من بهائي راغب شراب
إلى ولده الذي يقيم في الجغرافيا البعيدة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قبل أن أبدا معك مقالي .. أستحلفك بالله أن تجيب على هذا السؤال ..
هل تشك بحبنا لك ..
هل تشك بصدقنا معك ..
إن أجبت بلا .. أكمل القراءة
وإن كان جوابك .. نعم .. فلا ترهق نفسك ..
فالرسالة ليست لك .

"المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين "
حكمة بالغة ربانية ..
فأين تفر يا محمد
الغربة بحر هادر لم ينج منه إلا بحار .. قطعت يده ، أو فقدت ساقه ..
وأنَّى لك المهارة في الإبحار..
لقد وقعت في فخهم القاتل .. يحيطونك من كل اتجاه ..
يوسوسون لك ..
لو عدت سيعذبونك في غزة !
لو رجعت لن تجد ما تأكله في غزة !
لو رضيت بهم لن يرضوا بك في غزة !
سيلفظونك ويطردونك من الحياة كلها .. في غزة !
إياك والعودة إلى بيتك الدافئ .. دع أمك تنتظرك وحدها في غزة !
وليصبر أبوك على غيابك .. في غزة !

يصورون لك غزة وحشاً فاتكاً يمتص دماء الأبرياء ، ويمزق أجسادهم بدون ذنب ولا جريرة
وأنت تستمع لهم .
ترخي أذنيك لأقاويلهم وإشاعاتهم التي يخوفونك بها ..
ألا تعلم أنهم ينتقمون من الخير الذي تحمله ، فهم يدركون مدى قوتك ، وصدق إيمانك ..
ويَعون أكثر أنك ستكون جنديا وفيا لدينك ووطنك واهلك ..
سوف تصبح فارسا نبيلا هنا يقارع الأعداء .. ويلاحق المفسدين ، ويحاصر الجبناء والهاربين ..

ما زلت تستمع إليهم
من اجل ذلك أصابتك اللعنات الصغيرة ..
هم .. يذلونك في الغربة .. يحبسون حريتك ، فتعجز عن التعبير الحر عن نفسك ، ولا تقدر أن تعارضهم ..
لماذا كل ذلك ..
فلم أعهدك ضعيفا إلى هذا الدرك العميق من الظلمة الكالحة ..
لم أعهدك شهوانيا يحكمك بطنك ، ويوجهك جوعك .. ويحرفك وسواسك ..
ماذا تنتظر منهم .. هل تعتقد حقا أنهم سيكرمونك . .أو سيكافئونك ، أو سيجعلون لك أمرا ما . كإعلاء شأنك .. وهذا ما لن يفعلوه أبدا ..
فهم لم يفعلوه لأولادهم .. بل استلبوا مالديهم عندما وجدوا فيهم صحوة إيمان .. واتباع حق .. وتدبير رشد .. ودعوة إصلاح ..
نعم لن يفعلوه أبدا ... هل تعرف لماذا .. ويجب عليك معرفة لماذا ..
لأنك فلسطيني
ابن غزة
ابن الإسلام العظيم
أم تعتقد أنك شيء غير ذلك ..

لا .. يا محمد ..
لن يصيبك منهم خير قط ؟ ففاقد الشيء لا يعطيه ..
فقط هم يخادعونك لتظل أسيرا لأوهامهم ، ولترض ببقائك قاعدا مشلولا عن خدمة وطنك الذي يناديك .. وحماية أهلك الذين يحتاجونك
ألم تسمع نداء ضميرك .. أليس وطنك ضميرك ..
وإلا .. فماذا يمثل الوطن عندك ..
ودينك . وأعرفك عارفا لله حافظا لكتابة منضبطا خلوق النفس مترفعا عن الشر ..

لا زلت أعجب من استسلامك المزري لهم .. وهم لا يملكون أن يؤذوك نقيرا ،
دعهم . فتنجوا من عاقبتهم السيئة
اتركهم على عجل ، وطهر روحك من معصية وجودك حتى اليوم بينهم ..
الغربة عقاب ..
هل تتحمل البقاء فيه إلى الأبد ..
وكما هي عقاب .. هي أيضا إثم ما لم تكن لله ورسوله وللمؤمنين .

نحن هنا في بيتنا .. الذي هو بيتك .. أم نسيت انتمائك له ، وعيشك فيه ،
ألم تحلم به ... الم تحلم بان تعلي من شان بيتك واهلك ونفسك ..
أليس له مكان فيك ..
إذن ماذا فيك .. في قلبك .. في دمك .. في نفسك .. لتعطيه الأولوية والأفضلية عن بيتك ..

جميعنا ننتظرك
ننتظر كلمتك التي تشوقنا لسماعها منك
كلمتك التي تُعْلِمَنا فيها بأنك قد تحررت من سيطرتهم الوهمية الهلامية عليك ..
عد إلينا وكن منا
فأنت منا .. ومازلت منا .. فلا تغادرنا بغربتك القاتلة

الحصار علينا هنا حديقة وارفة الظلال ، مقارنة بغربتك الجاهلة .. لا تدعهم يواصلون سيطرتهم عليك .. ولا تدع الضباب يطمس على بصيرتك .. أنظر بقلبك .. واستمع لصوت الدم وهو يجري في شرايينك .. ماذا يقول لك دمك المسلم ، وماذا يخبرك قلبك المسلم ..

انتفض بكل جوارحك وأحاسيسك
واعلم أننا نحبك
جميعنا نحمل هذا الشعور المقدس تجاهك ..
هل تجد في الغربة من يحبك مثلنا ..
ارجع لدينك .. وزن موقفك بميزان الدين وميزان الضمير وميزان الرضا

وأسال نفسك سؤالا واحدا ..

إلى متى
إلى متى

وننتظر الجواب منك الذي يريحك .. ويريحنا
جواب الكرامة لا الجوع
جواب العزة لا المذلة
جواب التوكل على الله .. لا التواكل
رغيف الخبز لا يساوي في عمر الإنسان لحظة من الحياة يعيشها بصدق وإيمان وقوة ووفاء وفروسية وجهاد وشرف

رغيفك في الغربة مسموم
ورغيفك هنا يحتضنك ويدافع عنك ويحميك من شر الغزاة والمارقين ..

والأمر .. صدقني لن يعجزك .. فقط أصدر قرارك الوحيد الممكن والطبيعي ، انك ستعود والآن قبل فيما بعد .. لأنه لا يوجد في مثل هذا المواقف .. " فيما بعد "
فمثل هذا القرار ...
لا يؤجل أبدا
فانج بنفسك وروحك ودينك ومستقبلك وسمعتك
لا تنتظر ..
وعد إلينا الآن .. ولو فقيرا
يغنك الله من فضله .
فعندنا لا يموت فقير
ولا يُهان كريم
ولا يُمَسُ شريفٌ بسوء
فتوكل على الله يا ولدي .. هو المستعان على ما يصف المجرمون .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته