محمد سعد بيومي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. حسين علي محمد
    عضو أساسي
    • 14-10-2007
    • 867

    محمد سعد بيومي

    - الشاعر محمد سعد بيومي (مصر).
    - ولد عام 1944 في مدينة الإسماعيلية.
    - تخرج في معهد المعلمين حاملاً الدبلوم الخاص 1964، ثم حصل على ليسانس في اللغة العربية من آداب القاهرة 1976.
    - يعمل مدرساً بالتعليم الثانوي، وقد أعير إلى المملكة العربية لعدة سنوات 83- 1987.
    - نشر أشعاره في العديد من الدوريات المصرية والعربية.
    - قدمت أشعاره في إذاعة جمهورية مصر العربية والبرنامج العام وإذاعة الشرق الأوسط.
    - دواوينه الشعرية: حوار الأبعاد الثلاثة (جزءان بالاشتراك) 1976- 1978- رحلة آدم 1980- نصغي ويقول الموج (بالاشتراك) 1987-، وله مسرحية شعرية بعنوان: وينتصر الموت 1983، ومسرحيتان تحت الطبع هما: الغائب والبركان- بلقيس.
    - حصل على الجائزة الأولى لجريدة القناة في الشعر 1968، 1976، وجائزة رعاية الشباب 1975، 1976، والمجلس الأعلى لرعاية الشباب 1977- وجائزة المسرح الأولى على منطقة بور سعيد والقناة.
    - ممن كتبوا عنه: صابر عبد الدايم، وحسين علي محمد، وأحمد سويلم، وأحمد زلط، ومصطفى النجار، وفتحي الإبياري، ونوال السويلم. كما دخلت مسرحيته "وينتصر الموت" ضمن بحث الدكتوراه "البطل في المسرح الشعري المعاصر" للدكتور حسين علي محمد.
    - عنوانه: عمارة 75 السلام تمليك- بور سعيد- ج.م.ع.
  • د. حسين علي محمد
    عضو أساسي
    • 14-10-2007
    • 867

    #2
    قصيدة "اللامنتهى وتساؤلات أخرى"

    شعر: محمد سعد بيومي

    1
    سأتقنُ فنَّكمْ يوما
    وإن قَطَرَ الفؤادُ دما
    ألفتُكَ نبتةً شمَّاءَ تطوي ضلعَها ألَما
    ولا تشكو، ولا تبْكي،
    ولا تأسفْ
    فقل لي: ما هي الأشواقُ في نَظَرِكْ؟
    وكيف تُضيءُ قنديلَكْ؟
    2
    بصفحتنا الحنينُ يُسابقُ الأنهارْ
    ولكنَّ الشموخَ يُجفِّفُ الأوتارْ
    ويطمسُ رغبةَ الأسفارْ
    فحطِّمْني .. وعلِّمْني
    سأجمعُ منْ حُطامي صحوةَ القادرْ
    فما هو طينُكَ النَّادرْ؟
    3
    ركبتُ سفينتي الخضراءْ
    وأبحرتُ ـ الغريقَ ـ إلى رُبا الأضواءْ
    رأيْتُ بوجهتي عينيْكَ تجذبُني إلى اللامنتهى ..
    وسرابُ أيّامي ..
    يُغطِّي كلَّ أحلامي ..
    بجرعةِ ماءْ!
    وهلْ خلفَ السرابِ رُواءْ؟؟
    4
    وكان البحرُ متسعاً
    وكانت رحلتي تعسهْ
    أسيرُ، وكلما أوغلتُ في الأعماقِ تُغريني مفاتنُها
    فتقتربُ السفينةُ عندها خلسهْ
    وتلمحُني ..
    فترجمني
    .. بريحِ الصَّدِّ والإحجامْ
    تدورُ سفينتي الخضراءُ في دوّامةِ المُرغَمْ
    وتقصمُ في عُبابِ البحرِ مُرهقةً بلا شاطئْ
    ولا أسلو الرحيلً، ولا أمَلُّ البحثَ عن شاطئْ

    5
    ويمضي العاشقُ الخاطئْ
    ودمعاتُ الهوى الحرَّى
    تُرافقه خطى حيرى
    وما زال الخضمُّ كعمقِ أعماقِ المحيطِ ..
    ولم يزلْ بالجانبِ الدَّامسْ
    يؤرِّقُهُ دُوارُ سفينةٍ عانسْ
    سفينتُهُ تميدُ بقبضةِ المجهولِ، والتيَّارُ يجرفُها
    إلى النائي، ويدفعُها
    وبحرُ الشوقِ يبْلعُها
    ولكنَّ السفينةَ لا تُسلِّمُ قطّ دفَّتَها
    إلى الآفِلْ
    وتمضي .. تعبرُ الآفاق ولْهى .. والهيامُ بجوفها يثْقُلْ
    يلفُّ شقيةَ النظراتِ في ظمأٍ ولا تسألْ
    6
    وسارت رحلةُ العاشقْ
    بلا قمرٍ ولا زهْرٍ ولا إشراقْ
    ويعتزلُ البحارَ .. ويتركُ المحبوبَ في ..
    برجِ الشموخِ يُكلِّمُ الأبعادَ حينَ تصيرُ ..
    خاويةً بدونِ رفيقْ
    أنا ملاّحُها الأوْحدْ
    وأعلمُ أنَّني الأوحدْ
    ولا أحدٌ يجوبُ بحارها غيري!
    فهلْ تصمُدْ؟
    فهلْ تصمُدْ؟
    فهلْ تصمُدْ؟
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    من ديوانه «رحلة آدم»، دار آتون، القاهرة 1980م

    تعليق

    • د. حسين علي محمد
      عضو أساسي
      • 14-10-2007
      • 867

      #3
      قراءة في مسرحية «وينتصر الموت» لمحمد سعد بيومي

      بقلم: أ.د. حسين علي محمد
      ......................

      (1)
      إن المسرح هو الذي يبني الأمم، ولذلك نجد أن عصور النهضة تقترن دائماً بالازدهار المسرحي، لأن هذه المنصة الصغيرة التي يجري عليها الحوار المسرحي، وتتحرك عليها الشخوص هي التي تساعد وتكشف الطريق أمام تطور المجتمع في كافة الميادين"(1). والمسرح الذي يهتم بمقولة نحن / هنا / الآن. أو الناس / المكان / الزمان هو مسرح سياسي قبل أن يكون مسرحاً معاصراً، وعلى هذا الأساس "فالمسرح السياسي من حيث مضمونه مسرح قديم، وإلا فبماذا نُسمِّي مسرحيات "ريتشارد الثالث" أو "ماكبث" أو "الملك لير" أو "هاملت" لشكسبير؟ ولعل "الملك أوديب" هي أول ما عرفناه من المسرح السياسي من ألفين وخمسمائة سنة، فإن نقد طرق الحكم، ومكائد البلاط ونقائص المجتمع هي من صميم المسرح السياسي"(2).
      وقد اتجه محمد سعد بيومي في مسرحيته الأولى"(3) وينتصر الموت" صوب مجتمعه، متخذاً من المسرح الملحمي أداة ليقدم من خلالها بطلاً ـ يجتهد أن يكون واقعيا ـ يُواجه عنتاً شديداً ليتخلّى عن قضايا أمته دون جدوى، ويُسلمه صموده إلى الاغتيال.
      ويعكس هذا البطل الظروف السياسية والاجتماعية بعد ثورة 1952م حيث نجد شخصيتين تمثلان طرفي النقيض، تتحاوران وتتواجهان لفضح الواقع الذي أفرز هذين النموذجين.
      وقد لجأ الشاعر كما قلنا إلى "المسرح الملحمي" ليتخذ منه إطاراً لمسرحيته، ومعروف أن الواقعية الاشتراكية تُفضِّل "المسرح الملحمي" الذي تجسّد تأليفاً وإخراجاً على يدي "برتولت بريخت"، وهي ترى أن يُستخدَم المسرح كوسيلة لاستصدار أحكام مع الجمهور في قضايا سياسية واجتماعية وإنسانية مختلَف عليها، وللمؤلف فيها … آراء محددة يريد أن يكسب الجمهور إلى جانبها"(4).
      وتعني الواقعية الاشتراكية بالمسرح الملحمي "المسرح النِّـزالي الذي يُريد المؤلف أن يستخدمه كسلاح للبت في قضية من القضايا الهامة، وكأن الجمهور قد تحوّل إلى هيئة تحكيم، والممثلين إلى مُترافعين في قضية من القضايا"(5)
      الراوي: الخصم الأولْ
      نبْتُ الأرْضِ، الوهجِ، الأنهارْ
      والخَصْمُ الثاني
      نبْتُ الريحِ
      هجينُ الزيفِ، النزقِ، الأوزارْ(6)
      و "الشخص الأول" هو البطل، الذي نشأ مع "الشخص الثاني"، ولكنه ينكر عليه تسلقه وانضمامه إلى زمرة الصفوة، ونسيان الماضي الثائر الجميل:
      الشخص الأول: في مائدةِ الوهجِ ارتَفَعَتْ
      قامتُكَ الشَّوْهاءْ
      وانتَصَبتْ
      وعزَفْتُ ، وحينَ عزَفْتَ
      تمرَّدْتْ
      وعِفْتً اللَّحْنَ
      وعِفْتَ الأوْتارْ
      ودخلْتَ بسُتْرتِكَ الحِرْباءْ
      في الصَّفْوةِ والنُّبَلاءْ
      تحملُ روحاً غيْرَ الرُّوحْ
      وتحدُوكَ
      طيوفُ الإبْهارْ(7)
      ويراه وقد تنكّر لماضيه، وباع مواطنيه، وباع ذكريات أمسه المناضل، وخان رفاق دربه:
      … بعْتَ الصُّحبةَ
      خُنْتَ الثُّوّارْ(
      ويتحسَّر البطل "الشخص الأول" على الأيام الخوالي حينما كانا أليفيْن، وحينما كان "الشخص الثاني" نقيا مرتبطاً بعبير الأرض، وشظف الفقراء والمكدودين، كان يُحبه ويعتز به في تلك السنوات البعيدة، قبل أن يتغيَّر:
      الشخص الأول: كنتَ تعيشُ بقلْبي
      كُنتَ نقيا
      كنتَ تعيشُ بقلْبي
      كنتَ شغوفاً
      بحكايا الأرضْ
      ودمْعِ النَّهْرْ
      وجوعِ التُّعساءْ
      وكنتَ مع التُّعَساءِ قويا
      لكنَّا اليوم عدوّانْ(9)
      أما الشخص الثاني فيرى في البطل (الشخص الأول) إنساناً جامداً لم تصهره تجارب الأيام بعد، ويدعوه للحياة، والتمتع بالسلطة:
      الشخص الثاني: لم تصْهَرْكَ الأهْوالْ
      لمْ تتذوّقْ بعدُ
      عصيرَ النِّعْمهْ

      أنصحُكَ الآنْ
      قبلَ فواتِ الوقتْ
      بِتَرْكِ السَّاحهْ
      كُلْ ما شئْتَ من التُّفَّاحهْ
      وارشُفْ معَنا الأيَّامَ المِمْراحَهْ
      لا تتحدَّثْ منذُ اليوْمْ
      عن الطَّعْنِ أوِ الفَتْكْ
      ولا تبْدأْ منذُ اليوْمِ نِزالْ(10)
      ويدعوه لوأد كل أفكاره السابقة من التأكيد على انتصار الفقراء والتعساء، أو الارتباط بهم، وتبني قضاياهم، والدفاع عن مصالحهم … إلخ، ويرى أن الذي يرتبط بالفقراء ويُدافع عنهم فإنما يُدافع عن قضية خاسرة، ويفقد نفسه، ويُحطِّم أخلاقه:
      الشخص الثاني: أن ينتصرَ الفقراءُ محالْ
      أن ينتصرَ التعساءُ .. مُحالْ
      لسنا في زمنِ الأبْطالْ
      لا تجْعلْ منْ نفسِكَ رمْزاً يُنْسى
      أوْ بحَّةَ حُزنٍ
      في وتَرِ الموَّالْ
      فالسَّاحةُ ملأى بالأوْحالْ(11)
      وحينما لا يجد "الشخص الثاني" أدنى استجابة من الشخص الأول"، فإنه يشعر بإمكان فضحه ـ كثائر قديم ـ ولأن "الشخص الأول" يُهدِّد بفضح حقيقة أمره أمام الناس، ويدعوه للنزال والمبارزة (النزال هنا فكري، بمعنى أن يتحدّث كل من الشخصين عن قناعاته وأفكاره)، فإننا نجد "الشخص الثاني، يترك تجمُّلَه، ويهدد صاحبه القديم بالموت:
      الشخص الثاني: موتُكَ عنْدي
      أحْلى الشَّهَواتْ
      ألحُّ الحاجاتْ
      وأغلى الآمالْ
      أثمنُ منْ كلِّ الأموالْ(12)
      ويطعنه الشخص الثاني بالخنجر، ويدخل عدة أشخاص إلى خشبة المسرح يتخفُّون وراء الأقنعة، يصيحون بصوت محزون:
      مسكينْ !
      الأول: كانَ سليطاً !
      الثاني: عرَضوا المالَ عليْهِ
      الثالث: عرضوا الأيامَ المُشرقةَ الحلوهْ
      الرابع: قدْ رفضَ الصُّحبةَ ممّنْ لمْ يرْحمْ
      الخامس: رجلٌ أخْرقْ
      السادس: مجنون
      السابع: لا .. بلْ لم يتكيَّفْ
      الأول: ولماذا مات ؟
      الثاني: حتى لا يتطاولَ غيرُهْ(13)
      ويكون هذا التعليق من أصحاب الأقنعة موضحا للموقف كله، وكاشفاً لجوانبه، ومعرفاً للجمهور لماذا مات "الشخص الأول" وعن أية أهداف كان يُدافع، ودفع عمره ثمناً لها، ولأن "الشخص الأول" من أصحاب النفوذ والسلطة، فإنه يعرض "الشخص الأول" (المقتول) على المحكمة (وهي محكمة ليست نزيهة كما يبدو)، حيث يجلس "الشخص الأول" وهو ميت في قفص الاتهام يسنده رجلان، ليُحرِّكا رأسه بالإشارة على الموافقة على التهم التي تُوجَّه له، ونعرف أنه يُحاكم بالفسق، وشق عصا الطاعة، والخيانة، والعمالة. والمحكمة لديها أجهزة تسجيل توضِّح التهم الملفقة له، ويرفض مساعدا اليمين واليسار الاشتراك في لعبة المحاكمة، ويطلبان إعفاءهما، فيرفع القاضي الجلسة للاستراحة لمدة ساعة، وتُعقد الجلسة من جديد، ونعرف في بدايتها موت مساعدي اليمين واليسار في حادثة مشؤومة (سنفهم بالطبع أنها مدبَّرة)، ويُجاء بمساعديْن جديديْن، يُوافقان على كل شيء، ولكن ضمير القاضي يصحو، ويصحو معه ضمير ممثل الاتهام:
      القاضي: إنَّ الجُرْمَ لواضحْ
      جاءوا بالرجلِ قتيلاً
      وأرادوا
      أن نُصدِرَ حُكماً بإدانتِهِ
      ليميعَ الموقفُ في نظرِ الناسْ
      أو ليصيرَ المجنيُّ عليْهِ هو المُجْرمْ

      كان المطلوبُ من الحارسْ
      أنْ يُمسكَ بالمقْتولْ
      من منطقةِ الرأسِ ، ويدفعَها
      للأسفلْ
      حتى يبدوَ أنَّ المقتولَ يُوافقْ
      عمَّا قُلنا منْ أحكامْ(14)
      ويُصدر القاضي حكمه العادل في النهاية ـ الذي يُمثِّل ضمير العدالة وضمير الشعب ـ وينتصف للحق والعدالة من ظالميها، بل ذابحيها قرباناً لشهواتهم المشبوبة التي لا يُطفأ لها أوار!:
      القاضي: هذا الرجلُ الماثلْ
      في قفَصِ المتَّهمينَ بريءْ
      أصْدرْتُ الحكْمَ ليسْعى منْ يهتمُّ بهذا الأمْرْ
      أيْضاً أُصْدِرُ حُكْماً
      بالقبْضِ على القَتَلَهْ(15)
      ويُصدر حكمه بإخراج "الشخص الأول" من قفص المتهمين، ومعاملته كشهيد، دفع عمره لنبقى نحن، ويدخل القاضي ـ الذي حكم من قبل أحكاماً كثيرة جائرة، وليست فوق مستوى الشبهات ـ السجن.
      لقد أدخل القاضي نفسه السجن في صحوة ضمير نادرة، وهو يقول:
      وهو يقول:
      ولندْخلُ نحْنُ المُتَّهمينْ
      وأنا أوّلُ منْ يمْثُلُ في قَفَصِ المتهمينْ(16)
      سيتساءل الجمهور ـ الذي هو مشارك في القضية، بل طرف أصيل فيها ـ : هل يكفي هذا؟ ولكن الراوي الذي شعر بالتساؤل المقلق لجمهوره، سيجيب معلقاً على الأحداث في نهاية المسرحية:
      الراوي: لا .. لا
      لا تنْتظروا الحُكْمَ سريعاً
      فالمحْكمةُ المغْلولةُ لا تُعْطي حقًّا
      والمجرمُ مازال طليقا
      المجرمُ أكبرُ منْ أنْ نصدرَ حكماً
      بالقبْضِ عليهْ
      ليمثُلَ في قفصِ المتهمينْ
      المجرمُ أكبرُ منْ محكمةِ العدلْ
      وأقوى من شرطةِ هذا العالمْ
      لا تنتظروا إسدالَ ستارٍ فالمشهدُ ممتدْ
      الأشجارُ جذورٌ وقرارْ
      الأشجارُ ثمارْ
      (تستكمل أضواء المسرح ثانيةً
      والراوي ينزل للجمهور .. يقول)
      المجرمُ مازال طليقاً
      المجرمُ مازال طليقاً (17)
      إن قوى الانتهازية والتسلط والتسلق مازالت طليقة تُمارس ما يحلو لها من أفعال، لا تخشى إلا ولا ذمة، وقد أراد المؤلف بمسرحيته أن يضعنا أمام القضية، لنحكم نحن، وننحاز إلى "الشخص الأول" الشجاع، المحب للشعب، المدافع عن قضاياه، الذي لا يخلع جذوره من تربة شعبه، وأن نقف معه ضد "الشخص الثاني" اللامنتمي، الانتهازي، الذي يستولي على الشرطة والمحكمة، ويعيث في الأرض فساداً دون أن ينال جزاءً يردعه.
      (2)
      إن المسرح الحقيقي هو الذي يطرح القضايا والأسئلة "وكل فترة تفرز بطلها الخاص بها، بفعل العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية السائدة"(1، وإذا كان البطل إفرازاً للمجتمع فهو إفراز نبيل بالضرورة، بمعنى أن موت البطل لا يعني موت أفكاره، ففكره موجود مادام المجتمع الذي أفرزه موجوداً.
      ومحاكمة البطل في مسرحية "وينتصر الموت" تعني عند مؤلفها محاكمة فكر أمة في لحظات حضارية ـ لأن مناوئيه أرادوا بقتل "البطل" قتل أفكاره ـ لكن هذا لم يتم، لسبب بسيط هو أنهم لا يملكون قتل الأمة التي أفرزت البطل، والتي تحمل رغبة جامحة في الحرية والعدالة ولقمة الخبز.
      ورغم سمو هدف هذه المسرحية فبطلها مغترب، آماله أكبر من واقعه، ورغم محاولة رؤية الواقع رؤية صحيحة فإنه يجهل الوسائل التي يُحقق بها أهدافه، ومن ثم نراه يبتعد عن الحياة، ونرى "الشخص الثاني" يقتله اغتيالاً.
      إن البطل "الشخص الأول" يعرف عدوه ـ "الشخص الثاني" ـ ويُريد منازلته، لكن المواجهة، ومن ثم المنازلة، لا تتم، ويمضي البطل مسوقاً ـ كالأبطال التراجيديين ـ إلى المواجهة المحتومة.
      لقد كان الشخص الأول يعرف أنه يمثل الشعب، وأنه نبتُهُ، وأنه ملتصق به، ويعرف أن "الشخص الثاني" ـ ومن معه في السلطة ـ يخاف منه، ومن المواجهة ومن المنازلة، فلماذا جعل الشاعر محمد سعد بيومي بطله هكذا إذا كان البطل يعرف قدرة أصحاب النفوذ على تقرير نهايته؟ ولماذا يتقدَّم إلى الساحة مسلحاً بالنقاء الذي لا يُجدي شيئا في وجه الكذب السابغ المسلح؟.
      لقد أراده المؤلف هكذا، وأراده أن يموت لتعيش أفكاره وتبقى، وكم كنا نتمنّى أن يُواجه البطلُ "الشخصُ الأول" زيفَ مجتمعه جميعاً، ويُقاومه، وينتصر عليه، أو يموت دون محاولته صنع مجتمعه صنعاً جديداً على عينه.
      ولنتأمّل معاً هذا الحوار قبل اغتيال البطل:
      الشخص الثاني: الساحةُ أكبرُ مما كنتَ تظنّْ
      الشخص الأول: أعرفُ أعدائي حتى لو ركبوا خيْلَ الجنْ
      الشخص الثاني: الأتباعُ كثيرونْ

      الشخص الأول: تمتدُّ دمائي في أوْردةِ الأرضْ
      تلْدَغُ ثُعبانَ الليلْ
      وتصْعقُ ألسنةُ البُغْضِ
      وذئابُ السّاحةِ تعْوي
      خائفةً مذْعورهْ
      وكلابُ الطُّهْرِ المسْعورهْ
      ترتعِدُ ، تفرُّ أمامَ دمائي المصْهورهْ
      أنْ أسقُطْ
      هذا فرضٌ
      لكنْ تخْضَرُّ دمائي
      عبرَ شرايينِ الأرضْ
      تحكي عنِّي
      كلُّ طيورِ النَّهْرْ
      تُشرقُ أُغنيتي فوقَ الجسْرْ
      مِمَّنْ أخْشى ؟(19)
      والبطل هنا مثالي، يُعبِّر عن أفكار المؤلف، فحتى لو مات البطل فستستمر أفكاره، وتعيش " تخْضَرُّ دمائي عبرَ شرايينِ الأرضْ"، وتبدو مقولته " أعرفُ أعدائي حتى لو ركبوا خيْلَ الجنْ" من قبيل المبالغة، فهو يُغتال من "الشخص الثاني" بعد قليل، مما يدل على أنه لا "يعرف أعداءه" جيداً.
      أما "الشخص الثاني" الشرير، المتسلِّق، الانتهازي فيبدو أكثر فهماً للواقع وتعاملاً معه، فهو يعرف أن لا حـياة لـه مع البطل، فلا بد لأحدهما أن يبقى وأن يزول الآخر، بعد أن عرض عليه "أن الساحة واسعة"، وإمكانية التعايش مع الواقع الشرير.
      إن "الشخص الثاني" يطعن "الشخص الأول" المثالي، الحالم، وهو يقول:
      الشخص الثاني: أهدافُكَ .. ليستْ أهْدافي
      لا بُدَّ وأنْ يبْقى أحَدٌ منَّا
      والأقْوى الأبْقى
      وأنا الأبْقى(20)
      وتبحث عن الشعب الذي ارتبط به البطل، ونشأ منه، ورفض الانفصال عنه، ودافع من أجله، بل دفع حياته ثمناً له. ما موقف هذا الشعب من بطله؟ وما رأيه فيه؟ ولكننا لا نلتقي بالشعب وجهاً لوجه إلا بعد اغتيال البطل حيث نرى عدداً من أصحاب الأقنعة يلخصون الموقف في "حزن"، فيقولون عن البطل "مسكين، عرضوا عليه المال، والأيام المشرقة الحلوة، لكنه رفض الصحبة ممن لا يرحم. وقدْ مات حتى لا يتطاول غيره. " بينما يرى بعضهم أنه " أحمق 0 وسليط " (21)0
      (يتبع)

      تعليق

      • د. حسين علي محمد
        عضو أساسي
        • 14-10-2007
        • 867

        #4
        وإذا بحثنا عن الشعب في حوار الشخصين نجده ، مستكينا ، مغلوبا على أمره فالبطل يرى في (الشخص الثاني) القدرة على طمس معالم الشعب وملامحه ، ولا يقدر الشعب على مواجهة الشخص الشرير وكبح جماحه 0
        الشخص الأول: إنَّك لَمْ تَسْكُتْ
        وأظنَّك لنْ تُخَفَي جَشَعَك
        هل أترك منكَ ذِئابَ الشَّهْوَهْ
        تَأْكُلُ مَا صَادفها
        وتُمَزقِّنَي
        في خُطْوَتِها
        سحُبُ الرَّغْوةِ أنْت
        وهل أتركُ سُحْبَ الرَّغْبَةِ
        تَطْمِسُ نبْتَ الأنهْارْ ؟ (22)
        لماذا كان الشعب على هذه الصورة من الاستكانة ، وعدم القدرة على المقاومة والفعل ؟ والإجابة على ذلك أنه لا يشعر بالأمن أو الحب0 وحينما يشعر الشعب بافتقاد الأمن والحب يكون سلبيا ، وتستوي عنده الحياة والموت :
        إن (ممثل الاتهام) و (القاضي) في لحظة مكاشفة يريان كل شيء على حقيقته 0 يريان الزيف والشقاء يغطيان كل شيء وهنا نصل إلى لحظة الانقلاب فى المسرحية.
        ممثل الاتهام : فلنَنْسَ مُحَاكَمَة المَاثِلِ
        في قَفَصِ المتهمينَ ولوْ بُرْهَهْ
        ولنَتَحدَّثْ عن أنْفسُنَا
        هل نَشْعُرُ بالمُتْعَةِ
        رغمَ المالِ
        ورغْمَ الأصحابِ
        ورغْمَ المفتوحِ 000
        من الأبوابِ
        برغْمِ الميْسورِ
        من الملْبَسِ
        والمَسْكَن
        والمَأْكَلِ ؟
        القاضي : أصدقُكَ القَوْلَ
        وأصْدُقُك الإحساسْ ؟
        ممثل الاتهام : (يومئ بالإيجاب)
        القاضي : (يواصل قوله)
        إنّي أشْقَى النّاس
        في نَظَري
        الموْتُ أو العَيْشُ سَوَاءْ
        ممثل الاتهام : لا نَشْعُرُ
        بالحبِّ
        ولا بالرَّاحةِ
        أو بالأيامِ المِمْراحَهْ (23)
        ومن ثم ، فموت البطل في هذه المسرحية نتيجة طبيعية لمثاليته وسلبية أفراد شعبه الذين يكتفون بالحزن على مصيره ، والفرجة على موته ، ولم يلتفوا حوله في حياته ليقاوموا معا جيوش القهر والظلام التي ترتدي لباس الثوار وشارة المناضلين 0
        وكأن البطل يريد بموته أن يستجيش في نفوسِنا قوى اليقظةَ والتحفّز للدفاع عن الطهر والمثالية في حياتنا 0 والصرخة التي يطلقها (الراوي) في النهاية 0
        لا تَنْتَظِرُوا الحُكْمَ سَرِيعا
        فالمحكمةُ المغلولةُ لا تُعْطِى حَقّا
        والمجرمُ مازالَ طَليقا (24)
        هذه الصرخة الموجهة إلى المتفرجين من الشعب المغلوب على أمره تدعوه وتدعو في الوقت نفسه أصحاب الأهداف المثالية العليا أن يكونوا يقظين حتى لا تكون نهايتهم مأساوية كنهاية الشخص الأول، وحتى تستمر الحياة نقية جديرة بالحياة وحتى لا ينتصر الموت 0
        ـــــــــــــــ
        الفهرس:
        (1) ألفريد فرج: المسرح السياسي والعرب، مجلة "التضامن" (لندن)، السنة 5، العدد 239، الصادر في 7/11/1987م، ص40.
        (2) السابق، ص40.
        (3) أصدر الشاعر محمد سعد بيومي (1944- …) ديوانا مشتركاً مع الشاعرين حسين علي محمد ومصطفى النجار بعنوان "حوار الأبعاد الثلاثة" ط1-مصر 1977م، ط2-حلب 1979م، كما أصدر ديواناً بعنوان "رحلة آدم" دار آتون، القاهرة 1980م، وديواناً بعنوان "نصغي ويقول الموج" بور سعيد 1987م.
        (4) د. محمد مندور: الأدب ومذاهبه، ص167.
        (5) السابق، ص167.
        (6) محمد سعد بيومي: وينتصر الموت، كتاب "أصوات معاصرة"، العدد (11)، الزقازيق 1983م، ص11، 12.
        (7) السابق، ص10.
        (8) السابق، ص16.
        (9) السابق، ص19.
        (10) السابق، ص ص20-22.
        (11) السابق، ص22.
        (12) السابق، ص126.
        (13) السابق، ص28.
        (14) السابق، ص ص57-59، وعما قلنا : خطأ، والصواب "على ما ".
        (15) السابق، ص59، 60.
        (16) السابق، ص60.
        (17) السابق، ص61.
        (18) د. أحمد العشري: مفهوم البطل التراجيدي في المسرح المصري المعاصر، مجلة "فصول"، عدد أكتوبر 1981م، ص254.
        (19) محمد سعد بيومي: وينتصر الموت، ص ص16-18.
        (20) السابق، ص26، 27.
        (21) كلام أصحاب الأقنعة ص 28، 29 من المسرحية، وقد سبق أن أوردناه في الفقرة (1) من هذه الفصلة.
        (22) السابق، ص 14.
        (23) السابق ، ص ص 49 - 51.
        (24) السابق ، ص 61.

        تعليق

        • د. حسين علي محمد
          عضو أساسي
          • 14-10-2007
          • 867

          #5
          قراءة في مسرحية «الغائب والبركان» لمحمد سعد بيومي
          .......................... .....................

          تقنيات العمل المسرحي في مسرحية "الغائب والبركان"
          للشاعر الكبير محمد سعد بيومي

          بقلم: أ.د. خليل أبو ذياب
          .....................

