القلب بين الأطباء والشعراء !
بقلم: د.عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري
...................................
كان لقاءً عفوياً مباشراً عبر أثير إذاعة الرياض قبل سنوات مع استشاري متخصص في أمراض القلب ، وهو الدكتور محمد علي فوده . كان ذلك في برنامج "صباح الخير من الرياض " بمناسبة إجراء الدكتور فودة عملية في قلب يقع في الجانب الأيمن لرجل مسن !
كان الهاجس الأدبي يلح علي أثناء الحوار ، فتقدمت إلى الدكتور بسؤال عن كلمة ( قلب ) في الشعر العربي ودورانها على ألسنة الأدباء وهل استطاع أيٌ منهم الوصول إلى بعض الحقائق العلمية في جراحة القلب وعمله وارتباطه بالأعضاء الأخرى ؟
وكانت إجابة الدكتور عامة بحسب ما يسمح به وقت البرنامج ، بحيث أوضح أن القلب آلة لضخ الدم في أنحاء الجسم ، ولكن لا يملك أداة التفكير وتوجيه الانفعالات كما يصور ذلك الشعر ..
وكان هذا الحوار حافزاً لي للعودة إلى ديوان الشعر العربي للتعرف على مفهوم الشعراء لعمل القلب ، وذلك باختيار نماذج من الشعر لبعض الشعراء من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث .
ففي العصر الجاهلي نجد بعض الشعراء ينظرون إلى القلب على أن له حالتين : غفوة وصحو ؛ ولذلك نرى حاتم الطائي يقول : " صحا القلب عن سلمى وعن أم عامر " ، وكذلك عند زهير بن أبي سلمى القائل : " صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله " ، وبمرور الأيام أصبحت هذه الكلمة لازمة عند بعض الشعراء يستحسنون بدء قصائدهم بها ، فها هو الأخطل في العصر الأموي يقول : " صحا القلب عن أروى وأقصر باطله " ، ويتابعهم ابن عبد ربه من شعراء الأندلس حين يقول :" صحا القلب إلا نظرة تبعث الأسى "، غير أننا نلاحظ أن ابن عبد ربه لم يذكر اسم المحبوبة كما فعل سابقوه .
ومن هنا أصبح ذكر ( القلب ) في الاستشهادات السابقة لا يرتبط بالانفعالات بقدر ما أصبح لازمة أسلوبية وحسب .
ومن الطريف أن بعض الشعراء خلعوا على القلب صفات مستمدة من حواس الإنسان ، وبالذات السمع والبصر والكلام . يقول المثقب العبدي متسائلاً :
هل لهذا القلب سمع أو بصر أو تناه عن حبيب يدّكر ؟
ويربط الأقيشر الأسدي بين عمى القلب والبخل في قوله :
رأيتك أعمى العين والقلب ممسكاً وما خير أعمى القلب والعين يبخل ُ !
أما العباس بن الأحنف فيهدد محبوبته بأن قلبه لو تكلم لجأر بالشكوى فيقول :
عذبت بالجفوة قلبي فلو تكلم القلب بشيء شكاكِ
ووصف بعض الشعراء أمراض القلب بأنها شبيهة بتلك الآلام التي يحس بها الملدوغ ، وألمح إلى تكرارها على المريض ، وكأنما يشير إلى من يشكون من انسداد في بعض الشرايين . يقول عبيد بن الأبرص :
فقد أورثت في القلب سقماً يعوده عياداً كسمّ الحية المترددِ
ومن الشعراء من أشار إلى شدة خفقان القلب عند الانفعال الشديد ، وبالذات الحزن ؛ ولذلك نرى أبا العلاء المعري يقول :
وكيف يقر قلب في ضلوع وقد رجفت لعلته البلادُ ؟؟
وفي حالات الفرح الشديد تخفق الضلوع ويزلزل القلب كما في قول أحمد شوقي :
خفقت لرؤيتك الضلو عُ ، وزلزل القلب العميد ُ
ومن الملفت للانتباه أن بعض الشعراء ألمح إلى ضرورة العيش بقلبين في حالات العشق الشديدة كما نرى ذلك في قول ابن سهل الأندلسي :
يا عاذلي ذرني وقلبي والهوى أأعرتني قلباً لحمل شجوني ؟؟
وبعد ، فهل يتكرم أطباؤنا المختصون في جراحة القلب بإعادة النظر في هذه النماذج ، ومن ثم الإجابة عن السؤال المطروح في مستهل هذه المقالة ؟؟
بقلم: د.عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري
...................................
