فخامة السيد معالي وزير الداخلية .
تحية طيبة وبعد ؛
مقدمه لسيادتكم العميد / سامي مجدي ..
أبنك البار يا سيدي ..
والذي ستثبت تحريات سعادتكم الدءوبة عني كفاءتي الفائقة في العمل الشرطي طوال ثلاثون عاماً قضيتها في خدمة الوطن والنظام معاً بلا كلل .
سيدي معالي الوزير ، أريد في هذا الخطاب أن ألفت نظركم لظاهرة غريبة ومقلقة بعض الشيء عن وطننا الحبيب (مصر) ..
لذلك .. أتمنى أن تسمح معاليك لي بنقل ما حدث لي بالأمس بأمانة تامة من جانبي ، وسأترك لمعاليك – شاكراً – البت في هذا الأمر المريب .
[align=center]* * * * *[/align]
بالأمس .. وفي الصباح الباكر ، تركت منزلي بعد مشاجرة حادة وجادة نوعاً ما زوجتي في البيت .. بالطبع هذه أسرار لا تخفى على معاليك !
لكن .. هذا اليوم بالذات فاقت المشاجرة الحد المسموح به مع زوجتي ، وترتب على ذلك خروجي من بيتي وأنا في أسوأ حالاتي المزاجية طراً ..
لكني لم أهتم ، وصممت على مواصلة أدائي لمهمتي تجاه الوطن .. مهماً بلغت ظروفي الشخصية !
لذا بمجرد خروجي من باب شقتي ، مددت يدي في جيبي وأخرجت نظارتي الشمسية (Ray ban) الشهيرة ذات اللون البني الغامق ووضعتها على وجهي في حماس ! طوال خدمتي في الشرطة وأنا أعلم قيمة هذه النظارة الشمسية الداكنة ، ليس القيمة المادية بالطبع ! لكنها القيمة النفسية .. الرهبة يا سيدي ! هذه النظارات – السحرية – تبدو على وجوهنا كأنها أعين كبيرة مفتوحة للأبد وتراقب بلا كلل كل من حولي في شك وريبة دائمة ، كما أنها تمنحنا الفرصة في ثبر أغوار وخفايا المواطنين دون أن يعرفوا أين تتوجه نظراتنا أو حتى من أي زاوية ننظر لهم ! أحياناً تساعد الشوارب الغليظة و (الكروش) البارزة في زيادة وقع هذا التأثير على الناس قاطبة !
لذلك تأكدت من صرامة ملامحي في مرآة المصعد ، وتيقنت من أن النظارة تخفي نصف وجهي كالمعتاد .. و(نفشّت) شاربي كعادتي كل صباح ..
ربما رتبت على (كرشي) في رضا وفخر لحظتها ، لكني لست متأكد من ذلك الآن !
عندما خرجت من المصعد ، تهجمت ملامح وجهي لا إرادياً – كالعادة – تحسباً لقدوم حارس العقار (البواب) مهللاً بلهجته القروية :
- صباح الخير يا باشا .. أخبار سعادتك أيه ؟؟
أنها الكلمات المعتادة من عامة المواطنين والشعب إلينا نحن ضباط الشرطةبالطبع هذه أمور لا تخفى على معاليك باعتبارك ضابط شرطة كفؤ سابقاً..
أعني قبل تكليف سيادتكم بمهام وزير الداخلية !
لا أخفي على معاليك بأني كنت أحتاج لغو وكلمات الإطراء من البواب بشدة ، فقد تعكر مزاجي كثيراً جراء مشاجرتي مع زوجتي !
لحظتها كانت وظيفتي أشبه بجناحين كبيرين مثبتين في كتفي ، وهذا البواب هو الهواء اللازم لطيراني عالياً ، أما مفعول كلماته معي هو (السمو) الذي يصل بي لعنان السماء .. وإن كنت أخفي (سموي) هذا بداخلي ولا أعطي للبواب انطباع بأن كلماته هذه أثرت في بالمرة .. بالعكس ! فأنا أرمقه بنظرة قرف عميقة من وراء نظارتي ، وكثيراً ما تجاهلت رد تحيته .
في هذا الصباح لم أجد البواب وراء باب المصعد .. تجاهلت الأمر وكأن شيئا لم يحدث ، من يدري ؟ لعله ذهب لشراء شيء ما لأحد السكان الأوباش جيراني في العمارة !
عند توجهي لباب المبنى وجدته ..
البواب ..
كان مستلقياً على أريكته الخشبية في خمول ..