          (1)
          شاعرنا الكبير الأستاذ محمد سعد بيومي ، مؤلف هذه المسرحية هو أحد الشعراء المعاصرين الذين أخذوا يثرون الساحة الأدبية بإبداعهم المتميز في مختلف مجالات الأدب : الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية النثرية والشعرية .. ولشاعرنا الكبير قدم راسخة وباع طويل في هذا الإبداع حيث وضع عددا من هذه الإبداعات الشعرية ما بين مجموعات شعرية ـ دواوين ـ وبين مسرحيات شعرية كانت باكورتها مسرحية " وينتصر الموت " الفائزة بجائزة أفضل نص مسرحي متميز لعام 2005 ، كما وضع مسرحية أخرى بعنوان " بلقيس " ، ووضع بعض الدواوين منها " رحلة آدم " ، ومنها أيضا بالاشتراك مع آخرين " حوار الأبعاد " ، و " نصغي ويقول الموج " وغير ذلك من الإبداعات الشعرية والنثرية التي تؤكد عبقريته ، وتجسد اقتداره الفذ على الإبداع ..
          وقد جاءت مسرحية " الغائب والبركان " لتجسد مهارة هذا الشاعر وإبداعه في بناء المسرحية الشعرية خاصة لما وفر لها من تقنيات وجماليات دفعتنا إلى أن نقوم بهذه الرحلة العجلى في جنباتها نتحسس أطرافا من تلك الجماليات والتقنيات ..
          وأول ما يتبادر إلى الذهن ونودّ التنبيه عليه في هذه المسرحية أنها تعالج قضية اجتماعية لها وجودها وأهميتها وتأثيرها البالغ في المجتمع الريفي المصري إلى يوم الناس هذا وهي قضية الثأر التي لم تفلح موجات التطور الاجتماعي الهائل التي اجتاحت هذا المجتمع في زعزعتها أو زحزحتها لتحتل مكانا متخلفا في مسيرة هذا المجتمع برغم كل المحاولات الإصلاحية والسياسية والتطورات الاجتماعية التي كرست لتحقيق هذا الهدف أو تلك الغاية فظلت هذه الغاية أو القضية تشغل بال المجتمع الريفي المصري ، وتتحكم في مسيرته الخلقية والاجتماعية والفكرية على السواء ، وعلى كافة مستوياته ، مما جعلها من أهم ، بل أهم القضايا الاجتماعية التي تشغل بال المصلحين الاجتماعيين ، وسائر المفكرين ، كما صارت هذه القضية من أهم الموضوعات التي عُني بها الأدباء والمبدعون ، وأنتجوا فيها كثيرا جدا من الأعمال الأدبية والفنية من أفلام وتمثيليات وروايات وأقاصيص ومسرحيات شعرية ونثرية .. وعلى الرغم من خفوت صوت حدة هذه الظاهرة الاجتماعية في هذه المرحلة قياسا إلى ما كانت عليه في المرحلة السابقة خاصة وغيرها من المراحل عامة بطبيعة الحال فإنها ما تزال تحرك المياه الراكدة ، وتلقي فيها بين الحين والآخر بعض الحجارة التي تثيرها وتنشر فيها الاضطراب ، وتعيدها جذعة بعد ما كادت تختفي وتنسحب من على خشبة المسرح الاجتماعي .. وهكذا ما تزال هذه القضية الاجتماعية البالغة التأثير تحرك التيار الاجتماعي ، وتشغل كافة مؤسسات الدولة والمجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية وغيرها ، وما تزال تلحّ وتضغط وتصرخ بقوة وعنف ، وبأعلى صوتها عسى أن يستجيب لها أقطاب الإصلاح ودعاة الفكر الاجتماعي ليوجدوا لها حلاّ جذريا ودواء ناجعا يمحو آثارها ، ويخلص المجتمع من شرورها وآثامها المدمرة ، ويوقف نزيف الدم المنهمر من شرايين المجتمع بين الواترين وأصحاب الأوتار الذين ما تزال تلك الترات تصرخ في آذانهم في كل حين ، تنشر فيها طنين الثأر ، وصراخ العار والهوان الذي لا يفارقهم حتى يأخذوا بثارتهم من واتريهم ..
          هكذا وجد شاعرنا الكبير الأستاذ بيومي نفسه مدفوعا إلى رحاب هذه القضية الاجتماعية البالغة الأثر لتكون موضوعا لمسرحية " الغائب والبركان " في محاولة يائسة لتكريس الإصلاح الاجتماعي عبر محو قضية " الثأر" في المجتمع الريفي المعاصر .. ولكن ، هل يا تُرى نجح هذا الشاعر في تحقيق هذه الغاية ؟ أم أنه كان رقما على قائمة المصلحين الاجتماعيين الذين مارسوا محاولة الإصلاح الاجتماعي الخاص بهذه القضية ؟!
          وسنرجئ الإجابة عن هذا التساؤل إلى نهاية الدراسة التحليلية لهذه المسرحية !
          هكذا اختار شاعرنا الكبير " بيومي " موضوع الثأر ليكون موضوعا لمسرحيته " الغائب والبركان " محاولا علاجها وفق معطياته ومرئياته الثقافية والفكرية والاجتماعية الخاصة ..
          فأما " الغائب "، فهو الأب " عبد الله الصابر" الذي غيّبه القتل بعد اعتداء زوج أمه عليه وتدبير قتله بسبب الطمع والرغبة في الاستيلاء على ثروة أمه ـ ممتلكاتها ومصاغها ـ والحيلولة دون وصولها إلى ابنها من قِبَل الزوج الطماع الجشع الشرس ..
          وأما " البركان " ، فهو الثورة والتمرد على مرتكبي هذه الجريمة ، وعدم الركون والاستسلام لإرادتهم والمطالبة بثأرهم والانتقام لأبيهم المغدور.. كما نلمح في الكلمة الرغبة الهائلة للانتقام والثأر من قاتل أبيهم ، والاستعداد التام له .. (ص21)
          ويتتبع المؤلف أحداث المسرحية منذ أن أخذ " الضبع " زوج الأم الشرس يمدّ يده إلى ممتلكاتها يأخذ منها ما يشاء ، أو يقدر عليه راضية مرة وكارهة مرارا .. ورأى الابن " عبد الله الصابر " ولمس معاناة أمه وآلامها وعذاباتها التي كان الضبع يصبها عليها بلا رحمة لم يطق السكوت والصبر على ذلك فقرر وضع حد لتلك التصرفات الشرسة العنيفة ، والتقى الضبع وتمكن من معاقبته وحذره من معاودة إيذاء أمه .. وأسرها الضبع في نفسه ، واستعان ببعض رجاله المجرمين لتأديب الصابر بل لتغييبه ليخلو له الجوّ مع الأم فيستولي على بقية ممتلكاتها ليتمتع بها وحده ، بل إنه أقام في القصر الذي استولى عليه من ممتلكات الأم التي ورثته عن زوجها الأول والد عبد الله الصابر ..
          وتنقضي فترة طويلة بلغت عشرين سنة على هذه الأحداث سكت عنها المؤلف باعتبارها مرحلة ـ فترة الإعداد للانتقام وتهيئة الموتورين للأخذ بثأرهم من قاتل أبيهم .. وهي الفترة التي شهدت ميلاد الابن والابنة بعد قتل أبيهما .. وقد أسقطها المؤلف من حساب مسرحيته ليفتتحها عندما بلغ الابنان " زاهر وزهرة " التوأمان العشرين من العمر لتبدأ مسيرة الحدث المقرر للمسرحية والمتعلق بأخذ الثأر من قاتل أبيهما " الضبع " ! وهو الحدث الذي أدار حوله المسرحية ، والغاية التي تغيّاها منها وهي " الثأر وضرورة الانتقام من المجرم واستعادة الحق الضائع " .. على أننا لا ندري لماذا سكت المؤلف عن هذه الغاية إلى بلوغ الابنين العشرين من العمر إلاّ أن يكون من تأثير التطور الاجتماعي الذي عاشت فيه الأسرة المنكوبة في المدينة .. وهو مجتمع مخالف ومغاير لمجتمع الريف والكفور والنجوع الذي لا يطيق على الثأر كل هذا الصبر والانتظار.. المهم أن الشاعر هنا رصد لحظة التطور أو التحول عند بلوغ العشرين من العمر ؛ ومع ذلك وجدناه يسكت عن قضية الثأر ولا يشير إليها أية إشارة على لسان الأم " شمس " أو الخال " نور" ، وهما مناط الأمر ومداره ، بل هما محركا القضية باتجاه الثأر المنتظر .. ويدع الأمور تجري بتلقائية غريبة ويحس القارئ وكأنها لا تعنيه من قريب ولا من بعيد .. ثم يحدث انكسارا حادا ، وانعطافا مفاجئا غبّ طروحات متعددة حول غياب الأب واحتمالات ذلك الغياب غير المبرر صدرت عن زاهر وزهرة .. والغريب أن الأم هنا في هذه المرحلة نراها تتدخل لتوقف تلك الاحتمالات ، وتضع حدا لتلك المداولات الدائرة بين ابنيها وكأنها لم تكن تفكر في الأمر ، ولم يكن يعنيها أن يفكر الولدان في قضية الثأر والانتقام لوالدهما القتيل .. وكأنها على الأقل كانت تودّ أن ترجئ الأمر إلى وقت آخر بلا مبرر منطقي معقول .. وهكذا جاء موقف الأم غريبا ومنافيا للموقف وهي تحاول إيقاف سيل الاحتمالات المتدفق والذي أبدت تجاهه برما ظاهرا وضيقا بالغا .. ومن غير أن تشير أو تكشف لهما شيئا من أسرار غياب أبيهما وحقيقة غيابه الذي طال كثيرا الذي يمكن أن يضع حدا لتلك الاحتمالات .. بل على العكس وجدناها ـ أو دفعها المؤلف إلى أن يطرح الولدان كافة الاحتمالات غير المفيدة وغير المناسبة التي تشغلهما جانبا ، والالتفات إلى حياتهما ليمارساها بشكل طبيعي مناسب ، ويتمتعا بما فيها من سعادة .. ويطول الحوار بين الأم وابنيها حول " الأب الصابر " ، والسر الذي قد يكون وراء غيابه الطويل وتخفيه عنهما ..خصوصا وأن الأم لم تخبرهما بموته بل برحيله وسفره .. وهو أمر يدعو إلى الانتظار والترقب والأمل في اللقاء ..
          وعلى غير العادة والمألوف في مثل هذه الحالات يغادر زاهر المكان في توتر شديد بلا داع أو سبب مكشوف لما يسود الأمر من تلقائية وطبيعية معهودة .. فكثرا ما يموت الآباء والأطفال صغار ، أو قبيل ولادتهم ، وتمضي الحياة بشكل طبيعي عادي خاصة إذا اعتادوا عليه وألفوه ولا يجدون مالا يدفعهم إلى البحث فيه أوالتنقيب على أسراره وخفاياه .. ولكن صاحبنا الشاعر المؤلف هنا أبى إلاّ أن يعقّد الحدث ويؤجج الصراع ، ويضع في قلب المسيرة عقبة كأداء ن أو يلقي في النهر حجرا ضخما يثير الأمواج محدثا الانحراف الحاد في مسيرة الحدث الذي قامت عليه الرواية أو المسرحية .. حيث اخرج زاهرا متوترا وفي عصبية هائجة لم تألفها الأم من قبل .. لماذا ؟ لا ندري ؛ ثم ردّه إلينا بسرعة خاطفة ، أو كما يقول المؤلف " كالبرق " ، وقد استلّ سكينا ويقف في مواجهة أمه وشقيقته زهرة ، واندفع يلوّح بها لهما مهددا أن يغرسها في أحشائه إن لم تكشف له الأم عن حقيقة أبيه وسرّ غيابه الطويل .. ولا تجد الأم بدّا من إماطة اللثام عن هذا السر الذي أخفته عنهما كل هذه السنين ، وكشف حقيقة غياب الأب مكتفية بتحذيره من مغبة التهور والرغبة في الانتقام وعواقب الثار الوخيمة .. أو كما يقول المؤلف ، من عواقب البركان الذي يوشك على الانفجار والثورة ، وما ينذر به من تدمير وهلاك للجميع وخصوصا لابنيها العزيزين اللذين سيكونان أول ضحاياه .. ثم تكشف لهما السر الذي اختزنته في أعماقها كل هذه السنين وأن الضبع زوج الجدة هو الذي قتل أباهما قبل ولادتهما بمساعدة رجاله الأشرار غدرا وغيلة لموقفه المدافع عن أمه وحمايتها من بطش الضبع الشرس وابتزازه الذي لا ينقطع ..
          والذي نود الإشارة إليه هنا في هذه الحركة أو الجزء من الحدث فيما وراء ما أسلفنا من افتعال ظاهر غير مبرر، وحركة مسرحية فاترة غير منطقية مع انعدام المناسبة المعقولة فيها ، أن الشاعر المؤلف هنا يذكرنا ـ واعيا أو غير واع لذلك ـ بطرف من قصة قيس بن الخطيم الأوسي الذي قتل أبوه وجده قبل أن يتمكن أحدهما من الأخذ بثأر الآخر .. وكان قيس ما يزال طفلا حدثا ، فعمدت أمه إلى كومة من التراب جعلتها في صحن الدار وأوهمته أنها قبر أبيه وجده اللذين ماتا كما يموت الناس ، إلى أن نازع فتى من لداته فعيّره بقتل أبيه وجده وعدم الأخذ بثأرهما .. فانطلق إلى أمه يستخبرها حقيقة الأمر ، فأنكرت ما تناهى إليه مؤكدة ما أوهمته به كل تلك السنين خوفا عليه من نفس المصير الذي آل إليه أبوه وجده ، وأنهما ماتا كما يموت الآخرون .. فما كان منه إلا أن عمد إلى سيف وغرسه في الأرض ، ثم هددها بالاتكاء عليه ليخرج من ظهره إن لم تخبره بحقيقة الأمر ؛ فاضطرت كارهة لإخباره ، ثم دلته بعد أن تجلى عزمه للانتقام والثأر على من يمكن أن يساعده على ذلك إلى آخر القصة المعروفة المروية في أخبار قيس بن الخطيم في ( الأغاني 3/2ـ7) ..
          على أن المشكلة هنا ليست في اعتماد المؤلف المسرحي الحديث على هذه الحكاية وتوظيفها في مسرحيته ، أو الإفادة منها في بعض جوانبها .. فذلك شيء مشروع وغير منكور ولا غضاضة فيه .. ولكن المشكلة أنه لم ينجح في التمهيد لها تمهيدا مناسبا وطبيعيا يشبه ما حدث لقيس بن الخطيم يساعد على تصعيد الحدث بتلقائية طبيعية مناسبة خالية من التكلف والاعتساف ، بل جاء به منقطعا مبتوتا ومبتورا دونما مبرر معقول ..
          (يتبع)

          تعليق

          • د. حسين علي محمد
            عضو أساسي
            • 14-10-2007
            • 867

            #6
            (2)
            على أن شمس " الأم " هنا كانت فيما يبدو تريد لابنها زاهر ما كانت تسعى إليه أم قيس بن الخطيم وتتمناه لولا التحول غير المتوقع والمفاجئ الذي وقع لابنها .. وهكذا بدت " شمس " حريصة على نسيان الماضي برمته ليتمكن الفتى من التمتع بحياته على الرغم من الإفصاح عن موقفها المغاير والادعاء بأنها كانت تعدّهما لهذه المهمة " الأخذ بثأر أبيهما من قاتله "!
            وإن كنا نظن أن ذلك محض اختلاق دفعت إليه محاولة زاهر ابتزاز الحقيقة من أمه بطريقة مقلدة لطريقة قيس بن الخطيم الآنفة الذكر ، وإن تباينت عنها في الدوافع والظروف ومبلغ تلقائيتها أو افتعالها ..
            وتتواصل مسيرة الحدث في المسرحية فتخبر الأم ابنها عن جريمة الضبع وقتله أباه ثم قتله عمه " بهاء " لتأمين عدم وجود من يمكن أن بأخذ بثأره منه والانتقام له خصوصا وأنه ارتكب جريمتيه دون أن يعلم بحمل الأم وما يمكن أن تضع من ولد يمكن أن يأخذ بثأره منه وذلك لاختفاء الأم منذ وقوع الجريمة وفشله في العثور عليها برغم بحثه الطويل والمضني عنها .. وفي المقابل ظلت الأم تواصل مراقبتها الشديدة والدقيقة للضبع والتعرف على تحركاته إلى أن يأتي الوقت المناسب الموعود للثار .. ثم تأخذ الأسرة في التنسيق للثأر والانتقام بتوجيه الخال "نور" وتخطيطه بعيدا عن عيون الضبع وأعوانه ، وعن إجراءات السلطة بعد أن أغلقت ملف القضية وعلقت القضية " ضدّ مجهول " كما هو الشأن في كثير من جرائم الريف خاصة .. والذي يتبادر إلى الذهن أن زاهر وزهرة هما المخولان الرئيسان للانتقام والثأر خاصة وأن الشاعر كشف منذ الكلمات الأولى في المسرحية عن عنايتهما المتميزة برياضة " الكاراتيه " و" الجودو " ، وما تميزا به من براعة فائقة خارقة فيهما ، وأنهما ستكونان وسيلتهما الفعالة للانتقام والثأر.. بيد أن ما حدث فيما بعد لم يستطع أن ينجح في الكشف عن هذا الدور الذي تأهبا له واستعدا كل ذلك الاستعداد ، ولم يساهما في تصعيد الحدث في المسرحية ، بل تركه المؤلف وكأنه يتعامل مع أشخاص عاديين لا دور لهذه الرياضة في تصرفاتهم وأفعالهم .. وبدلا من أن يقوم الابنان " زاهر وزهرة " بدور المواجهة مع الضبع ورجاله ، قامت الأم شمس بهذا الدور في حركة سرعان ما اكتشفها الضبع وعرف حقيقتها برغم انقضاء عشرين سنة على آخر لقاء بينهما ، وبرغم ما كان يسود ملامحها من مظاهر جديرة بأن تخفي معالمها الحقيقية ، وبرغم تأكيد الطبيب الخاص بالضبع أن جروحها سطحية .. وبرغم تصنعها وتمثيلها عليهما ، أكّد الضبع أن صوتها ليس غريبا عليه ، بل إن ملامح وجهها تخبره برياح الصابر .. حتى إذا أدرك كل ذلك ألقى في وجهها بالحقيقة وأكذ لها أنها امرأة الصابر .. وفي الحقيقة إن كل هذه التفاصيل تمثل افتعالا ظاهرا بدا من المؤلف للتعجيل بالنهاية وتصعيد الحدث بصورة مفتعلة وغير طبيعية خصوصا بعد اكتشاف الضبع أمرها وأدرك صلتها بالصابر ، وأمر بتقييدها في المكان في انتظار تنفيذ حكم الإعدام فيها لإقدامها على هذا العمل الخطير.. بيد أن المؤلف في هذه اللحظة يكلف الأم بحركة كاراتيه تمارسها بسرعة البرق وهي تستل سكينا تضعها على رقبة الطبيب مهددة الضبع .. ويدور حوار طويل بينهما بغية إيجاد حل مناسب يرضي كافة الأطراف المتنازعة ، وينهي القضية على وفاق تام بينهم مع تأكيده المتواصل على براءته من دم زوجها الصابر .. وفي هذه اللحظة يدخل بعض رجال الضبع ، ويتمكنون من إفشال خطة شمس ، وتنعطف مسيرة الحدث في المسرحية عند هذه النقطة ، وتأخذ الضبع في التفكير بارتكاب جريمة جديدة بقتل شمس .. وكاد الأمر يتم له كما أراد قبل حضور الأبناء والخال الذين كان ينتظر منهم تدارك الأمر وتحويل الحدث لتحقيق النتيجة المرجوة والغاية المقصودة .. ثم يدور حوار طويل آخر يجريه المؤلف بين شمس وسالم ـ أحد رجال الضبع ـ والذي عرض عليها مساعدتها وفك قيودها مؤكدا لها براءته من دم زوجها الصابر وغيره ، وأنه لم يقتل أحدا ، ولم يرتكب جريمة واحدة في حياته فيما وراء سكوته وعدم الإدلاء بشهادته في قضية مقتل الصابر خوفا من انتقام الضبع .. ثم ينصحها بالابتعاد عن طريق الضبع محذرا لها مما يمكن أن يقع لها من شره وأذاه .. وتتعقد الأحداث عندما يفاجئ الضبع سالم وهو يحاول فك قيود شمس فيستجديه أن يفك قيودها لتنصرف .. ويوهمه الضبع بأنه كان بالفعل يهمّ بتحقيق هذا الأمر ، ثم يأمره بفك قيودها ، ويخرج من جيبه مدية يغرسها في ظهر سالم فيسقط على الأرض مضرجا بدمائه .. وهنا يتوعد شمس بقتلها كما قتل سالم .. ويستدعي رجاله فيحضر منهم ثلاثة ..كما يحضر ثلاثة آخرون هم زاهر وزهرة ونادر ابن الخال نور بعد أن تمكنوا من تقييد الثلاثة الآخرين من رجال الضبع ، وانتزعوا ملابسهم وارتدوها ليبدوا كأنهم من رجال الضبع .. ويدور حوار طويل بين أفراد فريق الصابر حيث أخذت شمس تحرض على ضرورة الإسراع في قتل الضبع ، في حين دعا نادر إلى ضرورة تقديمه إلى المحكمة لينال عقابه المناسب .. وإذ يحتدم الجدل بين آل الصابر يتمكن رجال الضبع من فك قيودهم في غفلة من آل الصابر وينقضوا عليهم ويتمكنوا منهم ويقيدوهم ويقتادوهم إلى غرفة داخلية .. ويظل الضبع يرسف في قيوده ويلح على بعض رجاله أن يفكوا قيوده ، وتبدأ المساومة بينهم : الثروة في كفة وحياة الضبع في كفة أخرى .. وبعد حوار طويل وجدل واسع يتمكن المقنعون من الحصول على مفتاح الخزنة فينقسمون فريقين : فريقا يبقى في حراسة الضبع ، وفريقا يذهب لجمع الأموال من الخزنة .. حتى إذا طال غياب فريق الخزنة ، أخذت الوساوس تغزو نفوس المقنعين الذين بقوا في حراسة الضبع بعد أن عرضوا أطرافا من سيرتهم القذرة في رفقة الضبع وخدمته وما ارتكبوا من جرائم لخدمته وتنفيذ أوامره .. وكان الضبع لم يكف عن توسلاته لهم أن يفكوا قيوده ليخلص من انتقام شمس .. وأخذ يوحي إليهم بهروب أصحابهم بالمال .. حتى إذا تكشفت لهم حقيقة أصحابهم وهروبهم بالثروة فكوا قيود الضبع .. وقبل أن يتمكنوا من الخروج داهمهم فريق الصابر الذين تمكن الخال نور من فك قيودهم وحاصروهم .. وهنا حاولت شمس أن تقتل الضبع ويلح سالم عليها أن تسمح له بتنفيذ هذا الأمر انتقاما من الضبع ويتمكن من ذلك .. وفي هذه اللحظة تظهر الجدة " حياة " أم الصابر ، ويلتئم شمل الأسرة من جديد بعد أن نال المجرم جزاءه العادل .. وتذهب الثروة المسروقة مع بعض رجال الضبع الهاربين ليردد الجميع عبارة :
            " المجرم ما زال طليقا " !
            = حركة الحدث ومسيرته وتطوره وتصعيد ه :
            من هذا العرض السابق لأحداث المسرحية تبينت لنا مسيرتها وما وفر لها المؤلف من تصعيد جيد ومناسب لا يخلو من التشويق والدقة والتنامي المناسب المجرد من الافتعال فيما وراء المقدمة أو التمهيد الذي شهد حوار زاهر مع أمه شمس ، والذي يمكن أن يعدّ خارجا عن إطار الحدث الرئيس للمسرحية الذي بنيت عليه ، والذي ابتدأ منذ كشف شمس حقيقة ما جرى من أحداث غياب الأب الصابر ، ومن ثم بدأ التخطيط للانتقام والثأر من المجرم الضبع وهو أس الأحداث التي قامت عليها المسرحية .. ومنذ لحظة الكشف وتحديد هوية المجرم القاتل ، ومعرفة زاهر له انطلقت مسيرة الحدث منذ اللوحة الثانية من لوحات المسرحية وهي تشهد تصعيدا طبيعيا وتلقائيا ومتوازنا لم يترك المؤلف فيها ثغرة للصدفة أو الافتعال المفسد لبنية الحدث ومسيرته .. والمتأمل في اللوحة الثانية يجدها تبدأ في طرح قضية الصراع بين عبد الله الصابر والضبع الذي ينتهي بقتله ..
            ثم تأتي اللوحة الثالثة لتواصل مسيرة الكشف عن سر الصابر" الغائب " ، ودور شمس في تنشئة زاهر وزهرة وإعدادهما للثأر من قاتل أبيهما بعد أن تخلص الضبع من العم بهاء محاولا أن يسدّ منافذ الثار من حوله ليحقق لنفسه الأمن والأمان .. ثم يبتدئ التدبير للوصول إلى الضبع والانتقام منه وفق الخطة الدقيقة التي وضعتها شمس ، وبدؤوا تنفيذها بكل ما شهدته من ضروب التصعيد والتنامي والمفاجآت التي اعترضت مسيرة الحدث بشيء كثير من التلقائية والبعد عن الافتعال فيما وراء تمكن الضبع من التعرف على شمس بعد كل تلك السنين ، وسيطرتها على الموقف بعد تمكنها من الانقضاض على الطبيب ، خاصة منذ أن ساعد سالم شمس وأمكنها من دخول القصر بصفتها امرأة نالها قدر كبير من العذاب والألم ، وموقف الضبع من ذلك وتخوفه من العواقب ، ورفضه لسلوك سالم محذرا مما سيجره عليه من أذى وشر على النحو الذي رأيناه آنفا .. كما يشكل مجيء المقنعين من رجال الضبع في هذه اللحظة تصعيدا جيدا ومناسبا لما ينطوي عليه من الإثارة والتحول والانعطاف في مسيرة الأحداث لما نجم عنه من سيطرته على شمس وما تبع ذلك من أحداث لعل من أبرزها بداية التحول في مسيرة سالم مع الضبع باتجاه شمس في نهاية اللوحة الرابعة وإعلانه عزمه على مساعدتها للخروج من القصر والإفلات من قبضة الضبع .. ويتأزم الموقف عند مفاجأة الضبع لسالم وهو يحاول فك قيود شمس ، ويرميه بسكين تنغرس في ظهره .. ويظهر التصعيد من جديد عند وصول المقنعين الستة ودخولهم القاعة التي كان فيها الضبع وسالم وشمس .. وإن ظهر الافتعال في تواجد زاهر وزهرة ونادر من بين المقنعين قبل أن يكشف المؤلف عن ظروف تواجدهم معهم في هذه اللحظة .. بيد أن التصعيد يبلغ الذروة عندما يهم الضبع بقتل شمس حيث فوجئ بضربة جودو من زاهر الذي كان يتخفى في لباس أحد المقنعين لينكشف أمرهم عندئذ .. وهنا بدأ فريق الصابر في ممارسة دورهم الذي أعدّوه للانتقام من الضبع .. وعندما بدأت المشاورات بينهم في تحديد طريقة الانتقام المناسبة للضبع وتنفيذ العقوبة فيه أحدث المؤلف تطويرا جديدا في الحدث بما أوجد من صراع أو خلاف بين أعضاء فريق الصابر حيث تصدى نادر لرفيقيه رافضا تنفيذ عقوبة الإعدام في الضبع بيدهم مصرا على إحالة القضية إلى القانون ، أو جهة الاختصاص المسؤولة في الدولة لتقوم بمحاكمته والاقتصاص منه على جريمته التي ارتكبها بحق عبد الله الصابر ، ويصر رفيقاه الآخران على تنفيذ العقوبة والحكم في الضبع بأيديهم ..
            كذلك أحدث المؤلف تصعيدا آخر في مسيرة الحدث في المسرحية عندما أخذ المقنعون من فريق الضبع في الاقتراب من بعضهم في أثناء انشغال فريق الصابر في قضية الانتقام من الضبع حتى تمكنوا من فك قيودهم .. وفي هذه اللفتة حركة درامية جيدة لها دورها وتأثيرها البالغ في تصعيد الحدث حيث تمكنوا عندئذ من الانقضاض على فريق الصابر ومفاجأتهم وسيطروا عليهم وقيدوهم واقتادوهم إلى حجرة أخرى داخلية .. وكانت الخطة التي وضعها فريق الصابر تقضي بإبقاء الخال نور خارج القصر تحسبا للظروف ، أو حدوث شيءما يمكن أن يفسد خطتهم فيهرع لإنقاذهم .. وهذا ما حدث بالفعل بعد سيطرة فريق الضبع عليهم
            ويلقانا تصعيد آخر في الحدث عندما بدأت المساومة بين الضبع ورجاله المقنعين الذي عرضوا عليه إنقاذه وحياته مقابل ثروته .. ثم يتوالى تصعيد الأحداث عندما طال عياب فريق الضبع الذي ذهب للحصول على الخزنة حيث أخذ رفاقهم يتوجسون خيفة من هروبهم بالمال وعدم عودتهم إليهم .. وقد أبدع المؤلف في رصد هذه الحركة وما تنطوي عليه من تحول في المواقف وتسجيل ما ارتسم على ملامحهم من آثار، وساد تصرفاتهم من توتر وقلق ظاهرين .. ويستغل الضبع هذه اللحظة وما شهدته من تحول في استمالة رجاله إليه لتدبير خروجه من القصر للحاق بالآخرين الذين سرقوا المال ..
            (يتبع)

