الأميرة ( تبكى وهى على سريرها .. الحكيم يحاول معها )
: وبعد يا أميرتنا الحلوة .. ما خلقت هاتان العينان لملح الدمع الحارق . مرت ساعة .. بل ساعات ، وأنا أنتظرك ، لا أرجو سوى فك حصار الصمت ؛ فلتتكلم مولاتى ، تطالعنى بعينيها ؛ فلتومىء ، أو تزجر ، أو حتى تبصق إن شاءت !!
: ( تبكى ) خلصنى يا أبتى .. خلصنى ؛ فالدنيا ما عادت غير ظلام وهواجس !
: الله .. ما أحلى هذا الصوت ، ما أجملها النبرات .. تغريد بلابل تزف الفجر ليطيح بليل داهم .. بنيتى .. منذ متى و أنت على هذى الحال ، فلأحضر لك مرآة .. أين المرآة ؟ هاهي ذي ( يلتقط المرآة ) فلتنظر مولاتى .. أنت عندي في منزلة وليدي .. هذا الوجه المشرق مثل الصبح الفائر، من دوخ ملكا من أعتي ملوك الدنيا ، لو يعبس تزلزل أركان الملك ، لو يضحك تنبت غيطان سنابلها ذهب وزبرجد ، لو لم يكن لأصبح هذا العالم كثقب الإبرة .
: ليتني أموت لأريح العالم !!
: بنيتي .. لماذا اليأس ؟
: لا أعرف
: هل لى خاطر عندك ؟
: ( تراه لأول مرة ) أنت في منزلة الوالد !
: إن كنت كذلك حقا ؛ فلي حق الطاعة !!
: مرني يا أبتى !
: عفوا لا أقصد ، عشمي ، أن تنظر مولاتى فى المرآة ، مجرد نظرة !
: وماذا بعد ؟
: لا بعد .. أتعشم ألا أخذل ، أو يعققني ولدى !!
: أمرك يا أبتى . هات المرآة . ليس جديدا . نفس الوجه ، الأنف ، العينان الذابلتان ، الشعر الأجعد .. فقط لا أرى للوجه بريقا أو نارا تترنح ؛ فالصفرة تكسوه ، وبعض خطوط أسفل عيني !!
: ( لنفسه ) سأطلق تخميني ؛ وأرجو ألا يذهب عبثا ( لها ) حين كانت هند بنيتى فى مقتبل العمر ، تحاكى الوردة ، تتخفى فى زى صبى أمرد ، وتحمل قوسا ونشابا ، وتصهل فوق حصان أرعد ، حتى أنى نسيت تماما ، تلك الأنثى هند . فى يوم خلعت هند الزى الفارس ، بحثت فجأة ، فى صندوق الأم ، عن ثوب ، وعقصت بعض شعيرات فوق جبين أقمر ، وراحت من ثقب في خيمتنا ترقب !
كنت أتابعها ، وأتعجب . كان حصان يصهل قرب الخيمة .. وحين صرخت في
صدري الدهشة ، نظرتُ ؛ فأبصرت حصانا فى ظله فارس !
: ( يزداد بريق العينين ) هيه .. أكمل يا أبتى !
: قلت ما عندي .. هل أعجبك ؟
: أكمل يا أبتى .. ماذا فعلت هند .. ماذا عن الفارس .. وماذا عنك ؟
: ما أقصد ، وغاية ما أذهب ، كيف أعاد الفارس لهند كينونتها ، خلصها من زيف تنكرها ، أسكنها حقيقتها الأنثى !
: ( تترك السرير بحيوية ) رجاء .. تكمل يا أبتى !!
: ( يتحرك للخلف ، ويمد ذراعيه لتأخذ ذراعي الأميرة ) غاب الفارس يوما .. أياما ، وامتد الحبل لشهر ، قولي اثنين ، شهور ، وكل نهار ، تتزين هند ، بقلب نابض ، وأمام الخيمة ترقب ، والشوق يحلق خلف طيور الصحراء ؛ فتُحمله رسائلها.. لم تيأس هند ؛ فاليأس موت ، والموت تلاشى ، سحابة تدفعها الريح .. كل نهار تهرع .. الوجه قبس من نور الله ، والعينان بحر يسبح فيه المحبوب ، والخدان صهد النفس المشتاقة ، وسماء الربع تظللها طيور خضر ..............!