أعترف لمعاليك بأن المنظر كان صاعقاً تماماً ..
هل تجاهل – قاصداً – القدوم إلى باب المصعد كعادته كل صباح ؟؟
المهم ..
عندما مررت بجانبه ، لم يغير وضعه بالمرة !! بل أقسم لمعاليك بأنه نظر مباشرة إلي عيني وهي خلف النظارة في برود ، وابتسم ابتسامة ساخرة سريعة ، ثم أغمض عينه في تراخي مملوء بالنعاس المزيف ..
هكذا يا معالي الوزير !
هكذا حدث أول موقف معي بالأمس ..
وهكذا بدأ الأمر !!
! ..
[align=center]* * * * *[/align]
أثناء ركوبي سيارة (البوكس) متوجهاً إلى القسم ، أمرت السائق بأن يأخذ طريق (الكورنيش) كنوع من التغيير ، لعل رؤيتي للنيل تغير قليلاً من مزاجي السيئ هذا .. كما أنها فرصة لا بأس بها لضبط بعض المواطنين الأوغاد أثناء ارتكابهم لبعض الأفعال الفاضحة على ضفاف النيل .. أنه نوع ما من أنواع (الاستفتاح) الهين ، فأنا أرغب في بداية هذه اليوم – بالذات – ببعض المحاضر الخفيفة نوعاً ما .
كان الطريق مزدحماً بعض الشيء وتوقفنا كثيراً في الإشارات !
لحظتها اكتشفت ثاني أغرب شيء في هذا اليوم :
كل قائدي السيارات كانوا يرمقونني بنظرة غريبة وطويلة !
نعم معاليك .. كانت نظراتهم عميقة جداً لدرجة أنها اخترقت سواد نظاراتي واجتاحت سواد عيني نفسه وتبغي غزوه في شراسة ! أنها نظرات مرعبة ومخيفة للغاية !!
سابقاً وفي مثل هذه الحالة ، كان مجرد التفاتي لأي قائد سيارة كفيلة بإدارة وجهه للناحية الأخرى أو يطأطئ وجهه للأسفل .
لكن الآن كل العيون حولي مركزة إلى عيني أنا ..
ولا أنسى نظرة أحدهم وهو نحيل بالمناسبة ، نظر إلي ملياً .. فقررت صد نظراته بنظراتي الخاصة والتي تدربت عليها طويلاً من قبل ..
إلا أن حدة نظراته كانت تزيد مع الوقت ، وبدأت ابتسامة ساخرة تتوالد على شفتيه في تحد واضح منه !!
ربما هذه أول مرة أنحي فيها وجهي بعيداً هرباً من نظرات شخص آخر !!
أنقذني من هذا الموقف الصعب اخضرار أشارة المرور ومضي هذا الشاب لحاله , لحظتها بدت لي إشارة المرور هذه كأنها شجرة يانعة أتت بثمار طيب .. أنه كرامتي الشخصية يا معالي الوزير !
[align=center]* * * * *[/align]
بدأت التساؤلات تنهش عقلي وصدري بعد الموقف السابق !!
ما الذي يحدث ؟؟
هل هناك عيب في هيبتي اليوم ؟؟
كان لابد لي أن أتأكد من حجم هيبتي .. وبشدة ..
لذلك صرخت في سائق (البوكس) وأنا ألكزه في صدره بعنف :
_ أنت ماشي بالراحة كدة ليه يا حيوان أنت ؟؟ ماتشد حيلك شوية ؟؟
هنا ارتجف السائق كعادته ، وبدا الذعر على وجهه وقال :
_ أمرك يا سامي بك ، بس النهاردة (الكورنيش) زحمة شوية .
لوهلة ابتسمت في رضا ، إذن الهيبة لاتزال موجودة ..
وتنفست الصعداء لحظتها .. إلا أني تذكرت أمراً ما مهم ..
هذا السائق هو عسكري معنا في القسم وليس من المواطنين الأوغاد ، أي هو في نفس حقلي الوظيفي !
أريد التأكد من الأمر مع أحد المواطنين العاديين الأوغاد !!
بناءاً عليه أمرت السائق بالوقوف جانباً ، وترجلت أنا من (البوكس) باحثاً عن من يصلح لتجربة هيبتي عليه !
لم أطل البحث ، فقد وجدته جالساً في شرود على أريكة أمام النيل !
توجهت إليه في ثقة وأنا أرسم ملامح الجدية على وجهي ، واعدل وضع نظارتي الشمسية على وجهي ..
وبداخلي تترد أغنية وليدة في هذه اللحظة العجيبة ..