            تعليق

            • د. حسين علي محمد
              عضو أساسي
              • 14-10-2007
              • 867

              #7
              (3)
              أما التصعيد الأخير في مسيرة أحداث المسرحية فكان عندما حاولت شمس قتل الضبع فتصدى لها سالم ليقوم هو بهذه المهمة انتقاما لنفسه ، وشفاء لغليله لما لقي من الضبع ..
              = بناء الشخصية في المسرحيـــة :
              أول ما يمكن أن يلاحظ على بناء الشخصية في مسرحية " الغائب والبركان " أنها كادت تأتي جميعها متوازنة ومتساوية من حيث الأدوار التي حددها لهم المؤلف وأدوها فيها وإن بدا في بعضها في أحيان نادرة شيء يسير من التفاوت على نحو ما حدجث لشخصية سالم مثلا في المشهد الأخير من المسرحية عندما أصر على أن يقوم بدور رئيس ومهم بتطوعه وإصراره على قتل الضبع دون شمس .. ذلك أن الشاعر بنى مسرحيته على فريقين متقابلين : فريق الصابر وفريق الضبع ؛ أما فريق الصابر فكان شخوصه الزوجة شمس والابن زاهر والابنة زهرة والخال نور وابن الخال نادر وعبد الله الصابر الزوج وحياة أمه أو الجدة ؛ وكان فريق الضبع مكونا من " الضبع " الذي كان أبرز الشخوص ـ أو الشخصية الرئيسة بصفته مدبر جريمة قتل عبد الله الصابر ، إضافة إلى ممارساته العدوانية تجاه الأم / الجدة حياة للاستيلاء على ما لديها من مال بعد قتل ابنها والاستيلاء على القصر وهروب شمس من وجهه .. وهكذا يبدو الضبع الشخصية الرئيسة في المسرحية من هذا الجانب .. حتى إذا احتدمت الأحداث وتتابعت وتوزعت على بقية الشخوص ألفينا الضبع يتساوى مع غيره من الشخوص منذ البدء وحتى الختام .. وهذا ما يجعلنا نرى في بناء الشخصية في هذه المسرحية شيئا ظاهرا من التساوي والتماثل وعدم التميز الذي يجعل من بعض الشخوص شخوصا رئيسة أو محورية ، ومن بعضها الآخر شخوصا ثانوية ..
              على أن بناء المسرحية بهذا الشكل حرص على إيجاد الفوارق المتنوعة بين شخوصها فجعل من بعضها شخوصا رئيسة ، وجعل من بعضها الآخر شخوصا ثانوية .. ولكنها سرعان ما تواصلت مع غيرها لتثبت وجودها الرئيس في مسيرة الأحداث والوصول إلى النهاية .. وبعبارة أخرى نستطيع ـ ربما ـ أن نقرر ما أسلفناه منذ قليل ما يتعلق بطبيعة الشخوص في هذه المسرحية وما يميزها من تساو وتماثل ظاهرين ..
              أما شخوص فريق الصابر فكانوا قسمين : قسم محوري وأساسي وهم شمس وزاهر وزهرة ونادر.. وهؤلاء تساوت ملامحهم وتماثلت أدوارهم وتحركاتهم على خشبة المسرح وإن تأخر ظهور بعضهم حينا من الدهر " نادر" الذي ظهر في القصر في أثناء الصراع مع الضبع والرغبة في الانتقام منه ، ثم تلاهم الخال نور من خلال المهمة التي نفذها وهي إنقاذ أفراد فريق الصابر في النهاية .. أما عبد الله الصابر فقد كان ظهوره في أثناء مواجهة الضبع لوضع حد لتصرفاته العدوانية على الأم حياة وإيقاف ابتزازه المستمر لها ..حتى تم قتله على يد رجال الضبع بعد أن أعيته الحيلة في إبعاده عن طريقه .. وقد جاء دور عبد الله الصابر وظهوره في المسرحية في نهايتها عقب استرجاع مصاغ الجدة حياة .. وإن سبقت الإشارة إلى هذا الأمر عند كشف حقيقة غياب الأب بعد إصرار زاهر على معرفة الحقيقة ..
              كذلك جاءت شخوص فريق الضبع قسمين : شخوص رئيسة وهي الضبع وسالم ، وثانوية وهم المقنعون من رجاله الذين كانوا أدوات تنفيذ لجرائمه وتصفية خصومه .. وظلوا على هذه الحال إلى أن جاءت فرصة الخلاص منه عبر المساومة التي دارت بينه وبينهم لتخليصه وإنقاذه مقابل ثروته .. كما أن المؤلف قسم المقنعين قسمين : فريق فاز بالمال ، وفريق أبقاه في مراقبة الضبع قبل أن يقرروا مغادرة القصر للحوق بفريق الثروة ..
              وهذا قد يعني أن المؤلف وقف بأحداث مسرحيته عند نقطة النهاية للقضية الرئيسة التي أقام عليها المسرحية وطرحها فيها وهي الثأر والانتقام من الضبع لقتله عبد الله الصابر .. وعلى الرغم من تحقق هذه الغاية وإن تم على يد سالم ، فقد أراد المؤلف لمسرحيته أن تحمل غاية أخرى تتمثل في القضاء على كل من كان على شاكلة الضبع ورجاله الأشرار الذين يعيثون في الأرض فسادا ويروعون الآمنين وينشرون الشر والأذى بينهم .. ولذا جاء صراخ فريق الصابر في ختام المسرحية يجسد هذه الغاية وهم يرددون في غيظ وحسرة وأسف ورغبة في الانتقام من كل المجرمين أمثال الضبع ورجاله :
              السارق والقاتل ما زالا في الأرض طليقين
              المجرم ما زال طليقا
              المجرم ما زال طليقا ! (6
              أما الملامح التي حاول الشاعر المؤلف التركيز عليها في بناء شخوص المسرحية فكانت كذلك محدودة ومتميعة وغير حاسمة وغير فعالة في أطرها التي حددها لها .. ولأنه رصدها في موقف محدد جاءت ثابتة وغير متنامية أو متطورة ، وذلك أن الحدث في المسرحية كان يسعى إلى تحديد ملامح الشخوص لعنايته بالحدث فيها وما يمكن أن يتبعه من تطوير وتصعيد لبلوغ النهاية أو لحظة التنوير .. ومن هنا جاءت ملامح شخصية كل من شمس وزاهر وزهرة ونادر ونور(فريق الصابر) واضحة ومحددة .. بل إننا نجد أبرز ملامح شخصة زاهر وزهرة مثلا إجادة رياضة الكاراتيه والجودو .. وهذا قد يوحي إلى القارئ أنهما سيقومان بدور رائع ومتميز في إطار هذه الرياضة الحاسمة في الصراع الشخصي أو القتال الفردي وما يتوخاه من الدفاع عن النفس .. ومثل هذا التفوق الذي تحقق لهما فيها قد يوحي من جانب آخر إلى المتلقي أو القارئ بما سيقومان به من دور فعال في توجيه أحداث أو الحدث في المسرحية من خلال هذه الرياضة المتميزة .. بيد أن المؤلف تناسى كل ذلك من أجل أن يحدث تصعيدا وتطويرا مفاجئا في حدث المسرحية وتشريقا يشد المتلقي عندما جعل المقنعين ـ الذين يمكن أن تكون رياضة الكاراتيه والجودو من أساليب القتال التي يتدربون عليها ويحرصون على حذقها لمواجهة مختلف الظروف ـ يتمكنون من فريق الصابر ويعطلون قدراتهم الخاصة والمتميزة في رياضة الكاراتيه والجودو .. على أن ذلك يمكن أن يكون من قبيل حرص المؤلف على البناء الواقعي المحتمل لحدث المسرحية ..
              = ا لإخراج والديكـــور :
              يشكل الإخراج والديكور مظهرا أو جانبا مهما ورئيسا من جوانب العمل المسرحي لما يؤديه من وظيفة التعدد المكاني والزماني المناسب لتطورات الحدث في المسرحية ، وكذلك التطوير النفسي المصاحب لبعض الأحداث والشخوص .. والملاحظ أن المؤلف في هذه المسرحية قد حرص حرصا بالغا على وظيفة الإخراج المسرحي وتشكيلات الديكور المناسبة لتطوير أحداثه وحركات شخوصه تمثلت بوضوح في عمليات توزيع الأضواء لتتواءم مع تطور الأحداث ومواقف الشخوص وفق مخطط نفسي دقيق وواع.. وقد كشف المؤلف عن هذا الأمر أو الجانب المهم في الإضاءة وهو يقدم مسرحيته حيق يقرر أن " الإضاءة تلعب دورا هاما في هذا العمل المسرحي الشعري؛ فسحب الإضاءة يشير إلى اغتيال اللحظة المشرقة ، ولتكثيفها مدلول ، ولمزجها مدلول ، ولبقائها مدلول ، في حالتي المزج والنقاء " . (5) وهو هنا يقسم الإضاءة ثلاثة أقسام : " سحب الإضاءة أو انزياحها من على خشبة المسرح " ؛ وهذا يكون عند الإعلان عن انقضاء مرحلة سعيدة أو بهيجة من الحدث لتحل محلها مرحلة أخرى مثقلة بالكآبة أو الحزن .. وهي بذلك تغدو إشارة إلى حدوث تغير نفسي أو حدثي مهم إلى الأسوأ .. والملاحظ أن المؤلف حرص على توزيع الأضواء على خشبة المسرح وفق ما تقتضيه الأحداث وتطورها ، ونجح في ذلك إلى حد كبير وإن لوحظ إغفاله للإضاءة في بعض الأحيان وفي مواطن كثيرة كانت تستدعي وجودها وفق الدرجات الضوئية التي قررها في نصه السابق كما في ص ص 27 ، 35، 51.. كما وجدناه في ص 45 يشير إلى خفض الأضواء الحمراء دونما إشارة سابقة إلى وجودها ..
              كذلك استخدم المؤلف المؤثرات الصوتية وخاصة الموسيقية في جوانب من المسرحية للدلالة على تطور الحدث وتصعيده فيها ..
              كذلك حظي الديكور بعناية محدودة من المؤلف وثابتا لكونه يتردد بين نموذجين ك نموذج خاص بمنزل آل الصابر في اللوحتين الأولى والثالثة ، ونموذج القصر الذي كان يقيم فيه الضبع ـ قصر الأم أو الجدة حياة الذي استولى عليه الضبع بع قتل عبد الله الصابر في اللوحات 2، 4، 5، 6 حيث دارت أغلب الأحداث في القصر ..
              = الزمان والمكـــان :
              للزمان والمكان أهمية بالغة في العمل المسرحي لارتباطه الوثيق بالأحداث وتطورها ، وكذلك بالنسبة للشخوص فيها الذين يقومون بالتردد ما بين الأزمنة والأمكنة فيها وفق ما يقتضيه تطور الأحداث .. ويلاحظ قارئ المسرحية أن الزمان في البداية دار حول عبد الله الصابر الذي طال غيابه ، أو قل المجهول المصير بالنسبة لزاهر وزهرة .. وهذا يعني أن الأم شمس لم تخبر ابنيها بموت أبيهما بل أوحت إليهما أنه مسافر منذ زمن ولم يرجع بعد وأنها ما تزال في انتظار عودته شأنها في ذلك شأنهما .. وهذا ما دعاهما إلى مواصلة التساؤلات عنه والإلحاح في ذلك لمعرفة الحقيقة .. وإن جاء موقف المؤلف سلبيا في هذا الجانب حيث غلّب احتمال العودة على احتمال الموت الذي لا رجعة منه كما توحي بذلك مناقشات وأحاديث الابنين وحوارهما منذ فاتحة المسرحية وما كان يوحي به من تفاؤل بعودته ولقائه واختفاء احتمال الموت وما يوحي به من انقطاع الأمل والرجاء في العودة واللقاء .. ونتيجة للتطور غير المنطقي الذي رأيناه في موقف زاهر من أمه وتهديدها بقتل نفسه بالسكين جاء تقريرنا عما في هذا المشهد من افتعال وانقطاع عندما وقعت لحظة المواجهة وهدد زاهر أمه بقتل نفسه إن لم تخبره بحقيقة أمر والده وسر غيابه الطويل . حتى إذا أخبرته كارهة بالحقيقة رأينا الزمان والمكان يتقدمان خطوة مهمة وأساسية وحاسمة عبر تدبير الانتقام والثأر من الضبع وإعداد الخطة المناسبة لذلك .. ثم بدأ تنفيذ الخطة . وفي قصر الضبع أخذ الزمان يتدرج عبر تطور الأحداث وأدوار الشخوص على نحو ما مرّ بنا حتى حانت لحظة النهاية بمصرع الضبع على يد سالم أحد رجاله لئلا تتورط شمس في هذه الجريمة فيطالها القضاء .. على أن الانفتاح الزماني في المسرحية يمكن أن نلحظه من خلال الجملة التي كررها فريق الصابر غبّ مصرع الضبع وهروب المقنعين من رجاله بالثروة :
              " المجرم ما زال طليقا " !
              لما توحي به من ضرورة الملاحقة والمتابعة للقبض عليه وتقديمه للمحاكمة للقصاص منه وإنهاء القضية وإقفال ملفها .. وهذا يوحي بإضافة زمن جديد تتم فيه هذه الأحداث ..
              ***
              كذلك جاء المكان في المسرحية محدودا جدا وفق ما اقتضاه تطور الأحداث فيها بين مكانين رئيسين هما منزل آل الصابر، وقصر الجدة حياة حيث كان الضبع يقيم .. وقد كان منزل آل الصابر مسرحا لأحداث اللوحة الأولى والثالثة ، في حين جاء مسرح الأحداث أو مكانها في قصر الضبع في اللوحات الباقية 2، 4، 5، 6 .. كذلك يلاحظ قارئ المسرحية دور الديكور والمؤثرات الصوتية والإخراج والإضاءة في تشكيل المكان فيها ..
              = ا لإ يقـــاع الموسيقي في المسرحية :
              تقوم هذه المسرحية من أولها إلى آخرها على تفعيلة واحدة هي تفعيلة " الخبب " فعِلن " أو " فعْلن " مستغلا سائر تحولاتها الإيقاعية الممكنة ؛ هذا في إطار الحوار الدائر ما بين الشخوص في المسرحية .. أما فيما يتعلق بعبارات الإخراج والديكور والأضواء وتوزيع الأدوار بين الشخوص وترتيب الأحداث ، فقد جاءت كلها في أسلوب نثري بحت قصد المؤلف من ورائه إلى وضع فواصل دقيقة بين النص المصور للأحداث وتطويرها وأدوار الشخوص فيها وبين مظاهر الإخراج الفني .. مع أنه كان يمكنه أن يصوغ كل ذلك في إطار موسيقي دون أن تفسد بنية المسرحية على نحو ما فعل ويفعل كثير من كتاب المسرحية الشعرية كما هو مألوف .. ولا نستطيع نحن ولا غيرنا أن يفرض على المؤلف مثل هذا البناء الإيقاعي دون غيره إّ له مطلق الحرية والقصد في البناء الذي يرتضيه ..
              بيد أن الذي يمكن أن نبديه نحن أو غيرنا هو التساؤل عن التزام المؤلف بتفعيلة واحدة في المسرحية وعدم التنوع في استعمال تفعيلات أخرى قد تكون أنسب لتطوير الأحداث والتغييرات التي تلحق الشخوص خلافا لكثير من الشعراء الذين نوّعوا في تفعيلات مسرحياتهم ، بل نوّعوا في إطار القصيدة الواحدة في كثير من الأحيان ؟
              على أن هذا التساؤل يمكن أن يتجاهله المؤلف تماما ولا يجيب عنه لأنه حق خاص له ولا يمكن لأحد أن يفرض غيره عليه سواء اقتنعنا بتبريره إذا وجد ذلك التبرير أم لم نقتنع ..
              (يتبع)

              تعليق

              • د. حسين علي محمد
                عضو أساسي
                • 14-10-2007
                • 867

                #8
                على أننا إذا تناولنا المسرحية من هذا الجانب الموسيقي الخاص بتفعيلات الخبب ألفينا كثيرا من التجاوزات الموسيقية المتعلقة بالوزن أو الإيقاع التي أفسدته إفسادا ظاهرا في كثير من المواطن ومنها ما جاء في قوله على لسان زهرة وهي تصف أخاها زاهرا : (ص10)
                شا بٌّ ممتاز .. بطل من أبطال الجودو
                حيث اجتمع ساكنان في كلمة واحدة هي " شابٌّ " المشددة الباء ؛ وهذا فساد ظاهر في بنية التفعيلة وغير جائز وإن وقع فيه أو ارتكبه كثير من الشعراء المعاصرين الذين اطلعنا على شيء من أشعارهم ونوّهنا بذلك كثيرا .. ولسنا ندري لماذا يصر هؤلاء الشعراء المبدعون على ارتكاب هذه الخطيئة أو الجناية الإيقاعية وفي طوقهم التخلص منها بسهولة ويسر كأن يبدلوها بكلمة " شبّ " بدون المدّ وهي تؤدي المعنى المقصود من سابقتها تماما ..
                وقد تكرر هذا الخطأ ذاته في قوله :
                النار الشابّة في وجداني تزأر .. (30)
                وكان يمكنه تغييرها إلى كلمة " المتأججة بأعماقي " مثلا ..
                وقد وقع الشاعر في هذا الخطأ أيضا في قوله : (ص36)
                " خفت من الضجة والمارّة " ؛ وكان يمكنه تغييرها بكلمة " والناس " .
                وفي (ص 11) وقع خطأ طباعي أفسد الإيقاع في قوله :
                " فقال لي " ؛ وصوابه : " فقل لي " !
                وفي عبارة أخرى وردت على لسان زاهر حيث يقول : (ص13)
                " هذا ما قالته الأم إليّ " !
                وحذف " إليّ " خير وأهون من بقائها على هذا الفساد .. إذ الصواب أن يقول : " لي" بدلا منها ، أو تقديم " لي " على الأم .. وكذلك قوله : (ص14)
                من قال " أنسى " ؟!
                حيث وصل همزة القطع في كلمة " أنسى " على سبيل الضرورة القبيحة ، وذلك لإمكانه الخروج منها بإضافة السين إليها فتصبح " سأنسى " ؟!
                وفي جملة " وكلام معاد " (16) فساد وزني قد يستقيم بإحدى طريقتين : بمنع صرف " كلام " ، كما يمكن إصلاحها بتغيير كلمة " معاد " إلى كلمة " يتكرر " مثلا .. والأخرى أصوب من الأولى وأسلم استعمالا .. كذلك كان يمكنه تكرير كلمة " مكرور" التي سبقت مع كلمة " استفسار" ليكون بين يديه ثلاث طرق لإصلاح الفساد الوزني في هذه الجملة ..
                ومن ذلك ما جاء في قوله على لسان شمس تخاطب زاهرا : (17)
                لا يا بني .. أبوك لم يهرب
                وإصلاح هذا الفساد الوزني يمكن أن يتمّ بتغييرها إلى : " لا لا يا ابْني .. فأبوك لم يهرب ".
                وفي هذه الصفحة نفسها جاءت عبارة " فالصفحة مملوءة بالآلام " ! وقد جاء فيها فساد وزني ظاهر في كلمة " مملوءة " التي يمكن إصلاحها باستبدال كلمة " مترعة " أو " مثقلة " مثلا بكلمة " مملوءة " .
                وفي عبارة " هل كنت تشكّ في طهر أبيك " (19) وقع اضطراب موسيقي يمكن إصلاحه بنحو قوله : " هل كنت تشكّك في ..." ، أو هل كنت تشك بطهر أبيك " !
                وفي عبارة " وانساب الدم من فيه المجرم " (24) نلمس قلقا واضطرابا في التركيب يمكن إصلاحه بتغييرها إلى عبارة " من فم ذاك المجرم " ..
                وفي عبارة " لم تعثر أيدينا عن أثر ليدان القاتل " .. (26) وهذه يمكن إصلاحها بمثل عبارة " لم تعثر أيدينا قطّ على أثر ... "
                وفي قوله : " أرجوك أفيقي .. وإلاّ سأضيع " (39) ؛ ويمكن الاستغناء عن كلمة " وإلاّ " فيها .. وفي كلمة " جراحك " في قوله : " يعرف كيف يداوي جراحك " خطأ وزني يرجع في أغلب الظن إلى زيادة الألف فيها ، ويمكن إصلاحه بإسقاطها لتصبح " جرحك "!
                وثمة فساد وزني ورد في عبارة " أو ماذا أتى بي إلى بيتك " (40) .. ومثله ما جاء في قوله : " كي ينقضّوا على عنقك فيهم غلّ الدنيا " (56) ، وعبارة " لكن الكرة في أيدينا " (5 ، ويمكن إصلاحه بتغيير " في " بحرف الباء لتصبح " بأيدينا " ، أو بكلمة " بملعبنا " وتلقانا عبارة " أنت وأنت انضمّا إلي " (61) ، ويجب تغيير كلمة " إلي" بكلمة " لي "..
                وفي عبارة"ولماذا أفكّ قيودك يا ضبع"(64)أحدث إطلاق ألف" ماذا" فسادا وزنيا ظاهرا..
                على أن قارئ هذه المسرحية يعثر في جنباتها فيما وراء هذه الأخطاء الوزنية أو الإيقاعية بعض الأخطاء المتنوعة ومنها ما جاء في قوله :
                ... وأبعدتكما عن أيدي الضبع دواما خشية أن تمتد ّ أياديه ..
                وتغرس في جسدي كل مدية ليل ... "
                ففي كلمة " دواما " حشو ظاهر لا حاجة إليه ، كما نجد في كلمة " كلّ مدية " اضطرابا إيقاعيا يستدعي إسقاط كلمة " كل " ؛ كما أن كلمة " أياديه " يمكن إسقاطها والاستغناء عنها تماما لورودها في بداية العبارة خصوصا وأنها قد تعني جمعا ليد التي هي " الفضل والمعروف ".. وفي هذه الحال يمكن أن تأتي العبارة على هذا النحو :
                " خشية أن تمتدّ وتغرس في جسدي مدية ليل " ...
                وقد كررها مرة أخرى في قوله : " لا بدّ وأن يمثل بين أيادينا " (30)،(34) ، حيث يمكن تغييرها إلى " يدينا " ؛ أو عبارة " لا بدّ وأن نحضر ذاك المجرم .. لنحاكمه ونحاسبه ... "
                وفي عبارة " لكننا لم نعلم " (34) خطأ طباعي بزيادة إحدى النونين في " لكننا " ..
                وفي عبارة " لم أنس طعان الصابر " (29) خطأ مرده إلى أن كلمة " طعان " تعني المطاعنة مصدرا آخر لـ " طاعن " ، وهذا ما لم تقصده شمس ، بل قصدت ما أصابه من طعنات الضبع القاتلة .. وكان عليه أن يقول : مثلا : لم أنس الطعنات الغادرة بجسم الصابر"
                وفي قوله على لسان سالم مخاطبا الضبع :
                ولقد خفت من القيل .. وخفت من القال " (36) وكان يمكنه الجمع بينهما في مثل قوله : " خفنا من قيل ومن قال .. " ؛ ومن ذلك ما جاء في قوله : " لم أعثر قط على أرضك " (44) ، حيث أفضل كلمة " أثرك " عليها ..
                ويلقانا خطأ لغوي في كلمة " وتشفي " (50) وصوابها " وتشفٍّ " بالتنوين وإسقاط الياء لأنها اسم منقوص في حالة الجر ، وتقدر حركة الإعراب على الياء المحذوفة .. ومثلها كلمة " متدلي " (55) وصوابها " متدلٍّ " بإسقاط الياء منها ..
                وفي كلمة " لم يتوفر" خطأ لغوي آخر شائع صوابه " يتوافر " أي يتحقق ويتهيّأ له ، أما " يتوفر" فتعني العكوف على الشيء لفحصه ومعرفته ..
                وهناك عبارة كررها الشاعر مرتين في المسرحية تكشفان عن الخيبة وعدم تحقيق النفع المرجو من العمل ؛ وقد أفادها من التعبير الشعبي المكرور " خرج من المولد بلا حمص " !
                وكانت عبارة المؤلف : " لكنا لم نخرج من هذا اللعب المحموم بلا حمص " (57 ، 64) ؛ وهي محاولة للتمرد على النص الشعبي الموروث بلا مبرر مناسب أو معقول فيما وراء الصياغة الشعرية المفروضة ..
                على أن هذه الهفوات التي أشرنا إليها ربما بشيء من الإلحاح ـ لا يسعني إلا الاعتذار عنها ـ لا يمكن أن تطعن في بنية هذه المسرحية ، أو تفسد جمالياتها التي حققها لهذا العمل المسرحي لمتميز الشاعر الكبير المبدع الأستاذ محمد سعد بيومي ، ولا تعدو أن تكون هفوات بسيطة ومحدودة جدا .. ولكننا رغبنا من وراء هذا الحصر أن يتخلص الشاعر الكبير منها ومن أمثالها في أي عمل إبداعي آخر ليحقق له إشراقا وجمالا ظاهرين ..
                وإلى أن نلتقي بهذا الشاعر الكبير في إبداعات أخرى نتمنى له ولكافة أدبائنا الشباب مزيدا من التفوق والإبداع لتحقيق رسالتهم الأدبية ، وخدمة أمتهم العربية والإسلامية ؛؛
                والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل ؛؛؛
                أ.د خليل أبو ذياب

                تعليق

                • د. حسين علي محمد
                  عضو أساسي
                  • 14-10-2007
                  • 867

                  #9
                  حوار مع الشاعر محمد سعد بيومي
                  سيظل الشعر العمودي المنهل الأول لكل شاعر مجدد

                  حاوره: أ.د. حسين علي محمد
                  ..........................

