غربة (قصة قصيرة مهداة لأعضاء المنتدى كمصافحة أولى)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نافل العتيبي
    عضو الملتقى
    • 10-01-2010
    • 29

    غربة (قصة قصيرة مهداة لأعضاء المنتدى كمصافحة أولى)

    [align=justify]
    اكتملت الاستعدادات .. لمغادرة الرياض، فهذا صالح وزوجته وأبنائهم الثلاثة، يخرجون إلى فناء بيتهم الواسع، حيث تقف سيارتهم الحديثة، بجوار الملحق المخصص للجدين .. (والديّ صالح)، مسحة من الأسى .. تجلل سكن الجدين، الذين فرّقهم الموت، قبل عشرة أيام، عصفت وفاة الجدّة بمشاعر الزوجين الشابين، والأحفاد، فأصبح المكان موحشاً .. وقد كان كذلك، فحتى الجد الذي بقي، كان كئيباً، دائم الشرود، يتقطّع حسرات .. على فراق رفيقته.
    تقدّم صالح إلى حيث يقبع والده التسعيني بلا حراك، فقبّل جبينه بحرارة، أخذ بيده ليساعده على النهوض، وخاطبه بنبرة الابن البار،قائلاً:
    - تفضل .. الله يطول عمرك.
    وقف العجوز بتضعضع .. وغمغم:
    - ياولدي .. ما كان فيه داعي تكلف على نفسك.
    بصوت يفيض رحمه .. يكمل صالح:
    - مافيه كلافه .. حنّا وما نملك تحت خدمتك.
    يستوي الشيخ في المقعد الأمامي، وهو يدعو لإبنه البار، وزوجته الطيبة، بأن يقر الله أعينهما بصلاح أبنائهم.
    بعد صلاة الظهر، تنطلق السيارة باتجاه الشرق، الهدف من الرحلة .. محاولة إخراج الجد من دوامة الحزن، التي خيّمت علية، ساد الصمت، حتى الأطفال لم يمارسوا شقاوتهم المعهودة. وهنا قالت زوجة صالح بحنو:
    - عمي .. تبيني أصب لك قهوة.
    يجيبها بهدوء:
    - صبي .. يا بنتي.
    كان يعرف أنها تريد طرد الصمت .. لا أكثر .. فرحمها، تناول الفنجان ، وبدأ يتحدث ببطء .. عن تربية الأبناء، نصح الزوجين بالحرص على الاستمتاع بأولادهم، ماداموا يعيشون بين ظهرانيهم، ووصف بيت الزوجية .. بالعش، يبقى الأبناء فيه .. حتى يكتمل ريشهم، فإذا آنسوا من أنفسهم قوّة .. طاروا .. وابتنوا لهم أعشاشاً، وفي خضم الحياة .. وكفاحها .. يفاجأ الوالدان .. بأن عشهم قد أصبح خالياً .. بعد أن كان الأبناء يملاوؤنه ضجيجاً.

    توقف عن الكلام .. برهه .. فقالت تستحثه:
    - ممكن ما يطيرون، ياعمي .. يعيشون مع والديهم.
    ثم تردف:
    - مثلنا.
    يكمل الشيخ .. بعرفان:
    - ليس كل الأبناء .. مثل صالح .. ولا زوجاتهم مثلك.
    - أنت تحرجنا بمجاملاتك .. يا عم.
    - بل .. أقول الحق، ولكن .. تذكروا نصيحتي، أرجوكم .. استمتعوا بما أنتم فيه الآن البنون زينة الحياة الدنيا .. البنون وليس الكبار.
    وصلوا .. إلى الشاليه البحري، على شاطئ نصف القمر الشهير .. قبل المغرب بنصف ساعة، ترجل الشيخ .. وأخذ يدب في اتجاه الشاطئ .. في حين إنهمك البقية .. في تنزيل الأمتعة .. وترتيبها.
    جلس متربعاً .. يتأمل قرص الشمس الآيل للغروب، ويحدث نفسه .. إنهاتناضل من أجل البقاء، ياليتني أهبها قناعتي .. مع ذلك .. لن تنجح محاولاتهاالمستميتة .. للتشبث بالحياة، فتغير لونها إلى البرتقالي يؤكد .. بأنها تفقد المقاومة بالتدريج، في سكون رهيب .. تلفظ أنفاسها خلف مياه الخليج، ويرخي الليل سدوله ..ليزداد البدر تألقاً .. كأنه يسخر من المصير الذي آلت إليه الشمس.
    ملأ أبو صالح رئتيه من هواء البحر العليل وهو يعبث برمال الشاطئ، ففي مثل هذا الوقت من شهر أكتوبر .. يكون جو المنطقة الشرقية في أفضل حالاته، الماضي يتحرش بذاكرته .. وهو يدفعه برفق، الذكريات .. فيها لذة .. وتثير أشجاناً .. ولكن .. ماذا بقيله من أسباب المتعة؟ يتمنع قليلاً .. ثم .. يجيب داعي اللذة، فيطلق لخياله العنان .. وهو يتمدد على ظهره .. واضعاً كفيه خلف رأسه.
    قبل شهر .. في حفل زواج أحد أحفاده .. انتابه شعور مؤلم بالغربة .. لا الدار دار .. ولا الجيران جيران، أكبر الحضور سناً .. يصغره بعقدين، الجميع يقبلونه، ثم يسرعون الخطى .. إلى حيث يجدون أقرانهم، نظرات الشفقة .. تمزق نياط قلبه، لقد أيقن بهوانه على الناس .. حتى وان جاملوه، فأصدقهم حديثاً .. أثقلهم ظلاً .. الذي لا يفتأ يردد ( الله يحسن خاتمتك )، كأنه يستعجل رحيله، لقد وهن عظمه .. وخبا توقده .. وأصبح يضيق ذرعاً بالحياة.
    تذكر .. حينما قدم إلى الرياض، من قريته الغافية في أعماق الصحراء .. بداية الأربعينات الميلادية .. كان يفيض بالصحة والنشاط، يتذكر جيداً كيف أن أصدقاؤه كانوا يعترفون بتفوقه عليهم .. سبحان الله .. ردت تلك القوة ضعفاً، تمر أطيافهم .. في ذهنه .. ببطء .. كشريط سينمائي.
    أبو علي .. بابتسامته الهادئة .. واتزانه المعهود، كان من أقربهم إلى نفسه .. وأكثرهم زهداً في حطام الدنيا الفانية، وأخذ يتمتم: رحمة الله عليه، عندما تذكر .. أنه توفي .. بسبب حادث، اثنا عودته من أداء العمرة في أواخر رمضان، خاتمة خير لذلك الوجه السمح.

    أبو زيد .. بطوله الفارع .. ووجهه الجامد، الذي لا يحمل أي تعبير، حاد الطباع .. سريع الغضب، يحمل هموم الدنيا منذ أن فتح عينيه عليها، وبصوت مسموع: رحمه الله، فقد غادر هذه الدنيا .. بعد أن قضى ما يقارب السبعين عاماً بسبب جلطة.
    أصبحت صور أقرانه تترى .. مصيرهم واحد وان تعددت الأسباب، بغتة .. قفزت صورة زوجته إلى الواجهة .. دعا لها بصمت .. وإلحاح .. تنهّد بعمق .. ولسان حاله يقول: سئمت الحياة، وفاضت عيناه.


    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة نافل العتيبي; الساعة 16-01-2010, 19:52.
    [align=center]

    [U][B][SIZE=6][COLOR=blue][SIZE=6][COLOR=blue][B][U].. التسامح اكسير الحياة .. [/U][/B][/COLOR][/SIZE][/COLOR][/SIZE][/B][/U]

    [/align]
    [align=center]

    [COLOR=darkred][B]مدونتي على الرابط التالي[/B][/COLOR]
    [URL="http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/"][COLOR=darkred][B]http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/[/B][/COLOR][/URL]
    [/align]
  • مها راجح
    حرف عميق من فم الصمت
    • 22-10-2008
    • 10970

    #2
    في البداية هلا وغلا بحضورك الكريم استاذ نافل
    ومصافحتك الاولى شرف وتقدير للملتقى واعضاؤه جميعا
    مرحبا بك في سماء ملتقى المبدعين والادباء العرب
    رحمك الله يا أمي الغالية

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      نص رزين تربوي يتميز بالدفء والحيوية والصدق بين سطوره
      وينثر لآليء القيم الجميلة
      بالرغم من عبوره الحزين في اشتياقه لحب استشرى في جسده فأبى إلا ملاقاته
      نص جميل لغة وسردا
      نأمل قراءة المزيد
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • نافل العتيبي
        عضو الملتقى
        • 10-01-2010
        • 29

        #4
        [align=center]الأديبة القديرة / مها راجح [/align]

        كل الشكر لك على حفاوة الاستقبال ، تلك الحفاوة لا تستغرب من أديبة رقيقة مثلك ، ومع كونها متوقعة (لكريم أخلاقك) ، فقد أثرت في أيما تأثير ، وجعلتني أعتب على مشاغلي التي أبعدتني عن عالم الانترنت طوال الأيام الماضية ، لأجد أن علي الاعتذار عن فترة الغياب ، شكراً على كريم الاستقبال ولي عودة قريبة بإذن الله .

        [align=center]
        دمتِ بخير وبقية القراء
        [/align]
        [align=center]

        [U][B][SIZE=6][COLOR=blue][SIZE=6][COLOR=blue][B][U].. التسامح اكسير الحياة .. [/U][/B][/COLOR][/SIZE][/COLOR][/SIZE][/B][/U]

        [/align]
        [align=center]

        [COLOR=darkred][B]مدونتي على الرابط التالي[/B][/COLOR]
        [URL="http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/"][COLOR=darkred][B]http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/[/B][/COLOR][/URL]
        [/align]

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5
          الزميل القدير
          ناقل العتيبي
          هلا وغلا بك ومليون مراحب زميلي
          تخلل النص بعض الكلمات (( العامية )) والتي لايفهمها الجميع
          لو أنك كتبت في آخر الصفحة معنى الكلمة لكان أفضل
          جاء السرد في البداية مباشرا
          وأرجوك زميلي أنت تريد أن تستفيد من النصائح صحيح ؟
          عليه أرجو أن لاتزعجك ملاحظتي لأنها لصالحك
          أتمنى عليك أن تحاول التكثيف أكثر فذلك سيمنح النص قوة أكبر وتأثيرا أعمق ويجعل المتلقي يحب النص ويستمتع به
          ومضة النهاية جاءت هادئة وشفافة ومناسبة جدا
          أشكرك على سعة صدرك
          تحياتي ومودتي وهلا وغلا بك بيننا
          نورت
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          • نافل العتيبي
            عضو الملتقى
            • 10-01-2010
            • 29

            #6
            [align=center]
            مره أخرى .. أشكرك أختي مها
            و النص يزهو حقيقة بثنائك السخي
            أخيراً .. أعتذر عن التأخر في الرد

            ===

            الأستاذة / عائدة محمد نادر
            سعيد جداً باطلالتك على النص وملاحظاتك الجميلة
            ثقي بأنني وضعت النص في هذا المنتدى الرائع رغبة
            في الاستفادة من آراء الأدباء ( أمثالك ) فيما أكتب ، فلا تترددي
            أختي في إبدأ أي رأي حيال النص مهما كان ، ولي عودة لمناقشة
            ملاحظاتك بالتفصيل .

            أخيراً .. كل الشكر لمن قرأ النص ، أما من تفضل بالرد عليه
            فله بجانب الشكر دعوة صادقة بالتوفيق في حياته .
            [/align]
            [align=center]

            [U][B][SIZE=6][COLOR=blue][SIZE=6][COLOR=blue][B][U].. التسامح اكسير الحياة .. [/U][/B][/COLOR][/SIZE][/COLOR][/SIZE][/B][/U]

            [/align]
            [align=center]

            [COLOR=darkred][B]مدونتي على الرابط التالي[/B][/COLOR]
            [URL="http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/"][COLOR=darkred][B]http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/[/B][/COLOR][/URL]
            [/align]

            تعليق

            • رحاب فارس بريك
              عضو الملتقى
              • 29-08-2008
              • 5188

              #7
              أستاذ نافل

              قصة رائعة تفيض بمشاعر الغربة
              ألغربة التي تعبر عن الإحساس بالغربة بالرغم من ان الإنسان يعيش بين أهله وأقاربه ..
              فالغربة الأقسى من غربة البعد الجغرافي , تلك الغربة التي تعترينا حين نفقد من نحبهم ونكون في بيئة نفتقد من خلالها أصدقائنا وأبناء جيلنا ..........
              في هذه القصة رسمت قصة غربة الزمن التي تجلت من خلال هذا المسن الذي بات غريبا بكل معنى الكلمة وقد لامست كلماتك الموجعة مشاعري بقوة ........
              بالنسبة للكلمات بالعامية لقد فهمتها بالرغم من أنها تختلف عن لهجتنا المحكية ، ربما لأني أتقن اللهجة البداوية التي تشابه إلى حد بعيد لغة أهل الخليج ........
              وبصراحة وجدت الجمل التي كتبتها باللغة المحكية ، معبرة أكثر من أن تكتبها باللغة الفصحى ، وهذا أسلوب أتبعه في أكثر قصصي ، فحين اكتب جملة مؤثرة ، لا أجد بأنها تحاكي مشاعري باللغة الفصحى ، فنطقها بالأسلوب المحكي يحاكي مشاعرنا وأحاسيسنا بشكل أعمق ..... وفي نفس الوقت يقربنا بلهجات مناطق مختلفة عن منطقتنا ........
              باختصار كبير ، قصتك رائعة خاصة بأنك عشت مشاعر غيرك ، وهذا سبب من اكبر أسباب نجاح أي أديب ، حين يخرج من دائرة الأنا ويعيش هموم ومشاعر غيره من الناس ..
              سررت بقراءة القصة ، تقدير
              *هنالك ملاحظة فقط ، عندما نكتب كلمات بالعامية ، يفضل وضعها بين قوسين للدلالة على ذلك ........
              ..................عندما أمسك قلمي ، لا أفكر ماذا سأكتب إنما ، أكتب ما أحس ..

              تعليق

              • نافل العتيبي
                عضو الملتقى
                • 10-01-2010
                • 29

                #8
                الأخت الكريمة / رحاب بريك
                ترددت كثيراً قبل إضافة ردي هنا لتقادم عهدي بالانترنت
                وخجلي من ردك الرزين وقراءتك المدهشة
                لقد أثلج صدري ما قرأته هنا ، وعزز ثقتي بوجود قراء على قدر كبير
                من التميز يجعل الكاتب - مهما كان مجتهداً - يتضاءل خجلاً
                تعليقك على لغة القصة مطابق تماماً لما كنت أريد قوله لأختنا عائدة محمد نادر
                أخيراً شكراً لحضورك الطاغي
                [align=center]

                [U][B][SIZE=6][COLOR=blue][SIZE=6][COLOR=blue][B][U].. التسامح اكسير الحياة .. [/U][/B][/COLOR][/SIZE][/COLOR][/SIZE][/B][/U]

                [/align]
                [align=center]

                [COLOR=darkred][B]مدونتي على الرابط التالي[/B][/COLOR]
                [URL="http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/"][COLOR=darkred][B]http://alotaibi-nafel.maktoobblog.com/[/B][/COLOR][/URL]
                [/align]

                تعليق

                يعمل...
                X