أغنية تقول :
ها أنا قادم إليك أيها الشاب الأحمق ، سأنهل من كرامتك لكي تزيد هيبتي .. كن فأر مذعوراً لكي أبدو أنا أسداً هصوراً .. كن فريسة سهلة وضحية راضخة حتى أكون أنا أعظم صياد ..
هل تتمتم معاليك بأنها لا تصلح كلمات لأغنية ؟؟
[align=center]* * * * *[/align]
وصلت للشاب ، وربت على ظهره في بطء وقلت :
- أنت قاعد لوحدك بتحب على روحك يا (حمادة) ؟؟
رفع الشاب نظره إلي في هدوء وقال :
- أنا أسمي مش (حمادة) ..
- طب (قب) بالبطاقة يا (حلاوة) عشان أعرف أسمك كويس !
- عايز بطاقتي ؟؟ طب ما تسأل على اسمي لو حضرتك مهتم أوي تعرفه ، بس برضة أسمي مش (حلاوة) ..
- لا يا خفيف .. أنا عايز بطاقتك عشان أنا ظابط .. أطلع بالبطاقة !
- كارنيهك .
- نعم يا (روح أمك) ؟؟
- احترم نفسك يا راجل أنت ، أنت شكلك كبير في السن .. يعني المفروض تتكلم كويس حتى لو كنت ظابط !! بس حضرتك عايز بطاقتي ليه يا ترى ؟؟
- مزاجي .. شكلك مش عاجبني .. شكلك مشبوه .. أبرز بطاقتك حالاً ..
- أنا شكلي مشبوه ؟؟ ماشي يا سيدي .. أنت كمان شكلك مشبوه ومش لايق عليك ظابط أبداً .. أبرز الكارنيه بتاعك عشان أتأكد منك الأول .. بعدين أوريك البطاقة بتاعتي !
هنا فقدت سيطرتي على أعصابي تماماً ..
لقد تجمع كل ما مررت به في يومي حتى الآن في يدي ، وهويت بها على خد هذا الوغد في شدة .. لدرجة أن خيط رفيع من الدم بدأ ينسال من الركن الأيسر لشفته !
بالتأكيد سيرضخ الآن ويبكي معتذراً ويطلب مني الصفح على فعلته الشنيعة هذه !!
هذه هي الطريقة الوحيدة لمعاملة المواطنين الغوغاء أمثاله ..
أنها الطريقة المثلى التي تعلمناها في كلية الشرطة للتعامل مع أفراد الشعب العصاه ! أي أنها طريقة عادية ومألوفة لا تخفى على معاليك !
إلا أنه ..
إلا أنه حدث استثناء لهذه القاعدة ..
دعني أعود بك لهذا الشاب وما قد حدث بعدها ..
[align=center]* * * * *[/align]
بعد صفعتي على وجه الشاب النزق .. وقفت أمامه منتظراً إياه لأن يبرز بطاقته !! إلا أنه وقف يرمقني في هدوء ، ويحاول – هو الآخر – أن يخترق زجاج نظارتي !! ثم رفع يده في بطء .. ومرر ظهر يده على شفته الدامية .. ثم نظر في هدوء إلى أثار الدماء عليها .. ووجه إلى نظره مرة أخرى وقال في هدوء لم أتوقعه منه :
- طلبت منك من قبل أن تحترم نفسك معي .. لكنك تجاوزت حدك !! ربما هو غباء منك .. لكن – من فضلك – لا تلم إلا نفسك !
ودون أن أفلح في فك طلاسم كلماته هذه ، أو حتى أفهم شيئاً مما قاله ..
هوى الشاب على وجهي بلكمة قوية ..
نعم معاليك ..
لقد لكمني ..
لعلك لا تصدق معاليك أمكانية حدوث هذا ..
حتى أنا لم أصدق البتة !
ولم يؤكد لي هذا إلا وقوعي على الأرض ..
وخيط الدم على شفتي ..
الأغرب من ذلك أن هذا المجرم انحنى على وجهي وأنا راقد وقال :
- ألم تفهم بعد ؟؟ لقد تعرى نسركم من كل ريش يحيط به ..
وبصق على نظارتي واستدار مغادراً المكان في هدوء كأن شيئاً لم يحدث !!
هل كان الجنون ذاته يرفرف بأجنحته فوق رأسي في هذه اللحظة ؟؟
[align=center]* * * * *[/align]
صدقني معاليك ..