                  *أنت أحد شعراء الموجة الجديدة، فما رأيك فيما يكتبه أبناء جيلك؟
                  -يوحي وضع السؤال بتداعيات يُثيرها لفظ "الموجة" لا محل للتعليق عليها الآن. أما فيما يختص بإنتاج أبناء جيلي فإنني أريد أن أنوِّه أولاً وقبل الشروع في الإجابة أن لكل جيل موهوبيه، وفيه أيضاً المدّعون. وأنا أستثني المدّعين عند الحديث والإشارة إلى أبناء جيلي.
                  ويرتكز حديثي على ثلاث نقاط:
                  أولا: الإنتاج من ناحية الكم.
                  ثانيا: الإنتاج من ناحية الكيف.
                  ثالثا: الإنتاج من ناحية التعايش الاجتماعي، والخروج من دائرة الذات.
                  أعود للنقطة الأولى: أمامنا مساحة زمنية تُقدَّر بأكثر من ثلاثين عاماً أبدع فيها روّاد الشعر الحر: نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب البياتي، وخليل حاوي، وعبد الرحمن الشرقاوي، ومحمود حسن إسماعيل، وأجيال متعاقبة: محمد إبراهيم أبو سنة، وأمل دنقل، وبدر توفيق، ومحمد عفيفي مطر، ومحمد أبو دومة، وعز الدين إسماعيل، ومحمد مهران السيد، وأحمد سويلم، وحسين علي محمد، ومحمد صالح الخولاني، ومفرح كريم، وصابر عبد الدايم، وأحمد زرزور، وأحمد فضل شبلول، ومحمد فهمي سند، ودروبش الأسيوطي، وصلاح اللقاني، ومنير وليد، وعصام الغازي، وفوزي خضر، ومحمد سعد بيومي.
                  وإذا استثنينا الرواد فإن لكل شاعر سبق ذكره إنتاجاً يستحق الدراسة والتأمل، قرأناه خلال الأعوام العشرة الماضية.
                  ثانيا: الكيف والتوسل:
                  *لنعترف بأن الغموض في الشعر الحديث مبعثه ثقافة العصر، ومبعثه أيضا بدء الشاعر عمله (قصيدته) من نقطة مجهولة في محاولة لاستكشاف المجهول بخيال يحرِّكه الفكر والوجدان .. بداية غامضة تستكشف (برحلة ثقافية خيالية، وجدانية، تأملية). هكذا هي القصيدة الحديثة لا تكشف لك عن نفسها منذ القراءة الأولى، لكنها يجب أن تنأى عن الإبهام، وهذه سمات نلمحها في القراءة للشعراء المذكورين.
                  *ولهؤلاء الشعراء أيضا لغة هي لغة الواقع المعيش، ولم يعودوا يُفرِّقون بين لغة شعرية ولغة غير شعرية، فكل اللغة ملك لهم مادامت تؤدي الأداء المعبر عن الفكر والإحساس والتخيل في إطار الواقع المعيش.
                  *ولهؤلاء الشعراء أيضا مضامين اجتماعية وتجارب ممتدة ومتشعبة في جذور مجتمعهم تنطق بالحيوية والدراما والجدل والمعاناة.
                  *كما وأنني أريد أن أنوه أن من بين هؤلاء من اتضحت رؤيته اللغوية، وأخص محمد إبراهيم أبو سنة، ومحمد أبو دومة، ومحمد مهران السيد، وأحمد سويلم، وحسين علي محمد، ومفرح كريم، ونصار عبد الله، ومحمد سعد بيومي، ومحمد صالح الخولاني، وصابر عبد الدايم، وعبد الله السيد شرف.
                  *ومن هؤلاء من بلغ حد التميز في الفنية (وضوح الرؤية، تكامل البناء والبنية في القصيدة). أضف إلى المذكورين في وضوح الرؤية اللغوية (أحمد فضل شبلول، ووليد منير، ودرويش الأسيوطي، وفولاذ عبد الله الأنور، وفوزي خضر، وعصام الغازي، وأحمد زرزور، وجميل محمود عبد الرحمن).
                  ثالثا: الإنتاج من ناحية التعايش الاجتماعي والخروج من دائرة الذات:
                  أحيل القارئ للدواوين الشعرية التي أخرجها هؤلاء الشعراء، ومنها: السقوط في الليل، وثلاثة وجوه على حوائط المدينة، وشجرة الحلم، للشاعر حسين علي محمد، وبوح العاشق لمفرح كريم، والخروج إلى النهر لأحمد سويلم، ورحلة آدم لمحمد سعد بيومي، والصراخ في الآبار القديمة، وقلبي وغازلة الثوب الأزرق، وحديقة الشتاء لمحمد إبراهيم أبي سنة، ومسافر إلى الله لأحمد فضل شبلول، والعروس الشاردة لعبد الله السيد شرف، وأغنية لسيناء للشعراء: فوزي خضر وصلاح اللقاني ودروبش الأسيوطي وعصام الغازي، وإنتاج محمد إبراهيم أبي سنة وأحمد سويلم ومحمد مهران السيد في المسرح الشعري .. والمنشور من أشعار المذكورين عند إجابة السؤال الأول يُدرك تماماً أن الشعر دخل دروب المجتمع المختلفة، ويدرك تماماً ان الشعر الحر انطلق انطلاقة هائلة ليعبر في سلاسة ويُسر عن هموم الإنسان في كل بقعة من بقاع العالم.
                  *ما موقفك من الأجيال السابقة؟ وما علاقتك بالشعراء المبدعين في مصر عموماً؟
                  -سؤالك الثاني ذو شقين: الشق الأول موقفي من الأجيال السابقة .. ولقد سبق وأعلنت هذا الموقف في كتاب "أدباء الجيل: نحن موقف" للقاص محمد الراوي، وقلت فيه بالحرف: "إن أي شاعر أراد أم لم يرد قد تأثَّر بدرجات متفاوتة بالشعر الكلاسيكي، وسيظل هو المنهل الأول لكل شاعر .. والشعر القديم يُمثل النبع لبناء اللغة الشعرية والموسيقا، ومصدراً لاستنشاق الروح العربية منذ آلاف السنين، وأية محاولة على غير هذا الأساس ستكون بلا أعمدة، فالتراث لا يُمكن إغفاله، وإننا حين نكتب الشعر الجديد لا نتصوّر أننا نبني من فراغ، فنحن لا نسحق حضارة لنُقيم على أنقاضها حضارة جديدة" .. وموقفي من روّاد الشعر الحر موقف المتقدم والمضيف الرائي بضوء مشاعلهم.
                  الشق الثاني: علاقتي بشعراء جيلي، أنت تعرف أنني مكب دائماً على قراءة ما أبدعوا في الدوريات والدواوين، بل وأكتب عنهم الدراسات النقدية، ومن تابع "الكاتب" وإذاعة البرنامج الثاني (برنامج "بريد المستمعين" الذي لفظ أنفاسه سنة 1976م) أدرك أنني قدمت عرضاً ونقداً لأعمال الشعراء حسين علي محمد، وفوزي خضر، ومنير وليد، ودرويش الأسيوطي، وصلاح اللقاني، وعصام الغازي. كما وأنني مغرم بقراءة القصائد الجيدة لهؤلاء الشعراء في ندوات "صالون الربيع" ببورسعيد والأمسيات الشعرية المختلفة.
                  *ما موقف النقد منك ومن جيلك؟
                  -وإن كنت قد قدّمت أعمالي في كثير من الدوريات في مصر والوطن العربي، وأخرجت ديواناً شعريا هو "رحلة آدم" سنة 1980م إلا أنني لم أحظ بدراسات نقدية. ولقد قدّم بعض الشعراء دراسة عني، فكتب حسين علي محمد دراسة في مجلة "الثقافة الأسبوعية" السورية بعنوان "طائر البحر"، وقدّم أيضا الشاعر السوري مصطفى النجار دراسة عني بعنوان "محمد سعد بيومي شاعر البحر" في مجلة "الثقافة الأسبوعية" السورية، كما قدّم الأديب أحمد زلط دراسة عن ديوان "رحلة آدم" في مجلة "صوت الشرقية"، وقدّم أحمد رشاد دراسة أخرى عن "رحلة آدم" وهي مخطوطة عندي، ولم تُنشر بعد. كما قدّم الأديب فتحي الإبياري فصلاً عن أشعاري في كتابه "نبضات القلوب وأدباء الأقاليم" مختاراً لعنوان الفصل "أهدهد القلب بومضة الأمل"، وهي جملة شعرية من إحدى قصائدي.
                  وموقف النقد من أبناء جيلي مازال يعوزه الكثير من الاهتمام خاصة من قبل أساتذة متخصصين، أمثال: د. جابر عصفور، ود. صلاح فضل، ود. علي عشري زايد، ود. نعيم عطية، ود. أحمد هيكل. وإن نال بعض الشعراء بعض ما يستحقه من اهتمام نقدي، مثل الشاعر الصديق حسين علي محمد، حيث قدّم عنه الدكتور علي عشري زايد دراسة تتصدّر ديوانه "شجرة الحلم"
                  *لماذا لم يشتهر في جيلكم شاعر مثل صلاح عبد الصبور في الجيل الأول (من شعراء التجديد) وأمل دنقل في الجيل الثاني؟
                  -ظهر صلاح عبد الصبور كشاعر رائد من روّاد الشعر الحديث، وهو صوت جديد متفرد، مثقف، يعرف أكثر من لغة، وهو موهبة أصيلة .. وأضاف تجديداً إلى ميدان الشعر والشعر المسرحي بالذات، وأظنك تذكر أنه أوّل من قدّم الواقعية في مسرحنا الشعري "مسافر ليل".
                  حتى وإن غلبت على كثير من شعراء جيلي نزعة درامية إلا أن القليل منهم من دخل مجال المسرح الشعري (محمد إبراهيم أبو سنة، ومحمد مهران السيد، وأحمد سويلم) ويرجع سبب ظهور أمل دنقل إلى إثارته التي أثارها الهجاء في شعره السياسي، مع واقعيته، وبساطة لغته، ناهيك عن التركيز الذي ناله من قبل الدراسات النقدية الإعلامية.
                  وأحب أن أقول: إن لدينا أصواتا شعرية قوية، فقط تريد فرصة في النشر والنقد، أذكر منها على سبيل الأمثلة: حسين علي محمد، وصابر عبد الدايم، ومحمد سعد بيومي، وأحمد فضل شبلول، وسناء الحمد بدوي، وعبد الكريم رجب، وعادل يني، وعبد الله السيد شرف، ومحمد صالح الخولاني، وفوزي خضر، وعصام الغازي، ودرويش الأسيوطي، ومنير وليد، ومفرح كريم، وعلي عبد المنعم.
                  *ما رأيك في نشرات الماستر التي يُصدرها أبناء جيلك؟
                  -نشرات الماستر سلاح ذو حدين؛ فبفضل سهولة تقديم أعمال "الماستر" أصبح لكل من يملك قرشاً ديوان مطبوع!، ولهذا رأينا كثيراً من المطبوعات الغثة والتي لا تُساوي ثمن ما دُفِع في ثمن المداد الذي كُتِبت به. أسماء كثيرة سمعنا عنها لم ترسخ تجربتها، إغراها بريق الشهرة، وهذا هو الحد الخطر.
                  وفي الجانب الآخر رأينا أن "الماستر" قدم لنا سلسلة "أصوات معاصرة" التي يُصدرها ويُشرف عليها شعراء محافظة الشرقية: حسين علي محمد، وصابر عبد الدايم، ومحمد سعد بيومي، ويشترك معهم فيها شاعر الغربية: عبد الله السيد شرف. وقد قرأنا فيها نتاج أكثر من عشرين شاعراً على مستوى مصر والعالم العربي.
                  كما قرأنا من خلال "الماستر" أعمال جماعة "فاروس" و"أقلام الصحوة" بالإسكندرية، ورأينا أعمال "الكلمة الجديدة" بالسويس، وأعمال مديرية الثقافة بدمياط، (وأحب أن أُسجِّل إعجابي بنشاطها وفتحها الجسور محليا وعلى مستوى مصر، وتقدم "مطبوعات رواد" و"رواد" و"عروس الشمال"، إنه مجهود ضخم حقيقة).
                  *هل هناك جيل في مصر يتخلق الآن من المبدعين؟
                  -حقيقة يوجد ويتخلق جيل معطاء: في النقد د. جابر عصفور، ود. علي عشري زايد، ود. صلاح فضل، ود. طه وادي، ود. نصر حامد رزق، ومحمد قطب، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وفاروق شوشة، ود. محمد أحمد العزب، ود. علي عزت، ومحمد الراوي، وحسين علي محمد، ووليد منير، ود. صابر عبد الدايم، ومحمد سعد بيومي، وسناء الحمد بدوي، وفؤاد طلبة.
                  وفي الشعر الأسماء التي ذكرت عند السؤال الأول.
                  وفي القصة: محمد الراوي، ومحمد حسن الشرقاوي، وبهي الدين عوض، والسيد عبده النعناع، وقاسم مسعد عليوة، وأحمد زلط، وعنتر مخيمر، وفؤاد طلبة، وسعيد سلام، وأحمد نوح، وصلاح عبد السيد.
                  وفي المسرح: محمد أبو العلا السلاموني، ومحمد طه (بورسعيد)، وأحمد أبو النور (بورسعيد)، وفؤاد طلبة، وسعيد سلام.
                  *لو طلبنا منك اختيار عشر قصائد تمثل صورة الشعر الحر في مصر، فهل تذكر لنا هذه القصائد؟
                  -عشر قصائد تمثل صورة الشعر الحر في مصر:
                  1-شجرة الحلم، لحسين علي محمد.
                  2-التكوين الثاني، لمحمد سعد بيومي.
                  3-قصيدة لحن، لصلاح عبد الصبور.
                  4-ثأر قديم، لمحمد عفيفي مطر.
                  5-الظل الأخضر، لصابر عبد الدايم.
                  6-النفخ في الصور، لمفرح كريم.
                  7-غريبان: قلبي وهذي البلاد، لمحمد إبراهيم أبي سنة.
                  8-جنية النهر، لمحمد صالح الخولاني.
                  9-أنشودة في معبد الشمس، لأحمد سويلم.
                  10-السبط الثالث عشر، لمحمد مهران السيد.
                  *ما تقييمك لحركة الشعر الحر في مصر بعد ثلث قرن؟
                  -أحيلك لإجابة السؤال الأول.
                  *ما رأيك في مقولة "جيل بلا أساتذة" التي طرحها محمد حافظ رجب في الستينيات؟
                  -رأيي أن مقولة "جيل بلا أساتذة" التي أطلقها القاص محمد حافظ رجب ـ قد فُسِّرت تفسيراً خاطئاً؛ فمحمد حافظ رجب ليس ساذجاً ليُعطي انطباعاً بأنه لا فضل لأحد عليه خاصة من أجيالنا السابقة .. فهو يعرف تماماً ما لتراثنا ولتراث الإنسانية جمعاء من فضل علينا وعلى الأجيال التي تعقبنا، لكني من قراءة أعمال محمد حافظ رجب (وبخاصة "مخلوقات براد الشاي المغلي") أُدرك ويُدرك الآخرون أنه يكتب القصة بأسلوب يراه هو جديداً ومبتكراً وغير مسبوق إليه، وأعتقد أنه محق في مقولته. لكنني كشاعر أختلف تماماً معه، فأنا لا أُنكر ريادة صلاح عبد الصبور ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب خاصة في تفكيك رتابة (صدر البيت وعجزه)، وريادة صلاح عبد الصبور في المسرح الشعري الواقعي.
                  *هل لديك أقوال أخرى؟
                  1-أريد أن أرى مجلة أدبية يُحررها أدباء الأقاليم، وتُمثَّل فيها محافظات مصر المختلفة.
                  2-أن يُشرف على أبواب الأدب في المجلات الإقليمية أدباء جادون.
                  3-أن تحتضن الدولة مجلات رائدة في الأدب "كأصوات معاصرة" بالشرقية.
                  4-يُعطى المزيد من الاهتمام لمجلات "كالشعر" و"الثقافة" الشهرية، و"الجديد"، كما أطالب بعودة مجلة "الكاتب"، والنظر في ثمن مجلة "فصول".
                  5-الاهتمام بإنتاج الأدباء الجادين والتي تضمنها هذا الحوار.
                  6-تحية خاصة لجريدة "القناة" ولرئيس تحريرها سناء الحمد بدوي، لدوره النشط في مجال الأدب، داخل محافظة الإسماعيلية.
                  ........................................
                  *نشر في صحيفة "الوطن"، سلطنة عمان ـ 1982م.

                  تعليق

                  • د. حسين علي محمد
                    عضو أساسي
                    • 14-10-2007
                    • 867

                    #10
                    قراءة في ديوان «السقوط في الليل» للشاعر حسين علي محمد *

                    بقلم: محمد سعد بيومي
                    ...................

                    الرحيل في عالم الشعر لاكتشاف مواطن الجمال والاستمتاع به تماماً كالرحيل في البحار لاكتشاف عالم مجهول مملوء بالحياة والحيوية والحركة، وقبل أن نبدأ الرحيل أريد أن أذكِّر القارئ العزيز أن كل عمل فني (قصيدة ـ مسرحية ـ رواية ـ ملحمة …) يتميّز بالعمومية والخصوصية، ولأكون أكثر إيضاحا أقول: أنا، وأنت نشترك في صفات عامة، كالكلام، واللون .. ونتمايز بالأسماء والبصمات وغيرها، وكذلك كل عمل فني.
                    والعموم في القصيدة يعود إلى العروض والأوزان والموسيقا الظاهرية والداخلية والتوسل باللغة الشاعرة، والخصوص في القصيدة هو الذي يبرز أصالة الشاعر، ويُميزه عن غيره، ويُظهر باعه الطويل في مجال الإبداع الشعري، ويرتكز الخصوص في القصيدة على سلامة اللغة، وطرافة الصورة الشعرية، والتميز بخلق لغة أو قاموس شعري خاص.
                    وأعتقد أننا في ديوان "السقوط في الليل" للشاعر حسين علي محمد، والذي طُبع بمساعدة اتحاد الكتاب العرب بدمشق، سنقف أمام حصاد يستحق الرحيل.
                    ولنبدأ الرحيل عبر قصيدة "السقوط في الليل":
                    الليل هذا العالم الأسود الحالك يطمس رؤية حبيبة الشاعر، هذه الحبيبة المعطرة الجناح "كناية عن الطهر" أضحت فراشة محروقة، وخرجت من بين أصابعه، وعلى الرغم من أننا قلنا إن حبيبته ترفل في ثياب الطهر:
                    .. وتطلعين فالصباحْ
                    مُعطَّر الجناحْ
                    وأنتِ ترْفُلينَ في ثيابِكِ البيضاءْ
                    كفُلَّةٍ تحوطُها الأنداءْ
                    وعلى الرغم من هذا الطهر فإن حبيبته تسقط فراشة محروقة في الليل، وأعتقد أن الشاعر صادق تمام الصدق، فيجب أن نحلق في عالمه الشمولي الذي ينطلق فيه، لنصل إلى فكره ونضجه، فالقصيدة تنتقل بنا ثلاث نقلات متصاعدة، كل منها يُشارك في البناء الموضوعي، والنمو الدرامي.
                    النقلة الأولى ذاتية جدا؛ فحبيبة الشاعر التي بدأ الحديث عنها في المقطع الأول:
                    .. وتطلعين فالصباحْ
                    مُعطَّر الجناحْ
                    حبيبته الخاصة، حبيبة العمر، ولأنها مصدر العطاء، فقد ذوّبها في الأرض والكون والزرع والخصوبة والنَّماء، فكان التذويب النقلة الثانية، وأصبحت الحبيبة مصر، ولهذا عزَّ عليه أن يرى الاستغلال يأكلها .. وعزَّ عليه أن يرى العُشَّاق المزيَّفين وقد تكدَّست في كروشهم خيراتها، وانتفخت أوداجهم، وتكاثرت عملاتهم، فأصبحوا يُسيطرون على ما فيها من خير وعطاء، وهو الكادح يظل بالأشواق والحنين:
                    والعاشقُ الذي ألقتـهُ في الطريقْ
                    عواصفُ الحنينِ والأشواقْ
                    يظَلُّ مُغمضَ العينينْ
                    حالماً بقطرةٍ منْ مائكِ اللجَيْنْ
                    وهمسةٍ منْ شَعركِ الرّقراقْ
                    وحينما يراها بهذه الصورة:
                    أراكِ في المساءِ تخرجينَ من يدي
                    وتفلتينَ منْ أصابعي
                    يا فُلَّتي البيضاءُ أين تذهبينْ ؟
                    والخاطفونْ ..
                    أنوارُهمْ مُثيرهْ
                    أموالُهُمْ كثيرهْ
                    عيونُهُم ضريرهْ
                    وحينما يسترجع هذه الصورة فإنه يصعد إلى النقلة الثالثة، أو الصورة الثالثة للحبيبة، وقد سقطت فراشة محروقة إثر هزيمة يونيو 1967م.
                    وأقول إن الشاعر صادق تماماً، فقد اكتوت مصر واحترقت بفقد خيرة من رجالها الذين راحوا شهداء، وضحوا بالروح والدم والدنيا. لكن مصر المعطاءة قادرة على أن تُنجب الأبطال، وقادرة على تحقيق النصر، وهذا ما يُفسِّر قوله:
                    .. وتطلعين فالصباحْ
                    مُعطَّر الجناحْ
                    وأنتِ ترْفُلينَ في ثيابِكِ البيضاءْ
                    كفُلَّةٍ تحوطُها الأنداءْ
                    والقصيدة من الشعر / الثورة، فهو شاعر مُقاوم وآمل أيضاً:
                    والعاشقُ الذي ألقتـهُ في الطريقْ
                    عواصفُ الحنينِ والأشواقْ
                    يظَلُّ مُغمضَ العينينْ
                    حالماً بقطرةٍ منْ مائكِ اللجَيْنْ
                    وهمسةٍ منْ شَعركِ الرّقراقْ
                    ونلمح في القصيدة أيضاً نموا دراميا قائماً على الصراع بين المستغلين والمغتصبين وبين حبيبته التي هو في صفِّها.
                    هذا النموُّ قائم على المفارقة الدرامية، فالمقطع الثاني امتداد بالنمو مع المقطع الأول، والمقطع الأول والثاني يُفارقان المقطع الثالث، فالمقطعان الأول والثاني يُشكلان صورة كلية لحال العاشق والمعشوقة بعد السقوط (والسقوط مفسر على أنه كبوة أو محنة بالنسبة للعاشق والمعشوقة).
                    والصورة الشعرية الآتية تعكس ملامح القرية الأصيلة، من غيرة على العرض والأرض، وكره للتبرج والاستغلال:
                    أراكِ في المساءِ تخرجينَ من يدي
                    وتفلتينَ منْ أصابعي
                    يا فُلَّتي البيضاءُ أين تذهبينْ ؟
                    والخاطفونْ ..
                    أنوارُهمْ مُثيرهْ
                    أموالُهُمْ كثيرهْ
                    عيونُهُم ضريرهْ
                    وتعكس هذه الصورة الشعرية صفاء الشاعر في اختيار ألفاظه المعبرة، فحينما يتحدث عن الطهر يقول:
                    .. وتطلعين فالصباحْ
                    مُعطَّر الجناحْ
                    وأنتِ ترْفُلينَ في ثيابِكِ البيضاءْ
                    كفُلَّةٍ تحوطُها الأنداءْ
                    وحينما يتحدث عن الاستغلال يقول:
                    والخاطفونْ ..
                    أنوارُهمْ مُثيرهْ
                    أموالُهُمْ كثيرهْ
                    عيونُهُم ضريرهْ
                    "كناية عن الجبن والبشاعة والقسوة"
                    لكن صفاء الشاعر في اختيار ألفاظه لا يعني أنه وقع في المباشرة، فالصورة الشعرية المكثفة تدل على ثراء الرؤية وتفاعل الشاعر وتجاوبه مع ما يراه وما يحس به، وما ينبغي أن يكون عليه عالمه المثالي.
                    وهذا التفاعل يجعل من الشاعر صاحب قضية يدافع عنها بأن يضع أيدينا وأعيننا على مواطن الداء، وعلينا الوصول إلى الدواء، فهو هنا أشبه بسمّاعة الطبيب، وأشبه أيضاً بالمجهر.
                    وإذا ما تعمّقنا القصيدة فإننا سنجد شاعرنا يكثف الأخبار تكثيفاً هائلاً؛ فهيكل القصيدة يعتمد على الأسلوب الخبري، باستثناء عبارتين إنشائيتين هما:
                    تُرى كمْ يستمرُّ ذلك الأمانُ
                    في أحضانكِ المُظِلَّهْ ؟
                    و:
                    أين تذهبين؟
                    وهذا يعني أن شاعرنا حسين علي محمد يمتلك الحنكة والتجربة وخرائط الوصول إلى عالم مثالي يرجوه، ونأمله.
                    وهذا الإلحاح على الأسلوب الخبري يعني صدق الرؤية، ويعني أن ترمومتر الشاعر حساس للغاية، يستطيع الغوص في باطن مجتمعه ليعلن الرفض في أوجه الضعف والتخلف والاستغلال بصوره المفارقة التي تحدّثنا عنها آنفاً.
                    الرحيل الثاني مع قصيدة "القيظ"، حيث تُعطيك اللغة إيحاءات عميقة ومؤثرة، فعلى الرغم من الشمس القاسية صباحاً، والأهوال والرعب والجراح والفزع، فإن روحه توّاقة للاستقرار والطمأنينة، فهو يحلم بالظل واللحظات الحلوة، كما يحلم بجفاف جراحه، وهو على الرغم من الظهيرة والوهج، فإن أحزان العالم لا تجتاح قلوعه مادامت معه، لذا فإنه يطلب منها القرب منه "والقرب يعني الطهر" لأن همساتها تُذهب عنه جزعه، وتُعيد إليه الأمن والإشراق.
                    وتلعب المُفارقة الدرامية بما تحويه من مقابلة لفظية وحركية وشعورية دوراً هاما في توضيح رؤية الشاعر الآملة والمشرقة، فالمقطع الأول:
                    انتظريني
                    فالشمسُ القاسيةُ صباحا
                    فوقَ شبابيكِ مدينتنا المسكينهْ
                    تُدنيني
                    منْ أهوالٍ تملؤني رُعباُ وجراحا
                    ثم يُفارق بقوله:
                    تُفزعُ روحي التوّاقةَ لاستقرارٍ وطمأنينهْ
                    والمقطع الثاني:
                    أحْلُمُ بالظِّلِّ يُجَمِّعُنا
                    باللحَظاتِ الحُلوةِ تُدْنينا
                    بِدمائي المُهْراقةِ منْ قلْبي المطْعونِ تَجِفّْ
                    ثم يفارق بقوله:
                    لكنَّ ظهيرةَ هذا اليوْمِ المشْؤومِ تُفَرِّقُنا
                    تُبْعِدُ عنْ أيْدينا
                    طيْراً أزْغبَ يحلُمُ بالخُضْرةِ في وهَجِ الصَّيْفْ !
                    وفي المقطع الثالث تعلو نبرة التفاؤل، وتغلب فتطمس كل الأحزان حين يقول:
                    مادمتِ معي
                    أحزانُ العالَمِ لا تجتاحُ قلوعي
                    أو تقدرُ أنْ تهزمني !
                    اقتربي مني
                    همساتُكِ تُذهبُ عني جزعي
                    وتُعيدُ إليَّ ربيعي
                    والشاعر في هذه القصيدة مجهر، يكتشف موطن الدّاء، وسمّاعة، وطبيب يُشخِّص الداء، ويصف الدواء حين يقول:
                    اقتربي مني
                    همساتُكِ تُذهبُ عني جزعي
                    أو حين يقول:
                    أحْلُمُ بالظِّلِّ يُجَمِّعُنا
                    باللحَظاتِ الحُلوةِ تُدْنينا
                    فهو يريدها أن تقترب في ثوب الطهر، لأنه لن يلتقي معها إلا طاهرة، ويحلم باللحظات الحلوة تُدنيها، ويعلم أن هذا الحلم لا يتأتَّى إلا بالتضحية والبذل للدماء.
                    وهو هنا يشدو بموسيقية عذبة ثرية؛ فعلاوة على الموسيقا الظاهرة في البحر والقافية، فهناك الموسيقا الداخلية .. لاحظ معي كيف استخدم الموسيقا التي تتركها ياء المتكلم في تقريب الجرس الموسيقي، كقوله:
                    انتظريني، تُدنيني، تملؤني، روحي، اقتربي، قلوعي، عني، جزعي. كما ضرب على نفس الوتر حينما استخم بإلحاح ضمير (نا) المتكلمين في قوله: مدينتنا، يجمعنا، تُدنينا، تفرقنا، أيدينا، مما يشي بالمشاركة بين العاشق والمعشوقة في كل تصاعدات الشعور والحدث. وهو هنا يعتمد على الأسلوب الخبري باستثناء الأمر في قوله: انتظريني، وفي قوله: اقتربي.
                    وإذا كانت الرمزية في القصيدتين السابقتين شفافة، غير مستغلقة، فإن رمزية القصيدة الثالثة "لؤلؤة مزيفة" تُفلح في أن تجعل المتلقي يُفكِّر ويُشارك بإيجابية في عملية التلقي والتذوق. وهذا النوع من الشعر هو ما يصح أن نُطلق عليه الشعر / المفكر، وهذا النوع من الشعر يحترم عقلية القارئ، ويطلب منها التفاعل للوصول إلى قمة البناء الدرامي، والهدف من ورائه.
                    فقصيدة "لؤلؤة مزيفة" لا تبوح لك بسرها من القراءة الأولى أو القراءة المتعجلة، لأن التركيبات اللغوية تلعب دوراً هاما ورئيساً، وقد اجتهد الشاعر في خلقها، لتوحي بمدلولات يقصدها الشـاعر تماماً، لأنها تُشارك بفاعلية في بناء المعادل الموضوعي، بل وتكون خليّاته الحية، يقول:
                    وجهُكِ يغرسُ حربتَهُ البيضاءْ
                    في عيْنيْ عاشقِكِ المهزومِ كأسدٍ مطعونْ
                    وظلُّكِ يرفعُ صوتَ النارِ / الشهوهْ
                    في قاعاتِ السُّكْرِ ، وعربدةِ الإخوانِ المُنكسرينْ
                    ينتصِبُ النهدُ كنافورهْ
                    يشربُ كلُّ الجمعِ الحاضِرْ
                    "لبنَ الخلقِ".. و"لبنَ التكوين"
                    يفقدُ هذا الجمعُ / الفردُ صفاتِهْ
                    يفنى في واحِدْ
                    وأنا وحدي ..ظِلٌّ مغبونْ
                    أُبصِرُني بعضاً منْ طِينْ
                    يتمرَّدُُ في أيدي الصَّانِعِ
                    (يتبع)

