[align=justify] ما من شىء مصنوع فى الوجود إلا وله قواعد وقوانين وأسس وغاية وفائدة0 والقوانين تحسن وتجود الحبكة وتخصها أكثر من غيرها .
أس أساس القوانين:
1- الاحتمال و الحتمى
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216 ] إن الله تعالى الذي بيده كل شىء والقادر عليه يحسم أن القتال كره ، بينما لا يحسم أن الكره فيه الخير ويجعله - تعالى - محتملا مع أنه مقدره ؛ من أجل أن يجعل القتال بما فيه من كره وصعوبة ومشقة وقتل واستشهاد أمرا من الله لنقاتل الذين كفروا أو ظلموا أو اعتدوا 0 ولكي يخفف من الأمر ويجعله مقبولا أوجد الحافز أن يكون ما هو كره حتمي ،فيه الخير محتمل ، بينما ماهو أكيد وحتمي محبب جعل فيه الاحتمال أن يكون شرا0
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف83 ] هنا تخص يعقوب ، ضاع أولاده الثلاثة ، يوسف أولا ثم بنيامين ثم روميل ، وكان أمله فى عودتهم إليه محتملا ، وقد بنى الاحتمال على عودة يوسف من الدم الكذب ، وعلى عودة بنيامين ؛لأنه لا يسرق ، وعودة روميل على أنه لن يحنث بالمواثيق والعهود التى أخذها عليه إبان السماح له باصطحاب بنيامين ليأخذوا الطعام من مصر0 وتحقق الاحتمال وعادوا إليه جميعا 0
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ }القصص22 ] لما هرب موسى من مصر وهو لا يعرف أى البلاد يذهب ولا أى الطرق يسلك قال لنفسه بعد أن دعا الله "عسى " وهنا تفيد الحتمية ؛ لأنه أوكل تنفيذها على الله ، وكان قد وصل بسلام إلى مدين ، أرض ليس لفرعون مصر سلطان عليها ، فأمن من الخوف ، ووجد من يساعده سواء بالعمل والطعام والمسكن والأمن والعفة أيضا حيث تزوج من التى يسرها الله له ،وكانت من جملة أن يهديه ربه.
ما من شىء يحدث إلا وله سبب ونتيجة . وما من شىء كائنًا من كان إنسانا أو حيوانا أو نباتا إلا وله حاجة ، والحاجة تحتاج إلى وسيلة لتحقيقها ، وما من هدف إلا يتبعه عمل ليحققه ، وما من عقدة إلا ولها حل ، وما من سؤال إلا وله جواب فى حدود المعقول والطبيعة وليس فيما وراء الطبيعة ، وما من حدث أو حادثة إلا وتحدث شيئا : حدثا أو فعلا أو رد فعل.
إذن من أين يأتى قانون السبب والنتيجة ، الحاجة والوسيلة ، الهدف و العمل التعقيد والحل ، السؤال والجواب ، الحدث والحادثة؟؟ والجميع تكون نتائجها إما حتمية الوقوع وإما محتملة الحدوث وقد بيّنا البرهان ، ويجرى ذلك على كل ما يخص القصة و الأحداث ، والشخصيات وغيرها ؛ لتدفع الأحداث المتتابعة الممتعة القابلة للتصديق بسبب مشابهتها للواقع وللحياة ، لتكون متدفقة نحو المنتهى والخاتمة والحل - التى لا بد أن تحقق قدرا من الإمتاع ليرضى ذوقنا الحسي ومتعتنا العقلية ويشبع طبيعتنا المحاكية - والصانعة لجسد القصة وجعلها وحدة كاملة وعظيمة وتعتبر من قواعدها الأساسية ؟؟
2- السبب والنتيجة
إن لكل سبب نتيجة حتمية الوقوع أو محتملة الحدوث0
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }هود37 ] جاء الأمر إلى نوح وما دام الأمر جاء إلى نوح فإنه أصبح حاجته بأن يصنع السفينة ، السبب لتحملهم إلى النجاة ، وصنعها فى المكان اليابس الذي كان يعيش فيه وليس على شط بحر أو محيط أو نهر و الدليل على ذلك أن قومه سخروا منه {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }هود38 ] ولكن ليجعل القول يتحول إلى فعل على يد نوح وهى السفينة كان لابد من نتيجة لكي تفعل وظيفة السفينة وتؤدى دورها وغرضها الذي من أجلها صنعت {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }هود40 ] كيف تعوم السفينة على أرض يابسة فأتى الله بالسبب { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ{11} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ{12} وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ{13} القمر ] فجاء الماء وجاءت النتيجة حتمية لتعوم السفينة وتفعل فائدتها وتؤدى عملها نتيجة لوجود الماء ووجود الماء أيضا جاء بنتيجة محتملة وهو الإغراق ؛ لأن الماء من نتائجه الحتمية إنبات الزرع ورواء ظمأ الناس وغيرهم ، ولكن أن يأتى الماء ليغرق أو يهلك فذلك شىء محتمل وقد حدثت النتيجتان الأولى حتمية لتعويم السفينة والثانية محتملة وهو الإغراق وقد كان ، أغرق قوم نوح الكافرين0
3- الحاجة والوسيلة
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف68] ولما دخلوا – إخوة يوسف - من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم ما كان ذلك ليدفع قضاء الله عنهم ، ولكن كان شفقة في نفس يعقوب عليهم أن تصيبهم العين بالحسد ، لأنهم عشرة من الإخوة الرجال ، وإن يعقوب لصاحب علمٍ عظيم بأمر دينه علَّمه الله له وحْيًا ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون عواقب الأمور ودقائق الأشياء, وما يعلمه يعقوب عليه السلام- مِن أمر دينه.
تأتى من حاجة الشخصية التى تريد أن تحصل عليها فتتبع وسيلة ما ويحدد هذه الوسيلة الفكر، والفكر هو ما تعتقده الشخصية من عقيدة سماوية وقيم أخلاقية وتكون الوسيلة نتيجتها حتمية النجاح أو محتملة الفشل0
فى قصة يوسف تكون حاجته البلوغ إلى منزلة عالية ، والوسيلة التى اتبعها العدل والعلم والحق والصدق والعمل المخلص والسمعة الطيبة 0والنتيجة الحتمية أو المحتملة النجاح بأن وصل إلى هذه المرتبة العالية و أصبح وزيرا فى دولة عظيمة كبرى كمصر.
4- الهدف والعمل
[{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً{73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً{76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77}الكهف] يأتى من هدف الشخصيات التى تريد أن تحققها ، والهدف يأتى من الحاجة ، والحاجة هى التى تحدد طرق ونوع العمل 0
ونتيجة العمل هو أيضا حتمي الوقوع أو محتمل الحدوث إذ ربما إنت تعمل ولكن لا تحقق هدفك إذا قتلت أو مت أو فقدت عقلك0
فى الغلام الصالح فى قصة أصحاب الأخدود فعل الكثير للدرجة التى دفع حياته ليحقق هدفه حتى بعد أن يموت أى أن هدفه سيتحقق بموته ، وقبل أن يقتل من أجل هدفه الذي تحقق فعلا ولكننا نحن الذين أدركناه وعرفناه ، ولم يدركه ويعرفه هو نفسه وذلك فى حكمة بليغة لأن القصص تكتب لنا نحن الجمهور وليس لمؤلفها أو رواتها أو ممثليها.
5- التعقيد والحل
{وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأعراف171[الأعراف] والمعنى رفع الله الجبل فوق بني إسرائيل كأنه سحابة وأيقنوا أنه واقع بهم لأنهم لم يقبلوا أحكام التوراة من نبيهم موسى ، وأمرهم الله أن يأخذوها بقوة ويعملوا بما فيها من أحكام وفرائض فرضها الله عليهم ؛ كي يتقوا ربهم فينجوا من عقابه ، وقد قبلوها – مجبرين - وعاد الجبل إلى طبيعته0
فإن الشخوص عندما يواجهون التعقيد فى طريق حاجتهم وهدفهم فإنهم ينزعون إلى حلها و تذليلها بكل السبل ، ويعتمد الحل على النتيجة المحتملة أو الحتمية ولكن يفضل أن ينزع المؤلف لجعلها محتملة فقط حتى يحافظ على استمرار التشويق والإثارة والغموض الذي يربطه بجمهوره ولا يغادرونه وينصرفون عنه.
فى قصة يوسف ، يوسف فى السجن ومظلوم ومطعون فى شرفه وكرامته كذبا وعدوانا، فإنها عقدة مستحكمة لا أحد يعرف كيف يخرج منها ، ولكن لو حدث شىء فإن الخروج محتمل مثل أن يعفو عنه العزيز ، أو أن تعترف زوجته أن يوسف بريء ولكن لمكانتهما فى الدولة المصرية فزوجها وزير وهى ابنة أخت الملك فيستحيل الاعتراف وافتضاح نفسيهما وتهديد مستقبليهما باعترافيهما أنهما أدخلاه السجن ظلما0 ولكن الحل المحتمل يأتى من وقوع حدث لا يكون إلا حلما يحتاج إلى تفسير ، ولا يعرف تفسيره أحد ، فندرك نحن أن من يستطيع تفسيره هو يوسف ، ولكن يظل التعقيد على أوجه ، فمن المحتمل أولا أن يعرفوا أن يوسف هو الذي يفسر ، وثانيا يرسلون له ليأخذوا رأيه أو يعرفوا أنه يعرف الحل ، فعند ذلك يأتى الحل المحتمل للعقدة ، فإننا نعرف أن ليوسف صديقا فى السجن يعمل فى بلاط الملك وقد أوصاه يوسف بنفسه ، وهذا الصاحب يعرف ويتأكد من علم يوسف وصدقه ومعرفته فقد جربه بنفسه وإلا ما عاد إلى بلاط الملك ، وخرج من السجن وقد حدث.
6 - السؤال والجواب
السؤال يأتى لما هو حادث ليوضحه ويعرى سبب وجوده ، يأتى الجواب ليوضح ماذا يحدث ويفك الشفرة ، ويعتمد على النتيجة المحتملة لاستمرار الغموض والإثارة والتشويق والمتابعة واندفاع الأحداث أيضا ، ولا يجب أن يأتي الجواب واضحا كاملا بل يفضل أن يكون منقوصا حتى يدفعنا نحن إلى المتابعة والبحث عن الإجابة 0
فى قصة موسى {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }القصص23] سألهما موسى وهو ليس به حاجة منهما مع أن ذلك الحدث كله له علاقة مباشرة فى أحداث القصة المبنية على حبكة قوية عظيمة من مبدع خالق عظيم إنه الله0 وعندما سألهما كان الاحتمال أن يجيباه أو يعرضا عن الإجابة ، ولكنهما أجابتاه بإجابة مقتضبة أى ليست كاملة ، مع أنهما قالا أبونا شيخ كبير ، هذا من أمر الأب ولكن من أمر الإخوة الذكور الرجال المنوط بهم أعمال السقاية والعمل ، وهنا يعتبر الجواب كما قلنا يفضل أن يكون منقوصا ، وسؤال أليس لهما إخوة هنا يكون سؤالنا نحن القٌرّاء0 فقام بفعل وسقى لهما وهى إجابة منه استلزمت سؤالامن أبيهما وإجابة منهما ، ثم سؤال إحداهما وهكذا.
7- الحادثة والحدث
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }المائدة26]الحادثة أو الحدث فكلاهما بمثابة اللبنة من الجدار فإحداهما تنتج أخرى إذن هما لبنتان أى وحدتان أو جزآن من جزئية لها زمن وتستغرق وقتا من زمن القصة ويعتمد على الحدث الحتمي ، وليس فيها احتمال حتى لا تتفكك الحبكة ويتكسر خط سير الأحداث ؛ لأن القصة تبنى على حدث يحدث حادثة ، وحادثة تحدث حدثا برباط متين وهو الحبكة التى توافق العقل والمنطق ومتشابهة مع الحياة وما يحدث فيها وهكذا0
هنا رخصة للمؤلف أن يستعمل العرافة التى تفصح عمن يريده أن يحدث ليكون مبهرا ومخيفا ومفزعا حتى ولو كان هذا الإتيان يبدو خياليا عند بدء الأحداث فى القصة ، ولا يتعارض ذلك مع الدين ، كما يدعى السادة الرقباء المقيّمون والسادة النقاد لأن النبوءة فى القصة على يد العرافة مثلا أو الحلم فإنما هى ليست من الغيب فى شىء ، وإنما هى من فكر المؤلف الذي يكتب اسمه بالبنط العريض فى أول العمل ، ونحن ندرك ذلك، لا إنه قدر ورجم بالغيب لا سمح الله0 فإن النبوءة جاءت فى قصص القرآن فى غير ذي قصة ، مثلها مثل الأحلام و الرؤى التى استعملها الله حيث أوحى إلى بعض رسله بوحي مباشر على هيئة الرؤيا فى المنام ، ووحي آخر غير مباشر لبعض عباده من دون الأنبياء والرسل مثل أم موسى وغيرها 0 فإن غالبية قصص القرآن جاءت من خلال رؤيا لأبطالها ، أو من خلال الوحي المباشر ويخص الأنبياء ، والوحي غير المباشر الذي هو وحى إلهام لغيرهم ونحن المؤلفين الخيرين الذين نخاف الله منهم0 والمثال على ذلك كثير فلم تكن أم موسى نبية ولكن الله بطريقة ما أوحى لها وأخبرها وأعلمها كيف تتصرف فى مولودها موسى إن خافت عليه ، وأوحى لها مرة أخرى أن طمأنها إن ألقته فى التابوت والنيل0
إن لم تبن الأحداث على الاحتمال أو الحتمية فكيف تخلق الأحداث وراء بعضها برباط قوى وحبكة شديدة ؟ وعلى أى أساس نصدقك نحن إن لم يكن ما يقوم به الأشخاص من أفعال و أعمال و ما يختمر فى أذهانهم هو شىء له رد فعل حتمي الوقوع أو محتمل ؟ فإن لم يكن محتملا أو حتميا فبالله عليك على أى أساس يأتى الحدث الذي بعده ؟ وعلى أى أساس تواصل الشخوص أفعالها وأعمالها ؟ إذا كان فعلها وعملها لا ينتج منهما شيىء يدفع الأحداث نحو خاتمتها وحلها ؟ فماذا بعد أن جاء الماء وعامت السفينة دون أن يكون من الحتمي أن يركبها نوح وقومه ؟
إن قانون الطبيعة يقول لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه ، كانوا إذا لم يركبوا سيغرقون وينتهي الحدث تماما ، ولم يكن البطل قد حقق حاجته بعد0 فإن لم يكن هناك حدث أو فعل محتمل أو حتمي له رد فعل أو نتيجة فإن الأحداث تتوقف تماما ، وكل ما يأتى بعدها لن يصدقه أحد ولن يقبله أحد ، فكيف تأتى بفعل دون فاعل أو فاعل دون فعل ، أو حدث دون نتيجة ، أو سؤال دون جواب أو عقدة دون حل ، أو حاجة دون هدف ، أو هدف دون عمل ؛ كل ذلك خارج عن نطاق العقل والتفكير السليم وخارج عن نطاق طبيعة الأشياء ، وخارج عن نطاق بناء القصة السليم الحسن والبناء السليم الحسن هو من المؤكد ما يحرص عليه المؤلف ، وإلا لماذا يؤلف ويجهد نفسه ؟! ولن يقرأ أو يشاهد عمله أحد ، هذا غير هجوم النقاد وانقضاضهم عليه ، ونعتهم له بأحقر الصفات من أنه لا يفهم شيئا عن أصول الحرفة التى من المفترض أن يحترفها ؟ ولماذا يتصدر المشهد الإبداعى الأدبي أو الفني ؟ وهو ليس من أهله0
[/align][/align]
قوانيـن القصــة
أس أساس القوانين:
1- الاحتمال و الحتمى
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216 ] إن الله تعالى الذي بيده كل شىء والقادر عليه يحسم أن القتال كره ، بينما لا يحسم أن الكره فيه الخير ويجعله - تعالى - محتملا مع أنه مقدره ؛ من أجل أن يجعل القتال بما فيه من كره وصعوبة ومشقة وقتل واستشهاد أمرا من الله لنقاتل الذين كفروا أو ظلموا أو اعتدوا 0 ولكي يخفف من الأمر ويجعله مقبولا أوجد الحافز أن يكون ما هو كره حتمي ،فيه الخير محتمل ، بينما ماهو أكيد وحتمي محبب جعل فيه الاحتمال أن يكون شرا0
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف83 ] هنا تخص يعقوب ، ضاع أولاده الثلاثة ، يوسف أولا ثم بنيامين ثم روميل ، وكان أمله فى عودتهم إليه محتملا ، وقد بنى الاحتمال على عودة يوسف من الدم الكذب ، وعلى عودة بنيامين ؛لأنه لا يسرق ، وعودة روميل على أنه لن يحنث بالمواثيق والعهود التى أخذها عليه إبان السماح له باصطحاب بنيامين ليأخذوا الطعام من مصر0 وتحقق الاحتمال وعادوا إليه جميعا 0
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ }القصص22 ] لما هرب موسى من مصر وهو لا يعرف أى البلاد يذهب ولا أى الطرق يسلك قال لنفسه بعد أن دعا الله "عسى " وهنا تفيد الحتمية ؛ لأنه أوكل تنفيذها على الله ، وكان قد وصل بسلام إلى مدين ، أرض ليس لفرعون مصر سلطان عليها ، فأمن من الخوف ، ووجد من يساعده سواء بالعمل والطعام والمسكن والأمن والعفة أيضا حيث تزوج من التى يسرها الله له ،وكانت من جملة أن يهديه ربه.
ما من شىء يحدث إلا وله سبب ونتيجة . وما من شىء كائنًا من كان إنسانا أو حيوانا أو نباتا إلا وله حاجة ، والحاجة تحتاج إلى وسيلة لتحقيقها ، وما من هدف إلا يتبعه عمل ليحققه ، وما من عقدة إلا ولها حل ، وما من سؤال إلا وله جواب فى حدود المعقول والطبيعة وليس فيما وراء الطبيعة ، وما من حدث أو حادثة إلا وتحدث شيئا : حدثا أو فعلا أو رد فعل.
إذن من أين يأتى قانون السبب والنتيجة ، الحاجة والوسيلة ، الهدف و العمل التعقيد والحل ، السؤال والجواب ، الحدث والحادثة؟؟ والجميع تكون نتائجها إما حتمية الوقوع وإما محتملة الحدوث وقد بيّنا البرهان ، ويجرى ذلك على كل ما يخص القصة و الأحداث ، والشخصيات وغيرها ؛ لتدفع الأحداث المتتابعة الممتعة القابلة للتصديق بسبب مشابهتها للواقع وللحياة ، لتكون متدفقة نحو المنتهى والخاتمة والحل - التى لا بد أن تحقق قدرا من الإمتاع ليرضى ذوقنا الحسي ومتعتنا العقلية ويشبع طبيعتنا المحاكية - والصانعة لجسد القصة وجعلها وحدة كاملة وعظيمة وتعتبر من قواعدها الأساسية ؟؟
2- السبب والنتيجة
إن لكل سبب نتيجة حتمية الوقوع أو محتملة الحدوث0
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }هود37 ] جاء الأمر إلى نوح وما دام الأمر جاء إلى نوح فإنه أصبح حاجته بأن يصنع السفينة ، السبب لتحملهم إلى النجاة ، وصنعها فى المكان اليابس الذي كان يعيش فيه وليس على شط بحر أو محيط أو نهر و الدليل على ذلك أن قومه سخروا منه {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ }هود38 ] ولكن ليجعل القول يتحول إلى فعل على يد نوح وهى السفينة كان لابد من نتيجة لكي تفعل وظيفة السفينة وتؤدى دورها وغرضها الذي من أجلها صنعت {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }هود40 ] كيف تعوم السفينة على أرض يابسة فأتى الله بالسبب { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ{11} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ{12} وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ{13} القمر ] فجاء الماء وجاءت النتيجة حتمية لتعوم السفينة وتفعل فائدتها وتؤدى عملها نتيجة لوجود الماء ووجود الماء أيضا جاء بنتيجة محتملة وهو الإغراق ؛ لأن الماء من نتائجه الحتمية إنبات الزرع ورواء ظمأ الناس وغيرهم ، ولكن أن يأتى الماء ليغرق أو يهلك فذلك شىء محتمل وقد حدثت النتيجتان الأولى حتمية لتعويم السفينة والثانية محتملة وهو الإغراق وقد كان ، أغرق قوم نوح الكافرين0
3- الحاجة والوسيلة
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف68] ولما دخلوا – إخوة يوسف - من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم ما كان ذلك ليدفع قضاء الله عنهم ، ولكن كان شفقة في نفس يعقوب عليهم أن تصيبهم العين بالحسد ، لأنهم عشرة من الإخوة الرجال ، وإن يعقوب لصاحب علمٍ عظيم بأمر دينه علَّمه الله له وحْيًا ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون عواقب الأمور ودقائق الأشياء, وما يعلمه يعقوب عليه السلام- مِن أمر دينه.
تأتى من حاجة الشخصية التى تريد أن تحصل عليها فتتبع وسيلة ما ويحدد هذه الوسيلة الفكر، والفكر هو ما تعتقده الشخصية من عقيدة سماوية وقيم أخلاقية وتكون الوسيلة نتيجتها حتمية النجاح أو محتملة الفشل0
فى قصة يوسف تكون حاجته البلوغ إلى منزلة عالية ، والوسيلة التى اتبعها العدل والعلم والحق والصدق والعمل المخلص والسمعة الطيبة 0والنتيجة الحتمية أو المحتملة النجاح بأن وصل إلى هذه المرتبة العالية و أصبح وزيرا فى دولة عظيمة كبرى كمصر.
4- الهدف والعمل
[{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً{73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً{76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77}الكهف] يأتى من هدف الشخصيات التى تريد أن تحققها ، والهدف يأتى من الحاجة ، والحاجة هى التى تحدد طرق ونوع العمل 0
ونتيجة العمل هو أيضا حتمي الوقوع أو محتمل الحدوث إذ ربما إنت تعمل ولكن لا تحقق هدفك إذا قتلت أو مت أو فقدت عقلك0
فى الغلام الصالح فى قصة أصحاب الأخدود فعل الكثير للدرجة التى دفع حياته ليحقق هدفه حتى بعد أن يموت أى أن هدفه سيتحقق بموته ، وقبل أن يقتل من أجل هدفه الذي تحقق فعلا ولكننا نحن الذين أدركناه وعرفناه ، ولم يدركه ويعرفه هو نفسه وذلك فى حكمة بليغة لأن القصص تكتب لنا نحن الجمهور وليس لمؤلفها أو رواتها أو ممثليها.
5- التعقيد والحل
{وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأعراف171[الأعراف] والمعنى رفع الله الجبل فوق بني إسرائيل كأنه سحابة وأيقنوا أنه واقع بهم لأنهم لم يقبلوا أحكام التوراة من نبيهم موسى ، وأمرهم الله أن يأخذوها بقوة ويعملوا بما فيها من أحكام وفرائض فرضها الله عليهم ؛ كي يتقوا ربهم فينجوا من عقابه ، وقد قبلوها – مجبرين - وعاد الجبل إلى طبيعته0
فإن الشخوص عندما يواجهون التعقيد فى طريق حاجتهم وهدفهم فإنهم ينزعون إلى حلها و تذليلها بكل السبل ، ويعتمد الحل على النتيجة المحتملة أو الحتمية ولكن يفضل أن ينزع المؤلف لجعلها محتملة فقط حتى يحافظ على استمرار التشويق والإثارة والغموض الذي يربطه بجمهوره ولا يغادرونه وينصرفون عنه.
فى قصة يوسف ، يوسف فى السجن ومظلوم ومطعون فى شرفه وكرامته كذبا وعدوانا، فإنها عقدة مستحكمة لا أحد يعرف كيف يخرج منها ، ولكن لو حدث شىء فإن الخروج محتمل مثل أن يعفو عنه العزيز ، أو أن تعترف زوجته أن يوسف بريء ولكن لمكانتهما فى الدولة المصرية فزوجها وزير وهى ابنة أخت الملك فيستحيل الاعتراف وافتضاح نفسيهما وتهديد مستقبليهما باعترافيهما أنهما أدخلاه السجن ظلما0 ولكن الحل المحتمل يأتى من وقوع حدث لا يكون إلا حلما يحتاج إلى تفسير ، ولا يعرف تفسيره أحد ، فندرك نحن أن من يستطيع تفسيره هو يوسف ، ولكن يظل التعقيد على أوجه ، فمن المحتمل أولا أن يعرفوا أن يوسف هو الذي يفسر ، وثانيا يرسلون له ليأخذوا رأيه أو يعرفوا أنه يعرف الحل ، فعند ذلك يأتى الحل المحتمل للعقدة ، فإننا نعرف أن ليوسف صديقا فى السجن يعمل فى بلاط الملك وقد أوصاه يوسف بنفسه ، وهذا الصاحب يعرف ويتأكد من علم يوسف وصدقه ومعرفته فقد جربه بنفسه وإلا ما عاد إلى بلاط الملك ، وخرج من السجن وقد حدث.
6 - السؤال والجواب
السؤال يأتى لما هو حادث ليوضحه ويعرى سبب وجوده ، يأتى الجواب ليوضح ماذا يحدث ويفك الشفرة ، ويعتمد على النتيجة المحتملة لاستمرار الغموض والإثارة والتشويق والمتابعة واندفاع الأحداث أيضا ، ولا يجب أن يأتي الجواب واضحا كاملا بل يفضل أن يكون منقوصا حتى يدفعنا نحن إلى المتابعة والبحث عن الإجابة 0
فى قصة موسى {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }القصص23] سألهما موسى وهو ليس به حاجة منهما مع أن ذلك الحدث كله له علاقة مباشرة فى أحداث القصة المبنية على حبكة قوية عظيمة من مبدع خالق عظيم إنه الله0 وعندما سألهما كان الاحتمال أن يجيباه أو يعرضا عن الإجابة ، ولكنهما أجابتاه بإجابة مقتضبة أى ليست كاملة ، مع أنهما قالا أبونا شيخ كبير ، هذا من أمر الأب ولكن من أمر الإخوة الذكور الرجال المنوط بهم أعمال السقاية والعمل ، وهنا يعتبر الجواب كما قلنا يفضل أن يكون منقوصا ، وسؤال أليس لهما إخوة هنا يكون سؤالنا نحن القٌرّاء0 فقام بفعل وسقى لهما وهى إجابة منه استلزمت سؤالامن أبيهما وإجابة منهما ، ثم سؤال إحداهما وهكذا.
7- الحادثة والحدث
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }المائدة26]الحادثة أو الحدث فكلاهما بمثابة اللبنة من الجدار فإحداهما تنتج أخرى إذن هما لبنتان أى وحدتان أو جزآن من جزئية لها زمن وتستغرق وقتا من زمن القصة ويعتمد على الحدث الحتمي ، وليس فيها احتمال حتى لا تتفكك الحبكة ويتكسر خط سير الأحداث ؛ لأن القصة تبنى على حدث يحدث حادثة ، وحادثة تحدث حدثا برباط متين وهو الحبكة التى توافق العقل والمنطق ومتشابهة مع الحياة وما يحدث فيها وهكذا0
هنا رخصة للمؤلف أن يستعمل العرافة التى تفصح عمن يريده أن يحدث ليكون مبهرا ومخيفا ومفزعا حتى ولو كان هذا الإتيان يبدو خياليا عند بدء الأحداث فى القصة ، ولا يتعارض ذلك مع الدين ، كما يدعى السادة الرقباء المقيّمون والسادة النقاد لأن النبوءة فى القصة على يد العرافة مثلا أو الحلم فإنما هى ليست من الغيب فى شىء ، وإنما هى من فكر المؤلف الذي يكتب اسمه بالبنط العريض فى أول العمل ، ونحن ندرك ذلك، لا إنه قدر ورجم بالغيب لا سمح الله0 فإن النبوءة جاءت فى قصص القرآن فى غير ذي قصة ، مثلها مثل الأحلام و الرؤى التى استعملها الله حيث أوحى إلى بعض رسله بوحي مباشر على هيئة الرؤيا فى المنام ، ووحي آخر غير مباشر لبعض عباده من دون الأنبياء والرسل مثل أم موسى وغيرها 0 فإن غالبية قصص القرآن جاءت من خلال رؤيا لأبطالها ، أو من خلال الوحي المباشر ويخص الأنبياء ، والوحي غير المباشر الذي هو وحى إلهام لغيرهم ونحن المؤلفين الخيرين الذين نخاف الله منهم0 والمثال على ذلك كثير فلم تكن أم موسى نبية ولكن الله بطريقة ما أوحى لها وأخبرها وأعلمها كيف تتصرف فى مولودها موسى إن خافت عليه ، وأوحى لها مرة أخرى أن طمأنها إن ألقته فى التابوت والنيل0
إن لم تبن الأحداث على الاحتمال أو الحتمية فكيف تخلق الأحداث وراء بعضها برباط قوى وحبكة شديدة ؟ وعلى أى أساس نصدقك نحن إن لم يكن ما يقوم به الأشخاص من أفعال و أعمال و ما يختمر فى أذهانهم هو شىء له رد فعل حتمي الوقوع أو محتمل ؟ فإن لم يكن محتملا أو حتميا فبالله عليك على أى أساس يأتى الحدث الذي بعده ؟ وعلى أى أساس تواصل الشخوص أفعالها وأعمالها ؟ إذا كان فعلها وعملها لا ينتج منهما شيىء يدفع الأحداث نحو خاتمتها وحلها ؟ فماذا بعد أن جاء الماء وعامت السفينة دون أن يكون من الحتمي أن يركبها نوح وقومه ؟
إن قانون الطبيعة يقول لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه ، كانوا إذا لم يركبوا سيغرقون وينتهي الحدث تماما ، ولم يكن البطل قد حقق حاجته بعد0 فإن لم يكن هناك حدث أو فعل محتمل أو حتمي له رد فعل أو نتيجة فإن الأحداث تتوقف تماما ، وكل ما يأتى بعدها لن يصدقه أحد ولن يقبله أحد ، فكيف تأتى بفعل دون فاعل أو فاعل دون فعل ، أو حدث دون نتيجة ، أو سؤال دون جواب أو عقدة دون حل ، أو حاجة دون هدف ، أو هدف دون عمل ؛ كل ذلك خارج عن نطاق العقل والتفكير السليم وخارج عن نطاق طبيعة الأشياء ، وخارج عن نطاق بناء القصة السليم الحسن والبناء السليم الحسن هو من المؤكد ما يحرص عليه المؤلف ، وإلا لماذا يؤلف ويجهد نفسه ؟! ولن يقرأ أو يشاهد عمله أحد ، هذا غير هجوم النقاد وانقضاضهم عليه ، ونعتهم له بأحقر الصفات من أنه لا يفهم شيئا عن أصول الحرفة التى من المفترض أن يحترفها ؟ ولماذا يتصدر المشهد الإبداعى الأدبي أو الفني ؟ وهو ليس من أهله0
[/align][/align]
تعليق