لقد أصدرت كافة أوامري العصبية والعضلية لجسدي للحاق بهذا المجرم ، إلا أن هول ما حدث أصابني بشلل لحظي غير عادي ..
هل حدث ما حدث ؟؟
لقد تأثرت كرامتي وهيبتي في تلك اللحظة أكثر مما اتسخت بذلتي (الميري) من تراب أرضية (الكورنيش) القذرة ..
لقد مررت بأصعب ما يمر به ضابط شرطة ، لقد أعطيت صفعة وتلقيت لكمة يا سيدي !!
وصدقني مرة أخرى معاليك ..
مهما وصفت لك .. فلن استطيع وصف ما رأيته من وراء عيني الزجاجية المبصوق عليها ..
لقد ..
لقد رأيت النيل نفسه يسخر من سقطتي هذه ..
أهذا ممكن يا سيدي ؟؟
[align=center]* * * * *[/align]
عندما ذهبت للقسم الذي أعمل به تأكدت تماماً أن الموضوع ليس شخصي بالمرة .. لاحظت هذا في أعين الزملاء الضباط .. كلهم جاءوا بلا نظارات شمسية على الإطلاق !! نظرات أعينهم تملؤها الذهول والهلع .. ربما لم يفصح أحداً منا عما حدث له ، لكنه أمر واضح وجلي في نظراتهم !
حتى تعامل المواطنين الأوغاد اختلف تماماً .. لقد تعاملوا معناً كأننا – مجرد – موظفين حكومة نعمل لخدمتهم ..
هل تتخيل معاليك بأن مواطن حقير عادي كان يمزح مع مأمور القسم قائلاً
- مهنة ضابط الشرطة هي أسهل مهنة في بلدنا .. يكفيك مجموع 50% في الثانوية العامة لتدخل كلية الشرطة ! وعند تخرجك منها ستجد وظيفتك جاهزة لاستقبالك ، لن تتعب نفسك في عمل سيرة ذاتية وتقدمها لقسم شرطة معين تعمل به !! المسألة (سبهللة) على الأخر .
وهناك حقير أخر رفض أن يناديني باسم : سامي بك .. بل قال ببساطة : العميد سامي !!
وعندما نبهته لذلك الأمر ، قال في فجاجة وقحة :
-هل أفهم من ذلك بأنك تنادي بإسقاط الجمهورية وتنادي برجوع الملكية ؟؟
ألجمتني إجابته للغاية ، وسألته في عصبية عن السبب فيما يقوله ، فأجاب :
-من أهداف ثورة يوليو إلغاء الألقاب .. (باشا ، بك ، أفندي ، خديوي) كلها ألقاب من العهد الملكي البائد .. فهل تنادي أنت برجوع تلك الألقاب وبالتالي رجوع الملكية يا عميد سامي ؟؟
:
[align=center]* * * * *[/align]
معالي الوزير ..
تقديراً لكفاءتي الوظيفية تردد أنباء عن احتمال ترقيتي إلى رتبة (لواء) قريباً .. وهذا يعكس أشياء عديدة منها سلامة قواي العقلية أولاً !
ولكن ..
هناك شيء ما يحدث ..
هناك ظاهرة ما بدأت في الانتشار مؤخراً ..
أنهم لا يهابونا على الإطلاق ..
فقط يخشانا المسجلين الخطرين والمجرمين الاعتياديين ..
لكن باقي المواطنين لا يخشونا ..
كنت أظن أن الأمر بدأ مع زوجتي (بالمناسبة : هي من بدأت الشجار معي بالأمس ) ..
لكن هناك البواب ..
وقائدي السيارات ..
وكافة فئات المواطنين ..
هناك شيء ما يحدث ..
هناك شيء ما يحدث ..
الرجاء سرعة التدخل للحد من تلك الظاهرة الفظيعة !
وإلا اضطررت أسفاً لتبديد رصاصة من عهدتي وإفراغها في رأسي لكي يتوقف هذا الجنون ، أقله بالنسبة لي أنا .,
فنحن في خطر يا سيدي ..
صدقني يا معالي الوزير .. نحن في خطر .
أنا خائف يا سيدي ..
خائف للغاية ..
ربما وضح ذلك من ارتعاش خطي في هذا الخطاب !
فأنا أرتجف يا سيدي ..
أرجوا أن تلفت معاليك جدياً للتحقيق في أسباب هذا الكابوس ..
أرجوك يا سيدي ..
[align=center]وتقبلوا بفضول فائق الاحتراس [/align]
مقدمه لمعاليكم :
عميد / سامي مجدي .
عميد / سامي مجدي .
تعليق