                    تعليق

                    • د. حسين علي محمد
                      عضو أساسي
                      • 14-10-2007
                      • 867

                      #11
                      في أسلوب ملحمي، ومن خلال القصة: المقدمة والعقدة والمكان والزمان وتراكم الأحداث وعنصر التشويق؛ فوجه حربته البيضاء في قوى رفضه، ولأنه عاشق عذري فهو يرفض هذه الإغراءات المعربدة ـ الاستغلال ـ الانتهاز ـ يرفض إلا ما تكسبه يداه بعرقه وبكدحه، تحت سلطان الضمير والشرف، وهو لهذا نراه في أسف وأسى بالغيْن ثائراً على صور بشعة، هي: صوت النار ـ الشهوة:
                      في قاعاتِ السُّكْرِ ، وعربدةِ الإخوانِ المُنكسرينْ
                      ينتصِبُ النهدُ كنافورهْ
                      ومع انسياق الجمع الحاضر، ووقوعه في هذه البؤر البشعة: بؤر الشهوة، والاستغلال، والظلم، والعربدة، وسائر البؤر القذرة الأخرى إلا أنه طين صامد، نقي .. يأبى أن ينضم إلى الجمع الفرد، ولذا نراه صامداً لأوامر السيد الشيطان:
                      يرفُضُ أنْ يتشكَّلَ لونَ مِزاجِ السيِّدِ
                      في لحْظاتِ التكوينْ !
                      وفي المقطع الثاني:
                      قالتْ عيناكَ مساءْ :
                      ارفعْ كأسَكْ
                      وارْوِ القلْبَ بمائكْ
                      ولْتطرحْ أشجارُكَ فُلاًّ ورياحينْ
                      لكنَّ الزَّمنَ الغاشِمَ أقعى
                      فإذا ما بيْنَ يديَّ دِماءٌ ..
                      ودماءْ !
                      وهو هنا يُكمل بناء القصة الدرامي، فيُجسِّد الصراع، والصراع هنا نفسي. فإذا ما غلب رحيق اللذة والشهوة وانغمس فيهما، فإن المحصلة ستكون دماء.
                      ويختتم القصيدة بتأكيد يتسق والبناء الدرامي للقصيدة، والبناء النفسي لطبيعة وأخلاق الشاعر:
                      بدْرُكِ يرفُلُ في ثوبِ الدهشةِ
                      ينقُرُ شُبَّاكي في السَّحَرِ ،
                      ويدعوني كيْ أصحوَ منْ غفْلهْ
                      أفتحُ شُبَّاكي، لا أجِدُ البدْرَ الواعِدَ
                      أُغلِقُ شُبَّاكي ثانيةً
                      ويظلُّ الأرقُ جليسَ الليْلَهْ
                      فأنا ...
                      لمْ أحْلُمْ بالصَّدْرِ الينبوعِ مساءْ
                      أوْ أضعُ على نافذةِ الشُّبَّاكِ "الفُلَّهْ"
                      يُظهر الشاعر اجتهاداً واضحاً في هذه القصيدة، حيث يخلق تركيبات لغوية جديدة وموحية كقوله:
                      وجهُكِ يغرسُ حربتَهُ البيضاءْ
                      في عيْنيْ عاشقِكِ المهزومِ كأسدٍ مطعونْ
                      فالفوز هنا يعني الهزيمة، لأنه قائم على دعائم الشهوة والاستغلال.
                      وقوله:
                      ظلُّكِ يرفعُ صوتَ النارِ / الشهوهْ
                      انظر إلى العلاقة بين النار والشهوة، المفروض أن تكون النار جزاء للغرق في الشهوة، لكن توظيف "النارِ / الشهوة"، وتقديم النار على الشهوة فيه صدمة للقارئ يقصدها الشاعر تماماً، فهو يقول: الشهوة ممكنة وميسرة، لكنَّ النار هي الجزاء، بل هو يعمل بين النار والشهوة مُطابقة تامة.
                      انظر إلى تركيب "يشرب كل الجمع ـ الحاضر" يشي هذا التعبير بفداحة الغرق، فالجمع الحاضر تعبير يوحي بالشمول وانتشار الفساد آن كتابة القصيدة، وحين يقول "يشرب كل الجمع ـ الحاضر"
                      "لبنَ الخلقِ".. و"لبنَ التكوين"
                      فإنه لا يُغمض عينيه عن ومضات "لبنَ الخلقِ".. و"لبنَ التكوين".
                      يغلب على القصيدة روح الفعل المضارعة ممّا يوحي باستمرار الحدث، كما تتكثّف في القصيدة الأساليب الخبرية باستثناء:
                      ارفعْ كأسَكْ
                      وارْوِ القلْبَ بمائكْ
                      ولْتطرحْ أشجارُكَ فُلاًّ ورياحينْ
                      وكقوله: لم أحلم بالصدر الينبوع مساء!
                      وهذا التنوُّع بين الخبر والإنشاء يكسب العمل الأدبي ثراء وحيوية.
                      ***
                      الرحيل مع ديوان "السقوط في الليل" ممتع، لأن الديوان غني بالتجارب الخصبة، وشاعرنا حسين علي محمد متمكن من تجربته، يُسجلها بعد معايشة ومُعاناة ونُضج، وينجح في توصيلها للمتلقي بسهولة ويُسر، ويُساعده على ذلك لغة سهلة، يختارها الشاعر بعناية، ويتعامل معها بحساسية وخبرة ملاح يعرف وضع اللؤلؤة قبل أن يضعها إلى جوار مثيلاتها، لتكوِّن أساليب البناء الدرامي للقصيدة.
                      وهذه الأساليب تعبر بصدق عن عالمه الداخلي المنظور، ومن أجمل أساليبه:
                      مادمتِ معي
                      أحزانُ العالَمِ لا تجتاحُ قلوعي
                      أو تقدرُ أنْ تهزمني !
                      اقتربي مني
                      همساتُكِ تُذهبُ عني جزعي
                      وتُعيدُ إليَّ ربيعي
                      وفي حب مصر يقول:
                      والعاشقُ الذي ألقتـهُ في الطريقْ
                      عواصفُ الحنينِ والأشواقْ
                      يظَلُّ مُغمضَ العينينْ
                      حالماً بقطرةٍ منْ مائكِ اللجَيْنْ
                      وهمسةٍ منْ شَعركِ الرّقراقْ
                      وعن قوة الصمود:
                      أُبصِرُني بعضاً منْ طِينْ
                      يتمرَّدُُ في أيدي الصَّانِعِ
                      يرفُضُ أنْ يتشكَّلَ لونَ مِزاجِ السيِّدِ
                      في لحْظاتِ التكوينْ !
                      وفي معزة طفلته:
                      ما أحلى تغريدَ البلبلِ في عينيكْ
                      ما أحلى بسمةَ حبٍّ وحنانْ
                      تترقْرقُ في شفتيْكِ
                      وفي مناجاة مصر:
                      في قبضةِ الليلِ السديميِّ الرؤى
                      أُفضي إليكِ بكلِّ شيءٍ من بعيدْ
                      فعسى تعودُ ليَ النجومْ
                      وفي قوة الأرض وعزم الرجال:
                      والسيْفُ يلمعُ في يديْ أُمي تُقبِّلُهُ النجومْ
                      وتُشيرُ لي همْساً ببسْمتِها المُنيرَهْ
                      وتُزيـحُ أمي بابتسامتِها الكبيرةِ
                      كلَّ آثارِ الوجومْ !!
                      وسبق أن وضَّحنا ما في الأساليب من طرافة في قصيدة "لؤلؤة مزيفة".
                      وفي الصورة الشعرية عند شاعرنا: تُفلح الصور الجزئية المكثفة في إبراز صور كلية، وتشارك في بناء المُعادلات الموضوعية، وتشارك بفعالية في نمو القصائد الدرامي.
                      ومن صوره الدقيقة التي جاءت نتيجة لمعاناة حقيقية:
                      والعاشقُ الذي ألقتـهُ في الطريقْ
                      عواصفُ الحنينِ والأشواقْ
                      يظَلُّ مُغمضَ العينينْ
                      حالماً بقطرةٍ منْ مائكِ اللجَيْنْ
                      وهمسةٍ منْ شَعركِ الرّقراقْ
                      وكثيرا ما يكثف الصور، كقوله عن الانتهازيين:
                      والخاطفونْ ..
                      أنوارُهمْ مُثيرهْ
                      أموالُهُمْ كثيرهْ
                      عيونُهُم ضريرهْ
                      ويؤكد هذه الصورة بقوله:
                      لا يُبصرونَ العاشقَ المسكينَ في الظَّلامْ
                      ومن صور التكثيف حرصه على إيضاح صورة العاشق:
                      أحلامُهُ كثيرهْ
                      كأنَّها التِّلالْ !
                      وعن صورة السقوط:
                      أيديهمو خبيرهْ
                      وأنتِ يا أميرهْ
                      وأنتِ يا أميرتي الغريرهْ
                      لمْ تصمُدي للسَّيْلْ
                      أراكِ تسقُطينْ
                      فراشةً محروقةً في الليْلْ
                      أراكِ تسقُطينْ
                      والليلُ يستمرْ
                      أراكِ تسقُطينْ
                      والليلُ مُستمرْ
                      والصُّبحُ لا يَبينْ
                      وهذا الإلحاح في تكثيف الصور يجسدها، ويضخمها في ذهن المتلقي بصدق، ودونما تهويل وافتعال. وهذا الإلحاح إنما يعد لغة جديدة، ويُرينا قاموساً جديدا خاصا بالشاعر استخدمه بأسلوب الصورة الشعرية، وهذا الاستخدام لا يأتي عفويا، فهو يلجأ إليه بصورة أخرى. يلجأ إلى تكرار اللفظ المفرد، ويقصد الاستخدام المتنوع للفظ.
                      تتبّع استخدامه للفظ "الظل" في قصيدة "السقوط في الليل"، فستجده يستخدم "الظل" بمعناه الحقيقي، كخيمة أو ستار يحمي من الظهيرة. وفي قصيدة "القيظ" يستخدم "الظل" على أنه الحلم باللقاء، ويستخدم "الظل" في قصيدة "الشمس والبحيرة" على أنه الدرع الشجاع، وفي قصيدة "لؤلؤة مزيفة" يستخم لفظ "الظل" على أنه صوت الحق المُظل والمكروه، وفي قصيدة "أغنية حزينة" يستخدم لفظ "الظل" على أنه الحق المقهور.
                      وهكذا ترى أن الرحيل مع ديوان "السقوط في الليل" للشاعر حسين علي محمد ممتع وثري، حلّقنا فيه مع شاعر ملتزم ومجتهد.
                      تحياتنا للشاعر، ونرجو أن نقرأ له باستمرار.
                      محمد سعد بيومي
                      .................................................. ..........
                      *نشرت في مجلة "الكاتب"، العدد (215/ 216) مارس/ أبريل 1976، ص148-154.

                      تعليق

                      • د. حسين علي محمد
                        عضو أساسي
                        • 14-10-2007
                        • 867

                        #12
                        القصيدة في «الرحيل على جواد النار»*

                        بقلم: محمد سعد بيومي
                        ...................

                        في حديثه مؤخراً للصحافة العربية قال الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي: "الشعر اليوم: لا توجد قصيدة، بل يوجد بيت من الشعر".
                        وهذه مقولة تعود بنا للوراء؛ والحقيقية أنني لم ألتق بهذا الشاعر الكبير لأطرح عليه سؤالاً هو: ما القصيدة التي تُريدها؟ إذ أنه لا يقصد بالطبع أن يسحب مسميات العصر الجاهلي على الشعر اليوم متجاهلاً المساحة الزمنية الكبيرة وما فيها من تطور ضرب جذوره في كل شيء: مادةً وفكراً.
                        والحقيقة أنني اجتهدت إلى تفسير شخصي لعلّ الشاعر الكبير توصّل إليه من خلال مطالعته لمعظم الأشعار العربية والأجنبية، وأقصد بها الشعر الأوربي والأمريكي. وهذا الرأي، أو التفسير الشخصي، يتكئ على جناحين:
                        الأول: أن الكثير من الأعمال الشعرية الحديثة ـ وأخص الغنائي منها ـ يفتقر إلى التلاحم، بحيث يبدو العمل كجسد إنساني حي، ولعل ذلك راجع إلى عدم التنامي في البناءين: الشعوري والتعبيري.
                        والثاني: يعود إلى اتكاء بعض الأعمال الشعرية إلى النبرة الإيقاعية بالدرجة الأولى.
                        وأحسبني في هذا المقال القصير معنيا بالدرجة الأولى بتتبع القصيدة في ديوان "الرحيل على جواد النار" للشاعر حسين علي محمد والذي صدر عن سلسلة "الإبداع العربي، التي تُشرف عليها الهيئة المصرية العامة للكتاب.
                        وأنت تقرأ قصيدة "صهيل الجواد الخشبي" إحدى قصائد الديوان تشعر أنك مشدود بخيط من أسمى الخيوط الإنسانية:
                        عملُ الليلَ مريحٌ
                        فاتركْ أرضَ الريفِ،
                        ففي غدِكَ المزهرِ ترحلُ للأرضِ الموعودةِ،
                        يشمخ بك البناء التعبيري لريفي منسلخ عن عالمه النقي ليضيع في عرق المدينة الليلي، ويصبح نكرة من النكرات، وحين أراد البحث عن وجهه بعد صحوة متأخرة، لم يجد من يرده إلى عالمه الذي انفصل عنه، وحين أراد البحث عن جذوره التي قطعها سمع شهادة وفاته على ألسنة أهل قريته، في حين بقيت سيرة أمه ممتدة الهامة بنقائها، وعطائها غير المحدود.
                        نستطيع أن نقول إن "صهيل الجواد الخشبي" قصيدة متكاملة البناء، فهي شريحة حية متكاملة التكوين، وصل مبدعها إلى معادلها بمرحلتين غير منفصلتين: معادل شعوري يدل على ذهن صاف وموروث من العقائد الأصيلة، ومكتسبات من الثقافة الشمولية، مكّنته من إخراج هذا المُعادل الشعوري في بناء تعبيري واضح المعالم في قدرة يُحسَد عليها.
                        وإذا كان البناء التعبيري يشمل البناء اللغوي والأسلوبي والبياني فإننا للوهلة الأولى نلحظ اللفظ المختار بصدق وأمانة وعذوبة
                        عملُ الليلَ مريحٌ
                        فاتركْ أرضَ الريفِ،
                        ففي غدِكَ المزهرِ ترحلُ للأرضِ الموعودةِ،
                        ولتصحُ مع الفجْرِ
                        لتركبَ أوَّلَ حافلةٍ
                        للقاهرةِ الحالمةِ الرحبةِ
                        ولتضعِ الوردةَ في عروةِ صدرِكَ
                        إيقاعُ الخطْوِ يُمثِّلُ قَفَزاتٍ
                        والحركةُ في قاعِ الصمتِ
                        وأنتَ كبيرٌ،
                        هلْ تجهلُ صولةَ عملِكَ ؟
                        (عمل الليل مريح ـ اترك أرض الريف ـ لتركب أول حافلة للقاهرة ـ الحالمة ـ الرحبة ـ ولتضعِ الوردةَ في عروةِ صدرِكَ).
                        هنا يصبح اللفظ والصورة الجزئية والجملة والعبارة والتوظيف الأسلوبي ـ إخباريا كان أم إنشائيا ـ يُصبح كل هذا التكوين ملامح القصيدة ـ الجسد الحي ـ وتُفلح القصيدة ـ وكل قصائد الديوان ـ في إعطائك هذا الانطباع.
                        والمُلفت للنظر في "صهيل الجواد الخشبي" أن الصراع في معظم القصيدة خافت، لكنه يتفجّر في المقطع قبل الأخير، وهو صراع عنيف، لأنه تفجّر من النفس، وعلى النفس.
                        وإذا عدنا إلى الجناح الثاني في الاجتهاد الشخصي والخاص بالإيقاع نجد أن الشاعر حسين علي محمد يدخل هذا الجانب بدقة تحسب له أيضاً، فلم يُغفله، ولم يجعله يقف حجر عثرة أمام تلاحم قصائده:
                        كان يُحبُّ الخلاّنْ
                        كانَ يُحبُّ العظمةَ والسلطانْ
                        فليرحمْهُ الرحمنْ
                        لكن خاتمة القصيدة تتركنا أمام عدة تساؤلات: هل من لم يشهد أحداً أو بدراً أو حرب التحرير ضرير؟ وهل يتساوى عديم النفع بالبعير؟ وكيف كان السقوط؟
                        الحقيقة أننا نستطيع أن نلمس التلاحم في معظم فصائد الديوان حتى الذاتي منها (دمعتان ـ الأسوار ـ الصوت الأخضر في غابات القيظ)، غير أننا نميز القصائد الذاتية بالشمولية والانطلاق، حتى وإن كانت مهداة إلى أشخاص معينين، وهذا يؤكِّد قدرة حسين علي محمد على الانطلاق بقصيدته ـ رغم الرحيل الصعب ـ في عالم الشعر.
                        محمد سعد بيومي
                        ......................................
                        * نشرت في "المساء"، في 28/6/1991م.

