخطوات المذهولة .. نفس الهيكل المشدود كشجرة جزورينه عجفاء .. ليس غير جزورينه عجفاء !
وقبل أن يأوي إلى فراشه .. وارب شيش البلكون كالعادة ، التزق به متلصصا بحذر على الحجرة المقابلة ؛ حيث الشباك على مصراعيه ، والضوء قوى إلى الحد الذي يرى معه بدقة كل ما تقع عليه عيناه .. وكانت أرملة إسماعيل ( أبو شملة ) .........
الجزورينة : نوع من أنواع الشجر الذى لا يثمر ، قليل الظل ، يغرس على الطريق ، وفى الصحراء كمصدات للرياح العاصفة
تعليق