كان لقاءً عفوياً مباشراً عبر أثير إذاعة الرياض قبل سنوات مع استشاري متخصص في أمراض القلب ، وهو الدكتور محمد علي فوده . كان ذلك في برنامج "صباح الخير من الرياض " بمناسبة إجراء الدكتور فودة عملية في قلب يقع في الجانب الأيمن لرجل مسن !
كان الهاجس الأدبي يلح علي أثناء الحوار ، فتقدمت إلى الدكتور بسؤال عن كلمة ( قلب ) في الشعر العربي ودورانها على ألسنة الأدباء وهل استطاع أيٌ منهم الوصول إلى بعض الحقائق العلمية في جراحة القلب وعمله وارتباطه بالأعضاء الأخرى ؟
وكانت إجابة الدكتور عامة بحسب ما يسمح به وقت البرنامج ، بحيث أوضح أن القلب آلة لضخ الدم في أنحاء الجسم ، ولكن لا يملك أداة التفكير وتوجيه الانفعالات كما يصور ذلك الشعر ..
وكان هذا الحوار حافزاً لي للعودة إلى ديوان الشعر العربي للتعرف على مفهوم الشعراء لعمل القلب ، وذلك باختيار نماذج من الشعر لبعض الشعراء من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث .
ففي العصر الجاهلي نجد بعض الشعراء ينظرون إلى القلب على أن له حالتين : غفوة وصحو ؛ ولذلك نرى حاتم الطائي يقول : " صحا القلب عن سلمى وعن أم عامر " ، وكذلك عند زهير بن أبي سلمى القائل : " صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله " ، وبمرور الأيام أصبحت هذه الكلمة لازمة عند بعض الشعراء يستحسنون بدء قصائدهم بها ، فها هو الأخطل في العصر الأموي يقول : " صحا القلب عن أروى وأقصر باطله " ، ويتابعهم ابن عبد ربه من شعراء الأندلس حين يقول :" صحا القلب إلا نظرة تبعث الأسى "، غير أننا نلاحظ أن ابن عبد ربه لم يذكر اسم المحبوبة كما فعل سابقوه .
ومن هنا أصبح ذكر ( القلب ) في الاستشهادات السابقة لا يرتبط بالانفعالات بقدر ما أصبح لازمة أسلوبية وحسب .
ومن الطريف أن بعض الشعراء خلعوا على القلب صفات مستمدة من حواس الإنسان ، وبالذات السمع والبصر والكلام . يقول المثقب العبدي متسائلاً :
هل لهذا القلب سمع أو بصر أو تناه عن حبيب يدّكر ؟
ويربط الأقيشر الأسدي بين عمى القلب والبخل في قوله :
رأيتك أعمى العين والقلب ممسكاً وما خير أعمى القلب والعين يبخل ُ !
أما العباس بن الأحنف فيهدد محبوبته بأن قلبه لو تكلم لجأر بالشكوى فيقول :
عذبت بالجفوة قلبي فلو تكلم القلب بشيء شكاكِ
ووصف بعض الشعراء أمراض القلب بأنها شبيهة بتلك الآلام التي يحس بها الملدوغ ، وألمح إلى تكرارها على المريض ، وكأنما يشير إلى من يشكون من انسداد في بعض الشرايين . يقول عبيد بن الأبرص :
فقد أورثت في القلب سقماً يعوده عياداً كسمّ الحية المترددِ
ومن الشعراء من أشار إلى شدة خفقان القلب عند الانفعال الشديد ، وبالذات الحزن ؛ ولذلك نرى أبا العلاء المعري يقول :
وكيف يقر قلب في ضلوع وقد رجفت لعلته البلادُ ؟؟
وفي حالات الفرح الشديد تخفق الضلوع ويزلزل القلب كما في قول أحمد شوقي :
خفقت لرؤيتك الضلو عُ ، وزلزل القلب العميد ُ
ومن الملفت للانتباه أن بعض الشعراء ألمح إلى ضرورة العيش بقلبين في حالات العشق الشديدة كما نرى ذلك في قول ابن سهل الأندلسي :
يا عاذلي ذرني وقلبي والهوى أأعرتني قلباً لحمل شجوني ؟؟
وبعد ، فهل يتكرم أطباؤنا المختصون في جراحة القلب بإعادة النظر في هذه النماذج ، ومن ثم الإجابة عن السؤال المطروح في مستهل هذه المقالة ؟؟
تعليق