: ( يتغير كل شيء فيها ، تزول الصفرة ، وتتهلل ) وبعد .. أنت تعذبني !
: لا بعد .. هل تطمع هند في أكثر من ذلك ؟
: الفارس غايتها !!
: والفارس قادم مهما طال غيابه ، وهند تعرف أنه قادم !
: تعرف ؟
: نعم .. إلا إذا !!
: أبتى ( ترجوه وتجذبه كطفلة ) روحي ترتج ، وتصهل فى قلبي أفراس كانت خامدة !!
: إلا إذا مال لأخرى ، أو قنصه ملك الموت !!
: ماذا عن هند .. ماذا عنها ؟
: وماذا عنك ؟
: ( تنفجر فى البكاء ، وتلقى بنفسها بين ذراعيه )
: ميمونة .. ميمونة .
: ( مسرعة تدخل ) مولاي ( تبصر سيدتها واقفة ) الله .. يا قدم السعد .. سيدتي تقف وسط الحجرة .. أنا في علم أم في كابوس أهذى !!
: كوبا من ماء .. هيا بسرعة !
: أمرك ( تهرع وتعود بكوب الماء . يجرعها الحكيم الماء ) هيا ؛ فلتشرب مولاتى !!
: ( تهدأ ، تتماسك بينا ميمونة تمسح على كتفها بفرح ) ميمونة هيا .. وسوف أناديك حين أعوزك .. هيا ( تخرج ميمونة غير مصدقة )
: فلتجلس مولاتى ، فكلى آذان تسمع !!
: عدنى ؟
: أعدك .. بماذا أعدك ؟
: كتمان الأمر !!
: أعدك مهما كان الأمر ، لن يعرف ما تم فى هذى الحجرة مخلوق .. طير أو حيوان ، أو إنسان ، أو حتى ذرة رمل !!
: أحبه يا أبتى ، ونار الشوق تدمى قلبى ، تعصرني عصرا .. كان أمامي ليل نهار . حين تطل خيوط النور على وجهي أعرفه ، فأحلق بين طيور الوديان ،لا يدركنى النوم مهما جثم الليل ، إلا على لمس يديه ، وبحة صوت الكروان !
: إنسان لا يحب ، إنسان لا يعيش !!
: ها أنا فى بئر أسقط .. اختطفوني منه .. سرقوا صبحي ونجومي .. سرقوا عمري .. كل سنيني ، ألقوا بي في جب الموت !!
: لهذا الحد ؟
: لماذا كنت خيار مليككم الوضاح ؟
: الحب !!
: من دون بنات الدنيا ؟
: نعم !
: الحب .. أن تخطف مالا تملك ؟
: لا يعرف !
: لم لم يسأل ؟
: من يسأل من ؟ الملوك لا تسئل !!
: بالأمر نساق ؟
: نعم !!
: كأسد الغابة تفترس و لا تسئل ؟
: هكذا عاهدناهم منذ قديم !!
: فماذا أفعل ؟ إني فى شوق للآخر ، أبغى رؤيته ، وصورته تلازمني ليل نهار ، تلازمني ، فلا تتركني حتى أنهار ، وتسوخ الروح !
: ليكن الأمل رفيق أميرتنا !!
: ألا يقتله الوحش المتربص حتى تشفى فريسته ؟
: لو يتخلى الوحش عن أمله فى قنص فريسته يوما ، أزاغت عينه أخرى !!
: فلأقتله فيه !!
: إن كان بصدرك أقوى نحو الآخر . هيا أفيقي .. نلت الجنة .. الملك . والملوك لديهم ماهو أثمن من قلب امرأة !!
: ينتظر شفائى .. لا ترضيه فريسته الهزلاء .. كل مساء يقف أمامي بعين تملؤها الرغبة !!
: ماذا لو أظهرت بعض الرفق ؟
: بعض الرفق بمن ؟ وأنا لا أملك أمري يا أبتى !!
: بنيتى .. هذا ملك من أقوى ملوك الأرض .. يأمر فيطاع !!
: إني طوع بنانه ؛ فليأخذني حين يشاء ؛ لكن الأسد لا تسكرها فريسة ينخرها الموت !!
: رأيت الحب يندى عينيه . حاول غض الطرف . حملوا إليه نساء أجمل منك ، وأرشق ، أطوع منك ، وأرفق .. لكن !!
: هذى دنياه ؛ فليطلقني يا مولاي
: لم أكمل بعد .. ماآل إليه ترقب هند . لم يعد الفارس ، وجاءت أخبار عن موته . مرضت هند قليلا ، وتعافت .. ثم وقف بباب الخيمة شاب ، مد يديه ليأخذها زوجا .. لم يرحل وحده .. كانت فى هودجه هند !!
: ( فجأة تقهقه ، ترتمى على السرير، وبمرارة ) أنت تراودني .. تروضني له ؟
: ما خطر ببالي لحظة ؛ فأنا ما جئت إلا لأقيلك من عثرتك !!
: ألست حكيم الملك ؟
: وحكيما للناس
: ناس .. الناس المقتلون بأبشع أنواع التعذيب .. الجوع . هاهم صرعى يحطون لحمده . اسمع .. هذى أصوات الحمد .. فلتسمع . آهات .. وبكاء ، وصراخ . اسمع دعوات بالموت على من أشقاهم .. وحكيم الناس يروض امرأة لمليكه كي تعرى وتدخل فى لحمه !
: لا .. لا تقسي على .. أنا أنا ...................!
: من للناس إذن سيدنا ، يعلمهم ، يضبط إيقاع الغضبة ، يدفعهم صوب الحق ، أو يحمل للملك الشكوى ، يتهدده ، يتوعده إن أسرف أو أخطأ ، لا .. لا أن يلهو بجارية حتى الموت !!
: ( يدور منفعلا هنا وهناك ، ثم ينظر إليها ، ويدور ثانية ، يعطيها ظهره ) حين سام الناس الخسف ، لم يستثن أحدا ، العلماء .. الشعراء ..الأمراء .. العقلاء .. الحكماء . لم يستثن أحدا
: حتى أنت .. أليس كذلك ؟
: حين يحط الجوع ، ويُترك أمر الأسواق ، والأعمال للسفلة ، ينام الناس فى الطرقات ، يتعفن فيهم هذا الأمل باليوم القادم ، بالطفل القادم ، بالرزق القادم ، تتفشى حمى الحقد المسموم ، ويشد العقلاء ركابهم صوب الأنفع ؛ فالجوعى لن تشبعهم حكمة أو أشعار أو علم نافع .. وتكون المعركة الحاسمة بين طرا ئد سيدنا.. من يشلح ثوبه ، من يضع اللقمة بين الأنياب ، يهدهده حتى يشاكسه النوم ، يشعل نقمته صوب الآخر.. كل يتجمل ؛ حتى يسحق غيره ؛ لتعلو صورته ، ويصبح نجم نجوم الموكب !!
: ياللمأساة !!
: كان على أن أختار .. أكون أو لا أكون !!
: بل قل .. تهون أو لا تهون !!
: هل كان علي أن أختار الموت ؟
: هذا أكرم !!
: أكرم .. أن يسحقني الأعجز ، وينال الحظوة والجاه ؟
: بئس الحظوة ما نلت ياسيدنا .. قتلت الناس جميعا !!
: لم أقتل أحدا .. لا .. لم أقتل أحدا . كان دفاعا مشروعا .. كان ذكاء !
: أي ذكاء .. هيا ياأبتى ؛ فوجودك يشعرني بالغثيان !!
: سيدتى .. لا تهيني شيخا في منزلة أبيك .. فأنا ............. أنا ( يبكى منهارا )
: ( تفاجأ ، تسرع إليه ، تسترضيه ) أرجو معذرتك .. لم أقصد .. لكنى سئمت حياتي .. لمسته تقتلني ، نظرته تعريني ؛ فيعيث الرجس بروحي ، ويدوى نعيق غراب ياخاطئة .. يا .............!
: فداك نفسي .. نعم الموت أكرم من تلويث الروح ، وقهر العزة . بعض لقيمات تقمن الأود ، وشربة ماء ، هذا زاد الحكماء .. أراه الآن أكرم ، فى حضرتك الليلة أكرم .. أعظم مما يتصور رجل مثلي ، ضل طريقه ، وهوى فى جب مليك طاغية لا يعنيه الناس .. من رفعوه .. وصنعوا منه إلها يعبد .. نعم هو الآن أكرم .. ها أنا ذا أرفع عن عيني غماء .. وعن روحي أهدم أسوارا رفعت حين الخوف تلبسني ( يبكى )
: أو تبكى يا أبتى ( تبكى ) اصفح عنى ؛ فأنا ما عدت البنت الـ ............!
: بعض دموع .. أتطهر ، وأخلص روحي من رجس صنيعي ، إني أخلق .. أنت مخلصتي ، ومنذ اليوم سيعلو صوت الحق ، ولكن ، بوقار حكيم ، أشبعه الله من الفيض النوراني .. فلنعقد صفقة !!
: صفقة ياسيدنا ؟!!
: إنى رأيت الصدق جوادا يركض فى غيط ناضر ، ولمحت الكلمات على شفيتك طيورا تبغي عشا ، ترجو حبا، ونباتا ، وفضاء أرحب ، لا تحكمه صقور الملك الوضاح !!
: حلم يتجدد حين الشمس تقبل وجه العالم !!
: والحلم السابح فى ظلمات النفس ، يعذبها ، يرجو فكاكا .. وحياة ؛ ليحط على أرض الله ، إما بالقوة إما بالـ .........
: الله يا شيخ الحكماء .. رويت الروح بقطرات من وهج الحكمة
: بل قولي من وهج الحب !!
: فلنعقدها الآن .. تلك الصفقة .. وفورا !!
: وبعد يا أميرتنا الحلوة .. ما خلقت هاتان العينان لملح الدمع الحارق . مرت ساعة .. بل ساعات ، وأنا أنتظرك ، لا أرجو سوى فك حصار الصمت ؛ فلتتكلم مولاتى ، تطالعنى بعينيها ؛ فلتومىء ، أو تزجر ، أو حتى تبصق إن شاءت !!
: ( تبكى ) خلصنى يا أبتى .. خلصنى ؛ فالدنيا ما عادت غير ظلام وهواجس !
: الله .. ما أحلى هذا الصوت ، ما أجملها النبرات .. تغريد بلابل تزف الفجر ليطيح بليل داهم .. بنيتى .. منذ متى و أنت على هذى الحال ، فلأحضر لك مرآة .. أين المرآة ؟ هاهي ذي ( يلتقط المرآة ) فلتنظر مولاتى .. أنت عندي في منزلة وليدي .. هذا الوجه المشرق مثل الصبح الفائر، من دوخ ملكا من أعتي ملوك الدنيا ، لو يعبس تزلزل أركان الملك ، لو يضحك تنبت غيطان سنابلها ذهب وزبرجد ، لو لم يكن لأصبح هذا العالم كثقب الإبرة .
: ليتني أموت لأريح العالم !!
: بنيتي .. لماذا اليأس ؟
: لا أعرف
: هل لى خاطر عندك ؟
: ( تراه لأول مرة ) أنت في منزلة الوالد !
: إن كنت كذلك حقا ؛ فلي حق الطاعة !!
: مرني يا أبتى !
: عفوا لا أقصد ، عشمي ، أن تنظر مولاتى فى المرآة ، مجرد نظرة !
: وماذا بعد ؟
: لا بعد .. أتعشم ألا أخذل ، أو يعققني ولدى !!
: أمرك يا أبتى . هات المرآة . ليس جديدا . نفس الوجه ، الأنف ، العينان الذابلتان ، الشعر الأجعد .. فقط لا أرى للوجه بريقا أو نارا تترنح ؛ فالصفرة تكسوه ، وبعض خطوط أسفل عيني !!
: ( لنفسه ) سأطلق تخميني ؛ وأرجو ألا يذهب عبثا ( لها ) حين كانت هند بنيتى فى مقتبل العمر ، تحاكى الوردة ، تتخفى فى زى صبى أمرد ، وتحمل قوسا ونشابا ، وتصهل فوق حصان أرعد ، حتى أنى نسيت تماما ، تلك الأنثى هند . فى يوم خلعت هند الزى الفارس ، بحثت فجأة ، فى صندوق الأم ، عن ثوب ، وعقصت بعض شعيرات فوق جبين أقمر ، وراحت من ثقب في خيمتنا ترقب !
كنت أتابعها ، وأتعجب . كان حصان يصهل قرب الخيمة .. وحين صرخت في
صدري الدهشة ، نظرتُ ؛ فأبصرت حصانا فى ظله فارس !
: ( يزداد بريق العينين ) هيه .. أكمل يا أبتى !
: قلت ما عندي .. هل أعجبك ؟
: أكمل يا أبتى .. ماذا فعلت هند .. ماذا عن الفارس .. وماذا عنك ؟
: ما أقصد ، وغاية ما أذهب ، كيف أعاد الفارس لهند كينونتها ، خلصها من زيف تنكرها ، أسكنها حقيقتها الأنثى !
: ( تترك السرير بحيوية ) رجاء .. تكمل يا أبتى !!
: ( يتحرك للخلف ، ويمد ذراعيه لتأخذ ذراعي الأميرة ) غاب الفارس يوما .. أياما ، وامتد الحبل لشهر ، قولي اثنين ، شهور ، وكل نهار ، تتزين هند ، بقلب نابض ، وأمام الخيمة ترقب ، والشوق يحلق خلف طيور الصحراء ؛ فتُحمله رسائلها.. لم تيأس هند ؛ فاليأس موت ، والموت تلاشى ، سحابة تدفعها الريح .. كل نهار تهرع .. الوجه قبس من نور الله ، والعينان بحر يسبح فيه المحبوب ، والخدان صهد النفس المشتاقة ، وسماء الربع تظللها طيور خضر ..............!
: ( يتغير كل شيء فيها ، تزول الصفرة ، وتتهلل ) وبعد .. أنت تعذبني !
: لا بعد .. هل تطمع هند في أكثر من ذلك ؟
: الفارس غايتها !!
: والفارس قادم مهما طال غيابه ، وهند تعرف أنه قادم !
: تعرف ؟
: نعم .. إلا إذا !!
: أبتى ( ترجوه وتجذبه كطفلة ) روحي ترتج ، وتصهل فى قلبي أفراس كانت خامدة !!
: إلا إذا مال لأخرى ، أو قنصه ملك الموت !!
: ماذا عن هند .. ماذا عنها ؟
: وماذا عنك ؟
: ( تنفجر فى البكاء ، وتلقى بنفسها بين ذراعيه )
: ميمونة .. ميمونة .
: ( مسرعة تدخل ) مولاي ( تبصر سيدتها واقفة ) الله .. يا قدم السعد .. سيدتي تقف وسط الحجرة .. أنا في علم أم في كابوس أهذى !!
: كوبا من ماء .. هيا بسرعة !
: أمرك ( تهرع وتعود بكوب الماء . يجرعها الحكيم الماء ) هيا ؛ فلتشرب مولاتى !!
: ( تهدأ ، تتماسك بينا ميمونة تمسح على كتفها بفرح ) ميمونة هيا .. وسوف أناديك حين أعوزك .. هيا ( تخرج ميمونة غير مصدقة )
: فلتجلس مولاتى ، فكلى آذان تسمع !!
: عدنى ؟
: أعدك .. بماذا أعدك ؟
: كتمان الأمر !!
: أعدك مهما كان الأمر ، لن يعرف ما تم فى هذى الحجرة مخلوق .. طير أو حيوان ، أو إنسان ، أو حتى ذرة رمل !!
: أحبه يا أبتى ، ونار الشوق تدمى قلبى ، تعصرني عصرا .. كان أمامي ليل نهار . حين تطل خيوط النور على وجهي أعرفه ، فأحلق بين طيور الوديان ،لا يدركنى النوم مهما جثم الليل ، إلا على لمس يديه ، وبحة صوت الكروان !
: إنسان لا يحب ، إنسان لا يعيش !!
: ها أنا فى بئر أسقط .. اختطفوني منه .. سرقوا صبحي ونجومي .. سرقوا عمري .. كل سنيني ، ألقوا بي في جب الموت !!
: لهذا الحد ؟
: لماذا كنت خيار مليككم الوضاح ؟
: الحب !!
: من دون بنات الدنيا ؟
: نعم !
: الحب .. أن تخطف مالا تملك ؟
: لا يعرف !
: لم لم يسأل ؟
: من يسأل من ؟ الملوك لا تسئل !!
: بالأمر نساق ؟
: نعم !!
: كأسد الغابة تفترس و لا تسئل ؟
: هكذا عاهدناهم منذ قديم !!
: فماذا أفعل ؟ إني فى شوق للآخر ، أبغى رؤيته ، وصورته تلازمني ليل نهار ، تلازمني ، فلا تتركني حتى أنهار ، وتسوخ الروح !
: ليكن الأمل رفيق أميرتنا !!
: ألا يقتله الوحش المتربص حتى تشفى فريسته ؟
: لو يتخلى الوحش عن أمله فى قنص فريسته يوما ، أزاغت عينه أخرى !!
: فلأقتله فيه !!
: إن كان بصدرك أقوى نحو الآخر . هيا أفيقي .. نلت الجنة .. الملك . والملوك لديهم ماهو أثمن من قلب امرأة !!
: ينتظر شفائى .. لا ترضيه فريسته الهزلاء .. كل مساء يقف أمامي بعين تملؤها الرغبة !!
: ماذا لو أظهرت بعض الرفق ؟
: بعض الرفق بمن ؟ وأنا لا أملك أمري يا أبتى !!
: بنيتى .. هذا ملك من أقوى ملوك الأرض .. يأمر فيطاع !!
: إني طوع بنانه ؛ فليأخذني حين يشاء ؛ لكن الأسد لا تسكرها فريسة ينخرها الموت !!
: رأيت الحب يندى عينيه . حاول غض الطرف . حملوا إليه نساء أجمل منك ، وأرشق ، أطوع منك ، وأرفق .. لكن !!
: هذى دنياه ؛ فليطلقني يا مولاي
: لم أكمل بعد .. ماآل إليه ترقب هند . لم يعد الفارس ، وجاءت أخبار عن موته . مرضت هند قليلا ، وتعافت .. ثم وقف بباب الخيمة شاب ، مد يديه ليأخذها زوجا .. لم يرحل وحده .. كانت فى هودجه هند !!
: ( فجأة تقهقه ، ترتمى على السرير، وبمرارة ) أنت تراودني .. تروضني له ؟
: ما خطر ببالي لحظة ؛ فأنا ما جئت إلا لأقيلك من عثرتك !!
: ألست حكيم الملك ؟
: وحكيما للناس
: ناس .. الناس المقتلون بأبشع أنواع التعذيب .. الجوع . هاهم صرعى يحطون لحمده . اسمع .. هذى أصوات الحمد .. فلتسمع . آهات .. وبكاء ، وصراخ . اسمع دعوات بالموت على من أشقاهم .. وحكيم الناس يروض امرأة لمليكه كي تعرى وتدخل فى لحمه !
: لا .. لا تقسي على .. أنا أنا ...................!
: من للناس إذن سيدنا ، يعلمهم ، يضبط إيقاع الغضبة ، يدفعهم صوب الحق ، أو يحمل للملك الشكوى ، يتهدده ، يتوعده إن أسرف أو أخطأ ، لا .. لا أن يلهو بجارية حتى الموت !!
: ( يدور منفعلا هنا وهناك ، ثم ينظر إليها ، ويدور ثانية ، يعطيها ظهره ) حين سام الناس الخسف ، لم يستثن أحدا ، العلماء .. الشعراء ..الأمراء .. العقلاء .. الحكماء . لم يستثن أحدا
: حتى أنت .. أليس كذلك ؟
: حين يحط الجوع ، ويُترك أمر الأسواق ، والأعمال للسفلة ، ينام الناس فى الطرقات ، يتعفن فيهم هذا الأمل باليوم القادم ، بالطفل القادم ، بالرزق القادم ، تتفشى حمى الحقد المسموم ، ويشد العقلاء ركابهم صوب الأنفع ؛ فالجوعى لن تشبعهم حكمة أو أشعار أو علم نافع .. وتكون المعركة الحاسمة بين طرا ئد سيدنا.. من يشلح ثوبه ، من يضع اللقمة بين الأنياب ، يهدهده حتى يشاكسه النوم ، يشعل نقمته صوب الآخر.. كل يتجمل ؛ حتى يسحق غيره ؛ لتعلو صورته ، ويصبح نجم نجوم الموكب !!
: ياللمأساة !!
: كان على أن أختار .. أكون أو لا أكون !!
: بل قل .. تهون أو لا تهون !!
: هل كان علي أن أختار الموت ؟
: هذا أكرم !!
: أكرم .. أن يسحقني الأعجز ، وينال الحظوة والجاه ؟
: بئس الحظوة ما نلت ياسيدنا .. قتلت الناس جميعا !!
: لم أقتل أحدا .. لا .. لم أقتل أحدا . كان دفاعا مشروعا .. كان ذكاء !
: أي ذكاء .. هيا ياأبتى ؛ فوجودك يشعرني بالغثيان !!
: سيدتى .. لا تهيني شيخا في منزلة أبيك .. فأنا ............. أنا ( يبكى منهارا )
: ( تفاجأ ، تسرع إليه ، تسترضيه ) أرجو معذرتك .. لم أقصد .. لكنى سئمت حياتي .. لمسته تقتلني ، نظرته تعريني ؛ فيعيث الرجس بروحي ، ويدوى نعيق غراب ياخاطئة .. يا .............!
: فداك نفسي .. نعم الموت أكرم من تلويث الروح ، وقهر العزة . بعض لقيمات تقمن الأود ، وشربة ماء ، هذا زاد الحكماء .. أراه الآن أكرم ، فى حضرتك الليلة أكرم .. أعظم مما يتصور رجل مثلي ، ضل طريقه ، وهوى فى جب مليك طاغية لا يعنيه الناس .. من رفعوه .. وصنعوا منه إلها يعبد .. نعم هو الآن أكرم .. ها أنا ذا أرفع عن عيني غماء .. وعن روحي أهدم أسوارا رفعت حين الخوف تلبسني ( يبكى )
: أو تبكى يا أبتى ( تبكى ) اصفح عنى ؛ فأنا ما عدت البنت الـ ............!
: بعض دموع .. أتطهر ، وأخلص روحي من رجس صنيعي ، إني أخلق .. أنت مخلصتي ، ومنذ اليوم سيعلو صوت الحق ، ولكن ، بوقار حكيم ، أشبعه الله من الفيض النوراني .. فلنعقد صفقة !!
: صفقة ياسيدنا ؟!!
: إنى رأيت الصدق جوادا يركض فى غيط ناضر ، ولمحت الكلمات على شفيتك طيورا تبغي عشا ، ترجو حبا، ونباتا ، وفضاء أرحب ، لا تحكمه صقور الملك الوضاح !!
: حلم يتجدد حين الشمس تقبل وجه العالم !!
: والحلم السابح فى ظلمات النفس ، يعذبها ، يرجو فكاكا .. وحياة ؛ ليحط على أرض الله ، إما بالقوة إما بالـ .........
: الله يا شيخ الحكماء .. رويت الروح بقطرات من وهج الحكمة
: بل قولي من وهج الحب !!
: فلنعقدها الآن .. تلك الصفقة .. وفورا !!
تعليق