إمرأة .. من وطني
لطفي زغلول
من ديوان
مدار النار .. والنوّار
2003
في عينيها ..
أقرأ إمرأة
تسكن في تاريخ الجرح ..
تلملم أشلاء الزمن الموؤود ..
بأقبية النسيان ..
تضيء فضاء نهارات
سرقوا من بين ذراعيها
من عينيها
شمسا كانت ترتاح هنيهات
في هودج مرقدها
ما عادت تصحو في غدها
في موعدها
شمسا كانت تتدلى ..
عند ضفاف الحب ..
ضفائرها الشقراء ..
تقبل موج البحر ..
تغازل فوح البيارات ..
تراقص أنسام الوديان ..
تنام الليل بأحضان الشطآن
في عينيها
أرتاد فضاءات
أصطاد إضاءات
أتوضأ بالمطر الثكلان ..
أصلي الذكرى في محراب
أقرأ آيات من تاريخ ..
ما أنزلها الوحي .. ولا سكنت صفحات كتاب
تتمرد فيه كل حروف العشق ..
على أسر الأوراق ..
تثور على لغة العشاق ..
تجدف في ألق الآفاق ..
تقيم جسورا فوق ضفاف الوهم ..
لشمس تحلم بالإشراق ..
على وطن
لا يطفىء ذكراه النسيان
في عينيها
أقرأ وطنا
كان فتيا .. كان بهيا ..
كان أبيا .. كان عصيا
في طلته يضحك نوار
في عينيه تسكن أقمار
تسبح أنسام ليل نهار
تصحوالأطيار بموعدها
تتوضأ بلجين الأنداء ..
تصلي الفجر مع الأزهار
تتغازل بيارات ..
ترقص أمواج ..
يرتاح البحر من الترحال
يمد ذراعيه ولهان ..
تقبل شفتاه الشطآن
تتكسر أجنحة الكلمات
على فمها
تتناثر أحرفها جمرا
تعصف ذكرى
تمطر شعرا
وعلى شفتيها رجع هدير صلاة ..
تتلوها جهرا خلف القضبان :
" أنا من وطن ..
مرسوم في ذاكرة الجرح ..
يضيء مداه رؤى عشق
في بوح الطير .. وفوح الزهر ..
وليل القهر .. له عنوان
أنا من وطن
مصلوب في رحم زمان
ثكل الوجدان
منفي خلف حدود الشمس ..
تجوب رؤاه مدار فضائي ..
ليل نهار ..
ويوم اغتال بغاث البحر مداه ..
سكنتُ عباءته السوداء ..
تبعتُ ظلال عصاه ..
تشق غبار ليالي التيه ..
تكابر في المجهول خطاه ..
عساها تلقي الرحل ..
على خارطة الدنيا والأوطان
في عينيها .. أقرأ وطنا
الجرح يسافر من أقصاه ..
إلى أقصاه
تلون عينيه الأحزان
خطفوه من حضن أبيه
ألقوه على قارعة المنفى والتيه
هم خطفوه .. هم أخفوه
رضعوا من أثداء الشيطان ..
الزور/ التضليل / البهتان
كذبوا في محراب التاريخ ..
على التاريخ ..
اتهموا الذئب بما اقترفته أيديهم
والذئب بريء من دمه
هم ألقوا وطني في فمه
كانوا عصبة
من إلاّهم خانوا عهدا
من الاّهم
هم باعوا الشيطان أخاهم
عشرون أخا ألقوه هناك ..
تعبُّ لياليه الكربة
في جب المنفى والغربة
يغتال التيه خطاه ..
بمحرقة النسيان
ويمر زمان بعد زمان
والموتور المحكوم عليه بالأشجان
ما زال بقاع الجب ..
وما مرت
سيارة قوم تدلي دلوا
حتى الآن
تعليق