                        تعليق

                        • د. حسين علي محمد
                          عضو أساسي
                          • 14-10-2007
                          • 867

                          #13
                          حلم العدالة في مسرح محمد سعد بيومي

                          بقلم: أحمد رشاد حسنين
                          ...................

                          "سفير فوق العادة" إنه أحد الأوصاف التي أطلقها أحد شعرائنا المسرحيين الكبار علي المسرح الشعري. فهو يسمع ما يقول الآخر الذي هو جوهر التاريخ أو جوهر الأسطورة أو جوهر الواقع المعيش. ثم يعود إلي قومه مترجما لهم ما سمع ومستخدما في ترجمته لغته. ليست هي بالضبط ما سمع. وليست هي بالضب ما يقول. ذلك أن هذه اللغة الشعرية الدرامية إنما هي محض تمثيل للجوهري والحقيقي في عالم الناس والأشياء ومن جانب آخر تمثيل للجوهري والحقيقي فيما ينشده أو يحلم به البشر.
                          والحلم هنا هو حلم العدالة. ومسرحية ".. وينتظر الموت" للشاعر المسرحي "محمد سعد بيومي" يبدو من خلالها مؤلفها مرهف السمع لنبض واقعه الذي عايشه ويعيشه سواء علي مستواه القومي أو الإنساني وهو يترجم بعضا من هذا النبض ممارسا الرؤية محاولا الفهم ثم الاستشراف. معيدا صياغة معطيات واقعه في بوتقة الفن. مصدرا إياه مرة أخري إلي الحياة "ليصب فيها ويلتحم بها". علي حد تعبيره في مفتتح المسرحية فهو يقول: "أفضل أن يبدأ مسرحي من الحياة والواقع ليصبح فيهما ويلتحم بهما". ويقوم القالب الفني للمسرحية علي بناء اللوحة المسرحية وذلك من خلال سبع لوحات متتالية يلعب فيها كل من الراوي والإضاءة المسرحية دورا هاما في تقديم الشخوص وتفسير بعض المواقف والأحداث وتهيئة جو التلقي والإيحاء النفسي للنص وللجمهور علي السواء.
                          يعنينا في هذه الصفحات أن نقف علي عنصر "الصراع" الذي يتفاعل منذ اللوحة الأولي في المسرحية لتبدأ مباشرة ساخنة بجدلية الخير والشر. العدل والظلم ولكنها تطرح هذه الجدلية أولا في إطارها الشامل العام من خلال صراع الشخص الثاني مع الأول ويؤكد هذا الطرح أن الشخصين غير متعينين وفي حوارهما يتمسك كل منهما بموقفه معبرين بذلك عن التناقض المفجر للصراع ولكن قواعد الدراما تفرض نفسها فلا يتبدي هذا الطرح العام بصورة تجريدية أو فلسفية وإنما في مشهد يكاد يحدث يوميا. يستثمره المؤلف في البناء عليه. والنسج منه خيوطا للأحداث ومنطلقات لحركة الشخصيات بصورة سريعة الإيقاع عالية التوتر - بديالوج تارة ومنولوج تارة أخري مع حضور "الراوي" المفصلي كل ذلك بتفعيلات شعرية قصيرة متتابعة مشحونة بالصور الموحية والرموز الدالة.
                          هذه المسرحية الحية بالحركة والصراع سبق وأن فازت بجائزة اتحاد الكتاب الخاصة "جائزة الكتاب المسرحي محمد سلماوي" لعام 2005م. وكان بطلها نموذجا للبطل المغترب ذي المصير الملحمي في أطروحة حسين علي محمد للدكتوراة عن "البطل في المسرح الشعري المعاصر" "3" وقال عنها الناقد ربيع مفتاح في دراسة له علي موقعه الإلكتروني: ".. وينتصر الموت نص مسرحي شعري جدير بالقراءة والعرض. وأعتقد أن الذي انتصر هنا هو المسرح وليس الموت".
                          ..................................
                          *المساء ـ في 4/4/2009م.

                          تعليق

                          • د. حسين علي محمد
                            عضو أساسي
                            • 14-10-2007
                            • 867

                            #14
                            قراءة في قصيدة : «اللامنتهى وتساؤلات أخرى»
                            لمحمد سعد بيومي(1)

                            بقلم: أ.د. حسين علي محمد
                            .......................

                            تقول قصيدة "اللامنتهى وتساؤلات أخرى" لمحمد سعد بيومي:
                            1
                            سأتقنُ فنَّكمْ يوما
                            وإن قَطَرَ الفؤادُ دما
                            ألفتُكَ نبتةً شمَّاءَ تطوي ضلعَها ألما
                            ولا تشكو، ولا تبْكي،
                            ولا تأسفْ
                            فقل لي: ما هي الأشواقُ في نَظَرِكْ؟
                            وكيف تُضيءُ قنديلَكْ؟
                            2
                            بصفحتنا الحنينُ يُسابقُ الأنهارْ
                            ولكنَّ الشموخَ يُجفِّفُ الأوتارْ
                            ويطمسُ رغبةَ الأسفارْ
                            فحطِّمْني .. وعلِّمْني
                            سأجمعُ منْ حُطامي صحوةَ القادرْ
                            فما هو طينُكَ النَّادرْ؟
                            3
                            ركبتُ سفينتي الخضراءْ
                            وأبحرتُ ـ الغريقَ ـ إلى رُبا الأضواءْ
                            رأيْتُ بوجهتي عينيْكَ تجذبُني إلى اللامنتهى ..
                            وسرابُ أيّامي ..
                            يُغطِّي كلَّ أحلامي ..
                            بجرعةِ ماءْ!
                            وهلْ خلفَ السرابِ رُواءْ؟؟
                            4
                            وكان البحرُ متسعاً
                            وكانت رحلتي تعسةْ
                            أسيرُ، وكلما أوغلتُ في الأعماقِ تُغريني مفاتنُها
                            فتقتربُ السفينةُ عندها خلسةْ
                            وتلمحُني ..
                            فترجمني
                            .. بريحِ الصَّدِّ والإحجامْ
                            تدورُ سفينتي الخضراءُ في دوّامةِ المُرغَمْ
                            وتقصمُ في عُبابِ البحرِ مُرهقةً بلا شاطئْ
                            ولا أسلو الرحيلً، ولا أمَلُّ البحثَ عن شاطئْ
                            5
                            ويمضي العاشقُ الخاطئْ
                            ودمعاتُ الهوى الحرَّى
                            تُرافقُهُ خطى حيرى
                            وما زال الخضمُّ كعمقِ أعماقِ المحيطِ ..
                            ولم يزلْ بالجانبِ الدَّامسْ
                            يؤرِّقُهُ دُوارُ سفينةٍ عانسْ
                            سفينتُهُ تميدُ بقبضةِ المجهولِ، والتيَّارُ يجرفُها
                            إلى النائي، ويدفعُها
                            وبحرُ الشوقِ يبْلعُها
                            ولكنَّ السفينةَ لا تُسلِّمُ قطّ دفَّتَها
                            إلى الآفِلْ
                            وتمضي .. تعبرُ الآفاق ولْهى .. والهيامُ بجوفها يثْقُلْ
                            يلفُّ شقيةَ النظراتِ في ظمأٍ ولا تسألْ
                            6
                            وسارت رحلةُ العاشقْ
                            بلا قمرٍ ولا زهْرٍ ولا إشراقْ
                            ويعتزلُ البحارَ .. ويتركُ المحبوبَ في ..
                            برجِ الشموخِ يُكلِّمُ الأبعادَ حينَ تصيرُ ..
                            خاويةً بدونِ رفيقْ
                            أنا ملاّحُها الأوْحدْ
                            وأعلمُ أنَّني الأوحدْ
                            ولا أحدٌ يجوبُ بحارها غيري!
                            فهلْ تصمُدْ؟
                            فهلْ تصمُدْ؟
                            فهلْ تصمُدْ؟

                            *
                            هذه القصيدة (2) من بدايات محمد سعد بيومي التي تخطّاها الآن بشعره الذي يجمع بين روح الشعر في خياله المحلق وموسيقيته، وروح الدراما في صراعها وحوارها. أما هذه القصيدة فهي من القصائد الغنائية الثرة، التي نُلاحظ عليها أن البناء الدرامي فيها غير مكتمل، وهذا لا يعيبُها.
                            وإذا كانت الاتجاهات الحديثة في الشعر تجنح إلى الإشارة والتلميح، ولا تجنح للتعبير المباشر الصريح، فإن قصيدة "اللامنتهى وتساؤلات أخرى" تنجح في أن تؤثر فينا بملمحين هامين:
                            1-الموسيقية: حيث إنها تنساب في صوت موسيقي آسر، ولا يُمكن أن نُغفل دور الموسيقا في الشعر. ومهما اتجهت الدعوات المعاصرة ـ بدعوى الحداثة ـ إلى الابتعاد عن الموسيقا المنضبطة المتكررة، فسيظل الروح الموسيقي أهم ما يميز الشعر عن غيره من الفنون التي تتخذ من الكلمة أداة لها.
                            وفي قصيدة "اللامنتهى وتساؤلات أخرى" ترى الشعر الحر يقترب ـ أحياناً ـ اقتراباً حميماً من الشكل التقليدي، فالموسيقا منضبطة عنده لدرجة أن السامع ـ وليس القارئ ـ للقصيدة قد يظن في بعض أجزائها أنها من الشعر الخليلي.
                            وللموسيقا دور هام في القصيدة، إذ نراها تسمو بمشاعر المتلقي، وتُبعده عن اللحظات الخشنة (النثرية) التي يعيشها. وتمهِّد له أن يعيش لحظات مع واقعه الجديد داخل القصيدة التي يختلف عالمها وتكوينها ـ بالطبع ـ عن العالم النثري المعيش.
                            إن الموسيقا في الشعر الجيد لها دور هام، ليس هو دور التطريب بالقطع، ولكنه كما سبق أن أشرنا دور التمهيد للمتلقي كي يسمو عن اللحظات النثرية المعيشة، والتحليق إلى واقع خيالي أسمى من الواقع المعيش ـ إن صح هذا التعبير ـ هو واقع القصيدة التي سيعيشها المتلقي.
                            ب-الصورة الشعرية المتميزة: وهي الملمح الثاني في هذه القصيدة المترعة بالجمال . وإذا كان سانتيانا في كتابه "الإحساس بالجمال" يقول: "إن الخروج على المألوف في ميدان الذوق الجمالي يُوازي الاستقامة في ميدان الدين" فهو يعني أن على كل تجربة أدبية حقيقية متميزة أن تنحت لها لغتها، وشكلها، وجمالياتها الخاصة بها.
                            فماذا نرى في هذه القصيدة؟
                            الصور في القصيدة عادية، باستثناء تعبيرات مبتكرة قليلة في قوله:
                            ألفتُكَ نبتةً شمَّاءَ تطوي ضلعَها ألما
                            و: بصفحتنا الحنينُ يُسابقُ الأنهارْ
                            ولكنَّ الشموخَ يُجفِّفُ الأنهارْ
                            و: وتلمحُني ..
                            فترجمني .. بريحِ الصَّدِّ والإحجامْ
                            و: يؤرِّقُهُ دُوارُ سفينةٍ عانسْ
                            فهل كانت هذه التعبيرات الجديدة نبتاً طبيعياً لقصيدة جديدة حقا؟
                            إن التجربة في هذه القصيدة غائمة نوعاً ما؛ فالقصيدة تبدأ بنوع من المداهنة والصراع الداخلي بين الشاعر ونفسه يوشك أن ينتهي إلى حل "تلفيقي" أو "توفيقي"، وهذا ما ترفضه طبيعة الشعر / الثورة.
                            سأتقنُ فنَّكمْ يوما
                            وإن قَطَرَ الفؤادُ دما
                            ويمضي في التجربة فنعلم أن الكبر الزائف يقتل النبت الرقيق والأنغام الهامسة:
                            ولكنَّ الشموخَ يُجفِّفُ الأوتارْ
                            هنا ـ أمام هذا الكبر الزائف ـ تصبح الرحلة بلا نهاية، وتُصبح كل الأشياء والمُحاولات بلا جدوى:
                            رأيْتُ بوجهتي عينيْكَ تجذبُني إلى اللامنتهى ..
                            وسرابُ أيّامي ..
                            يُغطِّي كلَّ أحلامي ..
                            بجرعةِ ماءْ!
                            وهلْ خلفَ السرابِ رُواءْ؟؟
                            هنا يملك اليأس شغاف القلب، ولكن الشاعر لا يمل ولا ييأس، وينطلق:
                            سفينتُهُ تميدُ بقبضةِ المجهولِ، والتيَّارُ يجرفُها
                            إلى النائي، ويدفعُها
                            وبحرُ الشوقِ يبْلعُها
                            ولكنَّ السفينةَ لا تُسلِّمُ قطّ دفَّتَها
                            هنا نرى الإصرار على اجتياز هذه البحار والوصول إلى مرفأ الأمان، ولكن كم كنت أحب ألأ أقرأ قول الشاعر:
                            وبحرُ الشوقِ يبْلعُها
                            إن "البلع" معناه الانتهاء!
                            كان يمكنه أن يقول: وبحرُ الشوقِ يجذبُها، ونصل إلى نهاية التجربة حيث نصل إلى قوله:
                            أنا ملاّحُها الأوْحدْ
                            وأعلمُ أنَّني الأوحدْ
                            ولا أحدٌ يجوبُ بحارها غيري!
                            وهنا يُدرك القارئ ـ أو المستمع ـ أن هذه القصيدة كُتبت في الفترة العصيبة القاسية التي مرت بها أمتنا العربية بعد هزيمة يونيو 1967، حينما كان اليأس يغمر قلوبنا، والشاعر يُحاول من خلال نصه أن يُضيء شمعة في ليلنا الدامس، ولهذا رأينا الشاعر ـ وهو الصامد البطل طوال القصيدة وسط أمواج المهزومين ـ يشك في قدرته وحده على الصمود، ويُسائل نفسه وهو بين الرجاء والأمل:
                            فهلْ تصمُدْ؟
                            فهلْ تصمُدْ؟
                            فهلْ تصمُدْ؟

                            *
                            هذه القصيدة تجربة طيبة للشاعر محمد سعد بيومي، هذا الشاعر الواعد بعطاء ضخم في دنيا الكلمة الشاعرة، وأحسن ما في هذه القصيدة بالإضافة إلى موسيقيتها الآسرة: إصراره ورغبته في التعلم من أخطائه كي يجتاز محنته في قوله:
                            سأجمعُ من حُطامي صحوة القادرْ
                            وفي قوله:
                            أسيرُ، وكلما أوغلتُ في الأعماقِ تُغريني مفاتنُها
                            فتقتربُ السفينةُ عندها خلسةْ
                            وتلمحُني ..
                            فترجمني
                            .. بريحِ الصَّدِّ والإحجامْ
                            تدورُ سفينتي الخضراءُ في دوّامةِ المُرغَمْ
                            وتقصمُ في عُبابِ البحرِ مُرهقةً بلا شاطئْ
                            ولا أسلو الرحيلً، ولا أمَلُّ البحثَ عن شاطئْ
                            وفي قوله:
                            سفينتُهُ تميدُ بقبضةِ المجهولِ، والتيَّارُ يجرفُها
                            إلى النائي، ويدفعُها
                            وبحرُ الشوقِ يبْلعُها
                            ولكنَّ السفينةَ لا تُسلِّمُ قطّ دفَّتَها
                            إلى الآفِلْ
                            وتمضي .. تعبرُ الآفاق
                            إن هذه القصيدة تُظهر لنا بداية فنية لشاعر قادر على إثراء حياة الشعر العربي في مصر بلآلئ صادقة، تثري تجربتنا التي تفتقر إلى صوت خصب ـ في هذه الأجيال الجديدة مثل صوت محمد سعد بيومي.
                            .................................
                            الهوامش:
                            (1) نشرت هذه الدراسة في جريدة "الثقافة الأسبوعية"، دمشق، عدد 12 آب (أغسطس) 1978م.
                            (2) نشرت القصيدة في مجلة "الجديد" في 1/9/1973، ثم نشرت في ديوان "رحلة آدم"، دار آتون ـ القاهرة، يناير 1980، ص18، 19، ثم نشرت في مجلة "الشعر"، العدد (26)، أبريل 1982، ص61، 62.

                            تعليق

                            يعمل...
                            X